غزة -أخبار اليوم - لم يقتصر الألم على البيوت المدمرة والأرواح المفقودة، بل شمل أيضا فتيات صغيرات حُرمن من طفولتهن وأُجبِرن على الزواج في ظروف قاسية.
فبين خيام النزوح وأصوات القذائف، تحولت الطفولة إلى مسؤوليات مبكرة، وأصبحت الفتيات زوجات وأمهات قبل أوانهن، وقصصهن تحمل وجعا واحدا، لكن كل واحدة تعبر عنه بطريقتها الخاصة.
«القدس العربي» التقت بعضا من هؤلاء الفتيات، والأمهات أيضا، وتعرض في ما يلي شهاداتهن.
ألم مبكر
تقول يُسرى (17 سنة): كنت يتيمة منذ صغري ورباني عمي، ومع اندلاع الحرب الأخيرة تزوجت بسرعة دون أن أفهم شيئًا عن الزواج أو كيفية التعامل مع زوجي وأهله، كنت أحاول أن أتكيف مع الحياة الجديدة، لكن فجأة استشهد زوجي، وترك لي جنينا في بطني، أشعر كل يوم أنني كبرت قسرا، صرت يتيمة وأرملة قبل أن أصبح أمّاً، وسيولد ابني يتيما كما أنا… أشعر بالوحدة والخوف، وكل يوم يحمل لي وجعا جديدا.
«القدس العربي» تعرض شهاداتهن وأمهاتهن
إيمان (17 سنة): كنت أدرس وأسعى لإكمال تعليمي، وأحلم بالجامعة، لكن ظروف الحرب والنزوح قلبت حياتي رأسا على عقب، فتزوجت في خيمة تحت ضغط الظروف والأهل، وبعد الزواج رفض زوجي أن أستمر في الدراسة، وقال إن بيتي أصبح أهم من المدرسة، وشعرت حينها أن كل أحلامي ذهبت، وأصبحت مسؤولية البيت والأطفال كل حياتي، الآن لدي طفل، وأحاول أن أربيه وأهتم به ، ومع ذلك لا زلت أحلم أن أعود للدراسة وأكمل تعليمي لأغير مستقبلي.
بيسان (17 سنة): كان زواجي تجربة قاسية جدا، أول سنة كلها عنف وإهانة، وكنت أتحمل كل شيء بصمت. لم أجد أحدا أستطيع أن أحكي له، لا أهلي ولا صديقاتي، وكنت أشعر أنني ضائعة تماما.
مرات عديدة فكرت في الهروب من مركز الإيواء، لكن لم يكن لدي مكان أذهب إليه، حتى اليوم أشعر أنني محاصرة بين الخوف والألم، ولم أجد من يساندني أو يسمع صوتي، كنت أحلم بحياة طبيعية، لكن كل شيء تغير بسبب الحرب والزواج المبكر.
خوف الأم
وبين الخوف على حياة بناتهن والضغط الاجتماعي، اضطرت بعض أمهات فتيات غزة إلى الموافقة على زيجات مبكرة، بينما رفضت أخريات ذلك حفاظا على حق بناتهن في الطفولة والتعليم.
تقول أم إيمان (44 سنة): «اضطررنا إلى تزويج ابنتي نظرا للظروف الصعبة، كنا ننام في خيمة بلا أبواب، وكان الخوف حاضرا دوما، فظننا أن الزواج قد يوفر لها الأمان، ومع ذلك، يبقى قلب الأم موجوعا، أشعر بالقلق عليها وحزن فقدان طفولتها كل يوم، لم يكن القرار سهلاً على الإطلاق، كنت أفكر طوال الليل بين حمايتها وبين شعور الخوف من المخاطر المحيطة بها، وأحيانا كنت أتخيل أسوأ السيناريوهات، وهذا ما جعل قلبي يعتصر ألما».
وتتحدث أم بيسان هجرس (55 سنة): «أنا ضد الزواج المبكر، لكن في الحرب يكون التفكير بالأمان أولى من أي شيء آخر. بعد الزواج تغيرت ابنتي كثيرا، أصبحت إنسانة مختلفة، صامتة غالبا ودمعتها على وشك الانهمار دوما، أحيانا أجدها تنظر إليّ بعينين مليئتين بالحزن، وهذا يوجع قلبي، أشعر أنني فقدت جزءًا من الفتاة التي عرفتها قبل الحرب، وأحيانا أفكر هل كان بالإمكان فعل شيء لتخفيف هذا الألم، لكن الواقع قاسٍ جدا.
وتقول أم شهد الضابوس (50 سنة): لم أزوج بناتي رغم الظروف القاسية، فالحرب صعبة، لكن الجهل أخطر، فلكل فتاة الحق أن تكبر وتتعلم، لا أن تُجبر على الزواج، كنت دائما أؤمن أن التعليم أهم من أي شيء، وسعيت لحماية بناتي من قرارات قد تضرهن مستقبلًا، كنت أراقبهن يوميا، أحاول أن أمنحهن شعور الأمان وسط الخراب من حولنا، وأخبرهن دوما أن قوتهن في العلم والمعرفة، وأنه لا ينبغي أن يخسرن طفولتهن تحت وطأة الحرب.
خطر الحرب
توضح الأخصائية النفسية نورهان المصري أن الحرب تجعل الأسر أمام خيارات صعبة وقاسية، وفي ظل الفقر والنزوح وانعدام الأمن تلجأ بعض العائلات إلى تزويج بناتها في سن مبكرة اعتقادا منهم أن الزواج قد يوفر الحماية أو يخفف العبء المعيشي.
وتقول إن هذه القرارات لا تأتي من فراغ، بل من واقع يومي تعيشه الأسر تحت القصف والخوف وفقدان مصادر الدخل.
وتشير المصري إلى أن المدارس التي تغلق بسبب الحرب تترك الفتيات بلا أفق تعليمي، مما يجعل الزواج الخيار المتاح أمام الأهل. وتضيف أن الفقر المدقع والنزوح القسري يفاقمان الوضع، إذ تفقد الأُسر بيوتها وأمانها فلا ترى سوى الزواج المبكر كملاذ، رغم أنه في الحقيقة يفتح بابا جديدا من المعاناة.
ومن الناحية النفسية، تؤكد أن الفتيات في هذه الظروف يتعرضن لصدمة مضاعفة، أولها صدمة الحرب وثانيها صدمة الزواج المبكر، ما يؤدي إلى اكتئاب وقلق واضطرابات سلوكية نتيجة فقدان الطفولة.
أما صحيا فإن الفتيات مُعرضات لمخاطر الحمل المبكر في بيئة صحية هشة أصلاً بفعل الحصار وقلة الرعاية الطبية.
وتلفت المصري الانتباه إلى أن العنف الأسري يتضاعف في أوقات النزاع، حيث تزداد الضغوط على الأزواج وتتحول الفتيات القاصرات إلى ضحية سهلة لهذا العنف.
وتضيف أن المجتمع المحيط خلال الحرب يميل أحيانا إلى تبرير الزواج المبكر باعتباره حماية، لكنه في المقابل قادر على أن يكون أداة للتغيير إذا أُطلقت حملات توعية ودعم مجتمعي. وترى أن الزواج المبكر في أجواء الحرب لا يطفئ فقط أحلام الفتيات، بل يطفئ أيضا أي فرصة لمستقبل أفضل للمجتمع، إذ ينتج جيلًا ضعيف التعليم وأمهات يفتقدن للوعي الصحي والتربوي.
وتشدد على أن مواجهة هذه الظاهرة في زمن الحرب تحتاج إلى وعي وقوانين صارمة تحمي الفتيات، إلى جانب توفير بدائل مثل التعليم في أماكن آمنة والدعم النفسي والاجتماعي.
وتختم المصري بالقول إن على الأهالي أن يدركوا أن الزواج المبكر في زمن الحرب ليس حماية، بل هو حرمان، وأن بناتهم بحاجة إلى فرصة للنمو والتعلم حتى يكنّ قادرات على بناء مستقبل أفضل رغم الظروف القاسية.
ففي زمن الحرب، يجد الأهل أنفسهم أمام صراع بين حماية بناتهم وحرمانهن من طفولتهن، فقصص الفتيات وأمهاتهن تثبت أن الزواج المبكر ليس حلا، بل بداية لمعاناة جديدة، وأن حرمان البنات من التعليم يفاقم آثار الحرب على المجتمع.
إن ما تحتاجه غزة اليوم ، وعي وقوانين صارمة ودعم نفسي واجتماعي يوفر للفتيات بدائل آمنة لاستعادة طفولتهن وبناء مستقبل أفضل.
غزة -أخبار اليوم - لم يقتصر الألم على البيوت المدمرة والأرواح المفقودة، بل شمل أيضا فتيات صغيرات حُرمن من طفولتهن وأُجبِرن على الزواج في ظروف قاسية.
فبين خيام النزوح وأصوات القذائف، تحولت الطفولة إلى مسؤوليات مبكرة، وأصبحت الفتيات زوجات وأمهات قبل أوانهن، وقصصهن تحمل وجعا واحدا، لكن كل واحدة تعبر عنه بطريقتها الخاصة.
«القدس العربي» التقت بعضا من هؤلاء الفتيات، والأمهات أيضا، وتعرض في ما يلي شهاداتهن.
ألم مبكر
تقول يُسرى (17 سنة): كنت يتيمة منذ صغري ورباني عمي، ومع اندلاع الحرب الأخيرة تزوجت بسرعة دون أن أفهم شيئًا عن الزواج أو كيفية التعامل مع زوجي وأهله، كنت أحاول أن أتكيف مع الحياة الجديدة، لكن فجأة استشهد زوجي، وترك لي جنينا في بطني، أشعر كل يوم أنني كبرت قسرا، صرت يتيمة وأرملة قبل أن أصبح أمّاً، وسيولد ابني يتيما كما أنا… أشعر بالوحدة والخوف، وكل يوم يحمل لي وجعا جديدا.
«القدس العربي» تعرض شهاداتهن وأمهاتهن
إيمان (17 سنة): كنت أدرس وأسعى لإكمال تعليمي، وأحلم بالجامعة، لكن ظروف الحرب والنزوح قلبت حياتي رأسا على عقب، فتزوجت في خيمة تحت ضغط الظروف والأهل، وبعد الزواج رفض زوجي أن أستمر في الدراسة، وقال إن بيتي أصبح أهم من المدرسة، وشعرت حينها أن كل أحلامي ذهبت، وأصبحت مسؤولية البيت والأطفال كل حياتي، الآن لدي طفل، وأحاول أن أربيه وأهتم به ، ومع ذلك لا زلت أحلم أن أعود للدراسة وأكمل تعليمي لأغير مستقبلي.
بيسان (17 سنة): كان زواجي تجربة قاسية جدا، أول سنة كلها عنف وإهانة، وكنت أتحمل كل شيء بصمت. لم أجد أحدا أستطيع أن أحكي له، لا أهلي ولا صديقاتي، وكنت أشعر أنني ضائعة تماما.
مرات عديدة فكرت في الهروب من مركز الإيواء، لكن لم يكن لدي مكان أذهب إليه، حتى اليوم أشعر أنني محاصرة بين الخوف والألم، ولم أجد من يساندني أو يسمع صوتي، كنت أحلم بحياة طبيعية، لكن كل شيء تغير بسبب الحرب والزواج المبكر.
خوف الأم
وبين الخوف على حياة بناتهن والضغط الاجتماعي، اضطرت بعض أمهات فتيات غزة إلى الموافقة على زيجات مبكرة، بينما رفضت أخريات ذلك حفاظا على حق بناتهن في الطفولة والتعليم.
تقول أم إيمان (44 سنة): «اضطررنا إلى تزويج ابنتي نظرا للظروف الصعبة، كنا ننام في خيمة بلا أبواب، وكان الخوف حاضرا دوما، فظننا أن الزواج قد يوفر لها الأمان، ومع ذلك، يبقى قلب الأم موجوعا، أشعر بالقلق عليها وحزن فقدان طفولتها كل يوم، لم يكن القرار سهلاً على الإطلاق، كنت أفكر طوال الليل بين حمايتها وبين شعور الخوف من المخاطر المحيطة بها، وأحيانا كنت أتخيل أسوأ السيناريوهات، وهذا ما جعل قلبي يعتصر ألما».
وتتحدث أم بيسان هجرس (55 سنة): «أنا ضد الزواج المبكر، لكن في الحرب يكون التفكير بالأمان أولى من أي شيء آخر. بعد الزواج تغيرت ابنتي كثيرا، أصبحت إنسانة مختلفة، صامتة غالبا ودمعتها على وشك الانهمار دوما، أحيانا أجدها تنظر إليّ بعينين مليئتين بالحزن، وهذا يوجع قلبي، أشعر أنني فقدت جزءًا من الفتاة التي عرفتها قبل الحرب، وأحيانا أفكر هل كان بالإمكان فعل شيء لتخفيف هذا الألم، لكن الواقع قاسٍ جدا.
وتقول أم شهد الضابوس (50 سنة): لم أزوج بناتي رغم الظروف القاسية، فالحرب صعبة، لكن الجهل أخطر، فلكل فتاة الحق أن تكبر وتتعلم، لا أن تُجبر على الزواج، كنت دائما أؤمن أن التعليم أهم من أي شيء، وسعيت لحماية بناتي من قرارات قد تضرهن مستقبلًا، كنت أراقبهن يوميا، أحاول أن أمنحهن شعور الأمان وسط الخراب من حولنا، وأخبرهن دوما أن قوتهن في العلم والمعرفة، وأنه لا ينبغي أن يخسرن طفولتهن تحت وطأة الحرب.
خطر الحرب
توضح الأخصائية النفسية نورهان المصري أن الحرب تجعل الأسر أمام خيارات صعبة وقاسية، وفي ظل الفقر والنزوح وانعدام الأمن تلجأ بعض العائلات إلى تزويج بناتها في سن مبكرة اعتقادا منهم أن الزواج قد يوفر الحماية أو يخفف العبء المعيشي.
وتقول إن هذه القرارات لا تأتي من فراغ، بل من واقع يومي تعيشه الأسر تحت القصف والخوف وفقدان مصادر الدخل.
وتشير المصري إلى أن المدارس التي تغلق بسبب الحرب تترك الفتيات بلا أفق تعليمي، مما يجعل الزواج الخيار المتاح أمام الأهل. وتضيف أن الفقر المدقع والنزوح القسري يفاقمان الوضع، إذ تفقد الأُسر بيوتها وأمانها فلا ترى سوى الزواج المبكر كملاذ، رغم أنه في الحقيقة يفتح بابا جديدا من المعاناة.
ومن الناحية النفسية، تؤكد أن الفتيات في هذه الظروف يتعرضن لصدمة مضاعفة، أولها صدمة الحرب وثانيها صدمة الزواج المبكر، ما يؤدي إلى اكتئاب وقلق واضطرابات سلوكية نتيجة فقدان الطفولة.
أما صحيا فإن الفتيات مُعرضات لمخاطر الحمل المبكر في بيئة صحية هشة أصلاً بفعل الحصار وقلة الرعاية الطبية.
وتلفت المصري الانتباه إلى أن العنف الأسري يتضاعف في أوقات النزاع، حيث تزداد الضغوط على الأزواج وتتحول الفتيات القاصرات إلى ضحية سهلة لهذا العنف.
وتضيف أن المجتمع المحيط خلال الحرب يميل أحيانا إلى تبرير الزواج المبكر باعتباره حماية، لكنه في المقابل قادر على أن يكون أداة للتغيير إذا أُطلقت حملات توعية ودعم مجتمعي. وترى أن الزواج المبكر في أجواء الحرب لا يطفئ فقط أحلام الفتيات، بل يطفئ أيضا أي فرصة لمستقبل أفضل للمجتمع، إذ ينتج جيلًا ضعيف التعليم وأمهات يفتقدن للوعي الصحي والتربوي.
وتشدد على أن مواجهة هذه الظاهرة في زمن الحرب تحتاج إلى وعي وقوانين صارمة تحمي الفتيات، إلى جانب توفير بدائل مثل التعليم في أماكن آمنة والدعم النفسي والاجتماعي.
وتختم المصري بالقول إن على الأهالي أن يدركوا أن الزواج المبكر في زمن الحرب ليس حماية، بل هو حرمان، وأن بناتهم بحاجة إلى فرصة للنمو والتعلم حتى يكنّ قادرات على بناء مستقبل أفضل رغم الظروف القاسية.
ففي زمن الحرب، يجد الأهل أنفسهم أمام صراع بين حماية بناتهم وحرمانهن من طفولتهن، فقصص الفتيات وأمهاتهن تثبت أن الزواج المبكر ليس حلا، بل بداية لمعاناة جديدة، وأن حرمان البنات من التعليم يفاقم آثار الحرب على المجتمع.
إن ما تحتاجه غزة اليوم ، وعي وقوانين صارمة ودعم نفسي واجتماعي يوفر للفتيات بدائل آمنة لاستعادة طفولتهن وبناء مستقبل أفضل.
غزة -أخبار اليوم - لم يقتصر الألم على البيوت المدمرة والأرواح المفقودة، بل شمل أيضا فتيات صغيرات حُرمن من طفولتهن وأُجبِرن على الزواج في ظروف قاسية.
فبين خيام النزوح وأصوات القذائف، تحولت الطفولة إلى مسؤوليات مبكرة، وأصبحت الفتيات زوجات وأمهات قبل أوانهن، وقصصهن تحمل وجعا واحدا، لكن كل واحدة تعبر عنه بطريقتها الخاصة.
«القدس العربي» التقت بعضا من هؤلاء الفتيات، والأمهات أيضا، وتعرض في ما يلي شهاداتهن.
ألم مبكر
تقول يُسرى (17 سنة): كنت يتيمة منذ صغري ورباني عمي، ومع اندلاع الحرب الأخيرة تزوجت بسرعة دون أن أفهم شيئًا عن الزواج أو كيفية التعامل مع زوجي وأهله، كنت أحاول أن أتكيف مع الحياة الجديدة، لكن فجأة استشهد زوجي، وترك لي جنينا في بطني، أشعر كل يوم أنني كبرت قسرا، صرت يتيمة وأرملة قبل أن أصبح أمّاً، وسيولد ابني يتيما كما أنا… أشعر بالوحدة والخوف، وكل يوم يحمل لي وجعا جديدا.
«القدس العربي» تعرض شهاداتهن وأمهاتهن
إيمان (17 سنة): كنت أدرس وأسعى لإكمال تعليمي، وأحلم بالجامعة، لكن ظروف الحرب والنزوح قلبت حياتي رأسا على عقب، فتزوجت في خيمة تحت ضغط الظروف والأهل، وبعد الزواج رفض زوجي أن أستمر في الدراسة، وقال إن بيتي أصبح أهم من المدرسة، وشعرت حينها أن كل أحلامي ذهبت، وأصبحت مسؤولية البيت والأطفال كل حياتي، الآن لدي طفل، وأحاول أن أربيه وأهتم به ، ومع ذلك لا زلت أحلم أن أعود للدراسة وأكمل تعليمي لأغير مستقبلي.
بيسان (17 سنة): كان زواجي تجربة قاسية جدا، أول سنة كلها عنف وإهانة، وكنت أتحمل كل شيء بصمت. لم أجد أحدا أستطيع أن أحكي له، لا أهلي ولا صديقاتي، وكنت أشعر أنني ضائعة تماما.
مرات عديدة فكرت في الهروب من مركز الإيواء، لكن لم يكن لدي مكان أذهب إليه، حتى اليوم أشعر أنني محاصرة بين الخوف والألم، ولم أجد من يساندني أو يسمع صوتي، كنت أحلم بحياة طبيعية، لكن كل شيء تغير بسبب الحرب والزواج المبكر.
خوف الأم
وبين الخوف على حياة بناتهن والضغط الاجتماعي، اضطرت بعض أمهات فتيات غزة إلى الموافقة على زيجات مبكرة، بينما رفضت أخريات ذلك حفاظا على حق بناتهن في الطفولة والتعليم.
تقول أم إيمان (44 سنة): «اضطررنا إلى تزويج ابنتي نظرا للظروف الصعبة، كنا ننام في خيمة بلا أبواب، وكان الخوف حاضرا دوما، فظننا أن الزواج قد يوفر لها الأمان، ومع ذلك، يبقى قلب الأم موجوعا، أشعر بالقلق عليها وحزن فقدان طفولتها كل يوم، لم يكن القرار سهلاً على الإطلاق، كنت أفكر طوال الليل بين حمايتها وبين شعور الخوف من المخاطر المحيطة بها، وأحيانا كنت أتخيل أسوأ السيناريوهات، وهذا ما جعل قلبي يعتصر ألما».
وتتحدث أم بيسان هجرس (55 سنة): «أنا ضد الزواج المبكر، لكن في الحرب يكون التفكير بالأمان أولى من أي شيء آخر. بعد الزواج تغيرت ابنتي كثيرا، أصبحت إنسانة مختلفة، صامتة غالبا ودمعتها على وشك الانهمار دوما، أحيانا أجدها تنظر إليّ بعينين مليئتين بالحزن، وهذا يوجع قلبي، أشعر أنني فقدت جزءًا من الفتاة التي عرفتها قبل الحرب، وأحيانا أفكر هل كان بالإمكان فعل شيء لتخفيف هذا الألم، لكن الواقع قاسٍ جدا.
وتقول أم شهد الضابوس (50 سنة): لم أزوج بناتي رغم الظروف القاسية، فالحرب صعبة، لكن الجهل أخطر، فلكل فتاة الحق أن تكبر وتتعلم، لا أن تُجبر على الزواج، كنت دائما أؤمن أن التعليم أهم من أي شيء، وسعيت لحماية بناتي من قرارات قد تضرهن مستقبلًا، كنت أراقبهن يوميا، أحاول أن أمنحهن شعور الأمان وسط الخراب من حولنا، وأخبرهن دوما أن قوتهن في العلم والمعرفة، وأنه لا ينبغي أن يخسرن طفولتهن تحت وطأة الحرب.
خطر الحرب
توضح الأخصائية النفسية نورهان المصري أن الحرب تجعل الأسر أمام خيارات صعبة وقاسية، وفي ظل الفقر والنزوح وانعدام الأمن تلجأ بعض العائلات إلى تزويج بناتها في سن مبكرة اعتقادا منهم أن الزواج قد يوفر الحماية أو يخفف العبء المعيشي.
وتقول إن هذه القرارات لا تأتي من فراغ، بل من واقع يومي تعيشه الأسر تحت القصف والخوف وفقدان مصادر الدخل.
وتشير المصري إلى أن المدارس التي تغلق بسبب الحرب تترك الفتيات بلا أفق تعليمي، مما يجعل الزواج الخيار المتاح أمام الأهل. وتضيف أن الفقر المدقع والنزوح القسري يفاقمان الوضع، إذ تفقد الأُسر بيوتها وأمانها فلا ترى سوى الزواج المبكر كملاذ، رغم أنه في الحقيقة يفتح بابا جديدا من المعاناة.
ومن الناحية النفسية، تؤكد أن الفتيات في هذه الظروف يتعرضن لصدمة مضاعفة، أولها صدمة الحرب وثانيها صدمة الزواج المبكر، ما يؤدي إلى اكتئاب وقلق واضطرابات سلوكية نتيجة فقدان الطفولة.
أما صحيا فإن الفتيات مُعرضات لمخاطر الحمل المبكر في بيئة صحية هشة أصلاً بفعل الحصار وقلة الرعاية الطبية.
وتلفت المصري الانتباه إلى أن العنف الأسري يتضاعف في أوقات النزاع، حيث تزداد الضغوط على الأزواج وتتحول الفتيات القاصرات إلى ضحية سهلة لهذا العنف.
وتضيف أن المجتمع المحيط خلال الحرب يميل أحيانا إلى تبرير الزواج المبكر باعتباره حماية، لكنه في المقابل قادر على أن يكون أداة للتغيير إذا أُطلقت حملات توعية ودعم مجتمعي. وترى أن الزواج المبكر في أجواء الحرب لا يطفئ فقط أحلام الفتيات، بل يطفئ أيضا أي فرصة لمستقبل أفضل للمجتمع، إذ ينتج جيلًا ضعيف التعليم وأمهات يفتقدن للوعي الصحي والتربوي.
وتشدد على أن مواجهة هذه الظاهرة في زمن الحرب تحتاج إلى وعي وقوانين صارمة تحمي الفتيات، إلى جانب توفير بدائل مثل التعليم في أماكن آمنة والدعم النفسي والاجتماعي.
وتختم المصري بالقول إن على الأهالي أن يدركوا أن الزواج المبكر في زمن الحرب ليس حماية، بل هو حرمان، وأن بناتهم بحاجة إلى فرصة للنمو والتعلم حتى يكنّ قادرات على بناء مستقبل أفضل رغم الظروف القاسية.
ففي زمن الحرب، يجد الأهل أنفسهم أمام صراع بين حماية بناتهم وحرمانهن من طفولتهن، فقصص الفتيات وأمهاتهن تثبت أن الزواج المبكر ليس حلا، بل بداية لمعاناة جديدة، وأن حرمان البنات من التعليم يفاقم آثار الحرب على المجتمع.
إن ما تحتاجه غزة اليوم ، وعي وقوانين صارمة ودعم نفسي واجتماعي يوفر للفتيات بدائل آمنة لاستعادة طفولتهن وبناء مستقبل أفضل.
التعليقات