أخبار اليوم - مع أول صباح يسطع على مدينةٍ أنهكتها الحرب، بدأ الغزيون يتحسّسون طريق العودة إلى بيوتهم، أو ما تبقّى منها.
في العاشر من أكتوبر، ومع دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ وبدء الانسحاب الجزئي لقوات الاحتلال من بعض أحياء مدينة غزة، خرج الناس من أماكن نزوحهم يحملون خوفهم وحنينهم، يسيرون في طرقٍ تحوّلت إلى ممراتٍ من الغبار والأنقاض، يبحثون عن ملامح بيوتٍ كانت يومًا تؤويهم.
كانت المدينة صامتةً على نحوٍ غريب. لا صوت لانفجارات، لكن الركام يصرخ بما يكفي عن عامين من الإبادة؛ عامين من القصف والتجويع والتشريد، عاش خلالها أكثر من مليونٍ ونصف نازح في مدارس ومخيمات مؤقتة، ينتظرون يومًا كهذا — يومًا يُسمح لهم فيه بالعودة، ولو إلى الخراب.
العودة الأولى
في السابعة صباحًا، غادر منذر عجور (30 عامًا) بيت أقربائه في حيّ الدرج متجهًا نحو حيّ الصبرة، حيث بيته الذي لم يره منذ شهور طويلة.
يقول منذر لـ'فلسطين أون لاين' وهو يصف الطريق: 'مشيت وقلبي يدقّ كأنني ذاهب إلى معركة. كنت أدعو الله أن أجد بيتي واقفًا ولو بجدار واحد. طوال الطريق كنت أرى وجوه الناس تمشي مثلي، كل واحد يحمل خوفه وأمله في عينيه.'
عندما وصل، وجد البيت مثقوب الجدران، والنوافذ محطّمة، لكن السقف ما زال في مكانه، 'قلت الحمد لله... ما زال في بيت، يمكن إصلاحه. الأهم أنه لم يُمحَ من الوجود.'
عاد منذر مسرعًا ليبشّر والدته وأخوته في المدرسة: 'بيتنا ما زال واقفًا.'
أعود إلى الهواء
أما أبو ياسر السوافيري، وهو خمسيني نازح منذ أكثر من عامٍ ونصف، فقد قرّر أن يعود إلى حيّ الدرج مشيًا على الأقدام مع دخول وقف النار حيّز التنفيذ.
يقول بينما ينصب خيمته فوق أنقاض بيته: 'ما في بيت، راح كل شيء... بس رجعت. رجعت عشان أتنفّس هواء غزة، أتنفّس رائحة الأرض اللي عشت عليها. لو بدي أعيش فوق الركام، أهون من النزوح.'
أبو ياسر الذي فقد منزله في الأيام الأولى من حرب الإبادة الإسرائيلية في 7 أكتوبر عام 2023 على الحي، يؤكد أن العودة ليست رفاهية، بل حاجة وجودية: 'الغربة في نفس المكان أصعب من الموت. لما أرجع، بحس إنّي رجعت جزء من نفسي اللي ضاع.'
وفي حيّ تل الهوى، عادت ابتسام بارود (40 عامًا) وحدها لتتفقد شقتها التي كانت تأمل أن تعود إليها مع انتهاء الحرب.
تقول ابتسام: 'مشيت بين البيوت المهدّمة وأنا خايفة، بس حاسة لازم أشوف مكاني. وصلت وما قدرت أتعرف عليه من أول نظرة. البناية كلها نازلة إلا جزء صغير من الدور الأرضي.'
ابتسام، التي فقدت زوجها في بداية الحرب، تقول إنها لا تبحث عن شيء مادي: 'كنت بدي أشوف المكان اللي كنت فيه معه. يمكن أشوف ظلّ ذكرياتنا. حتى لو راح كل شيء، لازم أرجع أودّع البيت.'
ما بعد الحرب
وجاء اتفاق وقف إطلاق النار بعد وساطة دولية وإقليمية طويلة، تزامنًا مع انسحابٍ جزئيٍ لقوات الاحتلال الإسرائيلي من بعض أحياء مدينة غزة والشمال، بعد عامين من حرب إبادة غير مسبوقة خلّفت أكثر من 200 ألف شهيد ومفقود، ودمّرت البنية التحتية والمنازل والمستشفيات والمدارس.
ورغم أنّ الاتفاق لم يُنهِ الحصار بشكل كامل، فإنه فتح الباب أمام الغزيين لبدء مرحلة جديدة من البحث عن الحياة وسط الركام، في محاولةٍ لاستعادة أبسط مقومات العيش بعد سنواتٍ من الموت اليومي.
صمود الذاكرة
العودة إلى غزة اليوم ليست مجرّد عودةٍ إلى البيوت، بل إلى الذاكرة نفسها؛ إلى الأماكن التي احتفظت بروائح أهلها وأصواتهم العالقة في الجدران قبل أن تنهار.
يعود الغزيون اليوم ليقولوا إن الحرب لم تنتصر، وإن الإبادة لم تمحُ الوجود، لأن من يستطيع أن يسير فوق الركام بحثًا عن بصيص حياة، هو في الحقيقة يُعلن بداية جديدة من الصمود.
هذه العودة هي شكلٌ آخر من المقاومة — مقاومة بالبقاء، بالحلم، وبالقدرة على تحويل الدمار إلى شاهدٍ على الحياة لا على الفناء.
المصدر / فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - مع أول صباح يسطع على مدينةٍ أنهكتها الحرب، بدأ الغزيون يتحسّسون طريق العودة إلى بيوتهم، أو ما تبقّى منها.
في العاشر من أكتوبر، ومع دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ وبدء الانسحاب الجزئي لقوات الاحتلال من بعض أحياء مدينة غزة، خرج الناس من أماكن نزوحهم يحملون خوفهم وحنينهم، يسيرون في طرقٍ تحوّلت إلى ممراتٍ من الغبار والأنقاض، يبحثون عن ملامح بيوتٍ كانت يومًا تؤويهم.
كانت المدينة صامتةً على نحوٍ غريب. لا صوت لانفجارات، لكن الركام يصرخ بما يكفي عن عامين من الإبادة؛ عامين من القصف والتجويع والتشريد، عاش خلالها أكثر من مليونٍ ونصف نازح في مدارس ومخيمات مؤقتة، ينتظرون يومًا كهذا — يومًا يُسمح لهم فيه بالعودة، ولو إلى الخراب.
العودة الأولى
في السابعة صباحًا، غادر منذر عجور (30 عامًا) بيت أقربائه في حيّ الدرج متجهًا نحو حيّ الصبرة، حيث بيته الذي لم يره منذ شهور طويلة.
يقول منذر لـ'فلسطين أون لاين' وهو يصف الطريق: 'مشيت وقلبي يدقّ كأنني ذاهب إلى معركة. كنت أدعو الله أن أجد بيتي واقفًا ولو بجدار واحد. طوال الطريق كنت أرى وجوه الناس تمشي مثلي، كل واحد يحمل خوفه وأمله في عينيه.'
عندما وصل، وجد البيت مثقوب الجدران، والنوافذ محطّمة، لكن السقف ما زال في مكانه، 'قلت الحمد لله... ما زال في بيت، يمكن إصلاحه. الأهم أنه لم يُمحَ من الوجود.'
عاد منذر مسرعًا ليبشّر والدته وأخوته في المدرسة: 'بيتنا ما زال واقفًا.'
أعود إلى الهواء
أما أبو ياسر السوافيري، وهو خمسيني نازح منذ أكثر من عامٍ ونصف، فقد قرّر أن يعود إلى حيّ الدرج مشيًا على الأقدام مع دخول وقف النار حيّز التنفيذ.
يقول بينما ينصب خيمته فوق أنقاض بيته: 'ما في بيت، راح كل شيء... بس رجعت. رجعت عشان أتنفّس هواء غزة، أتنفّس رائحة الأرض اللي عشت عليها. لو بدي أعيش فوق الركام، أهون من النزوح.'
أبو ياسر الذي فقد منزله في الأيام الأولى من حرب الإبادة الإسرائيلية في 7 أكتوبر عام 2023 على الحي، يؤكد أن العودة ليست رفاهية، بل حاجة وجودية: 'الغربة في نفس المكان أصعب من الموت. لما أرجع، بحس إنّي رجعت جزء من نفسي اللي ضاع.'
وفي حيّ تل الهوى، عادت ابتسام بارود (40 عامًا) وحدها لتتفقد شقتها التي كانت تأمل أن تعود إليها مع انتهاء الحرب.
تقول ابتسام: 'مشيت بين البيوت المهدّمة وأنا خايفة، بس حاسة لازم أشوف مكاني. وصلت وما قدرت أتعرف عليه من أول نظرة. البناية كلها نازلة إلا جزء صغير من الدور الأرضي.'
ابتسام، التي فقدت زوجها في بداية الحرب، تقول إنها لا تبحث عن شيء مادي: 'كنت بدي أشوف المكان اللي كنت فيه معه. يمكن أشوف ظلّ ذكرياتنا. حتى لو راح كل شيء، لازم أرجع أودّع البيت.'
ما بعد الحرب
وجاء اتفاق وقف إطلاق النار بعد وساطة دولية وإقليمية طويلة، تزامنًا مع انسحابٍ جزئيٍ لقوات الاحتلال الإسرائيلي من بعض أحياء مدينة غزة والشمال، بعد عامين من حرب إبادة غير مسبوقة خلّفت أكثر من 200 ألف شهيد ومفقود، ودمّرت البنية التحتية والمنازل والمستشفيات والمدارس.
ورغم أنّ الاتفاق لم يُنهِ الحصار بشكل كامل، فإنه فتح الباب أمام الغزيين لبدء مرحلة جديدة من البحث عن الحياة وسط الركام، في محاولةٍ لاستعادة أبسط مقومات العيش بعد سنواتٍ من الموت اليومي.
صمود الذاكرة
العودة إلى غزة اليوم ليست مجرّد عودةٍ إلى البيوت، بل إلى الذاكرة نفسها؛ إلى الأماكن التي احتفظت بروائح أهلها وأصواتهم العالقة في الجدران قبل أن تنهار.
يعود الغزيون اليوم ليقولوا إن الحرب لم تنتصر، وإن الإبادة لم تمحُ الوجود، لأن من يستطيع أن يسير فوق الركام بحثًا عن بصيص حياة، هو في الحقيقة يُعلن بداية جديدة من الصمود.
هذه العودة هي شكلٌ آخر من المقاومة — مقاومة بالبقاء، بالحلم، وبالقدرة على تحويل الدمار إلى شاهدٍ على الحياة لا على الفناء.
المصدر / فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - مع أول صباح يسطع على مدينةٍ أنهكتها الحرب، بدأ الغزيون يتحسّسون طريق العودة إلى بيوتهم، أو ما تبقّى منها.
في العاشر من أكتوبر، ومع دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ وبدء الانسحاب الجزئي لقوات الاحتلال من بعض أحياء مدينة غزة، خرج الناس من أماكن نزوحهم يحملون خوفهم وحنينهم، يسيرون في طرقٍ تحوّلت إلى ممراتٍ من الغبار والأنقاض، يبحثون عن ملامح بيوتٍ كانت يومًا تؤويهم.
كانت المدينة صامتةً على نحوٍ غريب. لا صوت لانفجارات، لكن الركام يصرخ بما يكفي عن عامين من الإبادة؛ عامين من القصف والتجويع والتشريد، عاش خلالها أكثر من مليونٍ ونصف نازح في مدارس ومخيمات مؤقتة، ينتظرون يومًا كهذا — يومًا يُسمح لهم فيه بالعودة، ولو إلى الخراب.
العودة الأولى
في السابعة صباحًا، غادر منذر عجور (30 عامًا) بيت أقربائه في حيّ الدرج متجهًا نحو حيّ الصبرة، حيث بيته الذي لم يره منذ شهور طويلة.
يقول منذر لـ'فلسطين أون لاين' وهو يصف الطريق: 'مشيت وقلبي يدقّ كأنني ذاهب إلى معركة. كنت أدعو الله أن أجد بيتي واقفًا ولو بجدار واحد. طوال الطريق كنت أرى وجوه الناس تمشي مثلي، كل واحد يحمل خوفه وأمله في عينيه.'
عندما وصل، وجد البيت مثقوب الجدران، والنوافذ محطّمة، لكن السقف ما زال في مكانه، 'قلت الحمد لله... ما زال في بيت، يمكن إصلاحه. الأهم أنه لم يُمحَ من الوجود.'
عاد منذر مسرعًا ليبشّر والدته وأخوته في المدرسة: 'بيتنا ما زال واقفًا.'
أعود إلى الهواء
أما أبو ياسر السوافيري، وهو خمسيني نازح منذ أكثر من عامٍ ونصف، فقد قرّر أن يعود إلى حيّ الدرج مشيًا على الأقدام مع دخول وقف النار حيّز التنفيذ.
يقول بينما ينصب خيمته فوق أنقاض بيته: 'ما في بيت، راح كل شيء... بس رجعت. رجعت عشان أتنفّس هواء غزة، أتنفّس رائحة الأرض اللي عشت عليها. لو بدي أعيش فوق الركام، أهون من النزوح.'
أبو ياسر الذي فقد منزله في الأيام الأولى من حرب الإبادة الإسرائيلية في 7 أكتوبر عام 2023 على الحي، يؤكد أن العودة ليست رفاهية، بل حاجة وجودية: 'الغربة في نفس المكان أصعب من الموت. لما أرجع، بحس إنّي رجعت جزء من نفسي اللي ضاع.'
وفي حيّ تل الهوى، عادت ابتسام بارود (40 عامًا) وحدها لتتفقد شقتها التي كانت تأمل أن تعود إليها مع انتهاء الحرب.
تقول ابتسام: 'مشيت بين البيوت المهدّمة وأنا خايفة، بس حاسة لازم أشوف مكاني. وصلت وما قدرت أتعرف عليه من أول نظرة. البناية كلها نازلة إلا جزء صغير من الدور الأرضي.'
ابتسام، التي فقدت زوجها في بداية الحرب، تقول إنها لا تبحث عن شيء مادي: 'كنت بدي أشوف المكان اللي كنت فيه معه. يمكن أشوف ظلّ ذكرياتنا. حتى لو راح كل شيء، لازم أرجع أودّع البيت.'
ما بعد الحرب
وجاء اتفاق وقف إطلاق النار بعد وساطة دولية وإقليمية طويلة، تزامنًا مع انسحابٍ جزئيٍ لقوات الاحتلال الإسرائيلي من بعض أحياء مدينة غزة والشمال، بعد عامين من حرب إبادة غير مسبوقة خلّفت أكثر من 200 ألف شهيد ومفقود، ودمّرت البنية التحتية والمنازل والمستشفيات والمدارس.
ورغم أنّ الاتفاق لم يُنهِ الحصار بشكل كامل، فإنه فتح الباب أمام الغزيين لبدء مرحلة جديدة من البحث عن الحياة وسط الركام، في محاولةٍ لاستعادة أبسط مقومات العيش بعد سنواتٍ من الموت اليومي.
صمود الذاكرة
العودة إلى غزة اليوم ليست مجرّد عودةٍ إلى البيوت، بل إلى الذاكرة نفسها؛ إلى الأماكن التي احتفظت بروائح أهلها وأصواتهم العالقة في الجدران قبل أن تنهار.
يعود الغزيون اليوم ليقولوا إن الحرب لم تنتصر، وإن الإبادة لم تمحُ الوجود، لأن من يستطيع أن يسير فوق الركام بحثًا عن بصيص حياة، هو في الحقيقة يُعلن بداية جديدة من الصمود.
هذه العودة هي شكلٌ آخر من المقاومة — مقاومة بالبقاء، بالحلم، وبالقدرة على تحويل الدمار إلى شاهدٍ على الحياة لا على الفناء.
المصدر / فلسطين أون لاين
التعليقات