أخبار اليوم - في قلب غزة، حيث الركام والنزوح والقصف المستمر، خرجت دفعة جديدة من أطباء القطاع. لم يكن حفل التخرّج مجرد مناسبة أكاديمية، بل انتصارًا للحياة على الحرب، وصرخة صمود من شبابٍ أرادوا أن يحافظوا على العلم والإنسانية وسط الأنقاض.
هنا، بين أصوات الطائرات وأضواء الانفجارات، أصبح المشرط أداة مقاومة، ورمزًا للصمود والأمل.
عبد الله المصري، شاب من دير البلح، ينتمي إلى عائلة متوسطة الحال تضم ستة أفراد. تخرّج في كلية الطب البشري بالجامعة الإسلامية بغزة، بعد مسيرة دراسية بدأت في الثانوية العامة بمدرسة المنفلوطي للبنين، حيث حصل على معدل 99.3% في الفرع العلمي.
كان حفل التخرّج مخططًا له في يوليو أو أغسطس 2025، لكن الحرب التي اندلعت عام 2023 حالت دون ذلك، فتأخر حتى الثاني من نوفمبر 2025 في الجامعة الإسلامية بغزة.
تغيّرت حياة عبد الله جذريًا مع الحرب، كما حدث لجميع سكان القطاع. يقول لصحيفة فلسطين: 'عانينا في بداية الحرب من انقطاع الكهرباء والماء، ومن النزوح المتكرر من مناطق شرق دير البلح. فقدنا من عائلتنا خالتي وزوجها وعددًا من أبنائهما. كانت رحلة طويلة خلال السنتين الخامسة والسادسة من الدراسة، حاولت فيها الموازنة بين احتياجات البيت ودراسة الطب، خاصة أن والدي يعاني التهاب المفاصل، فكنت أنوب عنه في كثير من المهام.'
من أبرز التحديات التي واجهها كطالب طب انقطاع الكهرباء في بداية الحرب، والتي تحسّنت قليلًا في منتصفها، لكنها ظلت عائقًا أمام الإنارة وشحن الأجهزة اللوحية المستخدمة في الدراسة.
ويضيف: 'فضلاً عن عدم توفر الورق للطباعة أو طباعة الكتب والمستلزمات الدراسية، وإن وُجد فبسعر مرتفع جدًا. كما واجهنا صعوبة بسبب النزوح المتكرر من شرق دير البلح ومحاولة الاستقرار في كل مرة، ناهيك عن الدوام في المستشفيات الذي كان محفوفًا بالخطر في أي لحظة.'
اضطرت كلية الطب، كباقي كليات الجامعة، إلى تأجيل الدوام مع بداية الحرب، لكنها حرصت على استئنافه بأسرع وقت ممكن، حيث بدأ فعليًا في الأول من يونيو 2024.
يؤكد عبد الله: 'الطب له خصوصية، فلا تُحذف منه الدروس أو المحاضرات، لذلك لم يُحذف أي جزء من المنهاج. كما تبنت الكلية الدوام الوجاهي، خاصة في السنوات السريرية التي لا يمكن تحويلها إلكترونيًا لأنها تتمحور حول التعامل مع المرضى وبيئة المستشفيات. كان لمؤسسة PalMed Europe دور كبير في دعم المسيرة التعليمية على صعيدي الكلية، سواء في سنوات العلوم الأساسية أو السريرية.'
لم تتعطل أي سنة دراسية، بل تأخر البدء فقط بسبب الحرب والنزوح. أجريت الامتحانات وجاهيًا، وبعضها تحت القصف المباشر. يقول عبد الله: 'قُصف مستشفى الوفاء الطبي بينما كان زملاء لنا يقدمون اختبارهم هناك، لكن الله سلّم.'
يصف عبد الله شعوره بأن يصبح طبيبًا في مثل هذه الظروف: 'هو إنجاز كبير شارك فيه كثيرون؛ والدي ووالدتي اللذان لم يبخلا عليَّ بشيء، فجزاهما الله عني خير الجزاء، ثم معلمي الكرام وزملائي.'
ويضيف بابتسامة: 'استقبلت خبر التخرّج بفرحٍ كبير، لأن غرس ست سنوات قد أثمر بفضل الله. احتفلنا بعد آخر اختبار في مستشفى ناصر، وكان احتفالًا بسيطًا لكنه عميق المعنى.'
يخطط عبد الله لإنهاء سنة الامتياز في مستشفيات القطاع، ثم التخصص فيه لخدمة أبناء شعبه: 'علمتني الحرب أن أعمل تحت ضغط هائل دون أن أفقد تركيزي. تعاملنا مع ظروف شبه معدومة، لكنها منحتنا خبرة عملية لا تُقدّر بثمن.'
ويوجه رسالة لزملائه: 'استمروا، فأنتم لستم وحدكم. الطريق صعبة ومظلمة أحيانًا، لكن العلم والرحمة هما سلاحكم الحقيقي.'
ويخاطب العالم: 'نحن لا نطلب الشفقة، بل الفرصة. استثماركم في التعليم الطبي هنا ليس فقط دعمًا للطلاب، بل إنقاذٌ للأرواح. نعدكم أن كل معرفة نتلقاها سنحوّلها إلى نجدةٍ في لحظة ألم.'
طب من الألم
محمود شحادة، من سكان خان يونس والنازح حاليًا في دير البلح وسط القطاع، خريج كلية الطب والجراحة العامة بالجامعة الإسلامية بغزة، تخرّج في الثاني من نوفمبر 2025.
يقول لـ'فلسطين': 'لا يخفى على أحد ما جلبته حرب الإبادة على قطاع غزة، فقد غيّرت حياتي بالكامل، وأورثتنا توترًا وخوفًا دائمين على الأهل والأحباب.'
واجه محمود خلال العامين الماضيين تحديات كبيرة: 'توفير لوازم الدراسة من إنترنت وكهرباء، إضافة إلى تهديدات النزوح المستمرة. في كل مرة ننتقل فيها، نبدأ من جديد لتأمين المستلزمات الدراسية.'
اضطرت الكلية لتأجيل الدراسة نحو ثمانية أشهر، مع تعليقها في مناطق النزوح. يقول: 'لم يكن من السهل التعامل مع هذا الواقع الجديد، لكن لم يكن أمامنا خيار سوى الاستمرار.'
تُجرى الامتحانات أحيانًا في ظروف مأساوية: 'انقطع الإنترنت أثناء امتحان، فاضطررنا لتأجيله. وفي مرة أخرى تعرّضت غرفة مجاورة للقصف أثناء تقديم الامتحان، فأصيب بعض الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية.'
يقول محمود إن الحرب غيّرت نظرته لمهنة الطب: 'وجدت نفسي أُعالج المصابين في المستشفيات رغم أني لم أكن مهيأ لذلك بعد. أدركت حينها أن الطبيب في مناطق الحروب له دور أعظم من الطبيب في الأماكن المستقرة.'
وعندما علم بموعد تخرجه، شعر بفرحٍ ممزوجٍ بالحزن: 'جزء من عائلتي خارج غزة بسبب الحرب، ورفاقي عبد الرحمن أبو شمالة ومعتز شابط كانا من المفترض أن يتخرجا معي، لكن الاحتلال قصف عائلتيهما واستشهدا. رحمهم الله.'
ويضيف: 'خطتي بعد التخرج تعتمد على الوضع الصحي في القطاع، لكني أطمح لخدمة أبناء شعبي في كل الأحوال.'
من الدروس التي علمته الحرب: 'أجبرتني على خوض تجارب لم أكن مستعدًا لها. جعلتني أكثر جرأة، وتعلمت أن المبادرة في مساعدة الناس لا تحتاج إذنًا ولا ترددًا.'
ويستذكر موقفًا إنسانيًا مؤثرًا: 'بعد صلاة الظهر في مسجد البلد القديم بدير البلح، نادت فتاة صغيرة على والدها الذي فقد وعيه. سارعت لإسعافه، وتبيّن أنه يعاني من غيبوبة نقص سكر. أحضرت له سكرًا وماء، وبحمد الله أفاق الرجل. كانت لحظة لا تُنسى، شعرت فيها أنني خُلقت لأكون سببًا في إنقاذ الناس.'
ويختم محمود حديثه برسالة مؤثرة: 'دراسة الطب تحتاج جهدًا وصبرًا طويلًا، فلا تيأسوا إن تعثرتم. التعليم الطبي في غزة مرتبط تمامًا بالقطاع الصحي، ودعمه يعني دعم حياة الناس ذاتها.'
تخرّج دفعة الطب في غزة ليس مجرد مناسبة أكاديمية، بل انتصار للإنسانية في زمن الحرب.
من بين الركام والنزوح، تعلّم هؤلاء الأطباء أن المشرط أحيانًا يصبح أداة مقاومة، وأن المعرفة هي السلاح الذي لا يُهزم. من رحم الدمار، خرج أطباء غزة ليزرعوا الأمل، ولتكون قصصهم درسًا في الصمود ووفاءً للحياة.
المصدر / فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - في قلب غزة، حيث الركام والنزوح والقصف المستمر، خرجت دفعة جديدة من أطباء القطاع. لم يكن حفل التخرّج مجرد مناسبة أكاديمية، بل انتصارًا للحياة على الحرب، وصرخة صمود من شبابٍ أرادوا أن يحافظوا على العلم والإنسانية وسط الأنقاض.
هنا، بين أصوات الطائرات وأضواء الانفجارات، أصبح المشرط أداة مقاومة، ورمزًا للصمود والأمل.
عبد الله المصري، شاب من دير البلح، ينتمي إلى عائلة متوسطة الحال تضم ستة أفراد. تخرّج في كلية الطب البشري بالجامعة الإسلامية بغزة، بعد مسيرة دراسية بدأت في الثانوية العامة بمدرسة المنفلوطي للبنين، حيث حصل على معدل 99.3% في الفرع العلمي.
كان حفل التخرّج مخططًا له في يوليو أو أغسطس 2025، لكن الحرب التي اندلعت عام 2023 حالت دون ذلك، فتأخر حتى الثاني من نوفمبر 2025 في الجامعة الإسلامية بغزة.
تغيّرت حياة عبد الله جذريًا مع الحرب، كما حدث لجميع سكان القطاع. يقول لصحيفة فلسطين: 'عانينا في بداية الحرب من انقطاع الكهرباء والماء، ومن النزوح المتكرر من مناطق شرق دير البلح. فقدنا من عائلتنا خالتي وزوجها وعددًا من أبنائهما. كانت رحلة طويلة خلال السنتين الخامسة والسادسة من الدراسة، حاولت فيها الموازنة بين احتياجات البيت ودراسة الطب، خاصة أن والدي يعاني التهاب المفاصل، فكنت أنوب عنه في كثير من المهام.'
من أبرز التحديات التي واجهها كطالب طب انقطاع الكهرباء في بداية الحرب، والتي تحسّنت قليلًا في منتصفها، لكنها ظلت عائقًا أمام الإنارة وشحن الأجهزة اللوحية المستخدمة في الدراسة.
ويضيف: 'فضلاً عن عدم توفر الورق للطباعة أو طباعة الكتب والمستلزمات الدراسية، وإن وُجد فبسعر مرتفع جدًا. كما واجهنا صعوبة بسبب النزوح المتكرر من شرق دير البلح ومحاولة الاستقرار في كل مرة، ناهيك عن الدوام في المستشفيات الذي كان محفوفًا بالخطر في أي لحظة.'
اضطرت كلية الطب، كباقي كليات الجامعة، إلى تأجيل الدوام مع بداية الحرب، لكنها حرصت على استئنافه بأسرع وقت ممكن، حيث بدأ فعليًا في الأول من يونيو 2024.
يؤكد عبد الله: 'الطب له خصوصية، فلا تُحذف منه الدروس أو المحاضرات، لذلك لم يُحذف أي جزء من المنهاج. كما تبنت الكلية الدوام الوجاهي، خاصة في السنوات السريرية التي لا يمكن تحويلها إلكترونيًا لأنها تتمحور حول التعامل مع المرضى وبيئة المستشفيات. كان لمؤسسة PalMed Europe دور كبير في دعم المسيرة التعليمية على صعيدي الكلية، سواء في سنوات العلوم الأساسية أو السريرية.'
لم تتعطل أي سنة دراسية، بل تأخر البدء فقط بسبب الحرب والنزوح. أجريت الامتحانات وجاهيًا، وبعضها تحت القصف المباشر. يقول عبد الله: 'قُصف مستشفى الوفاء الطبي بينما كان زملاء لنا يقدمون اختبارهم هناك، لكن الله سلّم.'
يصف عبد الله شعوره بأن يصبح طبيبًا في مثل هذه الظروف: 'هو إنجاز كبير شارك فيه كثيرون؛ والدي ووالدتي اللذان لم يبخلا عليَّ بشيء، فجزاهما الله عني خير الجزاء، ثم معلمي الكرام وزملائي.'
ويضيف بابتسامة: 'استقبلت خبر التخرّج بفرحٍ كبير، لأن غرس ست سنوات قد أثمر بفضل الله. احتفلنا بعد آخر اختبار في مستشفى ناصر، وكان احتفالًا بسيطًا لكنه عميق المعنى.'
يخطط عبد الله لإنهاء سنة الامتياز في مستشفيات القطاع، ثم التخصص فيه لخدمة أبناء شعبه: 'علمتني الحرب أن أعمل تحت ضغط هائل دون أن أفقد تركيزي. تعاملنا مع ظروف شبه معدومة، لكنها منحتنا خبرة عملية لا تُقدّر بثمن.'
ويوجه رسالة لزملائه: 'استمروا، فأنتم لستم وحدكم. الطريق صعبة ومظلمة أحيانًا، لكن العلم والرحمة هما سلاحكم الحقيقي.'
ويخاطب العالم: 'نحن لا نطلب الشفقة، بل الفرصة. استثماركم في التعليم الطبي هنا ليس فقط دعمًا للطلاب، بل إنقاذٌ للأرواح. نعدكم أن كل معرفة نتلقاها سنحوّلها إلى نجدةٍ في لحظة ألم.'
طب من الألم
محمود شحادة، من سكان خان يونس والنازح حاليًا في دير البلح وسط القطاع، خريج كلية الطب والجراحة العامة بالجامعة الإسلامية بغزة، تخرّج في الثاني من نوفمبر 2025.
يقول لـ'فلسطين': 'لا يخفى على أحد ما جلبته حرب الإبادة على قطاع غزة، فقد غيّرت حياتي بالكامل، وأورثتنا توترًا وخوفًا دائمين على الأهل والأحباب.'
واجه محمود خلال العامين الماضيين تحديات كبيرة: 'توفير لوازم الدراسة من إنترنت وكهرباء، إضافة إلى تهديدات النزوح المستمرة. في كل مرة ننتقل فيها، نبدأ من جديد لتأمين المستلزمات الدراسية.'
اضطرت الكلية لتأجيل الدراسة نحو ثمانية أشهر، مع تعليقها في مناطق النزوح. يقول: 'لم يكن من السهل التعامل مع هذا الواقع الجديد، لكن لم يكن أمامنا خيار سوى الاستمرار.'
تُجرى الامتحانات أحيانًا في ظروف مأساوية: 'انقطع الإنترنت أثناء امتحان، فاضطررنا لتأجيله. وفي مرة أخرى تعرّضت غرفة مجاورة للقصف أثناء تقديم الامتحان، فأصيب بعض الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية.'
يقول محمود إن الحرب غيّرت نظرته لمهنة الطب: 'وجدت نفسي أُعالج المصابين في المستشفيات رغم أني لم أكن مهيأ لذلك بعد. أدركت حينها أن الطبيب في مناطق الحروب له دور أعظم من الطبيب في الأماكن المستقرة.'
وعندما علم بموعد تخرجه، شعر بفرحٍ ممزوجٍ بالحزن: 'جزء من عائلتي خارج غزة بسبب الحرب، ورفاقي عبد الرحمن أبو شمالة ومعتز شابط كانا من المفترض أن يتخرجا معي، لكن الاحتلال قصف عائلتيهما واستشهدا. رحمهم الله.'
ويضيف: 'خطتي بعد التخرج تعتمد على الوضع الصحي في القطاع، لكني أطمح لخدمة أبناء شعبي في كل الأحوال.'
من الدروس التي علمته الحرب: 'أجبرتني على خوض تجارب لم أكن مستعدًا لها. جعلتني أكثر جرأة، وتعلمت أن المبادرة في مساعدة الناس لا تحتاج إذنًا ولا ترددًا.'
ويستذكر موقفًا إنسانيًا مؤثرًا: 'بعد صلاة الظهر في مسجد البلد القديم بدير البلح، نادت فتاة صغيرة على والدها الذي فقد وعيه. سارعت لإسعافه، وتبيّن أنه يعاني من غيبوبة نقص سكر. أحضرت له سكرًا وماء، وبحمد الله أفاق الرجل. كانت لحظة لا تُنسى، شعرت فيها أنني خُلقت لأكون سببًا في إنقاذ الناس.'
ويختم محمود حديثه برسالة مؤثرة: 'دراسة الطب تحتاج جهدًا وصبرًا طويلًا، فلا تيأسوا إن تعثرتم. التعليم الطبي في غزة مرتبط تمامًا بالقطاع الصحي، ودعمه يعني دعم حياة الناس ذاتها.'
تخرّج دفعة الطب في غزة ليس مجرد مناسبة أكاديمية، بل انتصار للإنسانية في زمن الحرب.
من بين الركام والنزوح، تعلّم هؤلاء الأطباء أن المشرط أحيانًا يصبح أداة مقاومة، وأن المعرفة هي السلاح الذي لا يُهزم. من رحم الدمار، خرج أطباء غزة ليزرعوا الأمل، ولتكون قصصهم درسًا في الصمود ووفاءً للحياة.
المصدر / فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - في قلب غزة، حيث الركام والنزوح والقصف المستمر، خرجت دفعة جديدة من أطباء القطاع. لم يكن حفل التخرّج مجرد مناسبة أكاديمية، بل انتصارًا للحياة على الحرب، وصرخة صمود من شبابٍ أرادوا أن يحافظوا على العلم والإنسانية وسط الأنقاض.
هنا، بين أصوات الطائرات وأضواء الانفجارات، أصبح المشرط أداة مقاومة، ورمزًا للصمود والأمل.
عبد الله المصري، شاب من دير البلح، ينتمي إلى عائلة متوسطة الحال تضم ستة أفراد. تخرّج في كلية الطب البشري بالجامعة الإسلامية بغزة، بعد مسيرة دراسية بدأت في الثانوية العامة بمدرسة المنفلوطي للبنين، حيث حصل على معدل 99.3% في الفرع العلمي.
كان حفل التخرّج مخططًا له في يوليو أو أغسطس 2025، لكن الحرب التي اندلعت عام 2023 حالت دون ذلك، فتأخر حتى الثاني من نوفمبر 2025 في الجامعة الإسلامية بغزة.
تغيّرت حياة عبد الله جذريًا مع الحرب، كما حدث لجميع سكان القطاع. يقول لصحيفة فلسطين: 'عانينا في بداية الحرب من انقطاع الكهرباء والماء، ومن النزوح المتكرر من مناطق شرق دير البلح. فقدنا من عائلتنا خالتي وزوجها وعددًا من أبنائهما. كانت رحلة طويلة خلال السنتين الخامسة والسادسة من الدراسة، حاولت فيها الموازنة بين احتياجات البيت ودراسة الطب، خاصة أن والدي يعاني التهاب المفاصل، فكنت أنوب عنه في كثير من المهام.'
من أبرز التحديات التي واجهها كطالب طب انقطاع الكهرباء في بداية الحرب، والتي تحسّنت قليلًا في منتصفها، لكنها ظلت عائقًا أمام الإنارة وشحن الأجهزة اللوحية المستخدمة في الدراسة.
ويضيف: 'فضلاً عن عدم توفر الورق للطباعة أو طباعة الكتب والمستلزمات الدراسية، وإن وُجد فبسعر مرتفع جدًا. كما واجهنا صعوبة بسبب النزوح المتكرر من شرق دير البلح ومحاولة الاستقرار في كل مرة، ناهيك عن الدوام في المستشفيات الذي كان محفوفًا بالخطر في أي لحظة.'
اضطرت كلية الطب، كباقي كليات الجامعة، إلى تأجيل الدوام مع بداية الحرب، لكنها حرصت على استئنافه بأسرع وقت ممكن، حيث بدأ فعليًا في الأول من يونيو 2024.
يؤكد عبد الله: 'الطب له خصوصية، فلا تُحذف منه الدروس أو المحاضرات، لذلك لم يُحذف أي جزء من المنهاج. كما تبنت الكلية الدوام الوجاهي، خاصة في السنوات السريرية التي لا يمكن تحويلها إلكترونيًا لأنها تتمحور حول التعامل مع المرضى وبيئة المستشفيات. كان لمؤسسة PalMed Europe دور كبير في دعم المسيرة التعليمية على صعيدي الكلية، سواء في سنوات العلوم الأساسية أو السريرية.'
لم تتعطل أي سنة دراسية، بل تأخر البدء فقط بسبب الحرب والنزوح. أجريت الامتحانات وجاهيًا، وبعضها تحت القصف المباشر. يقول عبد الله: 'قُصف مستشفى الوفاء الطبي بينما كان زملاء لنا يقدمون اختبارهم هناك، لكن الله سلّم.'
يصف عبد الله شعوره بأن يصبح طبيبًا في مثل هذه الظروف: 'هو إنجاز كبير شارك فيه كثيرون؛ والدي ووالدتي اللذان لم يبخلا عليَّ بشيء، فجزاهما الله عني خير الجزاء، ثم معلمي الكرام وزملائي.'
ويضيف بابتسامة: 'استقبلت خبر التخرّج بفرحٍ كبير، لأن غرس ست سنوات قد أثمر بفضل الله. احتفلنا بعد آخر اختبار في مستشفى ناصر، وكان احتفالًا بسيطًا لكنه عميق المعنى.'
يخطط عبد الله لإنهاء سنة الامتياز في مستشفيات القطاع، ثم التخصص فيه لخدمة أبناء شعبه: 'علمتني الحرب أن أعمل تحت ضغط هائل دون أن أفقد تركيزي. تعاملنا مع ظروف شبه معدومة، لكنها منحتنا خبرة عملية لا تُقدّر بثمن.'
ويوجه رسالة لزملائه: 'استمروا، فأنتم لستم وحدكم. الطريق صعبة ومظلمة أحيانًا، لكن العلم والرحمة هما سلاحكم الحقيقي.'
ويخاطب العالم: 'نحن لا نطلب الشفقة، بل الفرصة. استثماركم في التعليم الطبي هنا ليس فقط دعمًا للطلاب، بل إنقاذٌ للأرواح. نعدكم أن كل معرفة نتلقاها سنحوّلها إلى نجدةٍ في لحظة ألم.'
طب من الألم
محمود شحادة، من سكان خان يونس والنازح حاليًا في دير البلح وسط القطاع، خريج كلية الطب والجراحة العامة بالجامعة الإسلامية بغزة، تخرّج في الثاني من نوفمبر 2025.
يقول لـ'فلسطين': 'لا يخفى على أحد ما جلبته حرب الإبادة على قطاع غزة، فقد غيّرت حياتي بالكامل، وأورثتنا توترًا وخوفًا دائمين على الأهل والأحباب.'
واجه محمود خلال العامين الماضيين تحديات كبيرة: 'توفير لوازم الدراسة من إنترنت وكهرباء، إضافة إلى تهديدات النزوح المستمرة. في كل مرة ننتقل فيها، نبدأ من جديد لتأمين المستلزمات الدراسية.'
اضطرت الكلية لتأجيل الدراسة نحو ثمانية أشهر، مع تعليقها في مناطق النزوح. يقول: 'لم يكن من السهل التعامل مع هذا الواقع الجديد، لكن لم يكن أمامنا خيار سوى الاستمرار.'
تُجرى الامتحانات أحيانًا في ظروف مأساوية: 'انقطع الإنترنت أثناء امتحان، فاضطررنا لتأجيله. وفي مرة أخرى تعرّضت غرفة مجاورة للقصف أثناء تقديم الامتحان، فأصيب بعض الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية.'
يقول محمود إن الحرب غيّرت نظرته لمهنة الطب: 'وجدت نفسي أُعالج المصابين في المستشفيات رغم أني لم أكن مهيأ لذلك بعد. أدركت حينها أن الطبيب في مناطق الحروب له دور أعظم من الطبيب في الأماكن المستقرة.'
وعندما علم بموعد تخرجه، شعر بفرحٍ ممزوجٍ بالحزن: 'جزء من عائلتي خارج غزة بسبب الحرب، ورفاقي عبد الرحمن أبو شمالة ومعتز شابط كانا من المفترض أن يتخرجا معي، لكن الاحتلال قصف عائلتيهما واستشهدا. رحمهم الله.'
ويضيف: 'خطتي بعد التخرج تعتمد على الوضع الصحي في القطاع، لكني أطمح لخدمة أبناء شعبي في كل الأحوال.'
من الدروس التي علمته الحرب: 'أجبرتني على خوض تجارب لم أكن مستعدًا لها. جعلتني أكثر جرأة، وتعلمت أن المبادرة في مساعدة الناس لا تحتاج إذنًا ولا ترددًا.'
ويستذكر موقفًا إنسانيًا مؤثرًا: 'بعد صلاة الظهر في مسجد البلد القديم بدير البلح، نادت فتاة صغيرة على والدها الذي فقد وعيه. سارعت لإسعافه، وتبيّن أنه يعاني من غيبوبة نقص سكر. أحضرت له سكرًا وماء، وبحمد الله أفاق الرجل. كانت لحظة لا تُنسى، شعرت فيها أنني خُلقت لأكون سببًا في إنقاذ الناس.'
ويختم محمود حديثه برسالة مؤثرة: 'دراسة الطب تحتاج جهدًا وصبرًا طويلًا، فلا تيأسوا إن تعثرتم. التعليم الطبي في غزة مرتبط تمامًا بالقطاع الصحي، ودعمه يعني دعم حياة الناس ذاتها.'
تخرّج دفعة الطب في غزة ليس مجرد مناسبة أكاديمية، بل انتصار للإنسانية في زمن الحرب.
من بين الركام والنزوح، تعلّم هؤلاء الأطباء أن المشرط أحيانًا يصبح أداة مقاومة، وأن المعرفة هي السلاح الذي لا يُهزم. من رحم الدمار، خرج أطباء غزة ليزرعوا الأمل، ولتكون قصصهم درسًا في الصمود ووفاءً للحياة.
المصدر / فلسطين أون لاين
التعليقات