أخبار اليوم - يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي، منذ الخامس من الشهر الجاري، واحدة من أعنف هجماته على مدينة غزة منذ استئناف الحرب في 18 مارس الماضي، مركزاً ضرباته الجوية على المباني متعددة الطوابق والأبراج السكنية التي تشكل مأوى لمئات العائلات التي دمر الجيش منازلهم خلال الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر 2023.
وتزامنت الهجمات الإسرائيلية العنيفة على مدينة غزة مع تصريحات لوزير جيش الاحتلال يسرائيل كاتس الذي أعلن عبر منصة 'إكس' فتح ما وصفه بـ'أبواب الجحيم' على المدينة وتدميرها بالكامل، مؤكدا أن العمليات العسكرية ستستمر 'حتى تقبل حماس بشروط إسرائيل لإنهاء الحرب، وفي مقدمتها إطلاق سراح جميع الرهائن ونزع سلاحها'، مهددا بـ'القضاء عليها' في حال الرفض.
وتأتي هذه التهديدات رغم أن حركة حماس كانت قد وافقت في 18 أغسطس الماضي على مقترح مصري- قطري بخصوص صفقة جزئية تشمل وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وهو مقترح يتطابق مع خطة أمريكية سابقة وافقت عليها إسرائيل، إلا أن تل أبيب تجاهلت الرد على المقترح ولم تُبدِ أي تجاوب معها.
ودمر جيش الاحتلال في الخامس من الشهر الجاري برج مشتهى المكون من 16 طابقا وهو أحد أكبر الأبراج السكنية في غزة ويقع غرب مدينة غزة، وهو محاط بمئات الخيام التي يسكنها نازحين هاربين من شمال وشرق المدينة وهي مناطق واقعة تحت السيطرة الإسرائيلية الآن. وادعى الجيش أن البرج هو 'بنية تحتية لحماس' ويستخدم للتخطيط وتنفيذ العمليات ضد القوات الإسرائيلية.
ونفت إدارة برج مشتهى في بيان لها عقب استهدافه، مزاعم الاحتلال الإسرائيلي حول استخدام البرج لأغراض عسكرية، مؤكدة أنه ومنذ استهدافه العام الماضي يخضع لرقابة صارمة ولا يُسمح بدخوله سوى للمدنيين النازحين.
وشددت الإدارة على خلو البرج من أي كاميرات أو أسلحة، معلنة عزمها ملاحقة إسرائيل في المحافل القانونية والدولية للمطالبة بالتعويضات ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة.
نزوح متجدد
كانت أم محمد الدحدوح وهي نازحة من حي الشجاعية شرق مدينة غزة، تجلس أمام خيمتها المهترئة قرب برج مشتهى غرب المدينة. وضعت صحن الدقيق أمامها، تعجنه بيديها المتعبتين لتخبز بعض الأرغفة تسد بها جوع أطفالها الثلاثة، الذين كانوا يتزاحمون حولها بانتظار لقيمات ساخنة.
فجأة، شق الصمت صراخ الناس: 'أخلوا المنطقة فورًا… الجيش الإسرائيلي سيقصف البرج'.
ارتجفت يداها، تسمر الأطفال من الخوف، ثم تركت كل شيء خلفها؛ العجين، أدوات الطهي، وذكريات صغيرة جمعتها في تلك الخيمة البائسة، وهرولت حاملة طفلها الصغير بينما يمسك الآخران بعباءتها، تبحث عن مهرب وسط الفوضى.
لم تمر ساعة حتى دوى انفجار هائل هز المكان، وتحول البرج إلى كومة من الركام.
تقول أم محمد لـ 'فلسطين أون لاين': 'حين عدت إلى مكاني لم أجد خيمتي. اختفت تماما تحت الركام، أغطية الأطفال تبعثرت، وثيابهم طارت مع الغبار، حتى الخبز الذي كنت أعده لهم تلاشى'.
المكان لم يعد صالحا للعيش، الغبار يملأ الهواء، رائحة البارود تخنق الأنفاس، وصوت الطائرات لا يفارق السماء. ومع اشتداد القصف، صار الجميع يفكر بالرحيل جنوبًا بحثًا عن مأوى يحميهم من الموت. لكن أم محمد تواجه مأزقا مريرا 'لا أملك ثمن أجرة النقل، وحتى إن أردت الرحيل فلا مأوى ينتظرني… خيمتي دمرت ولم يعد عندي شيء'.
تتوقف للحظة ثم تضيف بصوت مبحوح: 'سنضطر للسير على أقدامنا مسافات طويلة، نحمل أطفالنا بين الركام، لا خيار آخر أمامنا سوى الرحيل نحو المجهول'.
تدمير ممنهج
لم يكن برج مشتهى الوحيد، فقد دمر جيش الاحتلال العديد من الأبراج السكنية الشاهقة في مدينة غزة التي تشكل مراكز إيواء لمئات العائلات، مثل برج السوسي، وعمارة رؤية 1، وبرج رؤية 2، مدعيا أنها تشكل بنى تحتية لحركة حماس دون أن يقدم أي دليل على ادعاءاته.
وقصفت طائرات الاحتلال، في 7 سبتمبر عمارة الرؤية 1 الواقعة غربي مدينة غزة وتتكون من سبعة طوابق وتضم نحو ثلاثين شقة سكنية، ما أدى إلى تدميرها بشكل كامل.
الصحفية شيرين فايد التي تعيش بالقرب من عمارة الرؤية عاشت لحظات رعب قاسية بعد استهداف العمارة السكنية. تقول فايد لـ'فلسطين أون لاين': 'أعيش في مخزن قريب على امتداد الشارع نفسه الذي توجد فيه عمارة الرؤية التي تم قصفها، لكن صوت القصف أحدث دوياً مرعباً لنا وللأطفال، كما أننا التزمنا التواجد داخل المخزن خوفاً من شظايا القصف التي وصلت لمسافات بعيدة'.
وتشير إلى أن الخوف عمّ المكان لحظة القصف على الرغم من محاولاتها اتخاذ الاحتياطات، وقالت: 'رغم الاحتياطات الشديدة لكن حالة الذعر عمت المكان، كما أن رائحة وسحابة الدخان والبارود التي ملأت المنطقة تسببت في اختناقي وضيق تنفسي لمدة زادت على الساعة حتى انقشعت السحابة نسبياً'.
وتؤكد فايد أن معاناة من يعيشون في الخيام كانت أشد، قائلة: 'الرعب كان أكبر بالنسبة للنازحين في الخيام.. خيامهم لا يمكن أن تقي من الشظايا'.
جريمة حرب مكتملة الأركان
وقال إسماعيل الثوابتة المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة لـ'فلسطين': 'الاحتلال الإسرائيلي يرتكب جريمة حرب مكتملة الأركان باستهدافه المتكرر للأبراج والعمارات السكنية في قطاع غزة، وآخرها قصف برج مشتهى غربي المدينة، في عدوان لا يستهدف سوى المدنيين العزل'.
وأضاف: 'مدينة غزة وحدها تضم نحو 914 ألفًا و556 نسمة، ويحتوي القطاع على ما يقارب 51 ألفًا و544 مبنى متعدد الطوابق، ومع ذلك يواصل الاحتلال قصفها بلا هوادة، ودون أي أهداف عسكرية، في سياسة ممنهجة للتهجير القسري وإحداث ضغط نفسي وديمغرافي على السكان'.
وأكد الثوابتة أن ما جرى خلال اليومين الأخيرين فقط 'يدلل على وحشية غير مسبوقة، إذ دمّر الاحتلال أكثر من 50 بناية سكنية كليًا، وألحق أضرارًا جزئية بـ 100 بناية أخرى، تضم آلاف العائلات النازحة، فضلًا عن تدمير أكثر من 200 خيمة للنازحين الذين كانوا يبحثون عن مأوى آمن بجوار تلك المباني'.
وشدد على أن 'هذا العدوان يرقى إلى تهجير جماعي قسري لمئات آلاف المدنيين، ويكشف بوضوح نية الاحتلال في تفريغ مدينة غزة من سكانها تمهيدًا لاحتلالها وفرض سيطرته عليها'.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي، منذ الخامس من الشهر الجاري، واحدة من أعنف هجماته على مدينة غزة منذ استئناف الحرب في 18 مارس الماضي، مركزاً ضرباته الجوية على المباني متعددة الطوابق والأبراج السكنية التي تشكل مأوى لمئات العائلات التي دمر الجيش منازلهم خلال الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر 2023.
وتزامنت الهجمات الإسرائيلية العنيفة على مدينة غزة مع تصريحات لوزير جيش الاحتلال يسرائيل كاتس الذي أعلن عبر منصة 'إكس' فتح ما وصفه بـ'أبواب الجحيم' على المدينة وتدميرها بالكامل، مؤكدا أن العمليات العسكرية ستستمر 'حتى تقبل حماس بشروط إسرائيل لإنهاء الحرب، وفي مقدمتها إطلاق سراح جميع الرهائن ونزع سلاحها'، مهددا بـ'القضاء عليها' في حال الرفض.
وتأتي هذه التهديدات رغم أن حركة حماس كانت قد وافقت في 18 أغسطس الماضي على مقترح مصري- قطري بخصوص صفقة جزئية تشمل وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وهو مقترح يتطابق مع خطة أمريكية سابقة وافقت عليها إسرائيل، إلا أن تل أبيب تجاهلت الرد على المقترح ولم تُبدِ أي تجاوب معها.
ودمر جيش الاحتلال في الخامس من الشهر الجاري برج مشتهى المكون من 16 طابقا وهو أحد أكبر الأبراج السكنية في غزة ويقع غرب مدينة غزة، وهو محاط بمئات الخيام التي يسكنها نازحين هاربين من شمال وشرق المدينة وهي مناطق واقعة تحت السيطرة الإسرائيلية الآن. وادعى الجيش أن البرج هو 'بنية تحتية لحماس' ويستخدم للتخطيط وتنفيذ العمليات ضد القوات الإسرائيلية.
ونفت إدارة برج مشتهى في بيان لها عقب استهدافه، مزاعم الاحتلال الإسرائيلي حول استخدام البرج لأغراض عسكرية، مؤكدة أنه ومنذ استهدافه العام الماضي يخضع لرقابة صارمة ولا يُسمح بدخوله سوى للمدنيين النازحين.
وشددت الإدارة على خلو البرج من أي كاميرات أو أسلحة، معلنة عزمها ملاحقة إسرائيل في المحافل القانونية والدولية للمطالبة بالتعويضات ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة.
نزوح متجدد
كانت أم محمد الدحدوح وهي نازحة من حي الشجاعية شرق مدينة غزة، تجلس أمام خيمتها المهترئة قرب برج مشتهى غرب المدينة. وضعت صحن الدقيق أمامها، تعجنه بيديها المتعبتين لتخبز بعض الأرغفة تسد بها جوع أطفالها الثلاثة، الذين كانوا يتزاحمون حولها بانتظار لقيمات ساخنة.
فجأة، شق الصمت صراخ الناس: 'أخلوا المنطقة فورًا… الجيش الإسرائيلي سيقصف البرج'.
ارتجفت يداها، تسمر الأطفال من الخوف، ثم تركت كل شيء خلفها؛ العجين، أدوات الطهي، وذكريات صغيرة جمعتها في تلك الخيمة البائسة، وهرولت حاملة طفلها الصغير بينما يمسك الآخران بعباءتها، تبحث عن مهرب وسط الفوضى.
لم تمر ساعة حتى دوى انفجار هائل هز المكان، وتحول البرج إلى كومة من الركام.
تقول أم محمد لـ 'فلسطين أون لاين': 'حين عدت إلى مكاني لم أجد خيمتي. اختفت تماما تحت الركام، أغطية الأطفال تبعثرت، وثيابهم طارت مع الغبار، حتى الخبز الذي كنت أعده لهم تلاشى'.
المكان لم يعد صالحا للعيش، الغبار يملأ الهواء، رائحة البارود تخنق الأنفاس، وصوت الطائرات لا يفارق السماء. ومع اشتداد القصف، صار الجميع يفكر بالرحيل جنوبًا بحثًا عن مأوى يحميهم من الموت. لكن أم محمد تواجه مأزقا مريرا 'لا أملك ثمن أجرة النقل، وحتى إن أردت الرحيل فلا مأوى ينتظرني… خيمتي دمرت ولم يعد عندي شيء'.
تتوقف للحظة ثم تضيف بصوت مبحوح: 'سنضطر للسير على أقدامنا مسافات طويلة، نحمل أطفالنا بين الركام، لا خيار آخر أمامنا سوى الرحيل نحو المجهول'.
تدمير ممنهج
لم يكن برج مشتهى الوحيد، فقد دمر جيش الاحتلال العديد من الأبراج السكنية الشاهقة في مدينة غزة التي تشكل مراكز إيواء لمئات العائلات، مثل برج السوسي، وعمارة رؤية 1، وبرج رؤية 2، مدعيا أنها تشكل بنى تحتية لحركة حماس دون أن يقدم أي دليل على ادعاءاته.
وقصفت طائرات الاحتلال، في 7 سبتمبر عمارة الرؤية 1 الواقعة غربي مدينة غزة وتتكون من سبعة طوابق وتضم نحو ثلاثين شقة سكنية، ما أدى إلى تدميرها بشكل كامل.
الصحفية شيرين فايد التي تعيش بالقرب من عمارة الرؤية عاشت لحظات رعب قاسية بعد استهداف العمارة السكنية. تقول فايد لـ'فلسطين أون لاين': 'أعيش في مخزن قريب على امتداد الشارع نفسه الذي توجد فيه عمارة الرؤية التي تم قصفها، لكن صوت القصف أحدث دوياً مرعباً لنا وللأطفال، كما أننا التزمنا التواجد داخل المخزن خوفاً من شظايا القصف التي وصلت لمسافات بعيدة'.
وتشير إلى أن الخوف عمّ المكان لحظة القصف على الرغم من محاولاتها اتخاذ الاحتياطات، وقالت: 'رغم الاحتياطات الشديدة لكن حالة الذعر عمت المكان، كما أن رائحة وسحابة الدخان والبارود التي ملأت المنطقة تسببت في اختناقي وضيق تنفسي لمدة زادت على الساعة حتى انقشعت السحابة نسبياً'.
وتؤكد فايد أن معاناة من يعيشون في الخيام كانت أشد، قائلة: 'الرعب كان أكبر بالنسبة للنازحين في الخيام.. خيامهم لا يمكن أن تقي من الشظايا'.
جريمة حرب مكتملة الأركان
وقال إسماعيل الثوابتة المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة لـ'فلسطين': 'الاحتلال الإسرائيلي يرتكب جريمة حرب مكتملة الأركان باستهدافه المتكرر للأبراج والعمارات السكنية في قطاع غزة، وآخرها قصف برج مشتهى غربي المدينة، في عدوان لا يستهدف سوى المدنيين العزل'.
وأضاف: 'مدينة غزة وحدها تضم نحو 914 ألفًا و556 نسمة، ويحتوي القطاع على ما يقارب 51 ألفًا و544 مبنى متعدد الطوابق، ومع ذلك يواصل الاحتلال قصفها بلا هوادة، ودون أي أهداف عسكرية، في سياسة ممنهجة للتهجير القسري وإحداث ضغط نفسي وديمغرافي على السكان'.
وأكد الثوابتة أن ما جرى خلال اليومين الأخيرين فقط 'يدلل على وحشية غير مسبوقة، إذ دمّر الاحتلال أكثر من 50 بناية سكنية كليًا، وألحق أضرارًا جزئية بـ 100 بناية أخرى، تضم آلاف العائلات النازحة، فضلًا عن تدمير أكثر من 200 خيمة للنازحين الذين كانوا يبحثون عن مأوى آمن بجوار تلك المباني'.
وشدد على أن 'هذا العدوان يرقى إلى تهجير جماعي قسري لمئات آلاف المدنيين، ويكشف بوضوح نية الاحتلال في تفريغ مدينة غزة من سكانها تمهيدًا لاحتلالها وفرض سيطرته عليها'.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي، منذ الخامس من الشهر الجاري، واحدة من أعنف هجماته على مدينة غزة منذ استئناف الحرب في 18 مارس الماضي، مركزاً ضرباته الجوية على المباني متعددة الطوابق والأبراج السكنية التي تشكل مأوى لمئات العائلات التي دمر الجيش منازلهم خلال الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر 2023.
وتزامنت الهجمات الإسرائيلية العنيفة على مدينة غزة مع تصريحات لوزير جيش الاحتلال يسرائيل كاتس الذي أعلن عبر منصة 'إكس' فتح ما وصفه بـ'أبواب الجحيم' على المدينة وتدميرها بالكامل، مؤكدا أن العمليات العسكرية ستستمر 'حتى تقبل حماس بشروط إسرائيل لإنهاء الحرب، وفي مقدمتها إطلاق سراح جميع الرهائن ونزع سلاحها'، مهددا بـ'القضاء عليها' في حال الرفض.
وتأتي هذه التهديدات رغم أن حركة حماس كانت قد وافقت في 18 أغسطس الماضي على مقترح مصري- قطري بخصوص صفقة جزئية تشمل وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وهو مقترح يتطابق مع خطة أمريكية سابقة وافقت عليها إسرائيل، إلا أن تل أبيب تجاهلت الرد على المقترح ولم تُبدِ أي تجاوب معها.
ودمر جيش الاحتلال في الخامس من الشهر الجاري برج مشتهى المكون من 16 طابقا وهو أحد أكبر الأبراج السكنية في غزة ويقع غرب مدينة غزة، وهو محاط بمئات الخيام التي يسكنها نازحين هاربين من شمال وشرق المدينة وهي مناطق واقعة تحت السيطرة الإسرائيلية الآن. وادعى الجيش أن البرج هو 'بنية تحتية لحماس' ويستخدم للتخطيط وتنفيذ العمليات ضد القوات الإسرائيلية.
ونفت إدارة برج مشتهى في بيان لها عقب استهدافه، مزاعم الاحتلال الإسرائيلي حول استخدام البرج لأغراض عسكرية، مؤكدة أنه ومنذ استهدافه العام الماضي يخضع لرقابة صارمة ولا يُسمح بدخوله سوى للمدنيين النازحين.
وشددت الإدارة على خلو البرج من أي كاميرات أو أسلحة، معلنة عزمها ملاحقة إسرائيل في المحافل القانونية والدولية للمطالبة بالتعويضات ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة.
نزوح متجدد
كانت أم محمد الدحدوح وهي نازحة من حي الشجاعية شرق مدينة غزة، تجلس أمام خيمتها المهترئة قرب برج مشتهى غرب المدينة. وضعت صحن الدقيق أمامها، تعجنه بيديها المتعبتين لتخبز بعض الأرغفة تسد بها جوع أطفالها الثلاثة، الذين كانوا يتزاحمون حولها بانتظار لقيمات ساخنة.
فجأة، شق الصمت صراخ الناس: 'أخلوا المنطقة فورًا… الجيش الإسرائيلي سيقصف البرج'.
ارتجفت يداها، تسمر الأطفال من الخوف، ثم تركت كل شيء خلفها؛ العجين، أدوات الطهي، وذكريات صغيرة جمعتها في تلك الخيمة البائسة، وهرولت حاملة طفلها الصغير بينما يمسك الآخران بعباءتها، تبحث عن مهرب وسط الفوضى.
لم تمر ساعة حتى دوى انفجار هائل هز المكان، وتحول البرج إلى كومة من الركام.
تقول أم محمد لـ 'فلسطين أون لاين': 'حين عدت إلى مكاني لم أجد خيمتي. اختفت تماما تحت الركام، أغطية الأطفال تبعثرت، وثيابهم طارت مع الغبار، حتى الخبز الذي كنت أعده لهم تلاشى'.
المكان لم يعد صالحا للعيش، الغبار يملأ الهواء، رائحة البارود تخنق الأنفاس، وصوت الطائرات لا يفارق السماء. ومع اشتداد القصف، صار الجميع يفكر بالرحيل جنوبًا بحثًا عن مأوى يحميهم من الموت. لكن أم محمد تواجه مأزقا مريرا 'لا أملك ثمن أجرة النقل، وحتى إن أردت الرحيل فلا مأوى ينتظرني… خيمتي دمرت ولم يعد عندي شيء'.
تتوقف للحظة ثم تضيف بصوت مبحوح: 'سنضطر للسير على أقدامنا مسافات طويلة، نحمل أطفالنا بين الركام، لا خيار آخر أمامنا سوى الرحيل نحو المجهول'.
تدمير ممنهج
لم يكن برج مشتهى الوحيد، فقد دمر جيش الاحتلال العديد من الأبراج السكنية الشاهقة في مدينة غزة التي تشكل مراكز إيواء لمئات العائلات، مثل برج السوسي، وعمارة رؤية 1، وبرج رؤية 2، مدعيا أنها تشكل بنى تحتية لحركة حماس دون أن يقدم أي دليل على ادعاءاته.
وقصفت طائرات الاحتلال، في 7 سبتمبر عمارة الرؤية 1 الواقعة غربي مدينة غزة وتتكون من سبعة طوابق وتضم نحو ثلاثين شقة سكنية، ما أدى إلى تدميرها بشكل كامل.
الصحفية شيرين فايد التي تعيش بالقرب من عمارة الرؤية عاشت لحظات رعب قاسية بعد استهداف العمارة السكنية. تقول فايد لـ'فلسطين أون لاين': 'أعيش في مخزن قريب على امتداد الشارع نفسه الذي توجد فيه عمارة الرؤية التي تم قصفها، لكن صوت القصف أحدث دوياً مرعباً لنا وللأطفال، كما أننا التزمنا التواجد داخل المخزن خوفاً من شظايا القصف التي وصلت لمسافات بعيدة'.
وتشير إلى أن الخوف عمّ المكان لحظة القصف على الرغم من محاولاتها اتخاذ الاحتياطات، وقالت: 'رغم الاحتياطات الشديدة لكن حالة الذعر عمت المكان، كما أن رائحة وسحابة الدخان والبارود التي ملأت المنطقة تسببت في اختناقي وضيق تنفسي لمدة زادت على الساعة حتى انقشعت السحابة نسبياً'.
وتؤكد فايد أن معاناة من يعيشون في الخيام كانت أشد، قائلة: 'الرعب كان أكبر بالنسبة للنازحين في الخيام.. خيامهم لا يمكن أن تقي من الشظايا'.
جريمة حرب مكتملة الأركان
وقال إسماعيل الثوابتة المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة لـ'فلسطين': 'الاحتلال الإسرائيلي يرتكب جريمة حرب مكتملة الأركان باستهدافه المتكرر للأبراج والعمارات السكنية في قطاع غزة، وآخرها قصف برج مشتهى غربي المدينة، في عدوان لا يستهدف سوى المدنيين العزل'.
وأضاف: 'مدينة غزة وحدها تضم نحو 914 ألفًا و556 نسمة، ويحتوي القطاع على ما يقارب 51 ألفًا و544 مبنى متعدد الطوابق، ومع ذلك يواصل الاحتلال قصفها بلا هوادة، ودون أي أهداف عسكرية، في سياسة ممنهجة للتهجير القسري وإحداث ضغط نفسي وديمغرافي على السكان'.
وأكد الثوابتة أن ما جرى خلال اليومين الأخيرين فقط 'يدلل على وحشية غير مسبوقة، إذ دمّر الاحتلال أكثر من 50 بناية سكنية كليًا، وألحق أضرارًا جزئية بـ 100 بناية أخرى، تضم آلاف العائلات النازحة، فضلًا عن تدمير أكثر من 200 خيمة للنازحين الذين كانوا يبحثون عن مأوى آمن بجوار تلك المباني'.
وشدد على أن 'هذا العدوان يرقى إلى تهجير جماعي قسري لمئات آلاف المدنيين، ويكشف بوضوح نية الاحتلال في تفريغ مدينة غزة من سكانها تمهيدًا لاحتلالها وفرض سيطرته عليها'.
فلسطين أون لاين
التعليقات