جامعات حكومية بطابع تجاري وبنية منهكة

mainThumb
جامعات حكومية بطابع تجاري وبنية منهكة

09-06-2025 10:30 AM

printIcon

د. سلطان إبراهيم العطين

في مشهد لا يخلو من المفارقة، تدخل الجامعات الحكومية ميدان المنافسة مع القطاع الخاص، لا من أجل النهوض بجودة التعليم، بل من بوابة “البرنامج الموازي” و”البرنامج الدولي”، حيث تحولت هذه الجامعات إلى مشاريع استثمارية بامتياز، تقدم الشهادات كما تُقدم السلع الموسمية في أسواق التخفيضات.فبدلاً من التركيز على رسالتها الوطنية في التعليم والبحث، راحت الجامعات الرسمية تلاحق الإيرادات، وتُزايد على الجامعات الخاصة في أسعار المقاعد ومواقع الإعلانات، إلى أن أصبح الطالب مجرد رقم في دفتر المقبوضات، وكل قاعة دراسية مشروعاً مالياً ينتظر التحصيل.

البنية التحتية، التي بالكاد كانت تكفي طلبة البرنامج العادي، أصبحت متهالكة أمام سيل الأعداد المتزايدة، والقاعات ضاقت، والمرافق خنقت، وأعضاء الهيئة التدريسية يطاردون بين البرامج كما يطارد موظف المناوبات بين الورديات، وسط إدارة ترى في هذا الإنجاز دليلاً على “المرونة المؤسسية”.أما الطالب، الذي جاء يبحث عن بيئة تعليمية حقيقية، فيجد نفسه بين مدرج مكتظ ومختبر لا يتسع، ومحاضرة مقتضبة لتسريع الجدول الزمني، كل ذلك ضمن حزمة يدفع ثمنها مضاعفاً تحت عنوان “البرنامج الموازي”.

والمفارقة أن هذه التجربة، التي تُقدّم على أنها تطوير، تتجاهل تماماً مفهوم العدالة التعليمية، إذ أصبحت المقاعد النوعية حكراً على من يملك القدرة المالية، فيما تتقلص فرص التفوق والتخصص لمن لا يملك إلا الرغبة والاجتهاد.وهكذا، أصبحت الجامعات الحكومية تشبه السوق المفتوحة، تتسابق فيها الإدارات على استقطاب الطلبة، لا لتميزهم، بل لما يملكون من رسوم، في سباق تتلاشى فيه القيم الأكاديمية خلف جدول الإيرادات.

ربما لا أزمة في أن تسعى الجامعات إلى مصادر تمويل، لكن الأزمة حين تتخلى عن وظيفتها التربوية وتتحول إلى كيان يحاكي السوق من دون أن يحترم قواعده، ولا يلتزم بمبادئ الشفافية والجودة والمساءلة.في النهاية، يجد الطالب نفسه أمام مؤسسة تقدم له مقعداً بلا مساحة، وتعليماً بلا روح، ومستقبلاً معلقاً في هوامش موازية، فيما تستمر الخطط بتوسيع البرامج، وكأن الشأن الأكاديمي مجرد بند في موازنة مالية تبحث عن التوازن