د. سعد نمر: المعركة الحقيقية بالنسبة للفلسطينيين صياغة رؤية موحدة لليوم التالي بعيداً عن الأوهام والرهانات الدولية الفارغة
سري سمور: الإدارة الأميركية منحت إسرائيل 'الضوء الأخضر' للمضي قدماً في مشاريعها الاستيطانية في قطاع غزة
نهاد أبو غوش: تصريحات ترمب حول السيطرة على غزة خارطة طريق تبرر توجهات نتنياهو ورفضه أي صفقة ووضع شروط تعجيزية
د. محمد الطماوي: تنامي الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية والمطالبة بالمحاسبة واتساع حركة المقاطعة قد تشكل كابحاً للتهجير والاستيطان
نبهان خريشة: المشروع الإسرائيلي بغزة لم يعد يركز على الجانب الأمني فقط بل يسعى للاستفادة اقتصادياً وسياحياً من الأرض بعد التهجير
طلال عوكل: السياسات الإسرائيلية بقيادة نتنياهو تشير بوضوح إلى الإصرار على التوسع والسيطرة بما يشمل فلسطين التاريخية ودولاً عربية
أخبار اليوم - في ظل النقاش الدائر داخل الكنيست الإسرائيلي حول ما يسمى 'اليوم التالي في غزة'، فإن ذلك يكشف عن عودة ملف الاستيطان إلى الواجهة، عبر طروحات تدعو لإعادة بناء مستوطنات داخل القطاع وتحويله إلى منطقة عقارية وتجارية وسياحية ضخمة على أنقاض البيوت المدمرة، بعد تهجير الفلسطينيين قسراً، في إطار رؤية يقدمها اليمين الإسرائيلي باعتبارها 'مشروعاً حضارياً'.
ويوضح كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة لـ'ے'، أن هذه الطروحات تصطدم بعقبات جوهرية، أبرزها الكثافة السكانية الهائلة التي تجعل من التهجير أمراً شبه مستحيل، إضافة إلى واقع أمني متفجر بفعل استمرار المقاومة، ما يعني أن أي محاولة لتوطين مستوطنين داخل غزة ستفتح جبهة مواجهة لا تنتهي، كما أن تحويل القطاع إلى 'ريفيرا سياحية' يتطلب استثمارات ضخمة وظروف استقرار بعيدة المنال، وهو ما يجعل هذه الأفكار أقرب إلى أوهام أيديولوجية منها إلى خطط قابلة للتنفيذ.
من الناحية القانونية، يرى الكتاب والمحللون والمختصون وأساتذة الجامعات أن أي مشروع استيطاني في غزة سيضع إسرائيل في مواجهة اتهامات دولية بارتكاب جرائم حرب وتطهير عرقي، خاصة مع تصاعد الأصوات المطالبة بمحاسبتها أمام المحاكم الدولية، ومع ذلك، تمضي تل أبيب في تسويق هذه المشاريع مستندة إلى دعم أميركي غير محدود وصمت معظم القوى الكبرى.
ويرون أن ما يجري هو محاولة إسرائيلية لفرض واقع جديد بالقوة، يقطع الطريق على أي تسوية مستقبلية ويمنع وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة والقطاع، غير أن اتساع حركة التضامن العالمي مع الفلسطينيين، وتزايد دعوات المقاطعة، قد يشكل على المدى المتوسط عائقاً أمام هذه المخططات، ويحول دون تحويل غزة إلى 'مستوطنة سياحية' على حساب أهلها.
تياران إسرائيليان أساسيان
يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت د. سعد نمر، أن المؤتمر الذي عُقد في الكنيست الإسرائيلي حول 'اليوم التالي للحرب'، أوجد جدلاً داخل إسرائيل بين تيارين أساسيين، حيث إنّ هناك تياراً يدفع باتجاه 'إخراج سكان غزة' في إطار مخططات ترقى إلى مستوى التطهير العرقي، مع محاولة السيطرة الكاملة على القطاع، وتنفيذ مشاريع استيطانية تنسجم مع ما طرحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي تحدث عن تحويل غزة إلى ما أسماه 'ريفيرا الشرق الأوسط'.
ويشدّد نمر على أنّ هذا السيناريو غير قابل للتحقق، لأن سكان غزة -الذين يواجهون حرباً ومجاعة- لن يقبلوا بالتهجير القسري أو بمشاريع من هذا النوع.
ويشير نمر إلى تيار آخر داخل إسرائيل يرى صعوبة تطبيق التهجير، ويدفع نحو البحث عن صيغة لإدارة غزة بعد الحرب، مع رفض واضح لعودة السلطة الفلسطينية لتولي الحكم هناك، خشية أن يؤدي ذلك إلى إعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة.
ووفق نمر، فإن المقترحات التي طُرحت شملت خيارين: الأول تشكيل إدارة محلية من 'سكان مدنيين موالين لإسرائيل'، على غرار تجربة 'روابط القرى' في الضفة الغربية خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، والثاني نشر قوة عربية تتولى الأمن والإدارة، مع بقاء السيطرة الإسرائيلية على القطاع بشكل مباشر أو غير مباشر.
ويرى نمر أن هذه السيناريوهات، رغم تنوعها، تصطدم جميعها بواقع ميداني معقد، مؤكداً أنّ الحل لا يمكن أن يمر إلا عبر توافق وطني فلسطيني يشمل جميع الفصائل، بما فيها حركتا حماس والجهاد الإسلامي اللتان قادتا المواجهة الميدانية.
مخاطر تجاوز الإجماع الفلسطيني
ويشدّد نمر على أن 'أي تجاوز للإجماع الفلسطيني سيعني تنفيذ المخطط الإسرائيلي القائم على العشائرية والتجزئة، وهو ما يجب التصدي له عبر توحيد الصف الفلسطيني ووضع خطة واضحة لليوم التالي'.
وحول الموقف الدولي، يعتبر نمر أن المجتمع الدولي، بما فيه الولايات المتحدة وأوروبا، خذل الفلسطينيين خلال الحرب المستمرة التي اتسمت بالتجويع والإبادة الجماعية.
ويوضح نمر أن المواقف الأوروبية والأميركية اقتصرت على التصريحات والإدانات، من دون أي خطوات عملية لوقف الحرب أو الضغط على إسرائيل، بل إن بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا وبريطانيا، تحاول الالتفاف على جوهر الأزمة بالحديث عن الاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر/أيلول المقبل، في خطوة تعد 'هروباً إلى الأمام'، لأنها لا توقف المجاعة ولا المجازر الجارية في القطاع.
ويؤكد نمر أن الدور الأميركي ما زال منحازاً بالكامل لإسرائيل، فيما تفتقر أوروبا إلى الإرادة السياسية لاتخاذ إجراءات رادعة.
ويشير نمر إلى أن 'المعركة الحقيقية بالنسبة للفلسطينيين هي صياغة رؤية موحدة لليوم التالي، بعيداً عن الأوهام والرهانات الدولية الفارغة'.
الميدان في غزة ما زال يشتعل
يرى الكاتب والمحلل السياسي سري سمور أن المخططات الإسرائيلية لإعادة الاستيطان في قطاع غزة، التي تتجلى في المؤتمرات والإجراءات الأخيرة داخل الكنيست، لا يمكن قراءتها بمعزل عن الموقف الأميركي، مشيراً إلى أن الإدارة الأميركية منحت إسرائيل 'الضوء الأخضر' للمضي قدماً في مشاريعها الاستيطانية في قطاع غزة، لكنها في المقابل لا تستطيع تنفيذها فعلياً طالما بقيت المقاومة حاضرة في الميدان.
ويوضح سمور أن الميدان في قطاع غزة ما زال يشتعل يومياً بعمليات قنص وتفجير آليات، وهو ما يجعل من المستحيل على إسرائيل فرض مخططاتها في ظل استمرار المقاومة، قائلاً: 'حتى لو بقي مقاوِم واحد في غزة، فإن تنفيذ الاستيطان أو فرض واقع جديد يتطلب إما استقراراً تاماً أو تهجيراً كاملاً لسكان القطاع، وهو ما تسعى له إسرائيل عبر محاولات التهجير الجماعي سواء براً أو بحراً'.
ويبيّن سمور أن الرهان على مواقف دولية لن يوقف إسرائيل، معتبراً أن تل أبيب لا تكترث بالاستنكارات العالمية بقدر ما تهتم بالموقف الأميركي الذي تعتبره مرجعيتها الأولى والأخيرة، وإن أرادت أميركا لأوقفت ممارسات إسرائيل.
ويؤكد سمور أن الإدارة الأميركية حتى الآن تمنح إسرائيل الحبل على الغارب، ما يتيح لها الاستمرار في سياساتها التوسعية.
وفي ما يخص الموقف العربي، يشير سمور إلى أن تغييره يمكن أن يشكّل عاملاً ضاغطاً على إسرائيل، لكن ذلك يبدو بعيد المنال في ظل الواقع الحالي، حيث انتقلت بعض الدول العربية من حالة العجز أو الخذلان إلى الاصطفاف في الخندق الإسرائيلي.
خيارات الضغط العربي
ومع ذلك، يرى سمور أن خيارات الضغط العربي لا تقتصر على المواجهة العسكرية، بل يمكن أن تبدأ بقطع العلاقات أو وقف الإمدادات، أو على الأقل السماح بظهور حراك شعبي ضاغط، وهو ما قد يقلق الولايات المتحدة الأمريكية التي لا ترغب برؤية عدم استقرار واسع في الأنظمة العربية بسبب القضية الفلسطينية.
ويعتبر سمور أن الحديث عن تحرك عربي جاد يبقى أقرب إلى الحلم، مشيراً إلى أن المخطط الإسرائيلي يسير بدعم أميركي وتواطؤ دولي، لكن الشعب الفلسطيني ما زال يشكل العامل الكابح الأهم لتلك المخططات عبر صموده ومقاومته.
الأطماع الإسرائيلية لم تتوقف
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي والمختص بالشأن الإسرائيلي نهاد أبو غوش أن الأطماع الإسرائيلية في احتلال قطاع غزة وعودة الاستيطان إليه لم تتوقف منذ إنشاء دولة إسرائيل، وأن هذه الأفكار لم تتراجع حتى بعد تنفيذ خطة فك الارتباط والانسحاب من القطاع في العام 2005.
ويوضح أبو غوش أن هذه الأفكار انتقلت من مجرد أحلام إلى برامج وخطط عملية خلال الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر 2023، حيث جرى عقد مؤتمرين مهمين لدعم الاستيطان، الأول في يناير/ كانون الثاني 2024، تحت شعار 'الاستيطان يجلب الأمن'، بحضور نواب ووزراء من مختلف قوى اليمين الإسرائيلي، بما فيها حزب الليكود الحاكم، والثاني قرب قطاع غزة في نوفمبر /تشرين الثاني من نفس العام.
ويشير أبو غوش إلى أن هذه السياسة المستمرة تفسر امتناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن الإفصاح عن أهداف الحرب الحقيقية، وإحجامه عن توضيح 'اليوم التالي' للقطاع، تجنبًا لإغضاب شركائه من الصهيونية الدينية وأوساط واسعة داخل الليكود، لافتًا إلى أن هذه المشاريع قد تُعد جرائم حرب صريحة وتثير غضب المجتمع الدولي.
ويوضح أبو غوش أن تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب في فبراير /شباط 2025، حول مخططات الاستيطان والسيطرة على قطاع غزة أعطتها بعدًا جديدًا، حيث تمثل تصريحات ترامب بمثابة خارطة طريق تبرر توجهات نتنياهو ورفضه التام لأي صفقة جديدة، مع وضع شروط تعجيزية لأي اتفاق محتمل.
ويؤكد أبو غوش أن ترامب ذهب بعيدًا في توصيفاته لمشروع إعادة إعمار غزة على أساس إخلائها من الفلسطينيين، ما يعكس أكبر دعم أميركي لمخططات الحركة الصهيونية، التي باتت تتبناها معظم القوى الإسرائيلية بما فيها المعارضة.
ويشير أبو غوش إلى أن المخطط الإسرائيلي المدعوم أميركيًا لا يقتصر على الأرض وحدها، بل يمتد إلى تهجير الفلسطينيين من القطاع وتصفية القضية الفلسطينية، بما يشمل الضفة الغربية، وكذلك السيطرة على حقول الغاز الفلسطينية، وربما استغلال الموقع الجغرافي لإقامة خطوط بديلة لقناة السويس.
مواقف الشجب والتنديد لا تؤثر على إسرائيل
ويؤكد أبو غوش أن مواقف الشجب والتنديد الدولية لا تؤثر على إسرائيل التي تراهن على الدعم الأميركي وتعتبره أكثر أهمية من موقف العالم، لكن موجات التضامن الشعبي غير المسبوقة في بريطانيا وأستراليا وألمانيا وهولندا أثبتت أن الضغوط الجماهيرية يمكن أن تفرض تغييرًا على مواقف حلفاء إسرائيل التقليديين.
ويلفت أبو غوش إلى أن التحدي الأكبر يكمن في الموقف العربي الرسمي والفلسطيني، الذي يتراوح بين العجز والشلل والتخاذل، بل أحيانًا تبرير الممارسات الإسرائيلية، وهو ما يعزز ممارسات الاحتلال على حساب الفلسطينيين.
ويشدد أبو غوش على أن الرهان الحقيقي يبقى على صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته، مع مؤشرات إيجابية للتيار الشعبي في بعض الدول العربية مثل المغرب وتونس، وهو ما قد يشكل بداية لمرحلة جديدة من اليقظة والمواجهة الجماهيرية ضد مخططات الاحتلال.
خطورة الطروحات الإسرائيلية لـ'اليوم التالي'
يحذّر الباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية د. محمد الطماوي من خطورة الطروحات التي تتداولها الأوساط الإسرائيلية في الكنيست حول ما يُسمى 'اليوم التالي في غزة'، والتي تكشف عن مخطط يتجاوز حدود الحرب الراهنة نحو سيناريو تهجير السكان الفلسطينيين، وإقامة مستوطنات ومراكز تجارية وأماكن ترفيهية على أنقاض القطاع، في صورة أشبه بما يصفه اليمين الإسرائيلي بـ'ريفيرا سياحية'، والتي تنسجم مع ما طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أشهر.
ويوضح الطماوي أنّ هذه المشاريع، على الرغم من جاذبيتها للتيارات اليمينية المتطرفة في إسرائيل، تصطدم بعقبات واقعية كبرى، حيث أنه في مقدمة تلك العقبات الكثافة السكانية العالية في القطاع، والتي تجعل من التهجير القسري مهمة شبه مستحيلة، إلى جانب التبعات القانونية الخطيرة التي قد تضع إسرائيل أمام اتهامات مباشرة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ويؤكد الطماوي أنّ محاولة توطين مستوطنين داخل غزة لن تكون سوى وصفة لصدام مفتوح، إذ من المستحيل أن يقبل الشعب الفلسطيني بتحويل أرضه إلى مشروع استعماري جديد تحت لافتة 'الاستثمار أو السياحة'، كما أنّ تحويل غزة المدمّرة إلى منطقة استجمام ومراكز تجارية يتطلب استثمارات ضخمة وظروف استقرار سياسي وأمني غير متوفرة في ظل استمرار الاحتلال والحصار، وهو ما يجعل هذه الطروحات أقرب إلى 'الأوهام الأيديولوجية' التي يوظفها الساسة الإسرائيليون لاعتبارات داخلية، أكثر من كونها خططاً قابلة للتنفيذ.
وعلى صعيد الموقف الدولي، يتساءل الطماوي إن كان العالم سيكتفي مجدداً بالشجب والبيانات، بينما تمضي إسرائيل في فرض مشاريعها.
ويشير الطماوي إلى أنّ التجارب السابقة تؤكد أنّ المواقف الدولية غالباً ما تظل عند حدود الإدانة الشكلية، بسبب ازدواجية المعايير والدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل.
ضغوط سياسية وقانونية متنامية
ويرى الطماوي أنّ التحولات الأخيرة، بما في ذلك تصاعد الغضب الشعبي الغربي واتساع دائرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، قد تشكل ضغوطاً سياسية وقانونية متنامية من شأنها تعطيل المخطط الإسرائيلي ووضعه تحت طائلة العزلة.
ويعتقد الطماوي أن إسرائيل تواصل استراتيجيتها القائمة على فرض الأمر الواقع بدعم من واشنطن وصمت معظم القوى الكبرى، غير أنّ تنامي الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية، وارتفاع الأصوات المطالبة بالمحاسبة، واتساع حركة المقاطعة، قد يشكل على المدى المتوسط كابحاً حقيقياً لمشاريع التهجير والاستيطان، ويحول دون تحويل غزة إلى 'ريفيرا' تُبنى على جماجم أبنائها ودمارها.
تحول واضح في أولويات السياسات الإسرائيلية
يؤكد الكاتب الصحفي نبهان خريشة أن المؤتمر الذي عقد مؤخرًا في الكنيست الإسرائيلي تحت عنوان 'اليوم التالي في غزة' كشف عن تحول واضح في أولويات السياسات الإسرائيلية تجاه القطاع، بعيدًا عن مجرد الاعتبارات الأمنية، نحو إعادة تشكيل الواقع السكاني والجغرافي واستغلال الأرض لأغراض اقتصادية وسياحية.
ويوضح خريشة أن المؤتمر تناول موضوع الاستيطان في غزة وإنشاء مشاريع عقارية استثمارية، متجاهلًا حقيقة أن أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون تحت حصار مستمر، يواجهون القتل والتدمير والتجويع اليومي.
ويشير خريشة إلى تصريحات النائبة المتطرفة 'ليمور سون هار ميلخ' والنائب 'تسفي سوكوت'، اللذين تجاوزا الحديث عن الرد على هجمات السابع من أكتوبر 2023، إلى نقاش خطط لإعادة الاستيطان في غزة بهدف 'تصحيح الخطأ التاريخي' المتمثل بالانسحاب الإسرائيلي من القطاع في 2005.
ويوضح خريشة أن من أبرز مخرجات المؤتمر كانت خطط إقامة منتجعات سياحية فاخرة بعد طرد السكان الفلسطينيين، ما يعكس أن المشروع الإسرائيلي في غزة لم يعد يركز على الجانب الأمني فقط، بل يسعى إلى الاستفادة الاقتصادية والسياحية من الأرض، بعد تهجير السكان الأصليين.
ويؤكد خريشة أن هذا التوجه يعكس تحولًا استراتيجياً في الأولويات، من إدارة الأمن إلى فرض وقائع جديدة على الأرض بالقوة، بما يضع غزة أمام مفترق طرق حاد: التهجير القسري أو العيش في ظروف صعبة للغاية.
ويشير خريشة إلى أن المؤتمر يكشف أيضًا عن الطبيعة السياسية للخطط داخل الكنيست، حيث أن النقاش لم يقتصر على الردود العسكرية، بل امتد إلى استخدام أدوات سياسية واقتصادية لتغيير المعالم الديمغرافية والسياسية للقطاع بشكل دائم.
ويحذر خريشة من أن صمت المجتمع الدولي واكتفاؤه بإصدار بيانات مجردة يمنح إسرائيل غطاءً جزئيًا للمضي قدمًا في مشاريعها، مؤكداً أن الأطفال والنساء والرجال في غزة ليسوا أرقامًا، بل بشر حياتهم اليومية مهددة بالتهجير والمعاناة.
ويؤكد خريشة أن أي تأجيل في اتخاذ موقف دولي فعال يتيح استمرار تنفيذ مشاريع الاستيطان وإعادة رسم الخرائط على حساب حقوق الفلسطينيين، محذرًا من أن التاريخ سيحاسب ليس فقط إسرائيل، بل أيضًا كل من اكتفى بالمواقف التصريحية دون العمل على حماية المدنيين.
خطة أمريكية-إسرائيلية لتجريد الغزيين من أراضيهم
يحذر الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل من أن السياسات الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تشير بوضوح إلى إصرار تل أبيب على التوسع والسيطرة، بما يشمل قطاع غزة وأراضي فلسطين التاريخية ودولاً عربية، وفق تصريحات رسمية ووقائع ميدانية تتطابق مع أهداف إسرائيلية معلنة مسبقًا.
ويوضح عوكل أن نتنياهو قبل السابع من أكتوبر 2023، كان قد عرض على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة خارطة إسرائيل التي لا تشمل قطاع غزة فقط بل لدول عربية، مؤكداً عزمه على تحقيق إقامة 'إسرائيل الكبرى'.
ويشير عوكل إلى أن هذا التوجه يشمل خطة أمريكية-إسرائيلية واضحة لتجريد أهالي قطاع غزة من أراضيهم وتهجيرهم خارجها، وهو هدف لا تبدو المؤشرات الحالية أنها ستتراجع عنه، إضافة إلى السيطرة على أراضي دول عربية.
ويلفت عوكل إلى أن استمرار الحروب الإسرائيلية في المنطقة يبدو مؤكداً حتى في حال التوصل إلى أي اتفاق جزئي أو شامل، معتبراً أن الصراع يظل مفتوحاً ومعقداً، وأن تحقيق أهداف إسرائيل ليس أمراً مفروغاً منه، نظراً للعقبات الهائلة التي تواجهها.
سياسة نتنياهو قد تقود إسرائيل إلى نفق مظلم
ويوضح عوكل أن المرحلة المقبلة من المخططات الإسرائيلية قد تؤدي إلى تحول نوعي في ردود الفعل العربية، بدءاً من البيانات الرسمية وصولاً إلى الحراكات الفاعلة والمؤثرة على الأرض، خصوصاً في ظل التغيرات المتسارعة على المستوى الدولي، التي قد تمهد لفرض عقوبات على إسرائيل من قبل حلفاء تقليديين تحت ضغط الرأي العام.
ويحذر عوكل من أن سياسة نتنياهو التوسعية قد تقود إسرائيل إلى نفق مظلم، مؤكداً أن الشعب الفلسطيني لم يدخل بعد بكامل إمكاناته إلى ميدان المواجهة، ولم يتم اختبار قدرات النهوض العربي أمام التهديد الاستراتيجي الذي تنذر به سياسات تل أبيب، وهو ما يفرض على المجتمع الدولي والعربي مراقبة التطورات عن كثب.
'القدس العربي'
د. سعد نمر: المعركة الحقيقية بالنسبة للفلسطينيين صياغة رؤية موحدة لليوم التالي بعيداً عن الأوهام والرهانات الدولية الفارغة
سري سمور: الإدارة الأميركية منحت إسرائيل 'الضوء الأخضر' للمضي قدماً في مشاريعها الاستيطانية في قطاع غزة
نهاد أبو غوش: تصريحات ترمب حول السيطرة على غزة خارطة طريق تبرر توجهات نتنياهو ورفضه أي صفقة ووضع شروط تعجيزية
د. محمد الطماوي: تنامي الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية والمطالبة بالمحاسبة واتساع حركة المقاطعة قد تشكل كابحاً للتهجير والاستيطان
نبهان خريشة: المشروع الإسرائيلي بغزة لم يعد يركز على الجانب الأمني فقط بل يسعى للاستفادة اقتصادياً وسياحياً من الأرض بعد التهجير
طلال عوكل: السياسات الإسرائيلية بقيادة نتنياهو تشير بوضوح إلى الإصرار على التوسع والسيطرة بما يشمل فلسطين التاريخية ودولاً عربية
أخبار اليوم - في ظل النقاش الدائر داخل الكنيست الإسرائيلي حول ما يسمى 'اليوم التالي في غزة'، فإن ذلك يكشف عن عودة ملف الاستيطان إلى الواجهة، عبر طروحات تدعو لإعادة بناء مستوطنات داخل القطاع وتحويله إلى منطقة عقارية وتجارية وسياحية ضخمة على أنقاض البيوت المدمرة، بعد تهجير الفلسطينيين قسراً، في إطار رؤية يقدمها اليمين الإسرائيلي باعتبارها 'مشروعاً حضارياً'.
ويوضح كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة لـ'ے'، أن هذه الطروحات تصطدم بعقبات جوهرية، أبرزها الكثافة السكانية الهائلة التي تجعل من التهجير أمراً شبه مستحيل، إضافة إلى واقع أمني متفجر بفعل استمرار المقاومة، ما يعني أن أي محاولة لتوطين مستوطنين داخل غزة ستفتح جبهة مواجهة لا تنتهي، كما أن تحويل القطاع إلى 'ريفيرا سياحية' يتطلب استثمارات ضخمة وظروف استقرار بعيدة المنال، وهو ما يجعل هذه الأفكار أقرب إلى أوهام أيديولوجية منها إلى خطط قابلة للتنفيذ.
من الناحية القانونية، يرى الكتاب والمحللون والمختصون وأساتذة الجامعات أن أي مشروع استيطاني في غزة سيضع إسرائيل في مواجهة اتهامات دولية بارتكاب جرائم حرب وتطهير عرقي، خاصة مع تصاعد الأصوات المطالبة بمحاسبتها أمام المحاكم الدولية، ومع ذلك، تمضي تل أبيب في تسويق هذه المشاريع مستندة إلى دعم أميركي غير محدود وصمت معظم القوى الكبرى.
ويرون أن ما يجري هو محاولة إسرائيلية لفرض واقع جديد بالقوة، يقطع الطريق على أي تسوية مستقبلية ويمنع وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة والقطاع، غير أن اتساع حركة التضامن العالمي مع الفلسطينيين، وتزايد دعوات المقاطعة، قد يشكل على المدى المتوسط عائقاً أمام هذه المخططات، ويحول دون تحويل غزة إلى 'مستوطنة سياحية' على حساب أهلها.
تياران إسرائيليان أساسيان
يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت د. سعد نمر، أن المؤتمر الذي عُقد في الكنيست الإسرائيلي حول 'اليوم التالي للحرب'، أوجد جدلاً داخل إسرائيل بين تيارين أساسيين، حيث إنّ هناك تياراً يدفع باتجاه 'إخراج سكان غزة' في إطار مخططات ترقى إلى مستوى التطهير العرقي، مع محاولة السيطرة الكاملة على القطاع، وتنفيذ مشاريع استيطانية تنسجم مع ما طرحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي تحدث عن تحويل غزة إلى ما أسماه 'ريفيرا الشرق الأوسط'.
ويشدّد نمر على أنّ هذا السيناريو غير قابل للتحقق، لأن سكان غزة -الذين يواجهون حرباً ومجاعة- لن يقبلوا بالتهجير القسري أو بمشاريع من هذا النوع.
ويشير نمر إلى تيار آخر داخل إسرائيل يرى صعوبة تطبيق التهجير، ويدفع نحو البحث عن صيغة لإدارة غزة بعد الحرب، مع رفض واضح لعودة السلطة الفلسطينية لتولي الحكم هناك، خشية أن يؤدي ذلك إلى إعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة.
ووفق نمر، فإن المقترحات التي طُرحت شملت خيارين: الأول تشكيل إدارة محلية من 'سكان مدنيين موالين لإسرائيل'، على غرار تجربة 'روابط القرى' في الضفة الغربية خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، والثاني نشر قوة عربية تتولى الأمن والإدارة، مع بقاء السيطرة الإسرائيلية على القطاع بشكل مباشر أو غير مباشر.
ويرى نمر أن هذه السيناريوهات، رغم تنوعها، تصطدم جميعها بواقع ميداني معقد، مؤكداً أنّ الحل لا يمكن أن يمر إلا عبر توافق وطني فلسطيني يشمل جميع الفصائل، بما فيها حركتا حماس والجهاد الإسلامي اللتان قادتا المواجهة الميدانية.
مخاطر تجاوز الإجماع الفلسطيني
ويشدّد نمر على أن 'أي تجاوز للإجماع الفلسطيني سيعني تنفيذ المخطط الإسرائيلي القائم على العشائرية والتجزئة، وهو ما يجب التصدي له عبر توحيد الصف الفلسطيني ووضع خطة واضحة لليوم التالي'.
وحول الموقف الدولي، يعتبر نمر أن المجتمع الدولي، بما فيه الولايات المتحدة وأوروبا، خذل الفلسطينيين خلال الحرب المستمرة التي اتسمت بالتجويع والإبادة الجماعية.
ويوضح نمر أن المواقف الأوروبية والأميركية اقتصرت على التصريحات والإدانات، من دون أي خطوات عملية لوقف الحرب أو الضغط على إسرائيل، بل إن بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا وبريطانيا، تحاول الالتفاف على جوهر الأزمة بالحديث عن الاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر/أيلول المقبل، في خطوة تعد 'هروباً إلى الأمام'، لأنها لا توقف المجاعة ولا المجازر الجارية في القطاع.
ويؤكد نمر أن الدور الأميركي ما زال منحازاً بالكامل لإسرائيل، فيما تفتقر أوروبا إلى الإرادة السياسية لاتخاذ إجراءات رادعة.
ويشير نمر إلى أن 'المعركة الحقيقية بالنسبة للفلسطينيين هي صياغة رؤية موحدة لليوم التالي، بعيداً عن الأوهام والرهانات الدولية الفارغة'.
الميدان في غزة ما زال يشتعل
يرى الكاتب والمحلل السياسي سري سمور أن المخططات الإسرائيلية لإعادة الاستيطان في قطاع غزة، التي تتجلى في المؤتمرات والإجراءات الأخيرة داخل الكنيست، لا يمكن قراءتها بمعزل عن الموقف الأميركي، مشيراً إلى أن الإدارة الأميركية منحت إسرائيل 'الضوء الأخضر' للمضي قدماً في مشاريعها الاستيطانية في قطاع غزة، لكنها في المقابل لا تستطيع تنفيذها فعلياً طالما بقيت المقاومة حاضرة في الميدان.
ويوضح سمور أن الميدان في قطاع غزة ما زال يشتعل يومياً بعمليات قنص وتفجير آليات، وهو ما يجعل من المستحيل على إسرائيل فرض مخططاتها في ظل استمرار المقاومة، قائلاً: 'حتى لو بقي مقاوِم واحد في غزة، فإن تنفيذ الاستيطان أو فرض واقع جديد يتطلب إما استقراراً تاماً أو تهجيراً كاملاً لسكان القطاع، وهو ما تسعى له إسرائيل عبر محاولات التهجير الجماعي سواء براً أو بحراً'.
ويبيّن سمور أن الرهان على مواقف دولية لن يوقف إسرائيل، معتبراً أن تل أبيب لا تكترث بالاستنكارات العالمية بقدر ما تهتم بالموقف الأميركي الذي تعتبره مرجعيتها الأولى والأخيرة، وإن أرادت أميركا لأوقفت ممارسات إسرائيل.
ويؤكد سمور أن الإدارة الأميركية حتى الآن تمنح إسرائيل الحبل على الغارب، ما يتيح لها الاستمرار في سياساتها التوسعية.
وفي ما يخص الموقف العربي، يشير سمور إلى أن تغييره يمكن أن يشكّل عاملاً ضاغطاً على إسرائيل، لكن ذلك يبدو بعيد المنال في ظل الواقع الحالي، حيث انتقلت بعض الدول العربية من حالة العجز أو الخذلان إلى الاصطفاف في الخندق الإسرائيلي.
خيارات الضغط العربي
ومع ذلك، يرى سمور أن خيارات الضغط العربي لا تقتصر على المواجهة العسكرية، بل يمكن أن تبدأ بقطع العلاقات أو وقف الإمدادات، أو على الأقل السماح بظهور حراك شعبي ضاغط، وهو ما قد يقلق الولايات المتحدة الأمريكية التي لا ترغب برؤية عدم استقرار واسع في الأنظمة العربية بسبب القضية الفلسطينية.
ويعتبر سمور أن الحديث عن تحرك عربي جاد يبقى أقرب إلى الحلم، مشيراً إلى أن المخطط الإسرائيلي يسير بدعم أميركي وتواطؤ دولي، لكن الشعب الفلسطيني ما زال يشكل العامل الكابح الأهم لتلك المخططات عبر صموده ومقاومته.
الأطماع الإسرائيلية لم تتوقف
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي والمختص بالشأن الإسرائيلي نهاد أبو غوش أن الأطماع الإسرائيلية في احتلال قطاع غزة وعودة الاستيطان إليه لم تتوقف منذ إنشاء دولة إسرائيل، وأن هذه الأفكار لم تتراجع حتى بعد تنفيذ خطة فك الارتباط والانسحاب من القطاع في العام 2005.
ويوضح أبو غوش أن هذه الأفكار انتقلت من مجرد أحلام إلى برامج وخطط عملية خلال الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر 2023، حيث جرى عقد مؤتمرين مهمين لدعم الاستيطان، الأول في يناير/ كانون الثاني 2024، تحت شعار 'الاستيطان يجلب الأمن'، بحضور نواب ووزراء من مختلف قوى اليمين الإسرائيلي، بما فيها حزب الليكود الحاكم، والثاني قرب قطاع غزة في نوفمبر /تشرين الثاني من نفس العام.
ويشير أبو غوش إلى أن هذه السياسة المستمرة تفسر امتناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن الإفصاح عن أهداف الحرب الحقيقية، وإحجامه عن توضيح 'اليوم التالي' للقطاع، تجنبًا لإغضاب شركائه من الصهيونية الدينية وأوساط واسعة داخل الليكود، لافتًا إلى أن هذه المشاريع قد تُعد جرائم حرب صريحة وتثير غضب المجتمع الدولي.
ويوضح أبو غوش أن تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب في فبراير /شباط 2025، حول مخططات الاستيطان والسيطرة على قطاع غزة أعطتها بعدًا جديدًا، حيث تمثل تصريحات ترامب بمثابة خارطة طريق تبرر توجهات نتنياهو ورفضه التام لأي صفقة جديدة، مع وضع شروط تعجيزية لأي اتفاق محتمل.
ويؤكد أبو غوش أن ترامب ذهب بعيدًا في توصيفاته لمشروع إعادة إعمار غزة على أساس إخلائها من الفلسطينيين، ما يعكس أكبر دعم أميركي لمخططات الحركة الصهيونية، التي باتت تتبناها معظم القوى الإسرائيلية بما فيها المعارضة.
ويشير أبو غوش إلى أن المخطط الإسرائيلي المدعوم أميركيًا لا يقتصر على الأرض وحدها، بل يمتد إلى تهجير الفلسطينيين من القطاع وتصفية القضية الفلسطينية، بما يشمل الضفة الغربية، وكذلك السيطرة على حقول الغاز الفلسطينية، وربما استغلال الموقع الجغرافي لإقامة خطوط بديلة لقناة السويس.
مواقف الشجب والتنديد لا تؤثر على إسرائيل
ويؤكد أبو غوش أن مواقف الشجب والتنديد الدولية لا تؤثر على إسرائيل التي تراهن على الدعم الأميركي وتعتبره أكثر أهمية من موقف العالم، لكن موجات التضامن الشعبي غير المسبوقة في بريطانيا وأستراليا وألمانيا وهولندا أثبتت أن الضغوط الجماهيرية يمكن أن تفرض تغييرًا على مواقف حلفاء إسرائيل التقليديين.
ويلفت أبو غوش إلى أن التحدي الأكبر يكمن في الموقف العربي الرسمي والفلسطيني، الذي يتراوح بين العجز والشلل والتخاذل، بل أحيانًا تبرير الممارسات الإسرائيلية، وهو ما يعزز ممارسات الاحتلال على حساب الفلسطينيين.
ويشدد أبو غوش على أن الرهان الحقيقي يبقى على صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته، مع مؤشرات إيجابية للتيار الشعبي في بعض الدول العربية مثل المغرب وتونس، وهو ما قد يشكل بداية لمرحلة جديدة من اليقظة والمواجهة الجماهيرية ضد مخططات الاحتلال.
خطورة الطروحات الإسرائيلية لـ'اليوم التالي'
يحذّر الباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية د. محمد الطماوي من خطورة الطروحات التي تتداولها الأوساط الإسرائيلية في الكنيست حول ما يُسمى 'اليوم التالي في غزة'، والتي تكشف عن مخطط يتجاوز حدود الحرب الراهنة نحو سيناريو تهجير السكان الفلسطينيين، وإقامة مستوطنات ومراكز تجارية وأماكن ترفيهية على أنقاض القطاع، في صورة أشبه بما يصفه اليمين الإسرائيلي بـ'ريفيرا سياحية'، والتي تنسجم مع ما طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أشهر.
ويوضح الطماوي أنّ هذه المشاريع، على الرغم من جاذبيتها للتيارات اليمينية المتطرفة في إسرائيل، تصطدم بعقبات واقعية كبرى، حيث أنه في مقدمة تلك العقبات الكثافة السكانية العالية في القطاع، والتي تجعل من التهجير القسري مهمة شبه مستحيلة، إلى جانب التبعات القانونية الخطيرة التي قد تضع إسرائيل أمام اتهامات مباشرة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ويؤكد الطماوي أنّ محاولة توطين مستوطنين داخل غزة لن تكون سوى وصفة لصدام مفتوح، إذ من المستحيل أن يقبل الشعب الفلسطيني بتحويل أرضه إلى مشروع استعماري جديد تحت لافتة 'الاستثمار أو السياحة'، كما أنّ تحويل غزة المدمّرة إلى منطقة استجمام ومراكز تجارية يتطلب استثمارات ضخمة وظروف استقرار سياسي وأمني غير متوفرة في ظل استمرار الاحتلال والحصار، وهو ما يجعل هذه الطروحات أقرب إلى 'الأوهام الأيديولوجية' التي يوظفها الساسة الإسرائيليون لاعتبارات داخلية، أكثر من كونها خططاً قابلة للتنفيذ.
وعلى صعيد الموقف الدولي، يتساءل الطماوي إن كان العالم سيكتفي مجدداً بالشجب والبيانات، بينما تمضي إسرائيل في فرض مشاريعها.
ويشير الطماوي إلى أنّ التجارب السابقة تؤكد أنّ المواقف الدولية غالباً ما تظل عند حدود الإدانة الشكلية، بسبب ازدواجية المعايير والدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل.
ضغوط سياسية وقانونية متنامية
ويرى الطماوي أنّ التحولات الأخيرة، بما في ذلك تصاعد الغضب الشعبي الغربي واتساع دائرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، قد تشكل ضغوطاً سياسية وقانونية متنامية من شأنها تعطيل المخطط الإسرائيلي ووضعه تحت طائلة العزلة.
ويعتقد الطماوي أن إسرائيل تواصل استراتيجيتها القائمة على فرض الأمر الواقع بدعم من واشنطن وصمت معظم القوى الكبرى، غير أنّ تنامي الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية، وارتفاع الأصوات المطالبة بالمحاسبة، واتساع حركة المقاطعة، قد يشكل على المدى المتوسط كابحاً حقيقياً لمشاريع التهجير والاستيطان، ويحول دون تحويل غزة إلى 'ريفيرا' تُبنى على جماجم أبنائها ودمارها.
تحول واضح في أولويات السياسات الإسرائيلية
يؤكد الكاتب الصحفي نبهان خريشة أن المؤتمر الذي عقد مؤخرًا في الكنيست الإسرائيلي تحت عنوان 'اليوم التالي في غزة' كشف عن تحول واضح في أولويات السياسات الإسرائيلية تجاه القطاع، بعيدًا عن مجرد الاعتبارات الأمنية، نحو إعادة تشكيل الواقع السكاني والجغرافي واستغلال الأرض لأغراض اقتصادية وسياحية.
ويوضح خريشة أن المؤتمر تناول موضوع الاستيطان في غزة وإنشاء مشاريع عقارية استثمارية، متجاهلًا حقيقة أن أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون تحت حصار مستمر، يواجهون القتل والتدمير والتجويع اليومي.
ويشير خريشة إلى تصريحات النائبة المتطرفة 'ليمور سون هار ميلخ' والنائب 'تسفي سوكوت'، اللذين تجاوزا الحديث عن الرد على هجمات السابع من أكتوبر 2023، إلى نقاش خطط لإعادة الاستيطان في غزة بهدف 'تصحيح الخطأ التاريخي' المتمثل بالانسحاب الإسرائيلي من القطاع في 2005.
ويوضح خريشة أن من أبرز مخرجات المؤتمر كانت خطط إقامة منتجعات سياحية فاخرة بعد طرد السكان الفلسطينيين، ما يعكس أن المشروع الإسرائيلي في غزة لم يعد يركز على الجانب الأمني فقط، بل يسعى إلى الاستفادة الاقتصادية والسياحية من الأرض، بعد تهجير السكان الأصليين.
ويؤكد خريشة أن هذا التوجه يعكس تحولًا استراتيجياً في الأولويات، من إدارة الأمن إلى فرض وقائع جديدة على الأرض بالقوة، بما يضع غزة أمام مفترق طرق حاد: التهجير القسري أو العيش في ظروف صعبة للغاية.
ويشير خريشة إلى أن المؤتمر يكشف أيضًا عن الطبيعة السياسية للخطط داخل الكنيست، حيث أن النقاش لم يقتصر على الردود العسكرية، بل امتد إلى استخدام أدوات سياسية واقتصادية لتغيير المعالم الديمغرافية والسياسية للقطاع بشكل دائم.
ويحذر خريشة من أن صمت المجتمع الدولي واكتفاؤه بإصدار بيانات مجردة يمنح إسرائيل غطاءً جزئيًا للمضي قدمًا في مشاريعها، مؤكداً أن الأطفال والنساء والرجال في غزة ليسوا أرقامًا، بل بشر حياتهم اليومية مهددة بالتهجير والمعاناة.
ويؤكد خريشة أن أي تأجيل في اتخاذ موقف دولي فعال يتيح استمرار تنفيذ مشاريع الاستيطان وإعادة رسم الخرائط على حساب حقوق الفلسطينيين، محذرًا من أن التاريخ سيحاسب ليس فقط إسرائيل، بل أيضًا كل من اكتفى بالمواقف التصريحية دون العمل على حماية المدنيين.
خطة أمريكية-إسرائيلية لتجريد الغزيين من أراضيهم
يحذر الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل من أن السياسات الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تشير بوضوح إلى إصرار تل أبيب على التوسع والسيطرة، بما يشمل قطاع غزة وأراضي فلسطين التاريخية ودولاً عربية، وفق تصريحات رسمية ووقائع ميدانية تتطابق مع أهداف إسرائيلية معلنة مسبقًا.
ويوضح عوكل أن نتنياهو قبل السابع من أكتوبر 2023، كان قد عرض على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة خارطة إسرائيل التي لا تشمل قطاع غزة فقط بل لدول عربية، مؤكداً عزمه على تحقيق إقامة 'إسرائيل الكبرى'.
ويشير عوكل إلى أن هذا التوجه يشمل خطة أمريكية-إسرائيلية واضحة لتجريد أهالي قطاع غزة من أراضيهم وتهجيرهم خارجها، وهو هدف لا تبدو المؤشرات الحالية أنها ستتراجع عنه، إضافة إلى السيطرة على أراضي دول عربية.
ويلفت عوكل إلى أن استمرار الحروب الإسرائيلية في المنطقة يبدو مؤكداً حتى في حال التوصل إلى أي اتفاق جزئي أو شامل، معتبراً أن الصراع يظل مفتوحاً ومعقداً، وأن تحقيق أهداف إسرائيل ليس أمراً مفروغاً منه، نظراً للعقبات الهائلة التي تواجهها.
سياسة نتنياهو قد تقود إسرائيل إلى نفق مظلم
ويوضح عوكل أن المرحلة المقبلة من المخططات الإسرائيلية قد تؤدي إلى تحول نوعي في ردود الفعل العربية، بدءاً من البيانات الرسمية وصولاً إلى الحراكات الفاعلة والمؤثرة على الأرض، خصوصاً في ظل التغيرات المتسارعة على المستوى الدولي، التي قد تمهد لفرض عقوبات على إسرائيل من قبل حلفاء تقليديين تحت ضغط الرأي العام.
ويحذر عوكل من أن سياسة نتنياهو التوسعية قد تقود إسرائيل إلى نفق مظلم، مؤكداً أن الشعب الفلسطيني لم يدخل بعد بكامل إمكاناته إلى ميدان المواجهة، ولم يتم اختبار قدرات النهوض العربي أمام التهديد الاستراتيجي الذي تنذر به سياسات تل أبيب، وهو ما يفرض على المجتمع الدولي والعربي مراقبة التطورات عن كثب.
'القدس العربي'
د. سعد نمر: المعركة الحقيقية بالنسبة للفلسطينيين صياغة رؤية موحدة لليوم التالي بعيداً عن الأوهام والرهانات الدولية الفارغة
سري سمور: الإدارة الأميركية منحت إسرائيل 'الضوء الأخضر' للمضي قدماً في مشاريعها الاستيطانية في قطاع غزة
نهاد أبو غوش: تصريحات ترمب حول السيطرة على غزة خارطة طريق تبرر توجهات نتنياهو ورفضه أي صفقة ووضع شروط تعجيزية
د. محمد الطماوي: تنامي الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية والمطالبة بالمحاسبة واتساع حركة المقاطعة قد تشكل كابحاً للتهجير والاستيطان
نبهان خريشة: المشروع الإسرائيلي بغزة لم يعد يركز على الجانب الأمني فقط بل يسعى للاستفادة اقتصادياً وسياحياً من الأرض بعد التهجير
طلال عوكل: السياسات الإسرائيلية بقيادة نتنياهو تشير بوضوح إلى الإصرار على التوسع والسيطرة بما يشمل فلسطين التاريخية ودولاً عربية
أخبار اليوم - في ظل النقاش الدائر داخل الكنيست الإسرائيلي حول ما يسمى 'اليوم التالي في غزة'، فإن ذلك يكشف عن عودة ملف الاستيطان إلى الواجهة، عبر طروحات تدعو لإعادة بناء مستوطنات داخل القطاع وتحويله إلى منطقة عقارية وتجارية وسياحية ضخمة على أنقاض البيوت المدمرة، بعد تهجير الفلسطينيين قسراً، في إطار رؤية يقدمها اليمين الإسرائيلي باعتبارها 'مشروعاً حضارياً'.
ويوضح كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة لـ'ے'، أن هذه الطروحات تصطدم بعقبات جوهرية، أبرزها الكثافة السكانية الهائلة التي تجعل من التهجير أمراً شبه مستحيل، إضافة إلى واقع أمني متفجر بفعل استمرار المقاومة، ما يعني أن أي محاولة لتوطين مستوطنين داخل غزة ستفتح جبهة مواجهة لا تنتهي، كما أن تحويل القطاع إلى 'ريفيرا سياحية' يتطلب استثمارات ضخمة وظروف استقرار بعيدة المنال، وهو ما يجعل هذه الأفكار أقرب إلى أوهام أيديولوجية منها إلى خطط قابلة للتنفيذ.
من الناحية القانونية، يرى الكتاب والمحللون والمختصون وأساتذة الجامعات أن أي مشروع استيطاني في غزة سيضع إسرائيل في مواجهة اتهامات دولية بارتكاب جرائم حرب وتطهير عرقي، خاصة مع تصاعد الأصوات المطالبة بمحاسبتها أمام المحاكم الدولية، ومع ذلك، تمضي تل أبيب في تسويق هذه المشاريع مستندة إلى دعم أميركي غير محدود وصمت معظم القوى الكبرى.
ويرون أن ما يجري هو محاولة إسرائيلية لفرض واقع جديد بالقوة، يقطع الطريق على أي تسوية مستقبلية ويمنع وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة والقطاع، غير أن اتساع حركة التضامن العالمي مع الفلسطينيين، وتزايد دعوات المقاطعة، قد يشكل على المدى المتوسط عائقاً أمام هذه المخططات، ويحول دون تحويل غزة إلى 'مستوطنة سياحية' على حساب أهلها.
تياران إسرائيليان أساسيان
يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت د. سعد نمر، أن المؤتمر الذي عُقد في الكنيست الإسرائيلي حول 'اليوم التالي للحرب'، أوجد جدلاً داخل إسرائيل بين تيارين أساسيين، حيث إنّ هناك تياراً يدفع باتجاه 'إخراج سكان غزة' في إطار مخططات ترقى إلى مستوى التطهير العرقي، مع محاولة السيطرة الكاملة على القطاع، وتنفيذ مشاريع استيطانية تنسجم مع ما طرحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي تحدث عن تحويل غزة إلى ما أسماه 'ريفيرا الشرق الأوسط'.
ويشدّد نمر على أنّ هذا السيناريو غير قابل للتحقق، لأن سكان غزة -الذين يواجهون حرباً ومجاعة- لن يقبلوا بالتهجير القسري أو بمشاريع من هذا النوع.
ويشير نمر إلى تيار آخر داخل إسرائيل يرى صعوبة تطبيق التهجير، ويدفع نحو البحث عن صيغة لإدارة غزة بعد الحرب، مع رفض واضح لعودة السلطة الفلسطينية لتولي الحكم هناك، خشية أن يؤدي ذلك إلى إعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة.
ووفق نمر، فإن المقترحات التي طُرحت شملت خيارين: الأول تشكيل إدارة محلية من 'سكان مدنيين موالين لإسرائيل'، على غرار تجربة 'روابط القرى' في الضفة الغربية خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، والثاني نشر قوة عربية تتولى الأمن والإدارة، مع بقاء السيطرة الإسرائيلية على القطاع بشكل مباشر أو غير مباشر.
ويرى نمر أن هذه السيناريوهات، رغم تنوعها، تصطدم جميعها بواقع ميداني معقد، مؤكداً أنّ الحل لا يمكن أن يمر إلا عبر توافق وطني فلسطيني يشمل جميع الفصائل، بما فيها حركتا حماس والجهاد الإسلامي اللتان قادتا المواجهة الميدانية.
مخاطر تجاوز الإجماع الفلسطيني
ويشدّد نمر على أن 'أي تجاوز للإجماع الفلسطيني سيعني تنفيذ المخطط الإسرائيلي القائم على العشائرية والتجزئة، وهو ما يجب التصدي له عبر توحيد الصف الفلسطيني ووضع خطة واضحة لليوم التالي'.
وحول الموقف الدولي، يعتبر نمر أن المجتمع الدولي، بما فيه الولايات المتحدة وأوروبا، خذل الفلسطينيين خلال الحرب المستمرة التي اتسمت بالتجويع والإبادة الجماعية.
ويوضح نمر أن المواقف الأوروبية والأميركية اقتصرت على التصريحات والإدانات، من دون أي خطوات عملية لوقف الحرب أو الضغط على إسرائيل، بل إن بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا وبريطانيا، تحاول الالتفاف على جوهر الأزمة بالحديث عن الاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر/أيلول المقبل، في خطوة تعد 'هروباً إلى الأمام'، لأنها لا توقف المجاعة ولا المجازر الجارية في القطاع.
ويؤكد نمر أن الدور الأميركي ما زال منحازاً بالكامل لإسرائيل، فيما تفتقر أوروبا إلى الإرادة السياسية لاتخاذ إجراءات رادعة.
ويشير نمر إلى أن 'المعركة الحقيقية بالنسبة للفلسطينيين هي صياغة رؤية موحدة لليوم التالي، بعيداً عن الأوهام والرهانات الدولية الفارغة'.
الميدان في غزة ما زال يشتعل
يرى الكاتب والمحلل السياسي سري سمور أن المخططات الإسرائيلية لإعادة الاستيطان في قطاع غزة، التي تتجلى في المؤتمرات والإجراءات الأخيرة داخل الكنيست، لا يمكن قراءتها بمعزل عن الموقف الأميركي، مشيراً إلى أن الإدارة الأميركية منحت إسرائيل 'الضوء الأخضر' للمضي قدماً في مشاريعها الاستيطانية في قطاع غزة، لكنها في المقابل لا تستطيع تنفيذها فعلياً طالما بقيت المقاومة حاضرة في الميدان.
ويوضح سمور أن الميدان في قطاع غزة ما زال يشتعل يومياً بعمليات قنص وتفجير آليات، وهو ما يجعل من المستحيل على إسرائيل فرض مخططاتها في ظل استمرار المقاومة، قائلاً: 'حتى لو بقي مقاوِم واحد في غزة، فإن تنفيذ الاستيطان أو فرض واقع جديد يتطلب إما استقراراً تاماً أو تهجيراً كاملاً لسكان القطاع، وهو ما تسعى له إسرائيل عبر محاولات التهجير الجماعي سواء براً أو بحراً'.
ويبيّن سمور أن الرهان على مواقف دولية لن يوقف إسرائيل، معتبراً أن تل أبيب لا تكترث بالاستنكارات العالمية بقدر ما تهتم بالموقف الأميركي الذي تعتبره مرجعيتها الأولى والأخيرة، وإن أرادت أميركا لأوقفت ممارسات إسرائيل.
ويؤكد سمور أن الإدارة الأميركية حتى الآن تمنح إسرائيل الحبل على الغارب، ما يتيح لها الاستمرار في سياساتها التوسعية.
وفي ما يخص الموقف العربي، يشير سمور إلى أن تغييره يمكن أن يشكّل عاملاً ضاغطاً على إسرائيل، لكن ذلك يبدو بعيد المنال في ظل الواقع الحالي، حيث انتقلت بعض الدول العربية من حالة العجز أو الخذلان إلى الاصطفاف في الخندق الإسرائيلي.
خيارات الضغط العربي
ومع ذلك، يرى سمور أن خيارات الضغط العربي لا تقتصر على المواجهة العسكرية، بل يمكن أن تبدأ بقطع العلاقات أو وقف الإمدادات، أو على الأقل السماح بظهور حراك شعبي ضاغط، وهو ما قد يقلق الولايات المتحدة الأمريكية التي لا ترغب برؤية عدم استقرار واسع في الأنظمة العربية بسبب القضية الفلسطينية.
ويعتبر سمور أن الحديث عن تحرك عربي جاد يبقى أقرب إلى الحلم، مشيراً إلى أن المخطط الإسرائيلي يسير بدعم أميركي وتواطؤ دولي، لكن الشعب الفلسطيني ما زال يشكل العامل الكابح الأهم لتلك المخططات عبر صموده ومقاومته.
الأطماع الإسرائيلية لم تتوقف
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي والمختص بالشأن الإسرائيلي نهاد أبو غوش أن الأطماع الإسرائيلية في احتلال قطاع غزة وعودة الاستيطان إليه لم تتوقف منذ إنشاء دولة إسرائيل، وأن هذه الأفكار لم تتراجع حتى بعد تنفيذ خطة فك الارتباط والانسحاب من القطاع في العام 2005.
ويوضح أبو غوش أن هذه الأفكار انتقلت من مجرد أحلام إلى برامج وخطط عملية خلال الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر 2023، حيث جرى عقد مؤتمرين مهمين لدعم الاستيطان، الأول في يناير/ كانون الثاني 2024، تحت شعار 'الاستيطان يجلب الأمن'، بحضور نواب ووزراء من مختلف قوى اليمين الإسرائيلي، بما فيها حزب الليكود الحاكم، والثاني قرب قطاع غزة في نوفمبر /تشرين الثاني من نفس العام.
ويشير أبو غوش إلى أن هذه السياسة المستمرة تفسر امتناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن الإفصاح عن أهداف الحرب الحقيقية، وإحجامه عن توضيح 'اليوم التالي' للقطاع، تجنبًا لإغضاب شركائه من الصهيونية الدينية وأوساط واسعة داخل الليكود، لافتًا إلى أن هذه المشاريع قد تُعد جرائم حرب صريحة وتثير غضب المجتمع الدولي.
ويوضح أبو غوش أن تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب في فبراير /شباط 2025، حول مخططات الاستيطان والسيطرة على قطاع غزة أعطتها بعدًا جديدًا، حيث تمثل تصريحات ترامب بمثابة خارطة طريق تبرر توجهات نتنياهو ورفضه التام لأي صفقة جديدة، مع وضع شروط تعجيزية لأي اتفاق محتمل.
ويؤكد أبو غوش أن ترامب ذهب بعيدًا في توصيفاته لمشروع إعادة إعمار غزة على أساس إخلائها من الفلسطينيين، ما يعكس أكبر دعم أميركي لمخططات الحركة الصهيونية، التي باتت تتبناها معظم القوى الإسرائيلية بما فيها المعارضة.
ويشير أبو غوش إلى أن المخطط الإسرائيلي المدعوم أميركيًا لا يقتصر على الأرض وحدها، بل يمتد إلى تهجير الفلسطينيين من القطاع وتصفية القضية الفلسطينية، بما يشمل الضفة الغربية، وكذلك السيطرة على حقول الغاز الفلسطينية، وربما استغلال الموقع الجغرافي لإقامة خطوط بديلة لقناة السويس.
مواقف الشجب والتنديد لا تؤثر على إسرائيل
ويؤكد أبو غوش أن مواقف الشجب والتنديد الدولية لا تؤثر على إسرائيل التي تراهن على الدعم الأميركي وتعتبره أكثر أهمية من موقف العالم، لكن موجات التضامن الشعبي غير المسبوقة في بريطانيا وأستراليا وألمانيا وهولندا أثبتت أن الضغوط الجماهيرية يمكن أن تفرض تغييرًا على مواقف حلفاء إسرائيل التقليديين.
ويلفت أبو غوش إلى أن التحدي الأكبر يكمن في الموقف العربي الرسمي والفلسطيني، الذي يتراوح بين العجز والشلل والتخاذل، بل أحيانًا تبرير الممارسات الإسرائيلية، وهو ما يعزز ممارسات الاحتلال على حساب الفلسطينيين.
ويشدد أبو غوش على أن الرهان الحقيقي يبقى على صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته، مع مؤشرات إيجابية للتيار الشعبي في بعض الدول العربية مثل المغرب وتونس، وهو ما قد يشكل بداية لمرحلة جديدة من اليقظة والمواجهة الجماهيرية ضد مخططات الاحتلال.
خطورة الطروحات الإسرائيلية لـ'اليوم التالي'
يحذّر الباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية د. محمد الطماوي من خطورة الطروحات التي تتداولها الأوساط الإسرائيلية في الكنيست حول ما يُسمى 'اليوم التالي في غزة'، والتي تكشف عن مخطط يتجاوز حدود الحرب الراهنة نحو سيناريو تهجير السكان الفلسطينيين، وإقامة مستوطنات ومراكز تجارية وأماكن ترفيهية على أنقاض القطاع، في صورة أشبه بما يصفه اليمين الإسرائيلي بـ'ريفيرا سياحية'، والتي تنسجم مع ما طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أشهر.
ويوضح الطماوي أنّ هذه المشاريع، على الرغم من جاذبيتها للتيارات اليمينية المتطرفة في إسرائيل، تصطدم بعقبات واقعية كبرى، حيث أنه في مقدمة تلك العقبات الكثافة السكانية العالية في القطاع، والتي تجعل من التهجير القسري مهمة شبه مستحيلة، إلى جانب التبعات القانونية الخطيرة التي قد تضع إسرائيل أمام اتهامات مباشرة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ويؤكد الطماوي أنّ محاولة توطين مستوطنين داخل غزة لن تكون سوى وصفة لصدام مفتوح، إذ من المستحيل أن يقبل الشعب الفلسطيني بتحويل أرضه إلى مشروع استعماري جديد تحت لافتة 'الاستثمار أو السياحة'، كما أنّ تحويل غزة المدمّرة إلى منطقة استجمام ومراكز تجارية يتطلب استثمارات ضخمة وظروف استقرار سياسي وأمني غير متوفرة في ظل استمرار الاحتلال والحصار، وهو ما يجعل هذه الطروحات أقرب إلى 'الأوهام الأيديولوجية' التي يوظفها الساسة الإسرائيليون لاعتبارات داخلية، أكثر من كونها خططاً قابلة للتنفيذ.
وعلى صعيد الموقف الدولي، يتساءل الطماوي إن كان العالم سيكتفي مجدداً بالشجب والبيانات، بينما تمضي إسرائيل في فرض مشاريعها.
ويشير الطماوي إلى أنّ التجارب السابقة تؤكد أنّ المواقف الدولية غالباً ما تظل عند حدود الإدانة الشكلية، بسبب ازدواجية المعايير والدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل.
ضغوط سياسية وقانونية متنامية
ويرى الطماوي أنّ التحولات الأخيرة، بما في ذلك تصاعد الغضب الشعبي الغربي واتساع دائرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، قد تشكل ضغوطاً سياسية وقانونية متنامية من شأنها تعطيل المخطط الإسرائيلي ووضعه تحت طائلة العزلة.
ويعتقد الطماوي أن إسرائيل تواصل استراتيجيتها القائمة على فرض الأمر الواقع بدعم من واشنطن وصمت معظم القوى الكبرى، غير أنّ تنامي الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية، وارتفاع الأصوات المطالبة بالمحاسبة، واتساع حركة المقاطعة، قد يشكل على المدى المتوسط كابحاً حقيقياً لمشاريع التهجير والاستيطان، ويحول دون تحويل غزة إلى 'ريفيرا' تُبنى على جماجم أبنائها ودمارها.
تحول واضح في أولويات السياسات الإسرائيلية
يؤكد الكاتب الصحفي نبهان خريشة أن المؤتمر الذي عقد مؤخرًا في الكنيست الإسرائيلي تحت عنوان 'اليوم التالي في غزة' كشف عن تحول واضح في أولويات السياسات الإسرائيلية تجاه القطاع، بعيدًا عن مجرد الاعتبارات الأمنية، نحو إعادة تشكيل الواقع السكاني والجغرافي واستغلال الأرض لأغراض اقتصادية وسياحية.
ويوضح خريشة أن المؤتمر تناول موضوع الاستيطان في غزة وإنشاء مشاريع عقارية استثمارية، متجاهلًا حقيقة أن أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون تحت حصار مستمر، يواجهون القتل والتدمير والتجويع اليومي.
ويشير خريشة إلى تصريحات النائبة المتطرفة 'ليمور سون هار ميلخ' والنائب 'تسفي سوكوت'، اللذين تجاوزا الحديث عن الرد على هجمات السابع من أكتوبر 2023، إلى نقاش خطط لإعادة الاستيطان في غزة بهدف 'تصحيح الخطأ التاريخي' المتمثل بالانسحاب الإسرائيلي من القطاع في 2005.
ويوضح خريشة أن من أبرز مخرجات المؤتمر كانت خطط إقامة منتجعات سياحية فاخرة بعد طرد السكان الفلسطينيين، ما يعكس أن المشروع الإسرائيلي في غزة لم يعد يركز على الجانب الأمني فقط، بل يسعى إلى الاستفادة الاقتصادية والسياحية من الأرض، بعد تهجير السكان الأصليين.
ويؤكد خريشة أن هذا التوجه يعكس تحولًا استراتيجياً في الأولويات، من إدارة الأمن إلى فرض وقائع جديدة على الأرض بالقوة، بما يضع غزة أمام مفترق طرق حاد: التهجير القسري أو العيش في ظروف صعبة للغاية.
ويشير خريشة إلى أن المؤتمر يكشف أيضًا عن الطبيعة السياسية للخطط داخل الكنيست، حيث أن النقاش لم يقتصر على الردود العسكرية، بل امتد إلى استخدام أدوات سياسية واقتصادية لتغيير المعالم الديمغرافية والسياسية للقطاع بشكل دائم.
ويحذر خريشة من أن صمت المجتمع الدولي واكتفاؤه بإصدار بيانات مجردة يمنح إسرائيل غطاءً جزئيًا للمضي قدمًا في مشاريعها، مؤكداً أن الأطفال والنساء والرجال في غزة ليسوا أرقامًا، بل بشر حياتهم اليومية مهددة بالتهجير والمعاناة.
ويؤكد خريشة أن أي تأجيل في اتخاذ موقف دولي فعال يتيح استمرار تنفيذ مشاريع الاستيطان وإعادة رسم الخرائط على حساب حقوق الفلسطينيين، محذرًا من أن التاريخ سيحاسب ليس فقط إسرائيل، بل أيضًا كل من اكتفى بالمواقف التصريحية دون العمل على حماية المدنيين.
خطة أمريكية-إسرائيلية لتجريد الغزيين من أراضيهم
يحذر الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل من أن السياسات الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تشير بوضوح إلى إصرار تل أبيب على التوسع والسيطرة، بما يشمل قطاع غزة وأراضي فلسطين التاريخية ودولاً عربية، وفق تصريحات رسمية ووقائع ميدانية تتطابق مع أهداف إسرائيلية معلنة مسبقًا.
ويوضح عوكل أن نتنياهو قبل السابع من أكتوبر 2023، كان قد عرض على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة خارطة إسرائيل التي لا تشمل قطاع غزة فقط بل لدول عربية، مؤكداً عزمه على تحقيق إقامة 'إسرائيل الكبرى'.
ويشير عوكل إلى أن هذا التوجه يشمل خطة أمريكية-إسرائيلية واضحة لتجريد أهالي قطاع غزة من أراضيهم وتهجيرهم خارجها، وهو هدف لا تبدو المؤشرات الحالية أنها ستتراجع عنه، إضافة إلى السيطرة على أراضي دول عربية.
ويلفت عوكل إلى أن استمرار الحروب الإسرائيلية في المنطقة يبدو مؤكداً حتى في حال التوصل إلى أي اتفاق جزئي أو شامل، معتبراً أن الصراع يظل مفتوحاً ومعقداً، وأن تحقيق أهداف إسرائيل ليس أمراً مفروغاً منه، نظراً للعقبات الهائلة التي تواجهها.
سياسة نتنياهو قد تقود إسرائيل إلى نفق مظلم
ويوضح عوكل أن المرحلة المقبلة من المخططات الإسرائيلية قد تؤدي إلى تحول نوعي في ردود الفعل العربية، بدءاً من البيانات الرسمية وصولاً إلى الحراكات الفاعلة والمؤثرة على الأرض، خصوصاً في ظل التغيرات المتسارعة على المستوى الدولي، التي قد تمهد لفرض عقوبات على إسرائيل من قبل حلفاء تقليديين تحت ضغط الرأي العام.
ويحذر عوكل من أن سياسة نتنياهو التوسعية قد تقود إسرائيل إلى نفق مظلم، مؤكداً أن الشعب الفلسطيني لم يدخل بعد بكامل إمكاناته إلى ميدان المواجهة، ولم يتم اختبار قدرات النهوض العربي أمام التهديد الاستراتيجي الذي تنذر به سياسات تل أبيب، وهو ما يفرض على المجتمع الدولي والعربي مراقبة التطورات عن كثب.
'القدس العربي'
التعليقات