أخبار اليوم - تشهد منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، (اليونيسكو) منافسةً حاميةً لخلافة أودري أزولاي، مديرتها العامة الفرنسية الجنسية التي شغلت هذا المنصب لولايتين من 8 سنوات. وبعد انسحاب المرشحة المكسيكية غابرييلا راموس من المنافسة يوم 25 أغسطس (آب) الماضي، لم يبقَ في الميدان سوى مرشحَين اثنَين: خالد العناني وزير السياحة والآثار المصري السابق، وفيرمين إدوار ماتوكو الذي رشَّحته الكونغو في وقت متأخر، أي قبل يومين من انتهاء مهلة الترشُّح في مارس (آذار) الماضي. وماتوكو ليس جديداً على المنظمة الدولية التي التحق بها منذ عام 1990 وتنقَّل داخلها في مناصب عدة، آخرها نائب المديرة العامة للشؤون الأفريقية.
والسباق سيُحسَم على الأرجح عصر الاثنين عندما يلتئم المجلس التنفيذي للمنظمة المُشكَّل من 58 عضواً، للقيام بأول جولة للتصويت. والأمور، هذه السنة، بالغة البساطة من الناحية الحسابية؛ بسبب اقتصار التنافس على مرشحَين فقط بعكس ما كان يحصل في السابق، وبالتالي لن تكون ثمة حاجة لجولة اقتراع ثانية إلا في حال تعادل الأصوات وهو، وفق مصدر من داخل المنظمة الدولية، «أمر مستبعد». وتعود للجمعية العامة لليونيسكو (مقرها باريس) «المصادقة» على الفائز في المنافسة بمناسبة مؤتمرها العام الذي سيلتئم في سمرقند (عاصمة أوزبكستان) في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني)، مع موعد انتهاء ولاية أزولاي. وقال مندوب عربي لدى اليونيسكو لـ«الشرق الأوسط» إن السباق محسوم لصالح المرشح المصري.
اطمئنان مصري
هذه التوقعات تؤكدها المعلومات المتوافرة من أكثر من طرف. فخالد العناني، من جهة، كان سبّاقاً في التقدم بترشحه منذ صيف عام 2023 الأمر الذي وفّر له الفرصة لزيارة ما لا يقل عن 70 عاصمة لشرح دوافع ترشحه وتصوره وخططه لعمل «اليونيسكو». وقال بدر عبد العاطي، وزير الخارجية المصري الموجود في باريس منذ يوم الخميس الماضي لترؤس وفد بلاده بهذه المناسبة، خلال محاضرة له في «المعهد الفرنسي للدراسات السياسية»: «صحيح أننا فشلنا سابقاً في اليونيسكو، وقد حدث ذلك، ولكنني آمل أن ننجح هذه المرة، وأن ننتصر. نحن واثقون لأن لدينا مرشحاً قوياً فعّالاً يتمتع بكفاءات معروفة واستحقاقات مشهود له بها، فضلاً عن سيرة ذاتية متميزة. ولذا، نأمل أن يحقق النجاح».
وأضاف عبد العاطي أن «أربع قمم للاتحاد الأفريقي دعمته مرشحاً وحيداً للاتحاد الأفريقي. لذلك نحن واثقون من تضامن أفريقيا. وما نتوقعه أن تصوّت الدول الأفريقية (الأعضاء في المجلس التنفيذي) لمرشح الاتحاد الأفريقي (أي خالد العناني)، والالتزام بتوجيهات قادة الاتحاد الذين عبّروا عن تأييده مراراً». وخلص الوزير المصري إلى القول: «نحن واثقون من كفاءة مرشحنا، ونأمل أن تكون المحاولة الثالثة ثابتة».
وخلال إقامته الباريسية، يتابع رئيس الدبلوماسية المصرية اتصالاته لتوفير الدعم لمرشح بلاده الذي يحظى بدعم الجامعة العربية. ويتمثّل العالم العربي في المجلس التنفيذي بـ8 دول هي: المملكة العربية السعودية، ومصر، والعراق، وقطر، والأردن، والكويت، وعُمان وجيبوتي، فبينما تتمثل الكتلة الأفريقية بـ13 دولة. ومن هذا المنطلق، فإن المرشح المصري يبدو الأكثر ترجيحاً للفوز إذا ما حصل على أصوات الأفارقة، في حال التزامهم بتوصيات الاتحاد الأفريقي، معطوفة على الأصوات العربية، وعلى الدعم للمرشح المصري الذي عبَّرت عنه دول أوروبية رئيسية مثل فرنسا وإسبانيا وألمانيا، إضافة إلى البرازيل ونيجيريا.
استفاقة متأخرة للكونغو
حقيقة الأمر أن النتيجة لن تُعرَف سوى بعد التصويت، وذلك لأسباب عدة أبرزها أن عملية الاقتراع سرية، وبالتالي قد لا يكون مؤكداً أن مندوبي الدول سيتّبعون التوصيات الرسمية الصادرة عن هذا التجمع الإقليمي أو ذلك. ومن جهة ثانية، لا تعترف الكونغو بأن المعركة خاسرة سلفاً، وهي إن دخلتها في وقت متأخر، فإنها ضاعفت جهودها في الأشهر القليلة الماضية وتراهن على ابتعاد دول أفريقية عدة عن توصية الاتحاد والاقتراع لصالح مرشحها. كذلك، فإن الرئيس الكونغولي انخرط بقوة في المعركة مباشرة وعبْر ابنه كريستيل ساسو نغيسو، وزير التعاون الدولي، الذي قام بجولات موسَّعة في الخليج وآسيا وأميركا الجنوبية ودول البحر الكاريبي لحشد الدعم. ونقلت عنه «وكالة الصحافة الفرنسية» مؤخراً قوله: «الأمور لم تحسَم بعد، ونتيجة الانتخاب ما زالت مفتوحة»، مضيفاً أن بلاده حشدت تأييداً من عدد من الدول الأفريقية. وفي الإطار التنافسي وللحاق بالمرشح المصري، أقام ماتوكو أياماً عدة في نيويورك، مستفيداً من الحضور الدولي الذي يوفره «أسبوع القادة» بمناسبة اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة للقيام باتصالات مكثفة بحثاً عن التأييد لترشحه. ويريد ماتوكو، البالغ من العمر 69 عاماً، الاستفادة من معرفته العميقة باليونيسكو، حيث يوجد فيها منذ 35 عاماً ليطرح نفسه على أنه المرشح الأفضل للمنصب. بالمقابل، فإن المرشح المصري، منذ ترشحه وحتى موعد الانتخاب (30 شهراً)، قام بأوسع حملة عرفتها المنظمة الدولية، مدعوماً بفريق موسع. ويقول العناني إنه أجرى 400 اجتماع، وزار 65 بلداً لشرح مشروعه للمنظمة الدولية.
حان زمن قيادة عربية للمنظمة
منذ قيام «اليونيسكو» وحتى اليوم، لم تتح إدارتها العامة لأي مسؤول عربي، بعكس الأمم المتحدة التي أدارها وزير الخارجية المصري الأسبق بطرس بطرس غالي الذي ترأس أيضاً «المنظمة العالمية للفرنكوفونية». وسبق لمرشحين عرب أن خاضوا المنافسة، منهم إسماعيل سراج الدين وفاروق حسني ومشيرة الخطاب (مصر) وغازي القصيبي (السعودية) ومحمد البدياوي (الجزائر) وحمد عزير الكواري (قطر) وفيرا الخوري (لبنان) ورشاد لفرح (جيبوتي). لذا، فإن الفرصة هذه المرة، تبدو فعلاً متاحة للمرشح المصري الذي يقدّم نفسه على أنه مرشح العالمَين العربي والأفريقي، علماً بأن المنظمة الدولية تمت قيادتها سابقاً من مدير عام أفريقي بين عامَ 1974 و1987 هو السنغالي أمادو مختار مبو.
ورغم أن «اليونيسكو»، مبدئياً، منظمة بعيدة عن السياسة، فإنها، حقيقة، تقع في قلبها، وليس أدل على ذلك من أن الولايات المتحدة انسحبت منها مرات عدة: في الأعوام 1984 (زمن الرئيس رونالد ريغان) لاتهامها بالتحيّز ضد واشنطن، ولسوء الإدارة المالية والتسييس، ولم تعد إليها إلا في عام 2003 زمن الرئيس جورج بوش الابن. ثم عادت الولايات المتحدة إلى الانسحاب منها في عام 2017 (زمن ولاية الرئيس دونالد ترمب الأولى) بحجة «التحيز ضد إسرائيل» ووجود فلسطين عضواً كامل العضوية فيها، لتعود إليها عام 2023 (رئاسة جو بايدن). لكن هذه العودة لم تدم طويلاً، إذ عجّل ترمب في الانسحاب مجدداً منها للأسباب ذاتها تقريباً. وإسرائيل، من جانبها، انسحبت من «اليونيسكو» في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2017 للحجج نفسها التي تسوّقها واشنطن، ومنذ ذلك التاريخ لم تعد إليها رغم الجهود التي بذلتها مديرتها العامة، وضغوطها على الوفد العربية لتخفيف معارضتها لإسرائيل داخلها. ودوماً، كانت واشنطن تلعب بورقة التمويل للضغط على «اليونيسكو» التي اضطرت في كثير من المناسبات للتخلي عن عدد من المشروعات الرئيسية؛ بسبب نقص التمويل. ولولا المساهمات الاستثنائية التي قدَّمها العرب، لكان وضعها المالي بالغ التدهور.
أخبار اليوم - تشهد منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، (اليونيسكو) منافسةً حاميةً لخلافة أودري أزولاي، مديرتها العامة الفرنسية الجنسية التي شغلت هذا المنصب لولايتين من 8 سنوات. وبعد انسحاب المرشحة المكسيكية غابرييلا راموس من المنافسة يوم 25 أغسطس (آب) الماضي، لم يبقَ في الميدان سوى مرشحَين اثنَين: خالد العناني وزير السياحة والآثار المصري السابق، وفيرمين إدوار ماتوكو الذي رشَّحته الكونغو في وقت متأخر، أي قبل يومين من انتهاء مهلة الترشُّح في مارس (آذار) الماضي. وماتوكو ليس جديداً على المنظمة الدولية التي التحق بها منذ عام 1990 وتنقَّل داخلها في مناصب عدة، آخرها نائب المديرة العامة للشؤون الأفريقية.
والسباق سيُحسَم على الأرجح عصر الاثنين عندما يلتئم المجلس التنفيذي للمنظمة المُشكَّل من 58 عضواً، للقيام بأول جولة للتصويت. والأمور، هذه السنة، بالغة البساطة من الناحية الحسابية؛ بسبب اقتصار التنافس على مرشحَين فقط بعكس ما كان يحصل في السابق، وبالتالي لن تكون ثمة حاجة لجولة اقتراع ثانية إلا في حال تعادل الأصوات وهو، وفق مصدر من داخل المنظمة الدولية، «أمر مستبعد». وتعود للجمعية العامة لليونيسكو (مقرها باريس) «المصادقة» على الفائز في المنافسة بمناسبة مؤتمرها العام الذي سيلتئم في سمرقند (عاصمة أوزبكستان) في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني)، مع موعد انتهاء ولاية أزولاي. وقال مندوب عربي لدى اليونيسكو لـ«الشرق الأوسط» إن السباق محسوم لصالح المرشح المصري.
اطمئنان مصري
هذه التوقعات تؤكدها المعلومات المتوافرة من أكثر من طرف. فخالد العناني، من جهة، كان سبّاقاً في التقدم بترشحه منذ صيف عام 2023 الأمر الذي وفّر له الفرصة لزيارة ما لا يقل عن 70 عاصمة لشرح دوافع ترشحه وتصوره وخططه لعمل «اليونيسكو». وقال بدر عبد العاطي، وزير الخارجية المصري الموجود في باريس منذ يوم الخميس الماضي لترؤس وفد بلاده بهذه المناسبة، خلال محاضرة له في «المعهد الفرنسي للدراسات السياسية»: «صحيح أننا فشلنا سابقاً في اليونيسكو، وقد حدث ذلك، ولكنني آمل أن ننجح هذه المرة، وأن ننتصر. نحن واثقون لأن لدينا مرشحاً قوياً فعّالاً يتمتع بكفاءات معروفة واستحقاقات مشهود له بها، فضلاً عن سيرة ذاتية متميزة. ولذا، نأمل أن يحقق النجاح».
وأضاف عبد العاطي أن «أربع قمم للاتحاد الأفريقي دعمته مرشحاً وحيداً للاتحاد الأفريقي. لذلك نحن واثقون من تضامن أفريقيا. وما نتوقعه أن تصوّت الدول الأفريقية (الأعضاء في المجلس التنفيذي) لمرشح الاتحاد الأفريقي (أي خالد العناني)، والالتزام بتوجيهات قادة الاتحاد الذين عبّروا عن تأييده مراراً». وخلص الوزير المصري إلى القول: «نحن واثقون من كفاءة مرشحنا، ونأمل أن تكون المحاولة الثالثة ثابتة».
وخلال إقامته الباريسية، يتابع رئيس الدبلوماسية المصرية اتصالاته لتوفير الدعم لمرشح بلاده الذي يحظى بدعم الجامعة العربية. ويتمثّل العالم العربي في المجلس التنفيذي بـ8 دول هي: المملكة العربية السعودية، ومصر، والعراق، وقطر، والأردن، والكويت، وعُمان وجيبوتي، فبينما تتمثل الكتلة الأفريقية بـ13 دولة. ومن هذا المنطلق، فإن المرشح المصري يبدو الأكثر ترجيحاً للفوز إذا ما حصل على أصوات الأفارقة، في حال التزامهم بتوصيات الاتحاد الأفريقي، معطوفة على الأصوات العربية، وعلى الدعم للمرشح المصري الذي عبَّرت عنه دول أوروبية رئيسية مثل فرنسا وإسبانيا وألمانيا، إضافة إلى البرازيل ونيجيريا.
استفاقة متأخرة للكونغو
حقيقة الأمر أن النتيجة لن تُعرَف سوى بعد التصويت، وذلك لأسباب عدة أبرزها أن عملية الاقتراع سرية، وبالتالي قد لا يكون مؤكداً أن مندوبي الدول سيتّبعون التوصيات الرسمية الصادرة عن هذا التجمع الإقليمي أو ذلك. ومن جهة ثانية، لا تعترف الكونغو بأن المعركة خاسرة سلفاً، وهي إن دخلتها في وقت متأخر، فإنها ضاعفت جهودها في الأشهر القليلة الماضية وتراهن على ابتعاد دول أفريقية عدة عن توصية الاتحاد والاقتراع لصالح مرشحها. كذلك، فإن الرئيس الكونغولي انخرط بقوة في المعركة مباشرة وعبْر ابنه كريستيل ساسو نغيسو، وزير التعاون الدولي، الذي قام بجولات موسَّعة في الخليج وآسيا وأميركا الجنوبية ودول البحر الكاريبي لحشد الدعم. ونقلت عنه «وكالة الصحافة الفرنسية» مؤخراً قوله: «الأمور لم تحسَم بعد، ونتيجة الانتخاب ما زالت مفتوحة»، مضيفاً أن بلاده حشدت تأييداً من عدد من الدول الأفريقية. وفي الإطار التنافسي وللحاق بالمرشح المصري، أقام ماتوكو أياماً عدة في نيويورك، مستفيداً من الحضور الدولي الذي يوفره «أسبوع القادة» بمناسبة اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة للقيام باتصالات مكثفة بحثاً عن التأييد لترشحه. ويريد ماتوكو، البالغ من العمر 69 عاماً، الاستفادة من معرفته العميقة باليونيسكو، حيث يوجد فيها منذ 35 عاماً ليطرح نفسه على أنه المرشح الأفضل للمنصب. بالمقابل، فإن المرشح المصري، منذ ترشحه وحتى موعد الانتخاب (30 شهراً)، قام بأوسع حملة عرفتها المنظمة الدولية، مدعوماً بفريق موسع. ويقول العناني إنه أجرى 400 اجتماع، وزار 65 بلداً لشرح مشروعه للمنظمة الدولية.
حان زمن قيادة عربية للمنظمة
منذ قيام «اليونيسكو» وحتى اليوم، لم تتح إدارتها العامة لأي مسؤول عربي، بعكس الأمم المتحدة التي أدارها وزير الخارجية المصري الأسبق بطرس بطرس غالي الذي ترأس أيضاً «المنظمة العالمية للفرنكوفونية». وسبق لمرشحين عرب أن خاضوا المنافسة، منهم إسماعيل سراج الدين وفاروق حسني ومشيرة الخطاب (مصر) وغازي القصيبي (السعودية) ومحمد البدياوي (الجزائر) وحمد عزير الكواري (قطر) وفيرا الخوري (لبنان) ورشاد لفرح (جيبوتي). لذا، فإن الفرصة هذه المرة، تبدو فعلاً متاحة للمرشح المصري الذي يقدّم نفسه على أنه مرشح العالمَين العربي والأفريقي، علماً بأن المنظمة الدولية تمت قيادتها سابقاً من مدير عام أفريقي بين عامَ 1974 و1987 هو السنغالي أمادو مختار مبو.
ورغم أن «اليونيسكو»، مبدئياً، منظمة بعيدة عن السياسة، فإنها، حقيقة، تقع في قلبها، وليس أدل على ذلك من أن الولايات المتحدة انسحبت منها مرات عدة: في الأعوام 1984 (زمن الرئيس رونالد ريغان) لاتهامها بالتحيّز ضد واشنطن، ولسوء الإدارة المالية والتسييس، ولم تعد إليها إلا في عام 2003 زمن الرئيس جورج بوش الابن. ثم عادت الولايات المتحدة إلى الانسحاب منها في عام 2017 (زمن ولاية الرئيس دونالد ترمب الأولى) بحجة «التحيز ضد إسرائيل» ووجود فلسطين عضواً كامل العضوية فيها، لتعود إليها عام 2023 (رئاسة جو بايدن). لكن هذه العودة لم تدم طويلاً، إذ عجّل ترمب في الانسحاب مجدداً منها للأسباب ذاتها تقريباً. وإسرائيل، من جانبها، انسحبت من «اليونيسكو» في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2017 للحجج نفسها التي تسوّقها واشنطن، ومنذ ذلك التاريخ لم تعد إليها رغم الجهود التي بذلتها مديرتها العامة، وضغوطها على الوفد العربية لتخفيف معارضتها لإسرائيل داخلها. ودوماً، كانت واشنطن تلعب بورقة التمويل للضغط على «اليونيسكو» التي اضطرت في كثير من المناسبات للتخلي عن عدد من المشروعات الرئيسية؛ بسبب نقص التمويل. ولولا المساهمات الاستثنائية التي قدَّمها العرب، لكان وضعها المالي بالغ التدهور.
أخبار اليوم - تشهد منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، (اليونيسكو) منافسةً حاميةً لخلافة أودري أزولاي، مديرتها العامة الفرنسية الجنسية التي شغلت هذا المنصب لولايتين من 8 سنوات. وبعد انسحاب المرشحة المكسيكية غابرييلا راموس من المنافسة يوم 25 أغسطس (آب) الماضي، لم يبقَ في الميدان سوى مرشحَين اثنَين: خالد العناني وزير السياحة والآثار المصري السابق، وفيرمين إدوار ماتوكو الذي رشَّحته الكونغو في وقت متأخر، أي قبل يومين من انتهاء مهلة الترشُّح في مارس (آذار) الماضي. وماتوكو ليس جديداً على المنظمة الدولية التي التحق بها منذ عام 1990 وتنقَّل داخلها في مناصب عدة، آخرها نائب المديرة العامة للشؤون الأفريقية.
والسباق سيُحسَم على الأرجح عصر الاثنين عندما يلتئم المجلس التنفيذي للمنظمة المُشكَّل من 58 عضواً، للقيام بأول جولة للتصويت. والأمور، هذه السنة، بالغة البساطة من الناحية الحسابية؛ بسبب اقتصار التنافس على مرشحَين فقط بعكس ما كان يحصل في السابق، وبالتالي لن تكون ثمة حاجة لجولة اقتراع ثانية إلا في حال تعادل الأصوات وهو، وفق مصدر من داخل المنظمة الدولية، «أمر مستبعد». وتعود للجمعية العامة لليونيسكو (مقرها باريس) «المصادقة» على الفائز في المنافسة بمناسبة مؤتمرها العام الذي سيلتئم في سمرقند (عاصمة أوزبكستان) في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني)، مع موعد انتهاء ولاية أزولاي. وقال مندوب عربي لدى اليونيسكو لـ«الشرق الأوسط» إن السباق محسوم لصالح المرشح المصري.
اطمئنان مصري
هذه التوقعات تؤكدها المعلومات المتوافرة من أكثر من طرف. فخالد العناني، من جهة، كان سبّاقاً في التقدم بترشحه منذ صيف عام 2023 الأمر الذي وفّر له الفرصة لزيارة ما لا يقل عن 70 عاصمة لشرح دوافع ترشحه وتصوره وخططه لعمل «اليونيسكو». وقال بدر عبد العاطي، وزير الخارجية المصري الموجود في باريس منذ يوم الخميس الماضي لترؤس وفد بلاده بهذه المناسبة، خلال محاضرة له في «المعهد الفرنسي للدراسات السياسية»: «صحيح أننا فشلنا سابقاً في اليونيسكو، وقد حدث ذلك، ولكنني آمل أن ننجح هذه المرة، وأن ننتصر. نحن واثقون لأن لدينا مرشحاً قوياً فعّالاً يتمتع بكفاءات معروفة واستحقاقات مشهود له بها، فضلاً عن سيرة ذاتية متميزة. ولذا، نأمل أن يحقق النجاح».
وأضاف عبد العاطي أن «أربع قمم للاتحاد الأفريقي دعمته مرشحاً وحيداً للاتحاد الأفريقي. لذلك نحن واثقون من تضامن أفريقيا. وما نتوقعه أن تصوّت الدول الأفريقية (الأعضاء في المجلس التنفيذي) لمرشح الاتحاد الأفريقي (أي خالد العناني)، والالتزام بتوجيهات قادة الاتحاد الذين عبّروا عن تأييده مراراً». وخلص الوزير المصري إلى القول: «نحن واثقون من كفاءة مرشحنا، ونأمل أن تكون المحاولة الثالثة ثابتة».
وخلال إقامته الباريسية، يتابع رئيس الدبلوماسية المصرية اتصالاته لتوفير الدعم لمرشح بلاده الذي يحظى بدعم الجامعة العربية. ويتمثّل العالم العربي في المجلس التنفيذي بـ8 دول هي: المملكة العربية السعودية، ومصر، والعراق، وقطر، والأردن، والكويت، وعُمان وجيبوتي، فبينما تتمثل الكتلة الأفريقية بـ13 دولة. ومن هذا المنطلق، فإن المرشح المصري يبدو الأكثر ترجيحاً للفوز إذا ما حصل على أصوات الأفارقة، في حال التزامهم بتوصيات الاتحاد الأفريقي، معطوفة على الأصوات العربية، وعلى الدعم للمرشح المصري الذي عبَّرت عنه دول أوروبية رئيسية مثل فرنسا وإسبانيا وألمانيا، إضافة إلى البرازيل ونيجيريا.
استفاقة متأخرة للكونغو
حقيقة الأمر أن النتيجة لن تُعرَف سوى بعد التصويت، وذلك لأسباب عدة أبرزها أن عملية الاقتراع سرية، وبالتالي قد لا يكون مؤكداً أن مندوبي الدول سيتّبعون التوصيات الرسمية الصادرة عن هذا التجمع الإقليمي أو ذلك. ومن جهة ثانية، لا تعترف الكونغو بأن المعركة خاسرة سلفاً، وهي إن دخلتها في وقت متأخر، فإنها ضاعفت جهودها في الأشهر القليلة الماضية وتراهن على ابتعاد دول أفريقية عدة عن توصية الاتحاد والاقتراع لصالح مرشحها. كذلك، فإن الرئيس الكونغولي انخرط بقوة في المعركة مباشرة وعبْر ابنه كريستيل ساسو نغيسو، وزير التعاون الدولي، الذي قام بجولات موسَّعة في الخليج وآسيا وأميركا الجنوبية ودول البحر الكاريبي لحشد الدعم. ونقلت عنه «وكالة الصحافة الفرنسية» مؤخراً قوله: «الأمور لم تحسَم بعد، ونتيجة الانتخاب ما زالت مفتوحة»، مضيفاً أن بلاده حشدت تأييداً من عدد من الدول الأفريقية. وفي الإطار التنافسي وللحاق بالمرشح المصري، أقام ماتوكو أياماً عدة في نيويورك، مستفيداً من الحضور الدولي الذي يوفره «أسبوع القادة» بمناسبة اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة للقيام باتصالات مكثفة بحثاً عن التأييد لترشحه. ويريد ماتوكو، البالغ من العمر 69 عاماً، الاستفادة من معرفته العميقة باليونيسكو، حيث يوجد فيها منذ 35 عاماً ليطرح نفسه على أنه المرشح الأفضل للمنصب. بالمقابل، فإن المرشح المصري، منذ ترشحه وحتى موعد الانتخاب (30 شهراً)، قام بأوسع حملة عرفتها المنظمة الدولية، مدعوماً بفريق موسع. ويقول العناني إنه أجرى 400 اجتماع، وزار 65 بلداً لشرح مشروعه للمنظمة الدولية.
حان زمن قيادة عربية للمنظمة
منذ قيام «اليونيسكو» وحتى اليوم، لم تتح إدارتها العامة لأي مسؤول عربي، بعكس الأمم المتحدة التي أدارها وزير الخارجية المصري الأسبق بطرس بطرس غالي الذي ترأس أيضاً «المنظمة العالمية للفرنكوفونية». وسبق لمرشحين عرب أن خاضوا المنافسة، منهم إسماعيل سراج الدين وفاروق حسني ومشيرة الخطاب (مصر) وغازي القصيبي (السعودية) ومحمد البدياوي (الجزائر) وحمد عزير الكواري (قطر) وفيرا الخوري (لبنان) ورشاد لفرح (جيبوتي). لذا، فإن الفرصة هذه المرة، تبدو فعلاً متاحة للمرشح المصري الذي يقدّم نفسه على أنه مرشح العالمَين العربي والأفريقي، علماً بأن المنظمة الدولية تمت قيادتها سابقاً من مدير عام أفريقي بين عامَ 1974 و1987 هو السنغالي أمادو مختار مبو.
ورغم أن «اليونيسكو»، مبدئياً، منظمة بعيدة عن السياسة، فإنها، حقيقة، تقع في قلبها، وليس أدل على ذلك من أن الولايات المتحدة انسحبت منها مرات عدة: في الأعوام 1984 (زمن الرئيس رونالد ريغان) لاتهامها بالتحيّز ضد واشنطن، ولسوء الإدارة المالية والتسييس، ولم تعد إليها إلا في عام 2003 زمن الرئيس جورج بوش الابن. ثم عادت الولايات المتحدة إلى الانسحاب منها في عام 2017 (زمن ولاية الرئيس دونالد ترمب الأولى) بحجة «التحيز ضد إسرائيل» ووجود فلسطين عضواً كامل العضوية فيها، لتعود إليها عام 2023 (رئاسة جو بايدن). لكن هذه العودة لم تدم طويلاً، إذ عجّل ترمب في الانسحاب مجدداً منها للأسباب ذاتها تقريباً. وإسرائيل، من جانبها، انسحبت من «اليونيسكو» في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2017 للحجج نفسها التي تسوّقها واشنطن، ومنذ ذلك التاريخ لم تعد إليها رغم الجهود التي بذلتها مديرتها العامة، وضغوطها على الوفد العربية لتخفيف معارضتها لإسرائيل داخلها. ودوماً، كانت واشنطن تلعب بورقة التمويل للضغط على «اليونيسكو» التي اضطرت في كثير من المناسبات للتخلي عن عدد من المشروعات الرئيسية؛ بسبب نقص التمويل. ولولا المساهمات الاستثنائية التي قدَّمها العرب، لكان وضعها المالي بالغ التدهور.
التعليقات