أخبار اليوم - في خيمة مهترئة تحت لهيب الشمس وسط مدينة غزة، يرزح شاهر الكفارنة (43 عاما) مع أسرته، تحت وطأة انعدام مقومات العيش للشهر الـ23 تواليا، بعدما قصف الاحتلال منزلا شيده في بيت حانون ولم يسكنه سوى أربعة أيام، قبل بدء حرب الإبادة الجماعية.
على مدار الحرب الجارية، أحال الاحتلال حياة الكفارنة وسائر الغزيين العزل إلى 'كارثة إنسانية' -كما تصفها الأمم المتحدة- عبر التشريد القسري تحت النار، وتدمير المنازل، والتجويع والتعطيش، واستهداف البنى التحتية، إلى جانب القتل المباشر.
'دورة الحياة توقفت.. هذا هو الموت البطيء'، بهذه العبارة يصف الكفارنة وزوجته واقع حالهما لـ 'فلسطين أون لاين'، بينما كانا يتصببان عرقا، وينظران إلى طفلتهما إيلياء (عام ونصف) التي تعاني من سوء التغذية.
هي معاناة قسرية، يئن منها الكفارنة الذي كان يعمل كهربائيا قبل الحرب، وبات في خضمها عاطلا عن العمل، حاله كحال معظم العمال في غزة، مع تدمير الاحتلال جميع مناحي الحياة، ومنها الاقتصادية.
وعندما بدأ الاحتلال حرب الإبادة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان ذلك نقطة تحول في حياة الكفارنة الذي لم يترك له العدوان فرصة للفرح بمنزله الذي شيده بنحو 200 ألف دولار، وبات الآن مشردا في شوارع غزة المدمرة.
ومنذ اليوم الأول للحرب، أسقط الاحتلال حمم نيرانه وقذائفه على المدنيين، لاسيما في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة. 'طلعنا تحت النار قسرا'، يقول 'أبو حسين' عن بداية 'رحلة القهر'.
يمسح على رأس طفلته 'إيلياء' التي تعاني مع أسرتها من الواقع ذاته، ويضيف: 'نزحنا من بيت حانون إلى المعسكر ثم للنصيرات ثم لدير البلح، وعدنا إلى النصيرات مجددا، ومنها إلى بيت حانون، فغزة'.
وتكبد الرجل المزيد من المعاناة، عندما انقلب الاحتلال على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة في 18 مارس/آذار، وأعاد التوغل في محافظة شمال القطاع، وشرق مدينة غزة، ثم جنوبها.
وفي كل مرة، يحاول فيها النجاة بنفسه وأسرته، لا يتمكن تحت خطر القصف من اصطحاب أي من أمتعته الشخصية. 'بنطلع بس بأواعينا اللي لابسينها'.
وتشير زوجته إلى الطفلة 'إيلياء'، مبينة أنها تفتقر إلى الملابس اللازمة في فصل الصيف، بسبب الحصار المطبق.
يحاول بلا جدوى تجفيف عرق طفلته، التي تتضور جوعا بسبب منع الاحتلال إدخال المساعدات الإنسانية منذ الثاني من مارس/آذار، مشيرا إلى أن هذه المعاناة تقترب من دخول عامها الثالث.
ويعاني أفراد الأسرة من الأمراض الجلدية مع شح المياه وارتفاع درجات الحرارة واهتراء المأوى، وانتشار مياه الصرف الصحي بين الخيام.
وفي غياهب العيش اللاإنساني، يكافح الكفارنة لإنقاذ المستقبل التعليمي لأبنائه، مع تدمير الاحتلال للمؤسسات التعليمية، وقطعه الكهرباء ومنع توليدها في قطاع غزة، وتأثر خدمات الإنترنت بالعدوان.
وبينما يسعى ابنه الأكبر لاستكمال تعليمه الجامعي الإلكتروني من العدم، لا يسعفه الحال، وقلة المال، من تمكين ابنته (19 عاما) من مواصلة تعليمها في مجال الوسائط المتعددة.
أما ابنته الأخرى التي كان من المفترض أن تلتحق قبل عامين بالثانوية العامة فقد سلبت منها ظروف الحرب حقها في التعليم، في وقت تكافح شقيقتها في الصف الأول الإعدادي لمواكبة متطلبات مرحلتها التعليمية مع انعدام المقومات.
ورغم كل ذلك، لا يزال الاحتلال يهدد بتشريد نحو مليون مواطن من وسط وغرب مدينة غزة في إطار عدوان بري آخر يلوح به، وهو ما يشبهه الكفارنة بأنه 'ضرب في جثة'، في إشارة إلى حالة الإنهاك التي يعاني منها النازحون.
ويتابع: لا طاقة لنا بأن ننزح مرة أخرى إلى جنوب القطاع.
ومنذ بداية الحرب، هدد الاحتلال المواطنين، مطالبا إياهم بالنزوح القسري إلى جنوب القطاع الذي زعم أنه 'آمن'، بيد أنه ارتكب هناك الإبادة ذاتها التي مارسها في شمال القطاع، كما احتل مدينة رفح بما في ذلك الجانب الفلسطيني من المعبر مع مصر، ودمر معظم محافظة خانيونس، وزج النازحين في شريط ضيق يطاله الاستهداف المكثف أيضا، قرب شاطئ البحر.
عذاب يومي
بالكاد، تحاول 'أم حسين' في ذروة الحر التقاط أنفاسها، قائلة: 'احنا بننشوي من الشوب، والخيمة ضيقة، ومعنا كمان أخت زوجي أرملة'.
تجد هذه السيدة نفسها وسط بحر من المتاعب، تلطمها فيه أمواج العذاب اليومي في الكفاح بحثا عن لقمة عيش، أو شربة ماء، أو نوع دواء، كأنما تطحنها الرحى.
'بننقل مية من مسافات بعيدة.. بنصف طوابير عشان نجيب صحن عدس إذا توفرت التكية'، تصف بذلك واقع نضال يومي تخوضه لتوفير أبسط المقومات الحياتية.
وتشير إلى أن سماح الاحتلال بإدخال بضعة شاحنات من البضائع التجارية لغزة لم ينه واقع المجاعة المستشرية، لاسيما مع افتقار المواطنين المجوعين القدرة على شرائها بأسعار باهظة.
وتتابع بحسرة: 'فقدنا كل شيء... لم يتبق فينا سوى الروح'، التي تفتك بها أيضا الحرب.
أما ابنتها التي لم تتمكن من إكمال تعليمها الجامعي، فتبدو في حالة من الإحباط الذي يجتاح مشاعرها، قائلة إنها تأثرت بشدة من النزوح والحرب، ولم تعد واثقة بأنها قادرة على مواصلة مشوارها التعليمي.
وفي ظل هذا الواقع اللاإنساني، جاء تحذير المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر هشام مهنا، في تصريحات سابقة لـ 'فلسطين أون لاين' من أن أي أوامر إخلاء إضافية لأهالي غزة تهدد بتفاقم 'الوضع المروع على الأرض'، مشددا على وجوب التوصل إلى اتفاق فوري ومستدام لإطلاق النار.
ويواجه قرابة 1.9 مليون غزي، أي ما يعادل 90% من إجمالي الأهالي، أوضاعا إنسانية كارثية بعد أن أجبرهم الاحتلال على النزوح مع استمرار العدوان.
وتشير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إلى أن آلاف العائلات تعرضت للنزوح عدة مرات، ما فاقم من هشاشة أوضاعهم وأفقدهم أي شعور بالأمان أو الاستقرار.
وفي تموز/يوليو وآب/أغسطس، تفاقمت الأوضاع الإنسانية في القطاع، إذ يعاني النازحون من فشل شبه كامل في مواجهة الحر ونقص حاد في الغذاء والمأوى والرعاية الصحية—وما بات يُوصف بـ”أسوأ سيناريو مجاعة“ في أجزاء واسعة من القطاع.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن الاحتلال حرب إبادة جماعية على قطاع غزة، قتلا وتدميرا وتجويعا وتعطيشا وتشريدا، أسفرت عن استشهاد 61944 غزيا وإصابة 155886 آخرين، وفق وزارة الصحة.
وبينما يستمر الاحتلال في تهديدهم بموجات نزوح جديدة تمثل بالنسبة لهم 'مقتلة' لا حدثا عابرا، يحاول الغزيون المنهكون الإمساك ببقايا حياة، علّهم يصمدون حتى تنطفئ نار حربٍ إبادة فتكت بحقوقهم الإنسانية على مرأى العالم.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - في خيمة مهترئة تحت لهيب الشمس وسط مدينة غزة، يرزح شاهر الكفارنة (43 عاما) مع أسرته، تحت وطأة انعدام مقومات العيش للشهر الـ23 تواليا، بعدما قصف الاحتلال منزلا شيده في بيت حانون ولم يسكنه سوى أربعة أيام، قبل بدء حرب الإبادة الجماعية.
على مدار الحرب الجارية، أحال الاحتلال حياة الكفارنة وسائر الغزيين العزل إلى 'كارثة إنسانية' -كما تصفها الأمم المتحدة- عبر التشريد القسري تحت النار، وتدمير المنازل، والتجويع والتعطيش، واستهداف البنى التحتية، إلى جانب القتل المباشر.
'دورة الحياة توقفت.. هذا هو الموت البطيء'، بهذه العبارة يصف الكفارنة وزوجته واقع حالهما لـ 'فلسطين أون لاين'، بينما كانا يتصببان عرقا، وينظران إلى طفلتهما إيلياء (عام ونصف) التي تعاني من سوء التغذية.
هي معاناة قسرية، يئن منها الكفارنة الذي كان يعمل كهربائيا قبل الحرب، وبات في خضمها عاطلا عن العمل، حاله كحال معظم العمال في غزة، مع تدمير الاحتلال جميع مناحي الحياة، ومنها الاقتصادية.
وعندما بدأ الاحتلال حرب الإبادة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان ذلك نقطة تحول في حياة الكفارنة الذي لم يترك له العدوان فرصة للفرح بمنزله الذي شيده بنحو 200 ألف دولار، وبات الآن مشردا في شوارع غزة المدمرة.
ومنذ اليوم الأول للحرب، أسقط الاحتلال حمم نيرانه وقذائفه على المدنيين، لاسيما في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة. 'طلعنا تحت النار قسرا'، يقول 'أبو حسين' عن بداية 'رحلة القهر'.
يمسح على رأس طفلته 'إيلياء' التي تعاني مع أسرتها من الواقع ذاته، ويضيف: 'نزحنا من بيت حانون إلى المعسكر ثم للنصيرات ثم لدير البلح، وعدنا إلى النصيرات مجددا، ومنها إلى بيت حانون، فغزة'.
وتكبد الرجل المزيد من المعاناة، عندما انقلب الاحتلال على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة في 18 مارس/آذار، وأعاد التوغل في محافظة شمال القطاع، وشرق مدينة غزة، ثم جنوبها.
وفي كل مرة، يحاول فيها النجاة بنفسه وأسرته، لا يتمكن تحت خطر القصف من اصطحاب أي من أمتعته الشخصية. 'بنطلع بس بأواعينا اللي لابسينها'.
وتشير زوجته إلى الطفلة 'إيلياء'، مبينة أنها تفتقر إلى الملابس اللازمة في فصل الصيف، بسبب الحصار المطبق.
يحاول بلا جدوى تجفيف عرق طفلته، التي تتضور جوعا بسبب منع الاحتلال إدخال المساعدات الإنسانية منذ الثاني من مارس/آذار، مشيرا إلى أن هذه المعاناة تقترب من دخول عامها الثالث.
ويعاني أفراد الأسرة من الأمراض الجلدية مع شح المياه وارتفاع درجات الحرارة واهتراء المأوى، وانتشار مياه الصرف الصحي بين الخيام.
وفي غياهب العيش اللاإنساني، يكافح الكفارنة لإنقاذ المستقبل التعليمي لأبنائه، مع تدمير الاحتلال للمؤسسات التعليمية، وقطعه الكهرباء ومنع توليدها في قطاع غزة، وتأثر خدمات الإنترنت بالعدوان.
وبينما يسعى ابنه الأكبر لاستكمال تعليمه الجامعي الإلكتروني من العدم، لا يسعفه الحال، وقلة المال، من تمكين ابنته (19 عاما) من مواصلة تعليمها في مجال الوسائط المتعددة.
أما ابنته الأخرى التي كان من المفترض أن تلتحق قبل عامين بالثانوية العامة فقد سلبت منها ظروف الحرب حقها في التعليم، في وقت تكافح شقيقتها في الصف الأول الإعدادي لمواكبة متطلبات مرحلتها التعليمية مع انعدام المقومات.
ورغم كل ذلك، لا يزال الاحتلال يهدد بتشريد نحو مليون مواطن من وسط وغرب مدينة غزة في إطار عدوان بري آخر يلوح به، وهو ما يشبهه الكفارنة بأنه 'ضرب في جثة'، في إشارة إلى حالة الإنهاك التي يعاني منها النازحون.
ويتابع: لا طاقة لنا بأن ننزح مرة أخرى إلى جنوب القطاع.
ومنذ بداية الحرب، هدد الاحتلال المواطنين، مطالبا إياهم بالنزوح القسري إلى جنوب القطاع الذي زعم أنه 'آمن'، بيد أنه ارتكب هناك الإبادة ذاتها التي مارسها في شمال القطاع، كما احتل مدينة رفح بما في ذلك الجانب الفلسطيني من المعبر مع مصر، ودمر معظم محافظة خانيونس، وزج النازحين في شريط ضيق يطاله الاستهداف المكثف أيضا، قرب شاطئ البحر.
عذاب يومي
بالكاد، تحاول 'أم حسين' في ذروة الحر التقاط أنفاسها، قائلة: 'احنا بننشوي من الشوب، والخيمة ضيقة، ومعنا كمان أخت زوجي أرملة'.
تجد هذه السيدة نفسها وسط بحر من المتاعب، تلطمها فيه أمواج العذاب اليومي في الكفاح بحثا عن لقمة عيش، أو شربة ماء، أو نوع دواء، كأنما تطحنها الرحى.
'بننقل مية من مسافات بعيدة.. بنصف طوابير عشان نجيب صحن عدس إذا توفرت التكية'، تصف بذلك واقع نضال يومي تخوضه لتوفير أبسط المقومات الحياتية.
وتشير إلى أن سماح الاحتلال بإدخال بضعة شاحنات من البضائع التجارية لغزة لم ينه واقع المجاعة المستشرية، لاسيما مع افتقار المواطنين المجوعين القدرة على شرائها بأسعار باهظة.
وتتابع بحسرة: 'فقدنا كل شيء... لم يتبق فينا سوى الروح'، التي تفتك بها أيضا الحرب.
أما ابنتها التي لم تتمكن من إكمال تعليمها الجامعي، فتبدو في حالة من الإحباط الذي يجتاح مشاعرها، قائلة إنها تأثرت بشدة من النزوح والحرب، ولم تعد واثقة بأنها قادرة على مواصلة مشوارها التعليمي.
وفي ظل هذا الواقع اللاإنساني، جاء تحذير المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر هشام مهنا، في تصريحات سابقة لـ 'فلسطين أون لاين' من أن أي أوامر إخلاء إضافية لأهالي غزة تهدد بتفاقم 'الوضع المروع على الأرض'، مشددا على وجوب التوصل إلى اتفاق فوري ومستدام لإطلاق النار.
ويواجه قرابة 1.9 مليون غزي، أي ما يعادل 90% من إجمالي الأهالي، أوضاعا إنسانية كارثية بعد أن أجبرهم الاحتلال على النزوح مع استمرار العدوان.
وتشير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إلى أن آلاف العائلات تعرضت للنزوح عدة مرات، ما فاقم من هشاشة أوضاعهم وأفقدهم أي شعور بالأمان أو الاستقرار.
وفي تموز/يوليو وآب/أغسطس، تفاقمت الأوضاع الإنسانية في القطاع، إذ يعاني النازحون من فشل شبه كامل في مواجهة الحر ونقص حاد في الغذاء والمأوى والرعاية الصحية—وما بات يُوصف بـ”أسوأ سيناريو مجاعة“ في أجزاء واسعة من القطاع.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن الاحتلال حرب إبادة جماعية على قطاع غزة، قتلا وتدميرا وتجويعا وتعطيشا وتشريدا، أسفرت عن استشهاد 61944 غزيا وإصابة 155886 آخرين، وفق وزارة الصحة.
وبينما يستمر الاحتلال في تهديدهم بموجات نزوح جديدة تمثل بالنسبة لهم 'مقتلة' لا حدثا عابرا، يحاول الغزيون المنهكون الإمساك ببقايا حياة، علّهم يصمدون حتى تنطفئ نار حربٍ إبادة فتكت بحقوقهم الإنسانية على مرأى العالم.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - في خيمة مهترئة تحت لهيب الشمس وسط مدينة غزة، يرزح شاهر الكفارنة (43 عاما) مع أسرته، تحت وطأة انعدام مقومات العيش للشهر الـ23 تواليا، بعدما قصف الاحتلال منزلا شيده في بيت حانون ولم يسكنه سوى أربعة أيام، قبل بدء حرب الإبادة الجماعية.
على مدار الحرب الجارية، أحال الاحتلال حياة الكفارنة وسائر الغزيين العزل إلى 'كارثة إنسانية' -كما تصفها الأمم المتحدة- عبر التشريد القسري تحت النار، وتدمير المنازل، والتجويع والتعطيش، واستهداف البنى التحتية، إلى جانب القتل المباشر.
'دورة الحياة توقفت.. هذا هو الموت البطيء'، بهذه العبارة يصف الكفارنة وزوجته واقع حالهما لـ 'فلسطين أون لاين'، بينما كانا يتصببان عرقا، وينظران إلى طفلتهما إيلياء (عام ونصف) التي تعاني من سوء التغذية.
هي معاناة قسرية، يئن منها الكفارنة الذي كان يعمل كهربائيا قبل الحرب، وبات في خضمها عاطلا عن العمل، حاله كحال معظم العمال في غزة، مع تدمير الاحتلال جميع مناحي الحياة، ومنها الاقتصادية.
وعندما بدأ الاحتلال حرب الإبادة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان ذلك نقطة تحول في حياة الكفارنة الذي لم يترك له العدوان فرصة للفرح بمنزله الذي شيده بنحو 200 ألف دولار، وبات الآن مشردا في شوارع غزة المدمرة.
ومنذ اليوم الأول للحرب، أسقط الاحتلال حمم نيرانه وقذائفه على المدنيين، لاسيما في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة. 'طلعنا تحت النار قسرا'، يقول 'أبو حسين' عن بداية 'رحلة القهر'.
يمسح على رأس طفلته 'إيلياء' التي تعاني مع أسرتها من الواقع ذاته، ويضيف: 'نزحنا من بيت حانون إلى المعسكر ثم للنصيرات ثم لدير البلح، وعدنا إلى النصيرات مجددا، ومنها إلى بيت حانون، فغزة'.
وتكبد الرجل المزيد من المعاناة، عندما انقلب الاحتلال على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة في 18 مارس/آذار، وأعاد التوغل في محافظة شمال القطاع، وشرق مدينة غزة، ثم جنوبها.
وفي كل مرة، يحاول فيها النجاة بنفسه وأسرته، لا يتمكن تحت خطر القصف من اصطحاب أي من أمتعته الشخصية. 'بنطلع بس بأواعينا اللي لابسينها'.
وتشير زوجته إلى الطفلة 'إيلياء'، مبينة أنها تفتقر إلى الملابس اللازمة في فصل الصيف، بسبب الحصار المطبق.
يحاول بلا جدوى تجفيف عرق طفلته، التي تتضور جوعا بسبب منع الاحتلال إدخال المساعدات الإنسانية منذ الثاني من مارس/آذار، مشيرا إلى أن هذه المعاناة تقترب من دخول عامها الثالث.
ويعاني أفراد الأسرة من الأمراض الجلدية مع شح المياه وارتفاع درجات الحرارة واهتراء المأوى، وانتشار مياه الصرف الصحي بين الخيام.
وفي غياهب العيش اللاإنساني، يكافح الكفارنة لإنقاذ المستقبل التعليمي لأبنائه، مع تدمير الاحتلال للمؤسسات التعليمية، وقطعه الكهرباء ومنع توليدها في قطاع غزة، وتأثر خدمات الإنترنت بالعدوان.
وبينما يسعى ابنه الأكبر لاستكمال تعليمه الجامعي الإلكتروني من العدم، لا يسعفه الحال، وقلة المال، من تمكين ابنته (19 عاما) من مواصلة تعليمها في مجال الوسائط المتعددة.
أما ابنته الأخرى التي كان من المفترض أن تلتحق قبل عامين بالثانوية العامة فقد سلبت منها ظروف الحرب حقها في التعليم، في وقت تكافح شقيقتها في الصف الأول الإعدادي لمواكبة متطلبات مرحلتها التعليمية مع انعدام المقومات.
ورغم كل ذلك، لا يزال الاحتلال يهدد بتشريد نحو مليون مواطن من وسط وغرب مدينة غزة في إطار عدوان بري آخر يلوح به، وهو ما يشبهه الكفارنة بأنه 'ضرب في جثة'، في إشارة إلى حالة الإنهاك التي يعاني منها النازحون.
ويتابع: لا طاقة لنا بأن ننزح مرة أخرى إلى جنوب القطاع.
ومنذ بداية الحرب، هدد الاحتلال المواطنين، مطالبا إياهم بالنزوح القسري إلى جنوب القطاع الذي زعم أنه 'آمن'، بيد أنه ارتكب هناك الإبادة ذاتها التي مارسها في شمال القطاع، كما احتل مدينة رفح بما في ذلك الجانب الفلسطيني من المعبر مع مصر، ودمر معظم محافظة خانيونس، وزج النازحين في شريط ضيق يطاله الاستهداف المكثف أيضا، قرب شاطئ البحر.
عذاب يومي
بالكاد، تحاول 'أم حسين' في ذروة الحر التقاط أنفاسها، قائلة: 'احنا بننشوي من الشوب، والخيمة ضيقة، ومعنا كمان أخت زوجي أرملة'.
تجد هذه السيدة نفسها وسط بحر من المتاعب، تلطمها فيه أمواج العذاب اليومي في الكفاح بحثا عن لقمة عيش، أو شربة ماء، أو نوع دواء، كأنما تطحنها الرحى.
'بننقل مية من مسافات بعيدة.. بنصف طوابير عشان نجيب صحن عدس إذا توفرت التكية'، تصف بذلك واقع نضال يومي تخوضه لتوفير أبسط المقومات الحياتية.
وتشير إلى أن سماح الاحتلال بإدخال بضعة شاحنات من البضائع التجارية لغزة لم ينه واقع المجاعة المستشرية، لاسيما مع افتقار المواطنين المجوعين القدرة على شرائها بأسعار باهظة.
وتتابع بحسرة: 'فقدنا كل شيء... لم يتبق فينا سوى الروح'، التي تفتك بها أيضا الحرب.
أما ابنتها التي لم تتمكن من إكمال تعليمها الجامعي، فتبدو في حالة من الإحباط الذي يجتاح مشاعرها، قائلة إنها تأثرت بشدة من النزوح والحرب، ولم تعد واثقة بأنها قادرة على مواصلة مشوارها التعليمي.
وفي ظل هذا الواقع اللاإنساني، جاء تحذير المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر هشام مهنا، في تصريحات سابقة لـ 'فلسطين أون لاين' من أن أي أوامر إخلاء إضافية لأهالي غزة تهدد بتفاقم 'الوضع المروع على الأرض'، مشددا على وجوب التوصل إلى اتفاق فوري ومستدام لإطلاق النار.
ويواجه قرابة 1.9 مليون غزي، أي ما يعادل 90% من إجمالي الأهالي، أوضاعا إنسانية كارثية بعد أن أجبرهم الاحتلال على النزوح مع استمرار العدوان.
وتشير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إلى أن آلاف العائلات تعرضت للنزوح عدة مرات، ما فاقم من هشاشة أوضاعهم وأفقدهم أي شعور بالأمان أو الاستقرار.
وفي تموز/يوليو وآب/أغسطس، تفاقمت الأوضاع الإنسانية في القطاع، إذ يعاني النازحون من فشل شبه كامل في مواجهة الحر ونقص حاد في الغذاء والمأوى والرعاية الصحية—وما بات يُوصف بـ”أسوأ سيناريو مجاعة“ في أجزاء واسعة من القطاع.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن الاحتلال حرب إبادة جماعية على قطاع غزة، قتلا وتدميرا وتجويعا وتعطيشا وتشريدا، أسفرت عن استشهاد 61944 غزيا وإصابة 155886 آخرين، وفق وزارة الصحة.
وبينما يستمر الاحتلال في تهديدهم بموجات نزوح جديدة تمثل بالنسبة لهم 'مقتلة' لا حدثا عابرا، يحاول الغزيون المنهكون الإمساك ببقايا حياة، علّهم يصمدون حتى تنطفئ نار حربٍ إبادة فتكت بحقوقهم الإنسانية على مرأى العالم.
فلسطين أون لاين
التعليقات