أخبار اليوم – عواد الفالح - في سجالات السياسة العربية يتكرر مشهد لافت: كلما اشتدت الهجمة الغربية، والأميركية تحديدًا، على الحركات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، يخرج في الداخل العربي من يصفق لهذه النظرية، ويعيد إنتاجها بمفردات محلية، وكأن معركته الأولى ليست مع الفقر أو الفساد أو العجز، بل مع تيار سياسي بعينه. هذا الانحياز إلى نظرية ترامب ومن شابهه تجاه الإخوان، يفتح بابًا واسعًا للأسئلة: هل هو خلاف فكري حقيقي؟ أم تموضع سياسي؟ أم خوف من الإسلام نفسه حين يتحول إلى مشروع عام لا يكتفي بالوعظ من فوق المنبر؟
في المقابل، هناك من يحمل على الإخوان من زاوية مختلفة؛ زاوية الأخطاء والتجارب التي لم تنجح، ومن خيبة الربيع العربي إلى شعور قطاعات واسعة بأن الإسلاميين لم يقدموا نموذجًا مختلفًا جذريًا حين اقتربوا من السلطة. هذا التيار يرى أن الإخوان أسهموا – عن قصد أو عن جهل – في تعميق الاستقطاب، وأن خطابهم لم ينجح في طمأنة بقية مكونات المجتمع. أصحاب هذا الرأي لا يبرؤون الآخرين ولا الخارج، لكنهم يعتبرون أن جزءًا من أزمة الحركات الإسلامية صنعته تلك الحركات بأدائها، لا بتآمر العالم عليها وحده.
إلا أن ما يلفت الانتباه في النقاش الدائر ليس نقد الإخوان بوصفهم فاعلًا سياسيًا يمكن نقده والاختلاف معه، فهذا طبيعي وصحي، بل في الطريقة التي يجري فيها تبني لغة تشبه لغة ترامب والنتن وغيرهما؛ لغة تقسّم الناس إلى معسكر “معتدل” مقبول دوليًا، وآخر “متطرف” يجب حصاره وتجفيف منابعه، وكأن معيار القبول هو شهادة حسن سلوك من عواصم القرار في العالم، لا شهادة كفاءة من صندوق الاقتراع أو ميزان النزاهة والالتزام بالقانون. هنا يتحول جزء من النخبة إلى صدى لصوت الخارج، بدل أن يكون حارسًا لكرامة الداخل.
اللافت أيضًا أن كثيرًا ممن يهاجمون الإخوان من هذا المنطلق يواجهون سؤالًا مباشرًا يتكرر على ألسنة الناس: ماذا قدمتم أنتم للدولة حتى تحاسبوا غيركم بهذه الحدة؟ إذا كانت الحركات الإسلامية متهمة بأنها لم تقدّم ما يكفي، فهل قدّمت باقي الأحزاب والتيارات نموذجًا أفضل في التنمية ومحاربة الفساد وحماية المال العام؟ هذا السؤال يعكس شعورًا عميقًا بعدم الإنصاف، ورفضًا لفكرة أن الإدانة تُوجّه لطرف واحد فيما تُمنح حصانة سياسية وأخلاقية لآخرين لم يكونوا يومًا أنظف سجلًا أو أصدق خطابًا.
وفي الخلفية، يقف عامل ديني وأخلاقي لا يمكن تجاهله؛ فحين يُستدعى اسم ترامب والنتن في المقارنة، لا يعود النقاش سياسيًا صرفًا، بل يأخذ بعدًا عقديًا وأخلاقيًا. جزء كبير من الناس لا يقبل أن يُقدَّم “الآخر” المعادي للأمة، الداعم للا حـتـ.ـلا ل والعدوان، بوصفه شريكًا في رسم معسكر “الخير والشر” داخل مجتمعاتنا. هنا يتحول الهجوم على الإخوان بصيغة متماهية مع الخطاب الخارجي إلى مسٍّ بمشاعر دينية ووطنية، وإلى شعور بأن هناك من يطلب من الناس أن يصطفوا مع من يحاصر غزة ويغطي الدم الفلسطيني، ضد جماعة – مهما اختلفنا معها – لم تُسجّل عليها خيانة وطن أو تواطؤ مع عدو.
في المحصلة، ليس المطلوب أن يتحول الجميع إلى “إخوان”، ولا أن تتحول الحركات الإسلامية إلى خطوط حمراء لا تُمسّ. المطلوب أن يكون ميزان النقد من داخل مصلحة الوطن، لا من خارج أجندات الآخرين، وأن تُناقَش تجربة الإخوان كما تُناقَش كل التجارب السياسية، بميزان واحد ومعايير واحدة: ماذا قدّم هذا الطرف في محاربة الفساد؟ ماذا فعل ذاك في حماية كرامة المواطن؟ من دافع عن القضية الفلسطينية قولًا وفعلًا؟ ومن تَورّط في إضعافها أو تصفيتها؟
يبقى السؤال المفتوح: هل نملك شجاعة أن نفصل خلافنا مع الإخوان أو غيرهم عن رِضى ترامب وغضب ترامب، وأن نعيد تعريف “المصلحة الوطنية” بعيدًا عن مقاييس من لا يرون في هذه المنطقة إلا خزانًا للغاز والنفط والصفقات؟ أم أننا سنستمر في استيراد نظريات جاهزة، ثم نكتشف متأخرين أننا كنا نؤدي دور الكومبارس في معركة لا تخدم إلا خصومنا؟
أخبار اليوم – عواد الفالح - في سجالات السياسة العربية يتكرر مشهد لافت: كلما اشتدت الهجمة الغربية، والأميركية تحديدًا، على الحركات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، يخرج في الداخل العربي من يصفق لهذه النظرية، ويعيد إنتاجها بمفردات محلية، وكأن معركته الأولى ليست مع الفقر أو الفساد أو العجز، بل مع تيار سياسي بعينه. هذا الانحياز إلى نظرية ترامب ومن شابهه تجاه الإخوان، يفتح بابًا واسعًا للأسئلة: هل هو خلاف فكري حقيقي؟ أم تموضع سياسي؟ أم خوف من الإسلام نفسه حين يتحول إلى مشروع عام لا يكتفي بالوعظ من فوق المنبر؟
في المقابل، هناك من يحمل على الإخوان من زاوية مختلفة؛ زاوية الأخطاء والتجارب التي لم تنجح، ومن خيبة الربيع العربي إلى شعور قطاعات واسعة بأن الإسلاميين لم يقدموا نموذجًا مختلفًا جذريًا حين اقتربوا من السلطة. هذا التيار يرى أن الإخوان أسهموا – عن قصد أو عن جهل – في تعميق الاستقطاب، وأن خطابهم لم ينجح في طمأنة بقية مكونات المجتمع. أصحاب هذا الرأي لا يبرؤون الآخرين ولا الخارج، لكنهم يعتبرون أن جزءًا من أزمة الحركات الإسلامية صنعته تلك الحركات بأدائها، لا بتآمر العالم عليها وحده.
إلا أن ما يلفت الانتباه في النقاش الدائر ليس نقد الإخوان بوصفهم فاعلًا سياسيًا يمكن نقده والاختلاف معه، فهذا طبيعي وصحي، بل في الطريقة التي يجري فيها تبني لغة تشبه لغة ترامب والنتن وغيرهما؛ لغة تقسّم الناس إلى معسكر “معتدل” مقبول دوليًا، وآخر “متطرف” يجب حصاره وتجفيف منابعه، وكأن معيار القبول هو شهادة حسن سلوك من عواصم القرار في العالم، لا شهادة كفاءة من صندوق الاقتراع أو ميزان النزاهة والالتزام بالقانون. هنا يتحول جزء من النخبة إلى صدى لصوت الخارج، بدل أن يكون حارسًا لكرامة الداخل.
اللافت أيضًا أن كثيرًا ممن يهاجمون الإخوان من هذا المنطلق يواجهون سؤالًا مباشرًا يتكرر على ألسنة الناس: ماذا قدمتم أنتم للدولة حتى تحاسبوا غيركم بهذه الحدة؟ إذا كانت الحركات الإسلامية متهمة بأنها لم تقدّم ما يكفي، فهل قدّمت باقي الأحزاب والتيارات نموذجًا أفضل في التنمية ومحاربة الفساد وحماية المال العام؟ هذا السؤال يعكس شعورًا عميقًا بعدم الإنصاف، ورفضًا لفكرة أن الإدانة تُوجّه لطرف واحد فيما تُمنح حصانة سياسية وأخلاقية لآخرين لم يكونوا يومًا أنظف سجلًا أو أصدق خطابًا.
وفي الخلفية، يقف عامل ديني وأخلاقي لا يمكن تجاهله؛ فحين يُستدعى اسم ترامب والنتن في المقارنة، لا يعود النقاش سياسيًا صرفًا، بل يأخذ بعدًا عقديًا وأخلاقيًا. جزء كبير من الناس لا يقبل أن يُقدَّم “الآخر” المعادي للأمة، الداعم للا حـتـ.ـلا ل والعدوان، بوصفه شريكًا في رسم معسكر “الخير والشر” داخل مجتمعاتنا. هنا يتحول الهجوم على الإخوان بصيغة متماهية مع الخطاب الخارجي إلى مسٍّ بمشاعر دينية ووطنية، وإلى شعور بأن هناك من يطلب من الناس أن يصطفوا مع من يحاصر غزة ويغطي الدم الفلسطيني، ضد جماعة – مهما اختلفنا معها – لم تُسجّل عليها خيانة وطن أو تواطؤ مع عدو.
في المحصلة، ليس المطلوب أن يتحول الجميع إلى “إخوان”، ولا أن تتحول الحركات الإسلامية إلى خطوط حمراء لا تُمسّ. المطلوب أن يكون ميزان النقد من داخل مصلحة الوطن، لا من خارج أجندات الآخرين، وأن تُناقَش تجربة الإخوان كما تُناقَش كل التجارب السياسية، بميزان واحد ومعايير واحدة: ماذا قدّم هذا الطرف في محاربة الفساد؟ ماذا فعل ذاك في حماية كرامة المواطن؟ من دافع عن القضية الفلسطينية قولًا وفعلًا؟ ومن تَورّط في إضعافها أو تصفيتها؟
يبقى السؤال المفتوح: هل نملك شجاعة أن نفصل خلافنا مع الإخوان أو غيرهم عن رِضى ترامب وغضب ترامب، وأن نعيد تعريف “المصلحة الوطنية” بعيدًا عن مقاييس من لا يرون في هذه المنطقة إلا خزانًا للغاز والنفط والصفقات؟ أم أننا سنستمر في استيراد نظريات جاهزة، ثم نكتشف متأخرين أننا كنا نؤدي دور الكومبارس في معركة لا تخدم إلا خصومنا؟
أخبار اليوم – عواد الفالح - في سجالات السياسة العربية يتكرر مشهد لافت: كلما اشتدت الهجمة الغربية، والأميركية تحديدًا، على الحركات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، يخرج في الداخل العربي من يصفق لهذه النظرية، ويعيد إنتاجها بمفردات محلية، وكأن معركته الأولى ليست مع الفقر أو الفساد أو العجز، بل مع تيار سياسي بعينه. هذا الانحياز إلى نظرية ترامب ومن شابهه تجاه الإخوان، يفتح بابًا واسعًا للأسئلة: هل هو خلاف فكري حقيقي؟ أم تموضع سياسي؟ أم خوف من الإسلام نفسه حين يتحول إلى مشروع عام لا يكتفي بالوعظ من فوق المنبر؟
في المقابل، هناك من يحمل على الإخوان من زاوية مختلفة؛ زاوية الأخطاء والتجارب التي لم تنجح، ومن خيبة الربيع العربي إلى شعور قطاعات واسعة بأن الإسلاميين لم يقدموا نموذجًا مختلفًا جذريًا حين اقتربوا من السلطة. هذا التيار يرى أن الإخوان أسهموا – عن قصد أو عن جهل – في تعميق الاستقطاب، وأن خطابهم لم ينجح في طمأنة بقية مكونات المجتمع. أصحاب هذا الرأي لا يبرؤون الآخرين ولا الخارج، لكنهم يعتبرون أن جزءًا من أزمة الحركات الإسلامية صنعته تلك الحركات بأدائها، لا بتآمر العالم عليها وحده.
إلا أن ما يلفت الانتباه في النقاش الدائر ليس نقد الإخوان بوصفهم فاعلًا سياسيًا يمكن نقده والاختلاف معه، فهذا طبيعي وصحي، بل في الطريقة التي يجري فيها تبني لغة تشبه لغة ترامب والنتن وغيرهما؛ لغة تقسّم الناس إلى معسكر “معتدل” مقبول دوليًا، وآخر “متطرف” يجب حصاره وتجفيف منابعه، وكأن معيار القبول هو شهادة حسن سلوك من عواصم القرار في العالم، لا شهادة كفاءة من صندوق الاقتراع أو ميزان النزاهة والالتزام بالقانون. هنا يتحول جزء من النخبة إلى صدى لصوت الخارج، بدل أن يكون حارسًا لكرامة الداخل.
اللافت أيضًا أن كثيرًا ممن يهاجمون الإخوان من هذا المنطلق يواجهون سؤالًا مباشرًا يتكرر على ألسنة الناس: ماذا قدمتم أنتم للدولة حتى تحاسبوا غيركم بهذه الحدة؟ إذا كانت الحركات الإسلامية متهمة بأنها لم تقدّم ما يكفي، فهل قدّمت باقي الأحزاب والتيارات نموذجًا أفضل في التنمية ومحاربة الفساد وحماية المال العام؟ هذا السؤال يعكس شعورًا عميقًا بعدم الإنصاف، ورفضًا لفكرة أن الإدانة تُوجّه لطرف واحد فيما تُمنح حصانة سياسية وأخلاقية لآخرين لم يكونوا يومًا أنظف سجلًا أو أصدق خطابًا.
وفي الخلفية، يقف عامل ديني وأخلاقي لا يمكن تجاهله؛ فحين يُستدعى اسم ترامب والنتن في المقارنة، لا يعود النقاش سياسيًا صرفًا، بل يأخذ بعدًا عقديًا وأخلاقيًا. جزء كبير من الناس لا يقبل أن يُقدَّم “الآخر” المعادي للأمة، الداعم للا حـتـ.ـلا ل والعدوان، بوصفه شريكًا في رسم معسكر “الخير والشر” داخل مجتمعاتنا. هنا يتحول الهجوم على الإخوان بصيغة متماهية مع الخطاب الخارجي إلى مسٍّ بمشاعر دينية ووطنية، وإلى شعور بأن هناك من يطلب من الناس أن يصطفوا مع من يحاصر غزة ويغطي الدم الفلسطيني، ضد جماعة – مهما اختلفنا معها – لم تُسجّل عليها خيانة وطن أو تواطؤ مع عدو.
في المحصلة، ليس المطلوب أن يتحول الجميع إلى “إخوان”، ولا أن تتحول الحركات الإسلامية إلى خطوط حمراء لا تُمسّ. المطلوب أن يكون ميزان النقد من داخل مصلحة الوطن، لا من خارج أجندات الآخرين، وأن تُناقَش تجربة الإخوان كما تُناقَش كل التجارب السياسية، بميزان واحد ومعايير واحدة: ماذا قدّم هذا الطرف في محاربة الفساد؟ ماذا فعل ذاك في حماية كرامة المواطن؟ من دافع عن القضية الفلسطينية قولًا وفعلًا؟ ومن تَورّط في إضعافها أو تصفيتها؟
يبقى السؤال المفتوح: هل نملك شجاعة أن نفصل خلافنا مع الإخوان أو غيرهم عن رِضى ترامب وغضب ترامب، وأن نعيد تعريف “المصلحة الوطنية” بعيدًا عن مقاييس من لا يرون في هذه المنطقة إلا خزانًا للغاز والنفط والصفقات؟ أم أننا سنستمر في استيراد نظريات جاهزة، ثم نكتشف متأخرين أننا كنا نؤدي دور الكومبارس في معركة لا تخدم إلا خصومنا؟
التعليقات