أخبار اليوم - في الثانية عشرة من عمرها، تحاول رؤى غازي طالب أن تفهم ما تعنيه كلمة 'حرب'، لكنها كلما تذكرت صوت الطائرات، أو منظر الحطام، أو حرمانها من عائلتها، عرفت أنها لا تحتاج إلى شرح.
رؤى، من سكان منطقة الكرامة شمال غزة، كانت تقضي أيامها في الدراسة والرسم واللعب مع شقيقيها، حتى جاء الأسبوع الثاني من الحرب، فانهارت حياتها فجأة، ووجدت نفسها مع عائلتها تنزح نحو المجهول.
تقول رؤى بصوت خافت لصحيفة 'فلسطين': 'في الأسبوع الثاني من الحرب، اتخذت عائلتي قرار النزوح. خفت كثيرًا، كنت ماسكة إيد أمي وقلبي يدق بسرعة، وما كنت أعرف لوين رايحين.'
نزحت العائلة إلى مخيم النصيرات، إلى بيت جدّها لأمها، وهو بيت صغير لا يتّسع لأعداد كبيرة، لكنه كان أكثر أمانًا من القصف الذي كان يلتهم الكرامة بيتًا بيتًا.
تصف رؤى كيف غيّرت الحرب ملامحها الصغيرة: 'كنت أحب ألبس فساتين، أرتّب شعري، وأرسم.. بس لما وصلنا النصيرات، صار همي كيف أنام وما نخاف، وكيف نأكل، وكيف ما نبكي قدام أمي.'
وفي الثامن من ديسمبر 2023، ومع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، دوّى انفجار عنيف في حي سكني هادئ بدأ يعتاد على أصوات الموت. وفي لحظة، تحولت العمارة إلى ركام.
فصواريخ الطائرات الحربية الإسرائيلية لم تُبقِ من العائلة شيئًا؛ والدها، والدتها، وشقيقيها استُشهدوا جميعًا. وحدها بقيت على قيد الحياة، ولكن بلا عائلة.
تسرد رؤى أحداث ذلك اليوم بصوت يخنقه الحزن، وهي تروي لحظات النجاة من المجزرة:
'قبل أن أخرج من البيت ودّعت أمي دون قصد، قلت لها: باي باي، أشوف وجهكم على خير. وبعدها بدقائق قليلة خرجت مع بنت خالي لشراء بعض السكاكر، وبعدها صار كل شيء أسود... بعدين صمت، وبكيت، وما كان فيه حد يسمعني.'
وحين عادت لتطمئن على عائلتها، وجدت جسد والدها ملقى فوق سطح عمارة مجاورة، والدتها نُزعت يدها، وشقيقتها الصغرى نُزع منها نصف الجسد. كان الدمار أعمق من الحجر.. طال القلب والروح.
منذ تلك الليلة، بات أهل المخيم يطلقون عليها لقب 'الناجية الوحيدة'، وهو لقب يحمل من الألم ما لا تستطيع الكلمات وصفه. فالحياة بعد المجزرة لم تعد كما كانت؛ البيت غاب، والضحكات تلاشت، والعائلة أصبحت ذكرى.
منذ أن فقدت أسرتها في تلك اللحظة الدامية، اختُزل عمرها إلى ركام. باتت رؤى تتنقل بين بيوت عمّاتها، تحمل في عينيها وجعًا أكبر من عمرها، تعيش رهينة ذكريات موجعة، وفي قلبها اشتياق لا يُروى.
وتقول إنها كانت تنتظر بصمت اليوم الذي تضع فيه الحرب أوزارها، وتحلم بالعودة إلى حضن دافئ يربّت على وجعها، إلى جدتها التي بقيت لها من رائحة والديها.. إلى صدر والدة أبيها، حيث لا قصف، ولا صواريخ، بل شيء من الأمان يشبه العائلة التي رحلت.
وتتحدث زوجة عمها، هويدة طالب، قائلة: 'رغم مرور الوقت، لا تنفك عن التعلق بكل ما يربطها بوالديها، تمسك هاتفي وتقلب صورهما القديمة، تتأمل وجهيهما المضيئين في لحظات عابرة من حياة لم تكتمل، تفتح حساباتهما على مواقع التواصل الاجتماعي، تبحث عن منشوراتهما، أصواتهما، ضحكاتهما، تقرأ تعليقاتهما وكأنها تتحدث إليهما من جديد.'
وتتابع: 'والدها، الذي كان يكتشف موهبتها في الرسم ويشجعها على التعبير عمّا بداخلها بالألوان والخطوط، رحل مبكرًا. لكنها لم تتوقف عن الرسم. ففي كل مرة تمسك قلمها، تستحضر آخر لحظة جمعتها به قبل الحرب، حين كانوا معًا على شاطئ البحر. ترسم ذلك المشهد مرارًا، وكأنها تحاول تجميده في ذاكرتها، لتمنع الزمن من ابتلاعه.'
رغم جراحها الجسدية والنفسية، تحاول رؤى أن تواصل، أن تجد في بقايا الحياة ما يستحق الصبر، لكنها تؤكد أنه لا دواء للفقد، فكل يوم يمرّ عليها هو جنازة جديدة.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - في الثانية عشرة من عمرها، تحاول رؤى غازي طالب أن تفهم ما تعنيه كلمة 'حرب'، لكنها كلما تذكرت صوت الطائرات، أو منظر الحطام، أو حرمانها من عائلتها، عرفت أنها لا تحتاج إلى شرح.
رؤى، من سكان منطقة الكرامة شمال غزة، كانت تقضي أيامها في الدراسة والرسم واللعب مع شقيقيها، حتى جاء الأسبوع الثاني من الحرب، فانهارت حياتها فجأة، ووجدت نفسها مع عائلتها تنزح نحو المجهول.
تقول رؤى بصوت خافت لصحيفة 'فلسطين': 'في الأسبوع الثاني من الحرب، اتخذت عائلتي قرار النزوح. خفت كثيرًا، كنت ماسكة إيد أمي وقلبي يدق بسرعة، وما كنت أعرف لوين رايحين.'
نزحت العائلة إلى مخيم النصيرات، إلى بيت جدّها لأمها، وهو بيت صغير لا يتّسع لأعداد كبيرة، لكنه كان أكثر أمانًا من القصف الذي كان يلتهم الكرامة بيتًا بيتًا.
تصف رؤى كيف غيّرت الحرب ملامحها الصغيرة: 'كنت أحب ألبس فساتين، أرتّب شعري، وأرسم.. بس لما وصلنا النصيرات، صار همي كيف أنام وما نخاف، وكيف نأكل، وكيف ما نبكي قدام أمي.'
وفي الثامن من ديسمبر 2023، ومع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، دوّى انفجار عنيف في حي سكني هادئ بدأ يعتاد على أصوات الموت. وفي لحظة، تحولت العمارة إلى ركام.
فصواريخ الطائرات الحربية الإسرائيلية لم تُبقِ من العائلة شيئًا؛ والدها، والدتها، وشقيقيها استُشهدوا جميعًا. وحدها بقيت على قيد الحياة، ولكن بلا عائلة.
تسرد رؤى أحداث ذلك اليوم بصوت يخنقه الحزن، وهي تروي لحظات النجاة من المجزرة:
'قبل أن أخرج من البيت ودّعت أمي دون قصد، قلت لها: باي باي، أشوف وجهكم على خير. وبعدها بدقائق قليلة خرجت مع بنت خالي لشراء بعض السكاكر، وبعدها صار كل شيء أسود... بعدين صمت، وبكيت، وما كان فيه حد يسمعني.'
وحين عادت لتطمئن على عائلتها، وجدت جسد والدها ملقى فوق سطح عمارة مجاورة، والدتها نُزعت يدها، وشقيقتها الصغرى نُزع منها نصف الجسد. كان الدمار أعمق من الحجر.. طال القلب والروح.
منذ تلك الليلة، بات أهل المخيم يطلقون عليها لقب 'الناجية الوحيدة'، وهو لقب يحمل من الألم ما لا تستطيع الكلمات وصفه. فالحياة بعد المجزرة لم تعد كما كانت؛ البيت غاب، والضحكات تلاشت، والعائلة أصبحت ذكرى.
منذ أن فقدت أسرتها في تلك اللحظة الدامية، اختُزل عمرها إلى ركام. باتت رؤى تتنقل بين بيوت عمّاتها، تحمل في عينيها وجعًا أكبر من عمرها، تعيش رهينة ذكريات موجعة، وفي قلبها اشتياق لا يُروى.
وتقول إنها كانت تنتظر بصمت اليوم الذي تضع فيه الحرب أوزارها، وتحلم بالعودة إلى حضن دافئ يربّت على وجعها، إلى جدتها التي بقيت لها من رائحة والديها.. إلى صدر والدة أبيها، حيث لا قصف، ولا صواريخ، بل شيء من الأمان يشبه العائلة التي رحلت.
وتتحدث زوجة عمها، هويدة طالب، قائلة: 'رغم مرور الوقت، لا تنفك عن التعلق بكل ما يربطها بوالديها، تمسك هاتفي وتقلب صورهما القديمة، تتأمل وجهيهما المضيئين في لحظات عابرة من حياة لم تكتمل، تفتح حساباتهما على مواقع التواصل الاجتماعي، تبحث عن منشوراتهما، أصواتهما، ضحكاتهما، تقرأ تعليقاتهما وكأنها تتحدث إليهما من جديد.'
وتتابع: 'والدها، الذي كان يكتشف موهبتها في الرسم ويشجعها على التعبير عمّا بداخلها بالألوان والخطوط، رحل مبكرًا. لكنها لم تتوقف عن الرسم. ففي كل مرة تمسك قلمها، تستحضر آخر لحظة جمعتها به قبل الحرب، حين كانوا معًا على شاطئ البحر. ترسم ذلك المشهد مرارًا، وكأنها تحاول تجميده في ذاكرتها، لتمنع الزمن من ابتلاعه.'
رغم جراحها الجسدية والنفسية، تحاول رؤى أن تواصل، أن تجد في بقايا الحياة ما يستحق الصبر، لكنها تؤكد أنه لا دواء للفقد، فكل يوم يمرّ عليها هو جنازة جديدة.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - في الثانية عشرة من عمرها، تحاول رؤى غازي طالب أن تفهم ما تعنيه كلمة 'حرب'، لكنها كلما تذكرت صوت الطائرات، أو منظر الحطام، أو حرمانها من عائلتها، عرفت أنها لا تحتاج إلى شرح.
رؤى، من سكان منطقة الكرامة شمال غزة، كانت تقضي أيامها في الدراسة والرسم واللعب مع شقيقيها، حتى جاء الأسبوع الثاني من الحرب، فانهارت حياتها فجأة، ووجدت نفسها مع عائلتها تنزح نحو المجهول.
تقول رؤى بصوت خافت لصحيفة 'فلسطين': 'في الأسبوع الثاني من الحرب، اتخذت عائلتي قرار النزوح. خفت كثيرًا، كنت ماسكة إيد أمي وقلبي يدق بسرعة، وما كنت أعرف لوين رايحين.'
نزحت العائلة إلى مخيم النصيرات، إلى بيت جدّها لأمها، وهو بيت صغير لا يتّسع لأعداد كبيرة، لكنه كان أكثر أمانًا من القصف الذي كان يلتهم الكرامة بيتًا بيتًا.
تصف رؤى كيف غيّرت الحرب ملامحها الصغيرة: 'كنت أحب ألبس فساتين، أرتّب شعري، وأرسم.. بس لما وصلنا النصيرات، صار همي كيف أنام وما نخاف، وكيف نأكل، وكيف ما نبكي قدام أمي.'
وفي الثامن من ديسمبر 2023، ومع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، دوّى انفجار عنيف في حي سكني هادئ بدأ يعتاد على أصوات الموت. وفي لحظة، تحولت العمارة إلى ركام.
فصواريخ الطائرات الحربية الإسرائيلية لم تُبقِ من العائلة شيئًا؛ والدها، والدتها، وشقيقيها استُشهدوا جميعًا. وحدها بقيت على قيد الحياة، ولكن بلا عائلة.
تسرد رؤى أحداث ذلك اليوم بصوت يخنقه الحزن، وهي تروي لحظات النجاة من المجزرة:
'قبل أن أخرج من البيت ودّعت أمي دون قصد، قلت لها: باي باي، أشوف وجهكم على خير. وبعدها بدقائق قليلة خرجت مع بنت خالي لشراء بعض السكاكر، وبعدها صار كل شيء أسود... بعدين صمت، وبكيت، وما كان فيه حد يسمعني.'
وحين عادت لتطمئن على عائلتها، وجدت جسد والدها ملقى فوق سطح عمارة مجاورة، والدتها نُزعت يدها، وشقيقتها الصغرى نُزع منها نصف الجسد. كان الدمار أعمق من الحجر.. طال القلب والروح.
منذ تلك الليلة، بات أهل المخيم يطلقون عليها لقب 'الناجية الوحيدة'، وهو لقب يحمل من الألم ما لا تستطيع الكلمات وصفه. فالحياة بعد المجزرة لم تعد كما كانت؛ البيت غاب، والضحكات تلاشت، والعائلة أصبحت ذكرى.
منذ أن فقدت أسرتها في تلك اللحظة الدامية، اختُزل عمرها إلى ركام. باتت رؤى تتنقل بين بيوت عمّاتها، تحمل في عينيها وجعًا أكبر من عمرها، تعيش رهينة ذكريات موجعة، وفي قلبها اشتياق لا يُروى.
وتقول إنها كانت تنتظر بصمت اليوم الذي تضع فيه الحرب أوزارها، وتحلم بالعودة إلى حضن دافئ يربّت على وجعها، إلى جدتها التي بقيت لها من رائحة والديها.. إلى صدر والدة أبيها، حيث لا قصف، ولا صواريخ، بل شيء من الأمان يشبه العائلة التي رحلت.
وتتحدث زوجة عمها، هويدة طالب، قائلة: 'رغم مرور الوقت، لا تنفك عن التعلق بكل ما يربطها بوالديها، تمسك هاتفي وتقلب صورهما القديمة، تتأمل وجهيهما المضيئين في لحظات عابرة من حياة لم تكتمل، تفتح حساباتهما على مواقع التواصل الاجتماعي، تبحث عن منشوراتهما، أصواتهما، ضحكاتهما، تقرأ تعليقاتهما وكأنها تتحدث إليهما من جديد.'
وتتابع: 'والدها، الذي كان يكتشف موهبتها في الرسم ويشجعها على التعبير عمّا بداخلها بالألوان والخطوط، رحل مبكرًا. لكنها لم تتوقف عن الرسم. ففي كل مرة تمسك قلمها، تستحضر آخر لحظة جمعتها به قبل الحرب، حين كانوا معًا على شاطئ البحر. ترسم ذلك المشهد مرارًا، وكأنها تحاول تجميده في ذاكرتها، لتمنع الزمن من ابتلاعه.'
رغم جراحها الجسدية والنفسية، تحاول رؤى أن تواصل، أن تجد في بقايا الحياة ما يستحق الصبر، لكنها تؤكد أنه لا دواء للفقد، فكل يوم يمرّ عليها هو جنازة جديدة.
فلسطين أون لاين
التعليقات