بقلم: أ.د. خالد واصف الوزني
أستاذ الاقتصاد والسياسات العامة
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية
الدعوة لتأسيس الفيلق العربي جاءت من المغفور له بإذن الله الملك عبدالله الأول عام 1920، ثمَّ تطوّر تحت رعاية المغفور له بإذن الله الملك حسين لاحقاً ضمن هُوية وقومية عربية، ولعلَّ ذلك كان السبب الرئيس في إطلاق اسم الجيش العربي على القوات المسلحة الأردنية. بيد أنَّ الطموح كان أكبر، خاصة في حماية المنطقة العربية كاملة من الأطماع الصهيونية، وغير الصهيونية، حماية لا تقوم على القوة والسلاح، بل أيضاً على الفكر، والبحث، والتطوير، وخاصة في صناعة السلاح، وفي الاستخبارات، وفي الإنذار المُبكر. الفيلق العربي يمكن فهمه في سياق حلف الناتو، الحلف الأوروبي-الأطلنطي الذي نشأ على قاعدة دفاعيَّة موحَّدة مدعومة بقدرات صناعية متكاملة وعقود طويلة الأمد بين دولٍ ذات صناعات تقنية عميقة، مع آليات تمويل وتنسيق مركزية؛ أي كنموذج عربي طموح يحتاج إلى آليات مماثلة، بآليات تمويل مختلطة (حكومية، وصناديق استثمارية إقليمية، وشراكات مع القطاع الخاص) وإطار قانوني للتعاون والتصدير والترخيص. الفكرة يمكن فهمها في سياقات اقتصادية، تقوم على الاعتماد المتبادل في القيم المُضافة عربياً، وعلى توفير فرص عمل، وعلى استغلال طاقات عربية شبابية معرفية وفكرية نوعية في مجالات التطبيقات الذكية والذكاء الاصطناعي، وتؤهَّل لاستثمارات عربية هائلة، ليس لغايات إشعال الحروب، وإنما لتحقيق ثلاث غايات عربية اقتصادية وسياسية واجتماعية. فمن ناحية، هناك مطلب لحماية المنطقة من تغوّلٍ، أو لنقل تنمُّرٍ، واضح سببه التفوُّق النوعي في استخدامات عسكرية لتقنيات الذكاء الاصطناعي، جعلت من كلِّ إنسان، وقائد، ومسؤول على بعد مُسَيَّرة واحدة تطاله في أدنى الأرض. وهو تغول تنمُّرٍ يمكن تجسير فجوته إذا ما تم الاستثمار في قدرات الطاقات البشرية النوعية والإبداعية في المنطقة العربية، التي تزخر بطاقات وعقول، منها مستقر ومنها مهاجر ينتظر فرصة نوعية للعودة. ومن ناحية أخرى، هي غاية أمنية سياسية اقتصادية تجعل المنطقة أحد أهم مصادر الحماية السيبرانية، والذكية، بل والتقليدية، فهي تمتلك المصادر الطبيعية، والموارد البشرية، ومكنونات الأرض، بل والتمويل التي يمكن أن يجعلها الأكثر قدرة على الإنتاج التقليدي والذكي لوسائل الدفاع والحماية التقليدية والذكية. والأخيرة هي الأهم؛ فالعالم اليوم بات مرعوباً ممّا وفَّرته التقنيات، للعدو قبل الصديق، من إمكانات الوصول إلى أيِّ انسان على وجه البسيطة، وباتت الحماية من ذلك والأمان من تبعاته، بل والقدرة على الدفاع عن البلاد والأنفس والأشخاص قضية محورية. وأخيراً هناك الغاية الاستثمارية، التي أثبتت التجارب أنَّ هذه الصناعات، التقليدية والذكية، توفِّر عوائد طائلة للمستثمرين فيها، وتحقِّق قوة وقدرات كبيرة في السيطرة والتمكين الأمني.
غير أنَّ استحضار الفكرة، اليوم من زاوية اقتصادية، يفتح أفقاً عملياً أوسع؛ إذ يمكن النظر إليها كمشروع تكامل صناعي-تقني بين الدول العربية. وفي هذا الإطار، يمكن توزيع الأدوار وفق المزايا النسبية لكلِّ دولة. فمن ناحية، السعودية ومصر والجزائر مؤهَّلة لاحتضان الصناعات الدفاعية الثقيلة بحكم حجم مواردهما وأسواقهما وقواعدهما الصناعية. ومن ناحية أخرى، تُعَدُّ كلٌّ من الإمارات والأردن ولبنان وسورية، حال استقرارها، رصيداً بشرياً ومعرفياً نوعياً يسمح بقيادة إنتاج الدفاعات الذكية، والبحث والتطوير، والأنظمة السيبرانية. وعلى صعيد آخر، يمكن للمغرب وتونس أن تكونا قاعدة للتصنيع الفني والتقني، بحكم خبراتهما الصناعية في مجالات المكوّنات والأنظمة المتوسطة. هذا النموذج من التكامل يحقِّق عدة فوائد اقتصادية: من حيث تقليص الميزانيات العسكرية التي تستنزف العملات الصعبة. وتوفير وظائف صناعية وتقنية عالية القيمة، وخلق بيئة بحث وتطوير عربية قادرة على المنافسة والنفاذ إلى أسواق العالم. بيد أنَّ المنافع المذكورة تحمل معها تحديات مختلفة. فمن جهة، هناك الشكوك في التجارب العربية السابقة، ومن جهة ثانية، هناك اختلاف السياسات، وغياب إطار قانوني موحَّد، وتباين القدرات المالية والفنية بين الدول. كل ذلك يتطلَّب حوكمة إقليمية واضحة، ومعايير تشغيلية مشتركة، وآليات تمويل مستدامة، سواء عبر الإمكانات الحكومية أو من خلال صناديق الاستثمار العربية. وبالعودة إلى تجربة حلف الناتو، فإنَّ أيَّ مشروع عربي يحتاج إلى روح مشابهة من الانضباط والتكامل المؤسسي، مع تكييفه وفق ظروف المنطقة. على أن يتمَّ أخذه بمفهومٍ اقتصاديٍّ بالدرجة الأولى، بعيداً عن التنافر السياسي، أو التجاذبات في القيادة وفي السيطرة.
خلاصة القول: إنَّ المنطقة العربية أمام تحدي وجود، وليس خطر حرب أو هجوم عابر. هنا تبرز أهمية الاستقلالية والقدرات النوعية، مقابل الاعتمادية المفرطة التي تحرم الدول حتى من استخدام ما تقتنيه من مشتريات عسكرية دون إذن سابق، أو موافقة بالاستخدام. الفيلق العربي ليست فكرة طوباوية، لكنها تتطلَّب إرادة سياسية، واستثمارات استراتيجية، ورؤية مشتركة توزِّع الأدوار على أُسس اقتصادية لا شعاراتية. عندها فقط يمكن أن يتحوَّل المشروع من حلمٍ مؤجَّلٍ إلى واقعٍ تنمويٍّ وأمنيٍّ يخدم العرب جميعاً، ويرفع من قدراتهم ومكانتهم، ويردع المتربصين بهم.
بقلم: أ.د. خالد واصف الوزني
أستاذ الاقتصاد والسياسات العامة
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية
الدعوة لتأسيس الفيلق العربي جاءت من المغفور له بإذن الله الملك عبدالله الأول عام 1920، ثمَّ تطوّر تحت رعاية المغفور له بإذن الله الملك حسين لاحقاً ضمن هُوية وقومية عربية، ولعلَّ ذلك كان السبب الرئيس في إطلاق اسم الجيش العربي على القوات المسلحة الأردنية. بيد أنَّ الطموح كان أكبر، خاصة في حماية المنطقة العربية كاملة من الأطماع الصهيونية، وغير الصهيونية، حماية لا تقوم على القوة والسلاح، بل أيضاً على الفكر، والبحث، والتطوير، وخاصة في صناعة السلاح، وفي الاستخبارات، وفي الإنذار المُبكر. الفيلق العربي يمكن فهمه في سياق حلف الناتو، الحلف الأوروبي-الأطلنطي الذي نشأ على قاعدة دفاعيَّة موحَّدة مدعومة بقدرات صناعية متكاملة وعقود طويلة الأمد بين دولٍ ذات صناعات تقنية عميقة، مع آليات تمويل وتنسيق مركزية؛ أي كنموذج عربي طموح يحتاج إلى آليات مماثلة، بآليات تمويل مختلطة (حكومية، وصناديق استثمارية إقليمية، وشراكات مع القطاع الخاص) وإطار قانوني للتعاون والتصدير والترخيص. الفكرة يمكن فهمها في سياقات اقتصادية، تقوم على الاعتماد المتبادل في القيم المُضافة عربياً، وعلى توفير فرص عمل، وعلى استغلال طاقات عربية شبابية معرفية وفكرية نوعية في مجالات التطبيقات الذكية والذكاء الاصطناعي، وتؤهَّل لاستثمارات عربية هائلة، ليس لغايات إشعال الحروب، وإنما لتحقيق ثلاث غايات عربية اقتصادية وسياسية واجتماعية. فمن ناحية، هناك مطلب لحماية المنطقة من تغوّلٍ، أو لنقل تنمُّرٍ، واضح سببه التفوُّق النوعي في استخدامات عسكرية لتقنيات الذكاء الاصطناعي، جعلت من كلِّ إنسان، وقائد، ومسؤول على بعد مُسَيَّرة واحدة تطاله في أدنى الأرض. وهو تغول تنمُّرٍ يمكن تجسير فجوته إذا ما تم الاستثمار في قدرات الطاقات البشرية النوعية والإبداعية في المنطقة العربية، التي تزخر بطاقات وعقول، منها مستقر ومنها مهاجر ينتظر فرصة نوعية للعودة. ومن ناحية أخرى، هي غاية أمنية سياسية اقتصادية تجعل المنطقة أحد أهم مصادر الحماية السيبرانية، والذكية، بل والتقليدية، فهي تمتلك المصادر الطبيعية، والموارد البشرية، ومكنونات الأرض، بل والتمويل التي يمكن أن يجعلها الأكثر قدرة على الإنتاج التقليدي والذكي لوسائل الدفاع والحماية التقليدية والذكية. والأخيرة هي الأهم؛ فالعالم اليوم بات مرعوباً ممّا وفَّرته التقنيات، للعدو قبل الصديق، من إمكانات الوصول إلى أيِّ انسان على وجه البسيطة، وباتت الحماية من ذلك والأمان من تبعاته، بل والقدرة على الدفاع عن البلاد والأنفس والأشخاص قضية محورية. وأخيراً هناك الغاية الاستثمارية، التي أثبتت التجارب أنَّ هذه الصناعات، التقليدية والذكية، توفِّر عوائد طائلة للمستثمرين فيها، وتحقِّق قوة وقدرات كبيرة في السيطرة والتمكين الأمني.
غير أنَّ استحضار الفكرة، اليوم من زاوية اقتصادية، يفتح أفقاً عملياً أوسع؛ إذ يمكن النظر إليها كمشروع تكامل صناعي-تقني بين الدول العربية. وفي هذا الإطار، يمكن توزيع الأدوار وفق المزايا النسبية لكلِّ دولة. فمن ناحية، السعودية ومصر والجزائر مؤهَّلة لاحتضان الصناعات الدفاعية الثقيلة بحكم حجم مواردهما وأسواقهما وقواعدهما الصناعية. ومن ناحية أخرى، تُعَدُّ كلٌّ من الإمارات والأردن ولبنان وسورية، حال استقرارها، رصيداً بشرياً ومعرفياً نوعياً يسمح بقيادة إنتاج الدفاعات الذكية، والبحث والتطوير، والأنظمة السيبرانية. وعلى صعيد آخر، يمكن للمغرب وتونس أن تكونا قاعدة للتصنيع الفني والتقني، بحكم خبراتهما الصناعية في مجالات المكوّنات والأنظمة المتوسطة. هذا النموذج من التكامل يحقِّق عدة فوائد اقتصادية: من حيث تقليص الميزانيات العسكرية التي تستنزف العملات الصعبة. وتوفير وظائف صناعية وتقنية عالية القيمة، وخلق بيئة بحث وتطوير عربية قادرة على المنافسة والنفاذ إلى أسواق العالم. بيد أنَّ المنافع المذكورة تحمل معها تحديات مختلفة. فمن جهة، هناك الشكوك في التجارب العربية السابقة، ومن جهة ثانية، هناك اختلاف السياسات، وغياب إطار قانوني موحَّد، وتباين القدرات المالية والفنية بين الدول. كل ذلك يتطلَّب حوكمة إقليمية واضحة، ومعايير تشغيلية مشتركة، وآليات تمويل مستدامة، سواء عبر الإمكانات الحكومية أو من خلال صناديق الاستثمار العربية. وبالعودة إلى تجربة حلف الناتو، فإنَّ أيَّ مشروع عربي يحتاج إلى روح مشابهة من الانضباط والتكامل المؤسسي، مع تكييفه وفق ظروف المنطقة. على أن يتمَّ أخذه بمفهومٍ اقتصاديٍّ بالدرجة الأولى، بعيداً عن التنافر السياسي، أو التجاذبات في القيادة وفي السيطرة.
خلاصة القول: إنَّ المنطقة العربية أمام تحدي وجود، وليس خطر حرب أو هجوم عابر. هنا تبرز أهمية الاستقلالية والقدرات النوعية، مقابل الاعتمادية المفرطة التي تحرم الدول حتى من استخدام ما تقتنيه من مشتريات عسكرية دون إذن سابق، أو موافقة بالاستخدام. الفيلق العربي ليست فكرة طوباوية، لكنها تتطلَّب إرادة سياسية، واستثمارات استراتيجية، ورؤية مشتركة توزِّع الأدوار على أُسس اقتصادية لا شعاراتية. عندها فقط يمكن أن يتحوَّل المشروع من حلمٍ مؤجَّلٍ إلى واقعٍ تنمويٍّ وأمنيٍّ يخدم العرب جميعاً، ويرفع من قدراتهم ومكانتهم، ويردع المتربصين بهم.
بقلم: أ.د. خالد واصف الوزني
أستاذ الاقتصاد والسياسات العامة
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية
الدعوة لتأسيس الفيلق العربي جاءت من المغفور له بإذن الله الملك عبدالله الأول عام 1920، ثمَّ تطوّر تحت رعاية المغفور له بإذن الله الملك حسين لاحقاً ضمن هُوية وقومية عربية، ولعلَّ ذلك كان السبب الرئيس في إطلاق اسم الجيش العربي على القوات المسلحة الأردنية. بيد أنَّ الطموح كان أكبر، خاصة في حماية المنطقة العربية كاملة من الأطماع الصهيونية، وغير الصهيونية، حماية لا تقوم على القوة والسلاح، بل أيضاً على الفكر، والبحث، والتطوير، وخاصة في صناعة السلاح، وفي الاستخبارات، وفي الإنذار المُبكر. الفيلق العربي يمكن فهمه في سياق حلف الناتو، الحلف الأوروبي-الأطلنطي الذي نشأ على قاعدة دفاعيَّة موحَّدة مدعومة بقدرات صناعية متكاملة وعقود طويلة الأمد بين دولٍ ذات صناعات تقنية عميقة، مع آليات تمويل وتنسيق مركزية؛ أي كنموذج عربي طموح يحتاج إلى آليات مماثلة، بآليات تمويل مختلطة (حكومية، وصناديق استثمارية إقليمية، وشراكات مع القطاع الخاص) وإطار قانوني للتعاون والتصدير والترخيص. الفكرة يمكن فهمها في سياقات اقتصادية، تقوم على الاعتماد المتبادل في القيم المُضافة عربياً، وعلى توفير فرص عمل، وعلى استغلال طاقات عربية شبابية معرفية وفكرية نوعية في مجالات التطبيقات الذكية والذكاء الاصطناعي، وتؤهَّل لاستثمارات عربية هائلة، ليس لغايات إشعال الحروب، وإنما لتحقيق ثلاث غايات عربية اقتصادية وسياسية واجتماعية. فمن ناحية، هناك مطلب لحماية المنطقة من تغوّلٍ، أو لنقل تنمُّرٍ، واضح سببه التفوُّق النوعي في استخدامات عسكرية لتقنيات الذكاء الاصطناعي، جعلت من كلِّ إنسان، وقائد، ومسؤول على بعد مُسَيَّرة واحدة تطاله في أدنى الأرض. وهو تغول تنمُّرٍ يمكن تجسير فجوته إذا ما تم الاستثمار في قدرات الطاقات البشرية النوعية والإبداعية في المنطقة العربية، التي تزخر بطاقات وعقول، منها مستقر ومنها مهاجر ينتظر فرصة نوعية للعودة. ومن ناحية أخرى، هي غاية أمنية سياسية اقتصادية تجعل المنطقة أحد أهم مصادر الحماية السيبرانية، والذكية، بل والتقليدية، فهي تمتلك المصادر الطبيعية، والموارد البشرية، ومكنونات الأرض، بل والتمويل التي يمكن أن يجعلها الأكثر قدرة على الإنتاج التقليدي والذكي لوسائل الدفاع والحماية التقليدية والذكية. والأخيرة هي الأهم؛ فالعالم اليوم بات مرعوباً ممّا وفَّرته التقنيات، للعدو قبل الصديق، من إمكانات الوصول إلى أيِّ انسان على وجه البسيطة، وباتت الحماية من ذلك والأمان من تبعاته، بل والقدرة على الدفاع عن البلاد والأنفس والأشخاص قضية محورية. وأخيراً هناك الغاية الاستثمارية، التي أثبتت التجارب أنَّ هذه الصناعات، التقليدية والذكية، توفِّر عوائد طائلة للمستثمرين فيها، وتحقِّق قوة وقدرات كبيرة في السيطرة والتمكين الأمني.
غير أنَّ استحضار الفكرة، اليوم من زاوية اقتصادية، يفتح أفقاً عملياً أوسع؛ إذ يمكن النظر إليها كمشروع تكامل صناعي-تقني بين الدول العربية. وفي هذا الإطار، يمكن توزيع الأدوار وفق المزايا النسبية لكلِّ دولة. فمن ناحية، السعودية ومصر والجزائر مؤهَّلة لاحتضان الصناعات الدفاعية الثقيلة بحكم حجم مواردهما وأسواقهما وقواعدهما الصناعية. ومن ناحية أخرى، تُعَدُّ كلٌّ من الإمارات والأردن ولبنان وسورية، حال استقرارها، رصيداً بشرياً ومعرفياً نوعياً يسمح بقيادة إنتاج الدفاعات الذكية، والبحث والتطوير، والأنظمة السيبرانية. وعلى صعيد آخر، يمكن للمغرب وتونس أن تكونا قاعدة للتصنيع الفني والتقني، بحكم خبراتهما الصناعية في مجالات المكوّنات والأنظمة المتوسطة. هذا النموذج من التكامل يحقِّق عدة فوائد اقتصادية: من حيث تقليص الميزانيات العسكرية التي تستنزف العملات الصعبة. وتوفير وظائف صناعية وتقنية عالية القيمة، وخلق بيئة بحث وتطوير عربية قادرة على المنافسة والنفاذ إلى أسواق العالم. بيد أنَّ المنافع المذكورة تحمل معها تحديات مختلفة. فمن جهة، هناك الشكوك في التجارب العربية السابقة، ومن جهة ثانية، هناك اختلاف السياسات، وغياب إطار قانوني موحَّد، وتباين القدرات المالية والفنية بين الدول. كل ذلك يتطلَّب حوكمة إقليمية واضحة، ومعايير تشغيلية مشتركة، وآليات تمويل مستدامة، سواء عبر الإمكانات الحكومية أو من خلال صناديق الاستثمار العربية. وبالعودة إلى تجربة حلف الناتو، فإنَّ أيَّ مشروع عربي يحتاج إلى روح مشابهة من الانضباط والتكامل المؤسسي، مع تكييفه وفق ظروف المنطقة. على أن يتمَّ أخذه بمفهومٍ اقتصاديٍّ بالدرجة الأولى، بعيداً عن التنافر السياسي، أو التجاذبات في القيادة وفي السيطرة.
خلاصة القول: إنَّ المنطقة العربية أمام تحدي وجود، وليس خطر حرب أو هجوم عابر. هنا تبرز أهمية الاستقلالية والقدرات النوعية، مقابل الاعتمادية المفرطة التي تحرم الدول حتى من استخدام ما تقتنيه من مشتريات عسكرية دون إذن سابق، أو موافقة بالاستخدام. الفيلق العربي ليست فكرة طوباوية، لكنها تتطلَّب إرادة سياسية، واستثمارات استراتيجية، ورؤية مشتركة توزِّع الأدوار على أُسس اقتصادية لا شعاراتية. عندها فقط يمكن أن يتحوَّل المشروع من حلمٍ مؤجَّلٍ إلى واقعٍ تنمويٍّ وأمنيٍّ يخدم العرب جميعاً، ويرفع من قدراتهم ومكانتهم، ويردع المتربصين بهم.
التعليقات