أخبار اليوم- «علمياً وطبياً، لا يجب أن أكون على قيد الحياة. لكن لأنني أحب الحياة فأنا على قيدها، وهذا أعظم إنجازاتي». إنها حكمة غسان جبرا الذي بدأ جسده بالتلاشي قبل أن يبلغ الـ10 من عمره. اليوم، على مشارف الـ40، ما زال الشاب السوري اللبناني يبتسم للحياة من على كرسيّه الكهربائي النقّال المحصّن بأجهزة التنفّس.
الضمور العضلي الذي يعانيه منذ الطفولة لم يهزم ابتسامته ولا فكرَه. فثاني أعظم الإنجازات في رصيده حتى اليوم، كتابٌ نشره قبل أشهر بعنوان «كلمة على ورق». سيرةُ حياةٍ غير اعتيادية رواها جبرا دامجاً ما بين أحداث مفصلية طبعت مشواره، ومعانٍ روحية وإنسانية استقاها من تلك الرحلة المحفوفة بالآلام والآمال.
«كلمة على ورق» تجربة حياة استثنائية يرويها غسان جبرا
في بيته الثاني، جمعيّة «أنت أخي» اللبنانية، حيث يقيم ويتلقّى الحب والرعاية والعلاج، عمل جبرا على كتابه خلال 5 سنوات. وبما أنه لا يستطيع تحريك سوى عينَيه وشفتَيه، أملى ذكرياته وخواطره وأفكاره على معاونين ومتطوعين سكبوها على الورق، ثم أعادوا صياغتها.
«أجمل أيام حياتي كان اليوم الذي تلقّيت فيه النسخة الأولى من الكتاب، واكتملت الفرحة خلال حفل التوقيع في معرض بيروت للكتاب»، يخبر جبرا «الشرق الأوسط». في الحفل الذي حضره رفاق غسان وأقرباؤه وزملاؤه في الجمعية وشخصيات إعلامية وثقافية، شعر وكأن الإنجاز ليس فردياً بل لكل فردٍ من عائلة «أنت أخي».
من حفل توقيع كتاب غسان جبرا في معرض بيروت العربي والدولي
طفلاً، بدأت ملامح الضمور العضلي تظهر على غسان. كان يسقط أرضاً ويفقد تدريجياً قدرته على المشي. ومع مرور السنوات وتعطّل العضلات واحدةً تلو أخرى، انتقل إلى مؤسسة «سيسوبيل» التي تعنى بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ومنها لاحقاً إلى «أنت أخي»، حيث تبدّلت الاحتياجات مع تفاقم الإعاقة.
في تلك الآونة، أصبح غسان جبرا أسير الكرسيّ إلا أن أجنحةً بدأت تنبت له. «سقطت كل الأقنعة في المؤسسة. تجرّدت من كل شيء وصرتُ أنا. أصبحت قادراً على أن أتكلّم أكثر عن طفولتي وما عدت أخجل من أصولي السورية ولا من فقري. تحررتُ من نفسي»، يروي الشاب في كتابه. وقد حصل ذلك بفضل التنشئة الحياتية والروحية التي بدأ يتلقّاها.
اختبر غسان جبرا ولادة جديدة في جمعية «أنت أخي»
«تعلّمتُ من خلال التنشئة ألّا أركّز على ما فقدت، بل على ما أملك. وأكبر طاقة موجودة لديّ ولدى كل إنسان، هي طاقة الحب التي لا يستطيع أي شيء أن يمسّ بها، ولا حتى الإعاقة». قد يصعب على كثيرين التصديق أنّ هكذا كلام صادرٌ عن شابٍ لم يعرف من الحياة سوى الألم الجسدي، والبقاء رهينة كرسيّ نقّال طيلة العمر. بين نفَسٍ وآخر يسحبه من أنبوب الأوكسيجين المعلّق بكرسيّه، يقول جبرا: «عندما أدركت ما هي رسالتي على هذه الأرض، تمسكت بالحياة وأردت أن أساعد غيري على المستوى الروحي».
يقضي الضمور العضليّ على كل عضلة في الجسد، بما في ذلك الرئتَان والقلب. أما المصابون به فينخفض متوسط العمر لديهم وغالباً ما يفارقون الحياة في سن الشباب، على غرار ما حصل مع شقيق غسان. كان وقعُ رحيل أخيه (غريب) ثقيلاً عليه، ثم جاء التحدّي الأصعب الذي أدخله في دوّامة من الكآبة والإحباط؛ «حين ما عاد باستطاعتي مضغ الطعام وصار عليّ تناوله مطحوناً، لم أتقبّل الأمر»، يخبر جبرا. إلا أنّ قصة حبٍ جمعته برفيقة له في المؤسسة كانت حبل الخلاص الذي أخرجه من الدوّامة، إذ استطاعت الفتاة إقناعه بأسلوب الأكل الجديد.
مع أحد رفاقه في حفل التوقيع الكتاب
اليوم، لا يملك غسان جبرا سوى صوته المتقطّع للتعبير عمّا يكتنز عقله وروحه. له أيضاً عينان تصّران على الابتسام. أما باقي أعضاء جسده فمعطّل. لا يستطيع أن يقوم بأي شيءٍ بمفرده، لا الأكل ولا الاستحمام ولا التقاطَ غرضٍ ما، وهو يمضي معظم يومه مستلقياً على السرير. لذلك، فإنّ مرافقاً يلازمه ليل نهار، وقد تحوّل هذا الارتباط الوثيق والحيوي بالمرافقين إلى درس حياة بالنسبة إليه، إذ طوّر من خلاله علاقته بالآخرين.
إلا أن أكثر ما حفر في غسان وصنع منه إنساناً جديداً يحلّق بفِكره وروحه فوق جماد الكرسيّ والعضل الذابل، التنشئة الروحية والإنسانية التي تلقّاها في «أنت أخي». تستند التنشئة إلى مبادئ وحقائق وجودية على غرار: «الله يحبني كيفما كنت». يقول غسان إن هكذا حقائق تحولت إلى حصانة في حياته بوجه الصعوبات. وهو صار حالياً جزءاً أساسياً من برنامج التنشئة هذا، بما أنه أحد أهم الشهود على ثمارها.
«لديّ حصة ثابتة في برنامج التنشئة حيث أنقل خبراتي الحياتية والروحية إلى أشخاص أصحّاء ومن ذوي الاحتياجات الخاصة كذلك»، يوضح جبرا.
يهوى غسان جبرا لعبة طاولة الزهر ويحلم بتأسيس مقهى
لديه إيمانٌ راسخ يعبّر عنه في يومياته وفي الكتاب، بأن الحياة حمّلته رسالة يؤدّيها. «فهمت أن رسالتي هي أن أشهد أن الحياة جميلة وتستحق أن نعيشها بالرغم من صعوباتها وتعقيداتها. عندما يرى الآخر أنني سعيد في حياتي، يساعده ذلك على أن يستمر في حياته، كما أفعل أنا». يتابع: «لديّ هدف وحلم أحققه، وهو أن أعكس الفرح والسلام لكل من يراني. علّمتني التنشئة الوجودية أن أعرف دوري ورسالتي في الحياة».
ما زالت الأحلام كثيرة في بال غسان. «أولاً أريد أن أدخل كتاب غينيس كأول شخص يعيش أكبر عدد من السنوات وهو في الحالة هذه». حلمٌ آخر يراوده، بما أنه عاشقٌ للعبة طاولة الزهر أو النرد، فهو يرغب في تأسيس مقهى تراثي يلعب فيه الروّاد النرد، ويتبادلون الأحاديث الإنسانية، ويستمعون إلى تجربته الاستثنائية التي حرمته تحريك الحجارة إلا أنها رمت له زهرَ البصيرة والارتقاء الروحي.
أخبار اليوم- «علمياً وطبياً، لا يجب أن أكون على قيد الحياة. لكن لأنني أحب الحياة فأنا على قيدها، وهذا أعظم إنجازاتي». إنها حكمة غسان جبرا الذي بدأ جسده بالتلاشي قبل أن يبلغ الـ10 من عمره. اليوم، على مشارف الـ40، ما زال الشاب السوري اللبناني يبتسم للحياة من على كرسيّه الكهربائي النقّال المحصّن بأجهزة التنفّس.
الضمور العضلي الذي يعانيه منذ الطفولة لم يهزم ابتسامته ولا فكرَه. فثاني أعظم الإنجازات في رصيده حتى اليوم، كتابٌ نشره قبل أشهر بعنوان «كلمة على ورق». سيرةُ حياةٍ غير اعتيادية رواها جبرا دامجاً ما بين أحداث مفصلية طبعت مشواره، ومعانٍ روحية وإنسانية استقاها من تلك الرحلة المحفوفة بالآلام والآمال.
«كلمة على ورق» تجربة حياة استثنائية يرويها غسان جبرا
في بيته الثاني، جمعيّة «أنت أخي» اللبنانية، حيث يقيم ويتلقّى الحب والرعاية والعلاج، عمل جبرا على كتابه خلال 5 سنوات. وبما أنه لا يستطيع تحريك سوى عينَيه وشفتَيه، أملى ذكرياته وخواطره وأفكاره على معاونين ومتطوعين سكبوها على الورق، ثم أعادوا صياغتها.
«أجمل أيام حياتي كان اليوم الذي تلقّيت فيه النسخة الأولى من الكتاب، واكتملت الفرحة خلال حفل التوقيع في معرض بيروت للكتاب»، يخبر جبرا «الشرق الأوسط». في الحفل الذي حضره رفاق غسان وأقرباؤه وزملاؤه في الجمعية وشخصيات إعلامية وثقافية، شعر وكأن الإنجاز ليس فردياً بل لكل فردٍ من عائلة «أنت أخي».
من حفل توقيع كتاب غسان جبرا في معرض بيروت العربي والدولي
طفلاً، بدأت ملامح الضمور العضلي تظهر على غسان. كان يسقط أرضاً ويفقد تدريجياً قدرته على المشي. ومع مرور السنوات وتعطّل العضلات واحدةً تلو أخرى، انتقل إلى مؤسسة «سيسوبيل» التي تعنى بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ومنها لاحقاً إلى «أنت أخي»، حيث تبدّلت الاحتياجات مع تفاقم الإعاقة.
في تلك الآونة، أصبح غسان جبرا أسير الكرسيّ إلا أن أجنحةً بدأت تنبت له. «سقطت كل الأقنعة في المؤسسة. تجرّدت من كل شيء وصرتُ أنا. أصبحت قادراً على أن أتكلّم أكثر عن طفولتي وما عدت أخجل من أصولي السورية ولا من فقري. تحررتُ من نفسي»، يروي الشاب في كتابه. وقد حصل ذلك بفضل التنشئة الحياتية والروحية التي بدأ يتلقّاها.
اختبر غسان جبرا ولادة جديدة في جمعية «أنت أخي»
«تعلّمتُ من خلال التنشئة ألّا أركّز على ما فقدت، بل على ما أملك. وأكبر طاقة موجودة لديّ ولدى كل إنسان، هي طاقة الحب التي لا يستطيع أي شيء أن يمسّ بها، ولا حتى الإعاقة». قد يصعب على كثيرين التصديق أنّ هكذا كلام صادرٌ عن شابٍ لم يعرف من الحياة سوى الألم الجسدي، والبقاء رهينة كرسيّ نقّال طيلة العمر. بين نفَسٍ وآخر يسحبه من أنبوب الأوكسيجين المعلّق بكرسيّه، يقول جبرا: «عندما أدركت ما هي رسالتي على هذه الأرض، تمسكت بالحياة وأردت أن أساعد غيري على المستوى الروحي».
يقضي الضمور العضليّ على كل عضلة في الجسد، بما في ذلك الرئتَان والقلب. أما المصابون به فينخفض متوسط العمر لديهم وغالباً ما يفارقون الحياة في سن الشباب، على غرار ما حصل مع شقيق غسان. كان وقعُ رحيل أخيه (غريب) ثقيلاً عليه، ثم جاء التحدّي الأصعب الذي أدخله في دوّامة من الكآبة والإحباط؛ «حين ما عاد باستطاعتي مضغ الطعام وصار عليّ تناوله مطحوناً، لم أتقبّل الأمر»، يخبر جبرا. إلا أنّ قصة حبٍ جمعته برفيقة له في المؤسسة كانت حبل الخلاص الذي أخرجه من الدوّامة، إذ استطاعت الفتاة إقناعه بأسلوب الأكل الجديد.
مع أحد رفاقه في حفل التوقيع الكتاب
اليوم، لا يملك غسان جبرا سوى صوته المتقطّع للتعبير عمّا يكتنز عقله وروحه. له أيضاً عينان تصّران على الابتسام. أما باقي أعضاء جسده فمعطّل. لا يستطيع أن يقوم بأي شيءٍ بمفرده، لا الأكل ولا الاستحمام ولا التقاطَ غرضٍ ما، وهو يمضي معظم يومه مستلقياً على السرير. لذلك، فإنّ مرافقاً يلازمه ليل نهار، وقد تحوّل هذا الارتباط الوثيق والحيوي بالمرافقين إلى درس حياة بالنسبة إليه، إذ طوّر من خلاله علاقته بالآخرين.
إلا أن أكثر ما حفر في غسان وصنع منه إنساناً جديداً يحلّق بفِكره وروحه فوق جماد الكرسيّ والعضل الذابل، التنشئة الروحية والإنسانية التي تلقّاها في «أنت أخي». تستند التنشئة إلى مبادئ وحقائق وجودية على غرار: «الله يحبني كيفما كنت». يقول غسان إن هكذا حقائق تحولت إلى حصانة في حياته بوجه الصعوبات. وهو صار حالياً جزءاً أساسياً من برنامج التنشئة هذا، بما أنه أحد أهم الشهود على ثمارها.
«لديّ حصة ثابتة في برنامج التنشئة حيث أنقل خبراتي الحياتية والروحية إلى أشخاص أصحّاء ومن ذوي الاحتياجات الخاصة كذلك»، يوضح جبرا.
يهوى غسان جبرا لعبة طاولة الزهر ويحلم بتأسيس مقهى
لديه إيمانٌ راسخ يعبّر عنه في يومياته وفي الكتاب، بأن الحياة حمّلته رسالة يؤدّيها. «فهمت أن رسالتي هي أن أشهد أن الحياة جميلة وتستحق أن نعيشها بالرغم من صعوباتها وتعقيداتها. عندما يرى الآخر أنني سعيد في حياتي، يساعده ذلك على أن يستمر في حياته، كما أفعل أنا». يتابع: «لديّ هدف وحلم أحققه، وهو أن أعكس الفرح والسلام لكل من يراني. علّمتني التنشئة الوجودية أن أعرف دوري ورسالتي في الحياة».
ما زالت الأحلام كثيرة في بال غسان. «أولاً أريد أن أدخل كتاب غينيس كأول شخص يعيش أكبر عدد من السنوات وهو في الحالة هذه». حلمٌ آخر يراوده، بما أنه عاشقٌ للعبة طاولة الزهر أو النرد، فهو يرغب في تأسيس مقهى تراثي يلعب فيه الروّاد النرد، ويتبادلون الأحاديث الإنسانية، ويستمعون إلى تجربته الاستثنائية التي حرمته تحريك الحجارة إلا أنها رمت له زهرَ البصيرة والارتقاء الروحي.
أخبار اليوم- «علمياً وطبياً، لا يجب أن أكون على قيد الحياة. لكن لأنني أحب الحياة فأنا على قيدها، وهذا أعظم إنجازاتي». إنها حكمة غسان جبرا الذي بدأ جسده بالتلاشي قبل أن يبلغ الـ10 من عمره. اليوم، على مشارف الـ40، ما زال الشاب السوري اللبناني يبتسم للحياة من على كرسيّه الكهربائي النقّال المحصّن بأجهزة التنفّس.
الضمور العضلي الذي يعانيه منذ الطفولة لم يهزم ابتسامته ولا فكرَه. فثاني أعظم الإنجازات في رصيده حتى اليوم، كتابٌ نشره قبل أشهر بعنوان «كلمة على ورق». سيرةُ حياةٍ غير اعتيادية رواها جبرا دامجاً ما بين أحداث مفصلية طبعت مشواره، ومعانٍ روحية وإنسانية استقاها من تلك الرحلة المحفوفة بالآلام والآمال.
«كلمة على ورق» تجربة حياة استثنائية يرويها غسان جبرا
في بيته الثاني، جمعيّة «أنت أخي» اللبنانية، حيث يقيم ويتلقّى الحب والرعاية والعلاج، عمل جبرا على كتابه خلال 5 سنوات. وبما أنه لا يستطيع تحريك سوى عينَيه وشفتَيه، أملى ذكرياته وخواطره وأفكاره على معاونين ومتطوعين سكبوها على الورق، ثم أعادوا صياغتها.
«أجمل أيام حياتي كان اليوم الذي تلقّيت فيه النسخة الأولى من الكتاب، واكتملت الفرحة خلال حفل التوقيع في معرض بيروت للكتاب»، يخبر جبرا «الشرق الأوسط». في الحفل الذي حضره رفاق غسان وأقرباؤه وزملاؤه في الجمعية وشخصيات إعلامية وثقافية، شعر وكأن الإنجاز ليس فردياً بل لكل فردٍ من عائلة «أنت أخي».
من حفل توقيع كتاب غسان جبرا في معرض بيروت العربي والدولي
طفلاً، بدأت ملامح الضمور العضلي تظهر على غسان. كان يسقط أرضاً ويفقد تدريجياً قدرته على المشي. ومع مرور السنوات وتعطّل العضلات واحدةً تلو أخرى، انتقل إلى مؤسسة «سيسوبيل» التي تعنى بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ومنها لاحقاً إلى «أنت أخي»، حيث تبدّلت الاحتياجات مع تفاقم الإعاقة.
في تلك الآونة، أصبح غسان جبرا أسير الكرسيّ إلا أن أجنحةً بدأت تنبت له. «سقطت كل الأقنعة في المؤسسة. تجرّدت من كل شيء وصرتُ أنا. أصبحت قادراً على أن أتكلّم أكثر عن طفولتي وما عدت أخجل من أصولي السورية ولا من فقري. تحررتُ من نفسي»، يروي الشاب في كتابه. وقد حصل ذلك بفضل التنشئة الحياتية والروحية التي بدأ يتلقّاها.
اختبر غسان جبرا ولادة جديدة في جمعية «أنت أخي»
«تعلّمتُ من خلال التنشئة ألّا أركّز على ما فقدت، بل على ما أملك. وأكبر طاقة موجودة لديّ ولدى كل إنسان، هي طاقة الحب التي لا يستطيع أي شيء أن يمسّ بها، ولا حتى الإعاقة». قد يصعب على كثيرين التصديق أنّ هكذا كلام صادرٌ عن شابٍ لم يعرف من الحياة سوى الألم الجسدي، والبقاء رهينة كرسيّ نقّال طيلة العمر. بين نفَسٍ وآخر يسحبه من أنبوب الأوكسيجين المعلّق بكرسيّه، يقول جبرا: «عندما أدركت ما هي رسالتي على هذه الأرض، تمسكت بالحياة وأردت أن أساعد غيري على المستوى الروحي».
يقضي الضمور العضليّ على كل عضلة في الجسد، بما في ذلك الرئتَان والقلب. أما المصابون به فينخفض متوسط العمر لديهم وغالباً ما يفارقون الحياة في سن الشباب، على غرار ما حصل مع شقيق غسان. كان وقعُ رحيل أخيه (غريب) ثقيلاً عليه، ثم جاء التحدّي الأصعب الذي أدخله في دوّامة من الكآبة والإحباط؛ «حين ما عاد باستطاعتي مضغ الطعام وصار عليّ تناوله مطحوناً، لم أتقبّل الأمر»، يخبر جبرا. إلا أنّ قصة حبٍ جمعته برفيقة له في المؤسسة كانت حبل الخلاص الذي أخرجه من الدوّامة، إذ استطاعت الفتاة إقناعه بأسلوب الأكل الجديد.
مع أحد رفاقه في حفل التوقيع الكتاب
اليوم، لا يملك غسان جبرا سوى صوته المتقطّع للتعبير عمّا يكتنز عقله وروحه. له أيضاً عينان تصّران على الابتسام. أما باقي أعضاء جسده فمعطّل. لا يستطيع أن يقوم بأي شيءٍ بمفرده، لا الأكل ولا الاستحمام ولا التقاطَ غرضٍ ما، وهو يمضي معظم يومه مستلقياً على السرير. لذلك، فإنّ مرافقاً يلازمه ليل نهار، وقد تحوّل هذا الارتباط الوثيق والحيوي بالمرافقين إلى درس حياة بالنسبة إليه، إذ طوّر من خلاله علاقته بالآخرين.
إلا أن أكثر ما حفر في غسان وصنع منه إنساناً جديداً يحلّق بفِكره وروحه فوق جماد الكرسيّ والعضل الذابل، التنشئة الروحية والإنسانية التي تلقّاها في «أنت أخي». تستند التنشئة إلى مبادئ وحقائق وجودية على غرار: «الله يحبني كيفما كنت». يقول غسان إن هكذا حقائق تحولت إلى حصانة في حياته بوجه الصعوبات. وهو صار حالياً جزءاً أساسياً من برنامج التنشئة هذا، بما أنه أحد أهم الشهود على ثمارها.
«لديّ حصة ثابتة في برنامج التنشئة حيث أنقل خبراتي الحياتية والروحية إلى أشخاص أصحّاء ومن ذوي الاحتياجات الخاصة كذلك»، يوضح جبرا.
يهوى غسان جبرا لعبة طاولة الزهر ويحلم بتأسيس مقهى
لديه إيمانٌ راسخ يعبّر عنه في يومياته وفي الكتاب، بأن الحياة حمّلته رسالة يؤدّيها. «فهمت أن رسالتي هي أن أشهد أن الحياة جميلة وتستحق أن نعيشها بالرغم من صعوباتها وتعقيداتها. عندما يرى الآخر أنني سعيد في حياتي، يساعده ذلك على أن يستمر في حياته، كما أفعل أنا». يتابع: «لديّ هدف وحلم أحققه، وهو أن أعكس الفرح والسلام لكل من يراني. علّمتني التنشئة الوجودية أن أعرف دوري ورسالتي في الحياة».
ما زالت الأحلام كثيرة في بال غسان. «أولاً أريد أن أدخل كتاب غينيس كأول شخص يعيش أكبر عدد من السنوات وهو في الحالة هذه». حلمٌ آخر يراوده، بما أنه عاشقٌ للعبة طاولة الزهر أو النرد، فهو يرغب في تأسيس مقهى تراثي يلعب فيه الروّاد النرد، ويتبادلون الأحاديث الإنسانية، ويستمعون إلى تجربته الاستثنائية التي حرمته تحريك الحجارة إلا أنها رمت له زهرَ البصيرة والارتقاء الروحي.
التعليقات