النائب رند الخزوز
في البيوت في المقاهي في الشارع يتساءل المواطن الاردني حين يسمع عن 'نمو اقتصادي' بنسبة 2.8% وماذا عني؟ هل ستنخفض الاسعار؟ هل سأجد وظيفة؟ هذا السؤال البسيط يعكس جوهر التحدي الذي يواجه الاقتصاد الاردني اليوم، وهو كيفية تحويل الارقام التي تعلن في المؤتمرات والتقارير الرسمية الى واقع يلمسه المواطن في حياته اليومية.
تشير بيانات الحكومة الاخيرة ان الاقتصاد الاردني سجل نموًا في الربع الثاني من 2025 بنسبة 2.8 % مقارنة بـ 2.4 % في الفترة ذاتها من عام 2024، في حين بلغ النمو في الربع الأول 2.7 % مقابل 2.2 % في العام الماضي، وبذلك يكون الاقتصاد قد حقق تحسنا يتراوح بين 0.4 و0.5 نقطة مئوية، أي ما يعادل زيادة في وتيرة النمو تتراوح بين 17% و23% مقارنة بالعام الماضي.
كما تراجع التضخم الى 2.2 – 3.6% بعد ان كان 4 – 4.5% العام الماضي فالتضخم لأول ثمانية اشهر للعام الحالي بلغ 1.86 % في حين بلغ 1.56 % للعام 2024 وارتفع الاستثمار الاجنبي المباشر الى 1.05 مليار دولار في النصف الاول من 2025 بزيادة قدرها 36.4% عن الفترة نفسها من 2024. اما البنك المركزي فقد حافظ على احتياطيات تجاوزت 22.7 مليار دولار تكفي لتغطية اكثر من ثمانية اشهر من الواردات، وهو مؤشر قوة واستقرار.
مقابل ذلك واصل اجمالي الدين العام ارتفاعه ليصل الى 46 مليار دينارللنصف الأول من 2025، مشكلا 118% من الناتج المحلي الاجمالي، مقارنة مع 44.5 مليار دينار العام الماضي شكلت 117% من الناتج المحلي الاجمالي وبنسبة نمو في هذه المديونية تبلغ 3.4%، وهي نسبة تفوق نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني من 2025 بنحو 0.6 نقاط مئوية، ما يعني ان أي زيادة في النمو الاقتصادي يقابلها زيادة في نمو المديونية، وبالتالي زيادة في فوائد هذه المديونية، ما يؤدي عمليا الى التهام أي عائد يتوقعه المواطنون من نمو الاقتصاد مع تواصل العجز بين نمو المديونية ونمو الناتج.
لكن وبرغم ذلك، فان النمو المتحقق خلال 2025 لم يكن تقليديا اوشكليا بالكامل، بل جاء نتيجة نشاط قطاعات انتاجية فعلية. فقد كانت الصناعة التحويلية المساهم الأكبر فيه بفضل ارتفاع صادرات الاسمدة والفوسفات والادوية، فيما حققت الزراعة نموا يقارب 8% مدفوعة بموسم جيد وزيادة الطلب من الاسواق الخليجية. كما استعادت السياحة عافيتها مع تسجيل ايرادات تجاوزت 5.3 مليار دولار خلال الاشهر الاولى من العام الحالي بزيادة 7.5% عن العام الماضي. في حين شهدت حركة الحاويات في العقبة ارتفاعا بنسبة 33%، مؤكدة دور الاردن كمحطة لوجستية مهمة. يضاف الى ذلك النمو المستمر في قطاع الخدمات المالية بفضل متانة الجهاز المصرفي وتوسع نشاطه الاقراضي. فضلا عن مساهمة مشاريع الطاقة المتجددة والكهرباء والمياه في دعم مسار النمو .
لكن لا يمكن ان نفصل الاقتصاد عن السياسة فعندما نحافظ على 22 مليار دولار كاحتياطيات اجنبية ، فهذا ليس مجرد رقم مالي بل رسالة سياسية تعزز ثقة المواطن والمستثمر بان الاردن امن ومستقر . وعندما نجذب أكثر من مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية، فذلك يرسل اشارة للعالم اننا قادرون على النمو وسط اقليم مليءء بالتحديات ، لكن السياسة أيضًا تُقيّد الاقتصاد، فارتفاع الدين العام يعني أن الحكومة مضطرة إلى التفاوض المستمر مع صندوق النقد الدولي، ما يحدّ من قدرتها على زيادة الإنفاق الاجتماعي ويجعلنا أمام معادلة صعبة: الحفاظ على الثقة الدولية من جهة، وتلبية مطالب الداخل من جهة أخرى.
ومع كل ذلك، يبقى السؤال الاهم: متى يلمس المواطن اثر النمو والاصلاح؟ الواقع ان الاثر لا يتكون في يوم او شهر؛ فعلى المدى القصير، قد نرى استقرارا نسبيا موسميا في الأسعار، وفي وظائف وعائدات السياحة وفي الخدمات، وانخفاضا في كلف التمويل. وعلى المدى المتوسط، يفترض ان تبدأ نتائج الاستثمارات الصناعية واللوجستية في الظهور عبر فرص عمل أوسع، وصادرات اعلى، مع تحسن بيئة الاعمال. وعلى المدى الطويل- وبفرض استمرار الإصلاحات، وانضباط المالية العامة، وتوجيه السيولة نحو الاستثمار المنتج- يفترض أيضا، ان يتحول الاقتصاد لتحقيق نمو مستدام يتجاوز نسبة 5.6 % المشار اليها في رؤية التحديث الاقتصادي، حيث يمكن لهذا النمو ان يخفض فعليا معدل البطالة، ويحسن الدخل الحقيقي، ويزيد القوة الشرائية.
في اطار ذلك، من الانصاف القول، ان حكومة الدكتور جعفر حسان، نجحت بتحقيق جملة إنجازات مهمة؛ كضبط التضخم ضمن مستويات مقبولة، والمحافظة على الاستقرار المالي والنقدي، ومراكمة احتياطيات اجنبية تمثل خط دفاع قوي عن الاستقرار باشكاله المختلفة وبالذات المعيشي منه ، واستقطاب استثمارات خارجية مهمة رغم الظروف الاقليمية، وتنشيط قطاعات السياحة والصناعة والزراعة، وهي حصيلة تستحق التقدير.
لكن الشكر لا يمنعنا من المطالبة بالمزيد ما اريده اليوم ان يصبح التشغيل معيارًا أساسيًا لكل مشروع استثماري، وأن نتجه لتنويع الصادرات وتقليل الاعتماد على أسواق وسلع محدودة كما يجب أن نعمل على إصلاح مالي حقيقي من خلال ضبط النفقات ومواجهة التهرب الضريبي، إلى جانب توجيه الاستثمارات نحو التكنولوجيا والزراعة الحديثة والصناعات التصديرية بدلًا من التركيز على العقار والخدمات ولا بد أيضًا من تعزيز الشفافية بنشر دوري لبيانات القروض والمنح وربط كل دينار يُنفق بعدد الوظائف التي يخلقها.
الأردن يقف اليوم عند مفترق طرق لدينا نمو أعلى من العام الماضي، ولدينا استقرار نقدي واحتياطيات قوية، لكن لدينا أيضًا دين عام ضاغط وبطالة مرتفعة القضية ليست في الأرقام بحد ذاتها، بل في قدرتنا على تحويلها إلى قصة نجاح يعيشها المواطن. النمو الحقيقي ليس الذي يُكتب في نشرات البنك الدولي أو صندوق النقد، بل الذي ينعكس في حياة الأردنيين: في وظائف جديدة، في دخل أعلى وفي شعور الناس أن الدولة ترافقهم في تفاصيل يومهم.
ودائما، فان الارقام التي نعرضها ليست غاية بحد ذاتها بل وسيلة لقياس قدرتنا جميعا حكومة ومجلس نواب على خدمة المواطن، لذلك فالمطلوب من الحكومة ان تجعل التشغيل وخفض البطالة هدفا لكل سياسة اقتصادية، والمطلوب من المجلس ان يمارس دوره في الرقابة والتشريع بما يضمن شفافية الانفاق وعدالته، والمطلوب من المواطن، ان يطالب وهو يقوم بواجبه بحقه في تنمية حقيقية تنعكس على حياته اليومية. فالاقتصاد لا يكتمل نجاحه الا عندما يترجم الى وظائف كريمة، ودخل يحفظ كرامة الأردنيين، وهذه مسؤوليتنا جميعا.
النائب رند الخزوز
في البيوت في المقاهي في الشارع يتساءل المواطن الاردني حين يسمع عن 'نمو اقتصادي' بنسبة 2.8% وماذا عني؟ هل ستنخفض الاسعار؟ هل سأجد وظيفة؟ هذا السؤال البسيط يعكس جوهر التحدي الذي يواجه الاقتصاد الاردني اليوم، وهو كيفية تحويل الارقام التي تعلن في المؤتمرات والتقارير الرسمية الى واقع يلمسه المواطن في حياته اليومية.
تشير بيانات الحكومة الاخيرة ان الاقتصاد الاردني سجل نموًا في الربع الثاني من 2025 بنسبة 2.8 % مقارنة بـ 2.4 % في الفترة ذاتها من عام 2024، في حين بلغ النمو في الربع الأول 2.7 % مقابل 2.2 % في العام الماضي، وبذلك يكون الاقتصاد قد حقق تحسنا يتراوح بين 0.4 و0.5 نقطة مئوية، أي ما يعادل زيادة في وتيرة النمو تتراوح بين 17% و23% مقارنة بالعام الماضي.
كما تراجع التضخم الى 2.2 – 3.6% بعد ان كان 4 – 4.5% العام الماضي فالتضخم لأول ثمانية اشهر للعام الحالي بلغ 1.86 % في حين بلغ 1.56 % للعام 2024 وارتفع الاستثمار الاجنبي المباشر الى 1.05 مليار دولار في النصف الاول من 2025 بزيادة قدرها 36.4% عن الفترة نفسها من 2024. اما البنك المركزي فقد حافظ على احتياطيات تجاوزت 22.7 مليار دولار تكفي لتغطية اكثر من ثمانية اشهر من الواردات، وهو مؤشر قوة واستقرار.
مقابل ذلك واصل اجمالي الدين العام ارتفاعه ليصل الى 46 مليار دينارللنصف الأول من 2025، مشكلا 118% من الناتج المحلي الاجمالي، مقارنة مع 44.5 مليار دينار العام الماضي شكلت 117% من الناتج المحلي الاجمالي وبنسبة نمو في هذه المديونية تبلغ 3.4%، وهي نسبة تفوق نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني من 2025 بنحو 0.6 نقاط مئوية، ما يعني ان أي زيادة في النمو الاقتصادي يقابلها زيادة في نمو المديونية، وبالتالي زيادة في فوائد هذه المديونية، ما يؤدي عمليا الى التهام أي عائد يتوقعه المواطنون من نمو الاقتصاد مع تواصل العجز بين نمو المديونية ونمو الناتج.
لكن وبرغم ذلك، فان النمو المتحقق خلال 2025 لم يكن تقليديا اوشكليا بالكامل، بل جاء نتيجة نشاط قطاعات انتاجية فعلية. فقد كانت الصناعة التحويلية المساهم الأكبر فيه بفضل ارتفاع صادرات الاسمدة والفوسفات والادوية، فيما حققت الزراعة نموا يقارب 8% مدفوعة بموسم جيد وزيادة الطلب من الاسواق الخليجية. كما استعادت السياحة عافيتها مع تسجيل ايرادات تجاوزت 5.3 مليار دولار خلال الاشهر الاولى من العام الحالي بزيادة 7.5% عن العام الماضي. في حين شهدت حركة الحاويات في العقبة ارتفاعا بنسبة 33%، مؤكدة دور الاردن كمحطة لوجستية مهمة. يضاف الى ذلك النمو المستمر في قطاع الخدمات المالية بفضل متانة الجهاز المصرفي وتوسع نشاطه الاقراضي. فضلا عن مساهمة مشاريع الطاقة المتجددة والكهرباء والمياه في دعم مسار النمو .
لكن لا يمكن ان نفصل الاقتصاد عن السياسة فعندما نحافظ على 22 مليار دولار كاحتياطيات اجنبية ، فهذا ليس مجرد رقم مالي بل رسالة سياسية تعزز ثقة المواطن والمستثمر بان الاردن امن ومستقر . وعندما نجذب أكثر من مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية، فذلك يرسل اشارة للعالم اننا قادرون على النمو وسط اقليم مليءء بالتحديات ، لكن السياسة أيضًا تُقيّد الاقتصاد، فارتفاع الدين العام يعني أن الحكومة مضطرة إلى التفاوض المستمر مع صندوق النقد الدولي، ما يحدّ من قدرتها على زيادة الإنفاق الاجتماعي ويجعلنا أمام معادلة صعبة: الحفاظ على الثقة الدولية من جهة، وتلبية مطالب الداخل من جهة أخرى.
ومع كل ذلك، يبقى السؤال الاهم: متى يلمس المواطن اثر النمو والاصلاح؟ الواقع ان الاثر لا يتكون في يوم او شهر؛ فعلى المدى القصير، قد نرى استقرارا نسبيا موسميا في الأسعار، وفي وظائف وعائدات السياحة وفي الخدمات، وانخفاضا في كلف التمويل. وعلى المدى المتوسط، يفترض ان تبدأ نتائج الاستثمارات الصناعية واللوجستية في الظهور عبر فرص عمل أوسع، وصادرات اعلى، مع تحسن بيئة الاعمال. وعلى المدى الطويل- وبفرض استمرار الإصلاحات، وانضباط المالية العامة، وتوجيه السيولة نحو الاستثمار المنتج- يفترض أيضا، ان يتحول الاقتصاد لتحقيق نمو مستدام يتجاوز نسبة 5.6 % المشار اليها في رؤية التحديث الاقتصادي، حيث يمكن لهذا النمو ان يخفض فعليا معدل البطالة، ويحسن الدخل الحقيقي، ويزيد القوة الشرائية.
في اطار ذلك، من الانصاف القول، ان حكومة الدكتور جعفر حسان، نجحت بتحقيق جملة إنجازات مهمة؛ كضبط التضخم ضمن مستويات مقبولة، والمحافظة على الاستقرار المالي والنقدي، ومراكمة احتياطيات اجنبية تمثل خط دفاع قوي عن الاستقرار باشكاله المختلفة وبالذات المعيشي منه ، واستقطاب استثمارات خارجية مهمة رغم الظروف الاقليمية، وتنشيط قطاعات السياحة والصناعة والزراعة، وهي حصيلة تستحق التقدير.
لكن الشكر لا يمنعنا من المطالبة بالمزيد ما اريده اليوم ان يصبح التشغيل معيارًا أساسيًا لكل مشروع استثماري، وأن نتجه لتنويع الصادرات وتقليل الاعتماد على أسواق وسلع محدودة كما يجب أن نعمل على إصلاح مالي حقيقي من خلال ضبط النفقات ومواجهة التهرب الضريبي، إلى جانب توجيه الاستثمارات نحو التكنولوجيا والزراعة الحديثة والصناعات التصديرية بدلًا من التركيز على العقار والخدمات ولا بد أيضًا من تعزيز الشفافية بنشر دوري لبيانات القروض والمنح وربط كل دينار يُنفق بعدد الوظائف التي يخلقها.
الأردن يقف اليوم عند مفترق طرق لدينا نمو أعلى من العام الماضي، ولدينا استقرار نقدي واحتياطيات قوية، لكن لدينا أيضًا دين عام ضاغط وبطالة مرتفعة القضية ليست في الأرقام بحد ذاتها، بل في قدرتنا على تحويلها إلى قصة نجاح يعيشها المواطن. النمو الحقيقي ليس الذي يُكتب في نشرات البنك الدولي أو صندوق النقد، بل الذي ينعكس في حياة الأردنيين: في وظائف جديدة، في دخل أعلى وفي شعور الناس أن الدولة ترافقهم في تفاصيل يومهم.
ودائما، فان الارقام التي نعرضها ليست غاية بحد ذاتها بل وسيلة لقياس قدرتنا جميعا حكومة ومجلس نواب على خدمة المواطن، لذلك فالمطلوب من الحكومة ان تجعل التشغيل وخفض البطالة هدفا لكل سياسة اقتصادية، والمطلوب من المجلس ان يمارس دوره في الرقابة والتشريع بما يضمن شفافية الانفاق وعدالته، والمطلوب من المواطن، ان يطالب وهو يقوم بواجبه بحقه في تنمية حقيقية تنعكس على حياته اليومية. فالاقتصاد لا يكتمل نجاحه الا عندما يترجم الى وظائف كريمة، ودخل يحفظ كرامة الأردنيين، وهذه مسؤوليتنا جميعا.
النائب رند الخزوز
في البيوت في المقاهي في الشارع يتساءل المواطن الاردني حين يسمع عن 'نمو اقتصادي' بنسبة 2.8% وماذا عني؟ هل ستنخفض الاسعار؟ هل سأجد وظيفة؟ هذا السؤال البسيط يعكس جوهر التحدي الذي يواجه الاقتصاد الاردني اليوم، وهو كيفية تحويل الارقام التي تعلن في المؤتمرات والتقارير الرسمية الى واقع يلمسه المواطن في حياته اليومية.
تشير بيانات الحكومة الاخيرة ان الاقتصاد الاردني سجل نموًا في الربع الثاني من 2025 بنسبة 2.8 % مقارنة بـ 2.4 % في الفترة ذاتها من عام 2024، في حين بلغ النمو في الربع الأول 2.7 % مقابل 2.2 % في العام الماضي، وبذلك يكون الاقتصاد قد حقق تحسنا يتراوح بين 0.4 و0.5 نقطة مئوية، أي ما يعادل زيادة في وتيرة النمو تتراوح بين 17% و23% مقارنة بالعام الماضي.
كما تراجع التضخم الى 2.2 – 3.6% بعد ان كان 4 – 4.5% العام الماضي فالتضخم لأول ثمانية اشهر للعام الحالي بلغ 1.86 % في حين بلغ 1.56 % للعام 2024 وارتفع الاستثمار الاجنبي المباشر الى 1.05 مليار دولار في النصف الاول من 2025 بزيادة قدرها 36.4% عن الفترة نفسها من 2024. اما البنك المركزي فقد حافظ على احتياطيات تجاوزت 22.7 مليار دولار تكفي لتغطية اكثر من ثمانية اشهر من الواردات، وهو مؤشر قوة واستقرار.
مقابل ذلك واصل اجمالي الدين العام ارتفاعه ليصل الى 46 مليار دينارللنصف الأول من 2025، مشكلا 118% من الناتج المحلي الاجمالي، مقارنة مع 44.5 مليار دينار العام الماضي شكلت 117% من الناتج المحلي الاجمالي وبنسبة نمو في هذه المديونية تبلغ 3.4%، وهي نسبة تفوق نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني من 2025 بنحو 0.6 نقاط مئوية، ما يعني ان أي زيادة في النمو الاقتصادي يقابلها زيادة في نمو المديونية، وبالتالي زيادة في فوائد هذه المديونية، ما يؤدي عمليا الى التهام أي عائد يتوقعه المواطنون من نمو الاقتصاد مع تواصل العجز بين نمو المديونية ونمو الناتج.
لكن وبرغم ذلك، فان النمو المتحقق خلال 2025 لم يكن تقليديا اوشكليا بالكامل، بل جاء نتيجة نشاط قطاعات انتاجية فعلية. فقد كانت الصناعة التحويلية المساهم الأكبر فيه بفضل ارتفاع صادرات الاسمدة والفوسفات والادوية، فيما حققت الزراعة نموا يقارب 8% مدفوعة بموسم جيد وزيادة الطلب من الاسواق الخليجية. كما استعادت السياحة عافيتها مع تسجيل ايرادات تجاوزت 5.3 مليار دولار خلال الاشهر الاولى من العام الحالي بزيادة 7.5% عن العام الماضي. في حين شهدت حركة الحاويات في العقبة ارتفاعا بنسبة 33%، مؤكدة دور الاردن كمحطة لوجستية مهمة. يضاف الى ذلك النمو المستمر في قطاع الخدمات المالية بفضل متانة الجهاز المصرفي وتوسع نشاطه الاقراضي. فضلا عن مساهمة مشاريع الطاقة المتجددة والكهرباء والمياه في دعم مسار النمو .
لكن لا يمكن ان نفصل الاقتصاد عن السياسة فعندما نحافظ على 22 مليار دولار كاحتياطيات اجنبية ، فهذا ليس مجرد رقم مالي بل رسالة سياسية تعزز ثقة المواطن والمستثمر بان الاردن امن ومستقر . وعندما نجذب أكثر من مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية، فذلك يرسل اشارة للعالم اننا قادرون على النمو وسط اقليم مليءء بالتحديات ، لكن السياسة أيضًا تُقيّد الاقتصاد، فارتفاع الدين العام يعني أن الحكومة مضطرة إلى التفاوض المستمر مع صندوق النقد الدولي، ما يحدّ من قدرتها على زيادة الإنفاق الاجتماعي ويجعلنا أمام معادلة صعبة: الحفاظ على الثقة الدولية من جهة، وتلبية مطالب الداخل من جهة أخرى.
ومع كل ذلك، يبقى السؤال الاهم: متى يلمس المواطن اثر النمو والاصلاح؟ الواقع ان الاثر لا يتكون في يوم او شهر؛ فعلى المدى القصير، قد نرى استقرارا نسبيا موسميا في الأسعار، وفي وظائف وعائدات السياحة وفي الخدمات، وانخفاضا في كلف التمويل. وعلى المدى المتوسط، يفترض ان تبدأ نتائج الاستثمارات الصناعية واللوجستية في الظهور عبر فرص عمل أوسع، وصادرات اعلى، مع تحسن بيئة الاعمال. وعلى المدى الطويل- وبفرض استمرار الإصلاحات، وانضباط المالية العامة، وتوجيه السيولة نحو الاستثمار المنتج- يفترض أيضا، ان يتحول الاقتصاد لتحقيق نمو مستدام يتجاوز نسبة 5.6 % المشار اليها في رؤية التحديث الاقتصادي، حيث يمكن لهذا النمو ان يخفض فعليا معدل البطالة، ويحسن الدخل الحقيقي، ويزيد القوة الشرائية.
في اطار ذلك، من الانصاف القول، ان حكومة الدكتور جعفر حسان، نجحت بتحقيق جملة إنجازات مهمة؛ كضبط التضخم ضمن مستويات مقبولة، والمحافظة على الاستقرار المالي والنقدي، ومراكمة احتياطيات اجنبية تمثل خط دفاع قوي عن الاستقرار باشكاله المختلفة وبالذات المعيشي منه ، واستقطاب استثمارات خارجية مهمة رغم الظروف الاقليمية، وتنشيط قطاعات السياحة والصناعة والزراعة، وهي حصيلة تستحق التقدير.
لكن الشكر لا يمنعنا من المطالبة بالمزيد ما اريده اليوم ان يصبح التشغيل معيارًا أساسيًا لكل مشروع استثماري، وأن نتجه لتنويع الصادرات وتقليل الاعتماد على أسواق وسلع محدودة كما يجب أن نعمل على إصلاح مالي حقيقي من خلال ضبط النفقات ومواجهة التهرب الضريبي، إلى جانب توجيه الاستثمارات نحو التكنولوجيا والزراعة الحديثة والصناعات التصديرية بدلًا من التركيز على العقار والخدمات ولا بد أيضًا من تعزيز الشفافية بنشر دوري لبيانات القروض والمنح وربط كل دينار يُنفق بعدد الوظائف التي يخلقها.
الأردن يقف اليوم عند مفترق طرق لدينا نمو أعلى من العام الماضي، ولدينا استقرار نقدي واحتياطيات قوية، لكن لدينا أيضًا دين عام ضاغط وبطالة مرتفعة القضية ليست في الأرقام بحد ذاتها، بل في قدرتنا على تحويلها إلى قصة نجاح يعيشها المواطن. النمو الحقيقي ليس الذي يُكتب في نشرات البنك الدولي أو صندوق النقد، بل الذي ينعكس في حياة الأردنيين: في وظائف جديدة، في دخل أعلى وفي شعور الناس أن الدولة ترافقهم في تفاصيل يومهم.
ودائما، فان الارقام التي نعرضها ليست غاية بحد ذاتها بل وسيلة لقياس قدرتنا جميعا حكومة ومجلس نواب على خدمة المواطن، لذلك فالمطلوب من الحكومة ان تجعل التشغيل وخفض البطالة هدفا لكل سياسة اقتصادية، والمطلوب من المجلس ان يمارس دوره في الرقابة والتشريع بما يضمن شفافية الانفاق وعدالته، والمطلوب من المواطن، ان يطالب وهو يقوم بواجبه بحقه في تنمية حقيقية تنعكس على حياته اليومية. فالاقتصاد لا يكتمل نجاحه الا عندما يترجم الى وظائف كريمة، ودخل يحفظ كرامة الأردنيين، وهذه مسؤوليتنا جميعا.
التعليقات