أخبار اليوم- سهم محمد العبادي - تبدو الفكرة بسيطة في ظاهرها: أن يعتمد الطالب على نفسه مبكراً، فيجرّب عملاً صغيراً، أو يتعلّم مهارةٍ تقنيةٍ أو حرفية، أو يبتكر مشروعاً ناشئاً يفتح له باب الرزق. هذا التصوّر يلقى قبولاً عند شريحة ترى في روح المبادرة علاجاً لبطء التوظيف، وتعتبر الجامعة محطةً لبناء الشخصية لا مجرد جسر إلى وظيفةٍ مضمونة. أصحاب هذا الرأي يقولون إن سوق العمل تغيّر، وإن العالم يميل إلى ريادة الأعمال والعمل الحر، وإن الطلبة الأكثر انخراطاً في مشاريع صغيرة أو تدريب جاد أثناء الدراسة هم الأقدر لاحقاً على المنافسة، سواءً بالعمل الفردي أم بالالتحاق بشركات، لأنهم يخرجون إلى السوق بسيرةٍ عملية لا بشهادةٍ فقط. ويضيفون أن كثيراً من الفرص الصغيرة تبدأ من أبسط الأفكار: خدمة رقمية، محتوى تعليمي، تطبيق ذكي، منتج غذائي محلي، صيانة متخصصة، أو استشارات على نطاقٍ محدود. وبحسب هذا المنظور، فإن الجامعات ومراكز التدريب قادرة على رعاية الفكرة وتحويلها إلى نموذجٍ أولي، ثم إلى مشروعٍ قابل للحياة، متى ما توفرت الجدية والوقت والالتزام، ومتى ما تحررنا من الفكرة التقليدية لوظيفةٍ واحدةٍ دائمة.
لكن الرأي المقابل يضع يده على الفجوة الأعمق: هل المشكلة في عزيمة الطلبة أم في البيئة المحيطة؟ يجادل أصحابه بأن الدعوة إلى “خلق الفرص” تصبح شعاراً فارغاً إذا اصطدمت بتعقيدات الترخيص، وتكاليف البداية، وتذبذب السياسات، ومحدودية الوصول إلى التمويل المتاح بشروط عادلة، فضلاً عن ضغط الرسوم والضرائب على أصغر مشروع. ويرون أن الطالب الذي لا يجد أجرة المواصلات لن يملك فجأةً رأس المال، وأن مشروع البائع المتجول أو العربة الصغيرة يتعثر إذا لم تتوافر له مظلة تنظيمية رحيمة تميّز بين كسب الكرامة وبين المخالفات. ويذهب هذا الاتجاه إلى أن مسؤولية الدولة ليست رفاهيةً بل جزء من العقد الاجتماعي: التخطيط للتشغيل، وتوجيه الاستثمار نحو قطاعاتٍ قادرة على الاستيعاب، وفتح نوافذ ترخيص مبسّطة، وتقديم تمويلٍ ميسر غير ربحي للمشاريع المنزلية والناشئة، وحماية السوق من المنافسة غير المتكافئة. فالمبادرة الفردية لا تنمو في الفراغ، وإنما في بيئةٍ ترشدها وتحميها.
وبين الرأيين مساحةٌ وسطى يمكن البناء عليها. فليس من العدل أن يتحول الطالب إلى متلقٍ سلبي ينتظر التعيين، كما ليس من المعقول أن يُلقى عليه عبء المعركة كلها. في هذه المساحة، تبدو الجامعة ساحة اختبار حقيقية: مساقاتٌ تطبيقية مرتبطة بسوق العمل، تدريبٌ إلزامي مُجدي لا شكلي، حاضنات أعمال مفتوحة برسوم رمزية، وشراكات مع البلديات والقطاع الخاص تتيح منافذ بيعٍ مؤقتة للمشروعات الطلابية بترخيصٍ ميسر، مع ثقافة قانونية واضحة لا تفاجئ الشباب بالعقوبات قبل منحهم فرصة التعلّم من الخطأ. وتبدو الحكومة، في المقابل، مطالبةً بخارطة طريقٍ دقيقة تحدد القطاعات التي يمكن أن تستوعب الشباب سريعاً، وبحزمة إجراءاتٍ متسلسلة تبدأ بتخفيف الكلف الأولية، وتمرّ بتنظيم العمل المنزلي والحِرَفي، وتنتهي ببرامج تمويلٍ صغيرةٍ مسؤولة تضمن الاستمرارية لا الإغراق بالدَّين. أما القطاع الخاص فدوره أن يفتح أبواب التدريب الحقيقي ويوسّع سلاسل التوريد للمشاريع الصغيرة بدل أن تبقى محصورةً في اللاعبين الكبار.
لا ينقص الطلبة الحلم ولا الطاقة، لكنهما يحتاجان إلى جسرٍ واقعيّ: وضوح في القواعد، وبساطة في الإجراءات، وعدالة في الفرص. وحين تُبنى الثقة تتبدّل اللغة: من “ابحث وحدك” إلى “نبحث معاً”، ومن “مشروعك شأنك” إلى “مشروعك جزءٌ من اقتصادنا المحلي”. عندها يصبح حديث “خلق الفرص” دعوةً إلى الشراكة لا إعلاناً عن انسحاب.
يبقى السؤال الذي يليق بأن نختم به النقاش: كيف نوازن بين تحفيز الطالب على المبادرة الفردية وبين التزام الدولة بتوفير بيئةٍ عادلةٍ وميسّرة، بحيث لا يشعر الشاب أنه تُرك وحيداً في ساحةٍ مزدحمة بالعوائق، ولا تتحول الجامعة إلى قاعة انتظارٍ طويلة لوظيفةٍ لا تأتي؟
أخبار اليوم- سهم محمد العبادي - تبدو الفكرة بسيطة في ظاهرها: أن يعتمد الطالب على نفسه مبكراً، فيجرّب عملاً صغيراً، أو يتعلّم مهارةٍ تقنيةٍ أو حرفية، أو يبتكر مشروعاً ناشئاً يفتح له باب الرزق. هذا التصوّر يلقى قبولاً عند شريحة ترى في روح المبادرة علاجاً لبطء التوظيف، وتعتبر الجامعة محطةً لبناء الشخصية لا مجرد جسر إلى وظيفةٍ مضمونة. أصحاب هذا الرأي يقولون إن سوق العمل تغيّر، وإن العالم يميل إلى ريادة الأعمال والعمل الحر، وإن الطلبة الأكثر انخراطاً في مشاريع صغيرة أو تدريب جاد أثناء الدراسة هم الأقدر لاحقاً على المنافسة، سواءً بالعمل الفردي أم بالالتحاق بشركات، لأنهم يخرجون إلى السوق بسيرةٍ عملية لا بشهادةٍ فقط. ويضيفون أن كثيراً من الفرص الصغيرة تبدأ من أبسط الأفكار: خدمة رقمية، محتوى تعليمي، تطبيق ذكي، منتج غذائي محلي، صيانة متخصصة، أو استشارات على نطاقٍ محدود. وبحسب هذا المنظور، فإن الجامعات ومراكز التدريب قادرة على رعاية الفكرة وتحويلها إلى نموذجٍ أولي، ثم إلى مشروعٍ قابل للحياة، متى ما توفرت الجدية والوقت والالتزام، ومتى ما تحررنا من الفكرة التقليدية لوظيفةٍ واحدةٍ دائمة.
لكن الرأي المقابل يضع يده على الفجوة الأعمق: هل المشكلة في عزيمة الطلبة أم في البيئة المحيطة؟ يجادل أصحابه بأن الدعوة إلى “خلق الفرص” تصبح شعاراً فارغاً إذا اصطدمت بتعقيدات الترخيص، وتكاليف البداية، وتذبذب السياسات، ومحدودية الوصول إلى التمويل المتاح بشروط عادلة، فضلاً عن ضغط الرسوم والضرائب على أصغر مشروع. ويرون أن الطالب الذي لا يجد أجرة المواصلات لن يملك فجأةً رأس المال، وأن مشروع البائع المتجول أو العربة الصغيرة يتعثر إذا لم تتوافر له مظلة تنظيمية رحيمة تميّز بين كسب الكرامة وبين المخالفات. ويذهب هذا الاتجاه إلى أن مسؤولية الدولة ليست رفاهيةً بل جزء من العقد الاجتماعي: التخطيط للتشغيل، وتوجيه الاستثمار نحو قطاعاتٍ قادرة على الاستيعاب، وفتح نوافذ ترخيص مبسّطة، وتقديم تمويلٍ ميسر غير ربحي للمشاريع المنزلية والناشئة، وحماية السوق من المنافسة غير المتكافئة. فالمبادرة الفردية لا تنمو في الفراغ، وإنما في بيئةٍ ترشدها وتحميها.
وبين الرأيين مساحةٌ وسطى يمكن البناء عليها. فليس من العدل أن يتحول الطالب إلى متلقٍ سلبي ينتظر التعيين، كما ليس من المعقول أن يُلقى عليه عبء المعركة كلها. في هذه المساحة، تبدو الجامعة ساحة اختبار حقيقية: مساقاتٌ تطبيقية مرتبطة بسوق العمل، تدريبٌ إلزامي مُجدي لا شكلي، حاضنات أعمال مفتوحة برسوم رمزية، وشراكات مع البلديات والقطاع الخاص تتيح منافذ بيعٍ مؤقتة للمشروعات الطلابية بترخيصٍ ميسر، مع ثقافة قانونية واضحة لا تفاجئ الشباب بالعقوبات قبل منحهم فرصة التعلّم من الخطأ. وتبدو الحكومة، في المقابل، مطالبةً بخارطة طريقٍ دقيقة تحدد القطاعات التي يمكن أن تستوعب الشباب سريعاً، وبحزمة إجراءاتٍ متسلسلة تبدأ بتخفيف الكلف الأولية، وتمرّ بتنظيم العمل المنزلي والحِرَفي، وتنتهي ببرامج تمويلٍ صغيرةٍ مسؤولة تضمن الاستمرارية لا الإغراق بالدَّين. أما القطاع الخاص فدوره أن يفتح أبواب التدريب الحقيقي ويوسّع سلاسل التوريد للمشاريع الصغيرة بدل أن تبقى محصورةً في اللاعبين الكبار.
لا ينقص الطلبة الحلم ولا الطاقة، لكنهما يحتاجان إلى جسرٍ واقعيّ: وضوح في القواعد، وبساطة في الإجراءات، وعدالة في الفرص. وحين تُبنى الثقة تتبدّل اللغة: من “ابحث وحدك” إلى “نبحث معاً”، ومن “مشروعك شأنك” إلى “مشروعك جزءٌ من اقتصادنا المحلي”. عندها يصبح حديث “خلق الفرص” دعوةً إلى الشراكة لا إعلاناً عن انسحاب.
يبقى السؤال الذي يليق بأن نختم به النقاش: كيف نوازن بين تحفيز الطالب على المبادرة الفردية وبين التزام الدولة بتوفير بيئةٍ عادلةٍ وميسّرة، بحيث لا يشعر الشاب أنه تُرك وحيداً في ساحةٍ مزدحمة بالعوائق، ولا تتحول الجامعة إلى قاعة انتظارٍ طويلة لوظيفةٍ لا تأتي؟
أخبار اليوم- سهم محمد العبادي - تبدو الفكرة بسيطة في ظاهرها: أن يعتمد الطالب على نفسه مبكراً، فيجرّب عملاً صغيراً، أو يتعلّم مهارةٍ تقنيةٍ أو حرفية، أو يبتكر مشروعاً ناشئاً يفتح له باب الرزق. هذا التصوّر يلقى قبولاً عند شريحة ترى في روح المبادرة علاجاً لبطء التوظيف، وتعتبر الجامعة محطةً لبناء الشخصية لا مجرد جسر إلى وظيفةٍ مضمونة. أصحاب هذا الرأي يقولون إن سوق العمل تغيّر، وإن العالم يميل إلى ريادة الأعمال والعمل الحر، وإن الطلبة الأكثر انخراطاً في مشاريع صغيرة أو تدريب جاد أثناء الدراسة هم الأقدر لاحقاً على المنافسة، سواءً بالعمل الفردي أم بالالتحاق بشركات، لأنهم يخرجون إلى السوق بسيرةٍ عملية لا بشهادةٍ فقط. ويضيفون أن كثيراً من الفرص الصغيرة تبدأ من أبسط الأفكار: خدمة رقمية، محتوى تعليمي، تطبيق ذكي، منتج غذائي محلي، صيانة متخصصة، أو استشارات على نطاقٍ محدود. وبحسب هذا المنظور، فإن الجامعات ومراكز التدريب قادرة على رعاية الفكرة وتحويلها إلى نموذجٍ أولي، ثم إلى مشروعٍ قابل للحياة، متى ما توفرت الجدية والوقت والالتزام، ومتى ما تحررنا من الفكرة التقليدية لوظيفةٍ واحدةٍ دائمة.
لكن الرأي المقابل يضع يده على الفجوة الأعمق: هل المشكلة في عزيمة الطلبة أم في البيئة المحيطة؟ يجادل أصحابه بأن الدعوة إلى “خلق الفرص” تصبح شعاراً فارغاً إذا اصطدمت بتعقيدات الترخيص، وتكاليف البداية، وتذبذب السياسات، ومحدودية الوصول إلى التمويل المتاح بشروط عادلة، فضلاً عن ضغط الرسوم والضرائب على أصغر مشروع. ويرون أن الطالب الذي لا يجد أجرة المواصلات لن يملك فجأةً رأس المال، وأن مشروع البائع المتجول أو العربة الصغيرة يتعثر إذا لم تتوافر له مظلة تنظيمية رحيمة تميّز بين كسب الكرامة وبين المخالفات. ويذهب هذا الاتجاه إلى أن مسؤولية الدولة ليست رفاهيةً بل جزء من العقد الاجتماعي: التخطيط للتشغيل، وتوجيه الاستثمار نحو قطاعاتٍ قادرة على الاستيعاب، وفتح نوافذ ترخيص مبسّطة، وتقديم تمويلٍ ميسر غير ربحي للمشاريع المنزلية والناشئة، وحماية السوق من المنافسة غير المتكافئة. فالمبادرة الفردية لا تنمو في الفراغ، وإنما في بيئةٍ ترشدها وتحميها.
وبين الرأيين مساحةٌ وسطى يمكن البناء عليها. فليس من العدل أن يتحول الطالب إلى متلقٍ سلبي ينتظر التعيين، كما ليس من المعقول أن يُلقى عليه عبء المعركة كلها. في هذه المساحة، تبدو الجامعة ساحة اختبار حقيقية: مساقاتٌ تطبيقية مرتبطة بسوق العمل، تدريبٌ إلزامي مُجدي لا شكلي، حاضنات أعمال مفتوحة برسوم رمزية، وشراكات مع البلديات والقطاع الخاص تتيح منافذ بيعٍ مؤقتة للمشروعات الطلابية بترخيصٍ ميسر، مع ثقافة قانونية واضحة لا تفاجئ الشباب بالعقوبات قبل منحهم فرصة التعلّم من الخطأ. وتبدو الحكومة، في المقابل، مطالبةً بخارطة طريقٍ دقيقة تحدد القطاعات التي يمكن أن تستوعب الشباب سريعاً، وبحزمة إجراءاتٍ متسلسلة تبدأ بتخفيف الكلف الأولية، وتمرّ بتنظيم العمل المنزلي والحِرَفي، وتنتهي ببرامج تمويلٍ صغيرةٍ مسؤولة تضمن الاستمرارية لا الإغراق بالدَّين. أما القطاع الخاص فدوره أن يفتح أبواب التدريب الحقيقي ويوسّع سلاسل التوريد للمشاريع الصغيرة بدل أن تبقى محصورةً في اللاعبين الكبار.
لا ينقص الطلبة الحلم ولا الطاقة، لكنهما يحتاجان إلى جسرٍ واقعيّ: وضوح في القواعد، وبساطة في الإجراءات، وعدالة في الفرص. وحين تُبنى الثقة تتبدّل اللغة: من “ابحث وحدك” إلى “نبحث معاً”، ومن “مشروعك شأنك” إلى “مشروعك جزءٌ من اقتصادنا المحلي”. عندها يصبح حديث “خلق الفرص” دعوةً إلى الشراكة لا إعلاناً عن انسحاب.
يبقى السؤال الذي يليق بأن نختم به النقاش: كيف نوازن بين تحفيز الطالب على المبادرة الفردية وبين التزام الدولة بتوفير بيئةٍ عادلةٍ وميسّرة، بحيث لا يشعر الشاب أنه تُرك وحيداً في ساحةٍ مزدحمة بالعوائق، ولا تتحول الجامعة إلى قاعة انتظارٍ طويلة لوظيفةٍ لا تأتي؟
التعليقات