أخبار اليوم - لم تتمالك الطالبة سائدة يونس، ابنة الصف الثامن الأساسي، دموعها وهي تتحدث عن مدرستها الصغيرة التي التحقت بها بعد عودتها من النزوح في 19 يناير الماضي. يومها، كانت فرحتها لا توصف وهي تدخل خيمة بيضاء نصبت كفصل دراسي مؤقت في حي الصبرة وسط مدينة غزة.
قالت سائدة لـ 'فلسطين أون لاين': 'كنت أعتقد أنني فقدت مدرستي للأبد، لكن عندما رأيت الخيام والسبورات شعرت أن حياتي كطالبة عادت من جديد'.
على مدار أشهر قليلة، درست سائدة أربع مواد أساسية 'اللغة العربية، الإنجليزية، الرياضيات، والعلوم'. رغم بساطة الإمكانيات، كانت تحرص على المجيء مبكرا، حاملة دفتراً وقلماً حصلت عليهما من المساعدات.
تضيف: 'كنت أجلس على المقعد وكأني في أجمل مكان بالعالم. لم نهتم أن فوقنا قماش خيمة بدلاً من سقف، المهم أننا نتعلم ونكتب ونشعر أننا مثل باقي الطلاب في العالم'.
اجتهدت سائدة حتى نهاية الفصل، وأبلت بلاءً حسنًا في الاختبارات النهائية التي انتهت قبل أقل من شهر. ذلك الإنجاز الصغير منحها شعورا كبيرا بالانتصار. 'شعرت أنني عدت طالبة من جديد، وأن الحرب لن تعود مرة أخرى لتسرقنا. كنت أظن أنني سأكمل العام الدراسي بهدوء'، تهمس سائدة.
لكن فرحتها لم تدم طويلا. سرعان ما بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليته لاحتلال مدينة غزة، ومعه عادت التهديدات بتهجير السكان قسرا نحو الجنوب 'حين سمعت أن الجيش يقترب من غزة وأن هناك تهديدا بالتهجير، خفت كثيرا. سأفقد مدرستي من جديد، وسأعود إلى النزوح والضياع'.
إلى جانب سائدة، تقف زميلتها سمية العشي، وهي أيضا طالبة في المرحلة الإعدادية. عائلتها رفضت حتى الآن مغادرة مدينة غزة، متمسكة بالبقاء رغم الخطر الداهم. فقد نزحت أسرتها سابقا من منزلها في حي الصبرة وسط المدينة إلى حي النصر غربا، لكنهم ما زالوا مهددين بالتهجير.
وقالت سمية لـ'فلسطين أون لاين': 'نحن نعيش في خوف كبير. كل يوم نفكر: هل سيصل الجيش إلى هنا ويجبرنا على الرحيل مرة ثانية؟'.
رغم تمسك عائلتها بالبقاء، تعترف الطفلة أن الخوف يسكن قلبها. فهي تعرف أن النزوح يعني فقدان البيت والمدرسة والأصدقاء مرة أخرى 'أريد أن أبقى في غزة، لا أريد أن أرحل. تعبت من حمل حقيبتي والهرب من مكان إلى آخر. كل ما أريده أن أبقى طالبة أدرس مثل باقي الأطفال'.
قصة الفتاتان سائدة وسمية تجسد مأساة آلاف الطلاب في غزة، الذين يعيشون على إيقاع فقدان متكرر: بيت يهدم، مدرسة تغلق، وأمل ينطفئ. وبينما لا تزال مبادرات التعليم بالخيام تحاول أن تمنح الأطفال شعورا بالاستقرار، يواصل الاحتلال الإسرائيلي نسف هذه المحاولات عبر الاحتلال والتهجير، لتتحول حياة الطلبة إلى دوامة من الفقد والبحث عن بداية جديدة لا تكتمل.
مبادرات تعليمية في مهب الريح
في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، كانت تقف مدرسة 'الصابرين' شاهدة على إصرار أهالي غزة على انتزاع حق أطفالهم في التعلم، ولو وسط ألسنة النار. هناك، استطاعت المربية نهى أبو عودة أن تنسج من الخيام مشروعا تعليميا صغيرا كبر شيئا فشيئا حتى ضم أكثر من 600 طالب في المرحلة الابتدائية.
تقول أبو عودة لـ'فلسطين أون لاين' وهي تحاول استجماع قواها بعد أن أجبرت على إغلاق المدرسة: 'كنت أظن أن الحرب مهما طالت لن تنتزع منا حق أطفالنا في التعليم. لكن أوامر الإخلاء الإسرائيلية واحتلال مدينة غزة دمّرا كل شيء، وقتلا آخر بارقة أمل كانت لدينا'.
بدأت الفكرة في الأشهر الأولى من الحرب، حين لاحظت أبو عودة أن مئات الأطفال في حي الشيخ رضوان يقضون وقتهم في الشوارع بعد أن دُمرت مدارسهم. عندها قررت أن تنشئ 'مدرسة من خيمة'، جمعت حولها متطوعين من شباب الحي وبعض المدرّسين الذين فقدوا وظائفهم بسبب إغلاق المدارس.
وتضيف: 'استعنت بمجموعة من المبادرين الذين تبرعوا بمقاعد وطاولات وسبورات، حتى القرطاسية للطلاب. شيئًا فشيئًا بدأ الأهالي يرسلون أبناءهم، وصار لدينا صفوف منظمة داخل الخيام. لم يكن لدينا جدران ولا كهرباء، لكن كان لدينا حلم'.
لكن الاحتلال الإسرائيلي لم يترك الحلم يكتمل. مع توالي أوامر الإخلاء لسكان حي الشيخ رضوان، وجدت أبو عودة نفسها أمام واقع مرير: نزوح جماعي نحو غرب غزة وجنوب القطاع، ومدرستها الصغيرة بلا طلاب.
وتصف ذلك قائلة: 'في صباح واحد، اختفى ضجيج الأطفال من الخيام. الأهالي حملوا أبناءهم ورحلوا خوفًا من القصف والاعتقال. كنت أنظر إلى السبورات الفارغة والمقاعد المرتبة ولا أصدق أن كل شيء انتهى بهذه السرعة'.
إغلاق مدرسة 'الصابرين' لم يكن مجرد إغلاق مؤسسة تعليمية، بل كان ضربة نفسية قاسية لمئات الأسر التي رأت في هذه المبادرة نافذة أخيرة لبقاء أطفالها على صلة بالتعليم.
تقول أبو عودة: 'لقد عاش الطلاب فرحا كبيرا بالعودة إلى الدراسة ولو في خيمة، كانوا يكتبون ويقرأون وكأنهم في قصر. لكن عودة العدوان واحتلال مدينة غزة دمّر كل شيء. الآن لم يعد هناك سوى الخوف والتهجير'.
80% من مدارس القطاع دُمرت
وبحسب تقديرات وزارة التربية والتعليم في غزة، أكثر من 80% من مدارس القطاع خرجت عن الخدمة بشكل كامل أو جزئي.
وفي وقت سابق، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن مستلزمات تعليمية تكفي حوالي 370 ألف طالب في قطاع غزة لا تزال عالقة في الأردن بانتظار السماح بإدخالها.
وأكدت الوكالة أنها على أهبة الاستعداد لإيصال هذه المستلزمات فور رفع الحصار المفروض على القطاع، مشيرة إلى أن تمكين الأطفال من استئناف تعليمهم يشكل خطوة أساسية نحو التعافي بعد الحرب.
وقالت الأونروا إن هذه المواد التعليمية تمثل 'جسرا للأمل والحياة الطبيعية' بالنسبة لأطفال غزة الذين حُرموا من الدراسة نتيجة الحرب والتدمير الواسع للمدارس.
ودعت الوكالة المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل من أجل رفع القيود والحصار عن القطاع، بما يتيح للأطفال العودة إلى مقاعد الدراسة في أقرب وقت ممكن.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - لم تتمالك الطالبة سائدة يونس، ابنة الصف الثامن الأساسي، دموعها وهي تتحدث عن مدرستها الصغيرة التي التحقت بها بعد عودتها من النزوح في 19 يناير الماضي. يومها، كانت فرحتها لا توصف وهي تدخل خيمة بيضاء نصبت كفصل دراسي مؤقت في حي الصبرة وسط مدينة غزة.
قالت سائدة لـ 'فلسطين أون لاين': 'كنت أعتقد أنني فقدت مدرستي للأبد، لكن عندما رأيت الخيام والسبورات شعرت أن حياتي كطالبة عادت من جديد'.
على مدار أشهر قليلة، درست سائدة أربع مواد أساسية 'اللغة العربية، الإنجليزية، الرياضيات، والعلوم'. رغم بساطة الإمكانيات، كانت تحرص على المجيء مبكرا، حاملة دفتراً وقلماً حصلت عليهما من المساعدات.
تضيف: 'كنت أجلس على المقعد وكأني في أجمل مكان بالعالم. لم نهتم أن فوقنا قماش خيمة بدلاً من سقف، المهم أننا نتعلم ونكتب ونشعر أننا مثل باقي الطلاب في العالم'.
اجتهدت سائدة حتى نهاية الفصل، وأبلت بلاءً حسنًا في الاختبارات النهائية التي انتهت قبل أقل من شهر. ذلك الإنجاز الصغير منحها شعورا كبيرا بالانتصار. 'شعرت أنني عدت طالبة من جديد، وأن الحرب لن تعود مرة أخرى لتسرقنا. كنت أظن أنني سأكمل العام الدراسي بهدوء'، تهمس سائدة.
لكن فرحتها لم تدم طويلا. سرعان ما بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليته لاحتلال مدينة غزة، ومعه عادت التهديدات بتهجير السكان قسرا نحو الجنوب 'حين سمعت أن الجيش يقترب من غزة وأن هناك تهديدا بالتهجير، خفت كثيرا. سأفقد مدرستي من جديد، وسأعود إلى النزوح والضياع'.
إلى جانب سائدة، تقف زميلتها سمية العشي، وهي أيضا طالبة في المرحلة الإعدادية. عائلتها رفضت حتى الآن مغادرة مدينة غزة، متمسكة بالبقاء رغم الخطر الداهم. فقد نزحت أسرتها سابقا من منزلها في حي الصبرة وسط المدينة إلى حي النصر غربا، لكنهم ما زالوا مهددين بالتهجير.
وقالت سمية لـ'فلسطين أون لاين': 'نحن نعيش في خوف كبير. كل يوم نفكر: هل سيصل الجيش إلى هنا ويجبرنا على الرحيل مرة ثانية؟'.
رغم تمسك عائلتها بالبقاء، تعترف الطفلة أن الخوف يسكن قلبها. فهي تعرف أن النزوح يعني فقدان البيت والمدرسة والأصدقاء مرة أخرى 'أريد أن أبقى في غزة، لا أريد أن أرحل. تعبت من حمل حقيبتي والهرب من مكان إلى آخر. كل ما أريده أن أبقى طالبة أدرس مثل باقي الأطفال'.
قصة الفتاتان سائدة وسمية تجسد مأساة آلاف الطلاب في غزة، الذين يعيشون على إيقاع فقدان متكرر: بيت يهدم، مدرسة تغلق، وأمل ينطفئ. وبينما لا تزال مبادرات التعليم بالخيام تحاول أن تمنح الأطفال شعورا بالاستقرار، يواصل الاحتلال الإسرائيلي نسف هذه المحاولات عبر الاحتلال والتهجير، لتتحول حياة الطلبة إلى دوامة من الفقد والبحث عن بداية جديدة لا تكتمل.
مبادرات تعليمية في مهب الريح
في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، كانت تقف مدرسة 'الصابرين' شاهدة على إصرار أهالي غزة على انتزاع حق أطفالهم في التعلم، ولو وسط ألسنة النار. هناك، استطاعت المربية نهى أبو عودة أن تنسج من الخيام مشروعا تعليميا صغيرا كبر شيئا فشيئا حتى ضم أكثر من 600 طالب في المرحلة الابتدائية.
تقول أبو عودة لـ'فلسطين أون لاين' وهي تحاول استجماع قواها بعد أن أجبرت على إغلاق المدرسة: 'كنت أظن أن الحرب مهما طالت لن تنتزع منا حق أطفالنا في التعليم. لكن أوامر الإخلاء الإسرائيلية واحتلال مدينة غزة دمّرا كل شيء، وقتلا آخر بارقة أمل كانت لدينا'.
بدأت الفكرة في الأشهر الأولى من الحرب، حين لاحظت أبو عودة أن مئات الأطفال في حي الشيخ رضوان يقضون وقتهم في الشوارع بعد أن دُمرت مدارسهم. عندها قررت أن تنشئ 'مدرسة من خيمة'، جمعت حولها متطوعين من شباب الحي وبعض المدرّسين الذين فقدوا وظائفهم بسبب إغلاق المدارس.
وتضيف: 'استعنت بمجموعة من المبادرين الذين تبرعوا بمقاعد وطاولات وسبورات، حتى القرطاسية للطلاب. شيئًا فشيئًا بدأ الأهالي يرسلون أبناءهم، وصار لدينا صفوف منظمة داخل الخيام. لم يكن لدينا جدران ولا كهرباء، لكن كان لدينا حلم'.
لكن الاحتلال الإسرائيلي لم يترك الحلم يكتمل. مع توالي أوامر الإخلاء لسكان حي الشيخ رضوان، وجدت أبو عودة نفسها أمام واقع مرير: نزوح جماعي نحو غرب غزة وجنوب القطاع، ومدرستها الصغيرة بلا طلاب.
وتصف ذلك قائلة: 'في صباح واحد، اختفى ضجيج الأطفال من الخيام. الأهالي حملوا أبناءهم ورحلوا خوفًا من القصف والاعتقال. كنت أنظر إلى السبورات الفارغة والمقاعد المرتبة ولا أصدق أن كل شيء انتهى بهذه السرعة'.
إغلاق مدرسة 'الصابرين' لم يكن مجرد إغلاق مؤسسة تعليمية، بل كان ضربة نفسية قاسية لمئات الأسر التي رأت في هذه المبادرة نافذة أخيرة لبقاء أطفالها على صلة بالتعليم.
تقول أبو عودة: 'لقد عاش الطلاب فرحا كبيرا بالعودة إلى الدراسة ولو في خيمة، كانوا يكتبون ويقرأون وكأنهم في قصر. لكن عودة العدوان واحتلال مدينة غزة دمّر كل شيء. الآن لم يعد هناك سوى الخوف والتهجير'.
80% من مدارس القطاع دُمرت
وبحسب تقديرات وزارة التربية والتعليم في غزة، أكثر من 80% من مدارس القطاع خرجت عن الخدمة بشكل كامل أو جزئي.
وفي وقت سابق، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن مستلزمات تعليمية تكفي حوالي 370 ألف طالب في قطاع غزة لا تزال عالقة في الأردن بانتظار السماح بإدخالها.
وأكدت الوكالة أنها على أهبة الاستعداد لإيصال هذه المستلزمات فور رفع الحصار المفروض على القطاع، مشيرة إلى أن تمكين الأطفال من استئناف تعليمهم يشكل خطوة أساسية نحو التعافي بعد الحرب.
وقالت الأونروا إن هذه المواد التعليمية تمثل 'جسرا للأمل والحياة الطبيعية' بالنسبة لأطفال غزة الذين حُرموا من الدراسة نتيجة الحرب والتدمير الواسع للمدارس.
ودعت الوكالة المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل من أجل رفع القيود والحصار عن القطاع، بما يتيح للأطفال العودة إلى مقاعد الدراسة في أقرب وقت ممكن.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - لم تتمالك الطالبة سائدة يونس، ابنة الصف الثامن الأساسي، دموعها وهي تتحدث عن مدرستها الصغيرة التي التحقت بها بعد عودتها من النزوح في 19 يناير الماضي. يومها، كانت فرحتها لا توصف وهي تدخل خيمة بيضاء نصبت كفصل دراسي مؤقت في حي الصبرة وسط مدينة غزة.
قالت سائدة لـ 'فلسطين أون لاين': 'كنت أعتقد أنني فقدت مدرستي للأبد، لكن عندما رأيت الخيام والسبورات شعرت أن حياتي كطالبة عادت من جديد'.
على مدار أشهر قليلة، درست سائدة أربع مواد أساسية 'اللغة العربية، الإنجليزية، الرياضيات، والعلوم'. رغم بساطة الإمكانيات، كانت تحرص على المجيء مبكرا، حاملة دفتراً وقلماً حصلت عليهما من المساعدات.
تضيف: 'كنت أجلس على المقعد وكأني في أجمل مكان بالعالم. لم نهتم أن فوقنا قماش خيمة بدلاً من سقف، المهم أننا نتعلم ونكتب ونشعر أننا مثل باقي الطلاب في العالم'.
اجتهدت سائدة حتى نهاية الفصل، وأبلت بلاءً حسنًا في الاختبارات النهائية التي انتهت قبل أقل من شهر. ذلك الإنجاز الصغير منحها شعورا كبيرا بالانتصار. 'شعرت أنني عدت طالبة من جديد، وأن الحرب لن تعود مرة أخرى لتسرقنا. كنت أظن أنني سأكمل العام الدراسي بهدوء'، تهمس سائدة.
لكن فرحتها لم تدم طويلا. سرعان ما بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليته لاحتلال مدينة غزة، ومعه عادت التهديدات بتهجير السكان قسرا نحو الجنوب 'حين سمعت أن الجيش يقترب من غزة وأن هناك تهديدا بالتهجير، خفت كثيرا. سأفقد مدرستي من جديد، وسأعود إلى النزوح والضياع'.
إلى جانب سائدة، تقف زميلتها سمية العشي، وهي أيضا طالبة في المرحلة الإعدادية. عائلتها رفضت حتى الآن مغادرة مدينة غزة، متمسكة بالبقاء رغم الخطر الداهم. فقد نزحت أسرتها سابقا من منزلها في حي الصبرة وسط المدينة إلى حي النصر غربا، لكنهم ما زالوا مهددين بالتهجير.
وقالت سمية لـ'فلسطين أون لاين': 'نحن نعيش في خوف كبير. كل يوم نفكر: هل سيصل الجيش إلى هنا ويجبرنا على الرحيل مرة ثانية؟'.
رغم تمسك عائلتها بالبقاء، تعترف الطفلة أن الخوف يسكن قلبها. فهي تعرف أن النزوح يعني فقدان البيت والمدرسة والأصدقاء مرة أخرى 'أريد أن أبقى في غزة، لا أريد أن أرحل. تعبت من حمل حقيبتي والهرب من مكان إلى آخر. كل ما أريده أن أبقى طالبة أدرس مثل باقي الأطفال'.
قصة الفتاتان سائدة وسمية تجسد مأساة آلاف الطلاب في غزة، الذين يعيشون على إيقاع فقدان متكرر: بيت يهدم، مدرسة تغلق، وأمل ينطفئ. وبينما لا تزال مبادرات التعليم بالخيام تحاول أن تمنح الأطفال شعورا بالاستقرار، يواصل الاحتلال الإسرائيلي نسف هذه المحاولات عبر الاحتلال والتهجير، لتتحول حياة الطلبة إلى دوامة من الفقد والبحث عن بداية جديدة لا تكتمل.
مبادرات تعليمية في مهب الريح
في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، كانت تقف مدرسة 'الصابرين' شاهدة على إصرار أهالي غزة على انتزاع حق أطفالهم في التعلم، ولو وسط ألسنة النار. هناك، استطاعت المربية نهى أبو عودة أن تنسج من الخيام مشروعا تعليميا صغيرا كبر شيئا فشيئا حتى ضم أكثر من 600 طالب في المرحلة الابتدائية.
تقول أبو عودة لـ'فلسطين أون لاين' وهي تحاول استجماع قواها بعد أن أجبرت على إغلاق المدرسة: 'كنت أظن أن الحرب مهما طالت لن تنتزع منا حق أطفالنا في التعليم. لكن أوامر الإخلاء الإسرائيلية واحتلال مدينة غزة دمّرا كل شيء، وقتلا آخر بارقة أمل كانت لدينا'.
بدأت الفكرة في الأشهر الأولى من الحرب، حين لاحظت أبو عودة أن مئات الأطفال في حي الشيخ رضوان يقضون وقتهم في الشوارع بعد أن دُمرت مدارسهم. عندها قررت أن تنشئ 'مدرسة من خيمة'، جمعت حولها متطوعين من شباب الحي وبعض المدرّسين الذين فقدوا وظائفهم بسبب إغلاق المدارس.
وتضيف: 'استعنت بمجموعة من المبادرين الذين تبرعوا بمقاعد وطاولات وسبورات، حتى القرطاسية للطلاب. شيئًا فشيئًا بدأ الأهالي يرسلون أبناءهم، وصار لدينا صفوف منظمة داخل الخيام. لم يكن لدينا جدران ولا كهرباء، لكن كان لدينا حلم'.
لكن الاحتلال الإسرائيلي لم يترك الحلم يكتمل. مع توالي أوامر الإخلاء لسكان حي الشيخ رضوان، وجدت أبو عودة نفسها أمام واقع مرير: نزوح جماعي نحو غرب غزة وجنوب القطاع، ومدرستها الصغيرة بلا طلاب.
وتصف ذلك قائلة: 'في صباح واحد، اختفى ضجيج الأطفال من الخيام. الأهالي حملوا أبناءهم ورحلوا خوفًا من القصف والاعتقال. كنت أنظر إلى السبورات الفارغة والمقاعد المرتبة ولا أصدق أن كل شيء انتهى بهذه السرعة'.
إغلاق مدرسة 'الصابرين' لم يكن مجرد إغلاق مؤسسة تعليمية، بل كان ضربة نفسية قاسية لمئات الأسر التي رأت في هذه المبادرة نافذة أخيرة لبقاء أطفالها على صلة بالتعليم.
تقول أبو عودة: 'لقد عاش الطلاب فرحا كبيرا بالعودة إلى الدراسة ولو في خيمة، كانوا يكتبون ويقرأون وكأنهم في قصر. لكن عودة العدوان واحتلال مدينة غزة دمّر كل شيء. الآن لم يعد هناك سوى الخوف والتهجير'.
80% من مدارس القطاع دُمرت
وبحسب تقديرات وزارة التربية والتعليم في غزة، أكثر من 80% من مدارس القطاع خرجت عن الخدمة بشكل كامل أو جزئي.
وفي وقت سابق، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن مستلزمات تعليمية تكفي حوالي 370 ألف طالب في قطاع غزة لا تزال عالقة في الأردن بانتظار السماح بإدخالها.
وأكدت الوكالة أنها على أهبة الاستعداد لإيصال هذه المستلزمات فور رفع الحصار المفروض على القطاع، مشيرة إلى أن تمكين الأطفال من استئناف تعليمهم يشكل خطوة أساسية نحو التعافي بعد الحرب.
وقالت الأونروا إن هذه المواد التعليمية تمثل 'جسرا للأمل والحياة الطبيعية' بالنسبة لأطفال غزة الذين حُرموا من الدراسة نتيجة الحرب والتدمير الواسع للمدارس.
ودعت الوكالة المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل من أجل رفع القيود والحصار عن القطاع، بما يتيح للأطفال العودة إلى مقاعد الدراسة في أقرب وقت ممكن.
فلسطين أون لاين
التعليقات