أخبار اليوم - في المفقرة، وهي قرية في مسافر يطا جنوب الخليل، يبدو الليل مختلفا، إذ بدلًا من الراحة والنوم، يتسم باليقظة والقلق لدى رجال القرية الذين يحرسونها من هجمات المستوطنين الإسرائيليين القادمين من البؤر الاستيطانية غير القانونية القريبة.
وعندما تغرب الشمس، تبدأ نوبتهم فيتجمعون على تل مرتفع يطل على القرية، ويجلسون محاطين بإطارات سيارات قديمة مكدسة لتشكل جدارا يحميهم من الرياح الباردة. وحسب تنظيمهم، لكل شخص مهمة، فبعضهم يحمل المشاعل وآخرون يجهزون العشاء، ورجل واحد يعد شاي الميرمية، الذي يبقى على النار يغلي دائما، مانحا إياهم الدفء والطاقة خلال الليل الطويل البارد.
يخترق ضحكهم الظلام، لكنه لا يستطيع إخفاء الخوف الذي يخيم على المكان، يقول أحدهم 'مهمتنا ليست سهلة، لكنها ليست مستحيلة أيضا'، ويضيف 'الليل لنا، ما دمنا نقوم بالحراسة'.
لجنة حراس الليل
تضم المفقرة نحو 23 عائلة، يبلغ عدد أفرادها 220 شخصا، بينهم 50 طفلا، ويعتمد سكانها على الرعي والزراعة وتربية المواشي. لكن هذا النمط البسيط من الحياة يواجه اعتداءات يومية من المستوطنين والسلطات الإسرائيلية، التي هدمت منازلهم مرارا، ودمرت أراضيهم الزراعية، وأحرقت مساكنهم، حتى إنها لجأت للقتل.
وكان آخر الضحايا هنا رمزا للمقاومة، وهو عودة الهذالين الذي أطلق عليه مستوطن إسرائيلي الرصاص، كما أُصيب آخرون بجروح، وفقد بعضهم أطرافه في اعتداءات أخرى.
هذا الخطر المتواصل دفع أهالي القرية إلى اتخاذ قرار بتأسيس 'لجنة حراس الجبل'، وهي مجموعة تضم نحو 30 شابا يقضون الليل على التل المطل على المستوطنات والقرية، ويتناوبون الحراسة من الغروب حتى الشروق. ويعود الاسم إلى موقعهم المرتفع المشرف على القرية والمستوطنات، حيث يراقبون التحركات الليلية وينبهون الأهالي.
هناك فريق للرصد والاستطلاع، وآخر لإدارة الأضواء وأجهزة الإنذار، وفريق يتولى إطعام الجميع وإعداد المشروبات الساخنة، إضافة إلى فريق دعم، يسانده بعض كبار السن الذين يمرون حاملين القهوة أو بذور دوار الشمس للحراس، وهي أشياء ترمز للتضامن والصمود بقدر ما هي وجبات خفيفة.
حميدة علي حمامدة أم (51 عاما) لديها 9 أبناء تتراوح أعمارهم بين مفيد (33 عاما) وبيان (20 عاما)، وهي تعيش مع زوجها قاسم حمامدة (53 عاما) في أحد بيوت القرية المبنية بالطين. تقول وهي تنظر من نافذتها إلى التلال، 'كانت الحياة في المفقرة حلوة وبسيطة، كنا نعيش بأمان وكانت الأغنام ترعى بحرية، إلى أن جاء الخوف'.
وأوضحت أن الحياة تغيرت منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، متحدثة عن اقتحام المستوطنين الإسرائيليين للمنازل يحملون الحجارة والشتائم، ويهددون السكان بالموت والتهجير، ويطلقون أغنامهم في الأراضي الفلسطينية لتدمير المحاصيل والأشجار، التي لا يستطيع كثير من أصحابها الوصول إليها.
مسؤولية مشتركة
وتروي حمامدة حادثة اقترب فيها 4 مستوطنين من منزلهم بعد الاستيلاء على كهف قريب وطرد العائلة التي كانت تعيش فيه، وتوضح 'قالوا لزوجي عليك أن ترحل من هنا. هذه ليست أرضا فلسطينية'. وأضافت 'الحياة فقدت معناها.. كل شيء أصبح مشقة، بلا راحة ولا أمان'، وتقول إنها تحلم بانتهاء الخطر الذي تفرضه المستوطنات، وبأن يعيش أحفادها بأمان، يذهبون إلى المدرسة من دون خوف.
وتشير إلى إن عائلات القرية لجأت إلى إجراءات حماية بسيطة لمنازلها، مثل وضع الأسلاك الشائكة على النوافذ، وتربية الكلاب في الساحات لتنبح عند اقتراب الخطر. لكنها تتابع 'لولا لجان الحراسة لما أغمضنا أعيننا. إنهم خط دفاعنا الأول'.
تقوم حمامدة بدورها في حماية القرية، وكل ليلة تطلب من امرأة فيها أن تعد الحلويات المنزلية والكعك وغيره من المأكولات، وترسل بعضها إلى الشبان الحراس في التلال. وتقول 'هم يحموننا، ونحن نرسل لهم الحلويات. على الأقل نتشارك شيئا بسيطا يخفف عنهم العبء'.
حفيدتها أصالة (11 عاما) ابنة مفيد وقد نشأت وسط خوف يفوق ما عرفته من لعب، تشير إلى حفرة في الأرض موضحة 'عندما يهاجم المستوطنون القرية، نركض إلى هنا.. إلى الكهف'، واصفة إياه بأنه ملجؤهم تحت الأرض، والمكان الذي تختبئ فيه مع إخوتها الصغار بعيدا عن النوافذ والأبواب. وتضيف 'في كوابيسي أراهم يهاجموننا.. أتمنى أن أعيش طفولتي وأذهب إلى المدرسة من دون خوف'.
وعلى أطراف المفقرة، يقف قاسم حمامدة متأملا المستوطنات الجديدة التي تزحف على الأفق المحيط بقريته. قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كانت مستوطنتا أفغيل وحافات معون تطوقانها. أما اليوم، فإن التوسع الاستيطاني بات واضحا ومؤلما مع إقامة 5 بؤر استيطانية جديدة حول القرية، غير قانونية حتى بموجب القانون الإسرائيلي.
يروي قاسم القصة نفسها التي روتها زوجته، 'جاؤوا بعد أن استولوا على كهف قرب بيتي وهددوني بإخراجي بالقوة. قلت لهم تريدونني أن أرحل هكذا، كيف؟ هذه أرضي، ورثتها عن أبي وجدي.. لن أتركها، سأموت هنا'. ويضيف أن لجنة الحماية حسنت الأوضاع، 'أشعر بقدر من الأمان. كبار السن والنساء ينامون بطمأنينة نسبية، لكننا نحتاج إلى خيمة تحمي الشباب من برد الشتاء'.
التمسك بالأرض
يتلألأ ضوء المشعل في يد معاذ الحمامدة (32 عاما)، وهو مزارع وأب لثلاثة أطفال، وأحد أبرز أعضاء لجنة الحماية. يقول وعيناه تتنقلان بين التلال من حوله 'نحرس طوال الليل لأن الهجوم وأنت نائم أخطر بكثير وأنت مستيقظ'. ويقدّر أن وجود حراس الجبل خفض الهجمات بأكثر من 80%، لأن المستوطنين لم يعودوا يجدون القرية بلا حراسة.
وعندما يقع هجوم، تتحرك اللجنة بسرعة. تسارع مجموعة إلى نقل الأطفال والنساء إلى الكهوف تحت الأرض، وتتوجه أخرى إلى حظائر الأغنام لحماية مواشي القرية، في حين تواجه مجموعة ثالثة المستوطنين إلى أن تصل تعزيزات. ويوضح معاذ 'كلنا نعرف أن المستوطن لا يرحم، لكن الفلسطيني لن يتخلى عن أرضه. حتى الأطفال هنا يعرفون أن الأرض هي الحياة'.
قرب موقع الحراسة، يجثو جلال العمور (47 عاما) قرب النار، وهو يحرك قدرا كبيرة تفوح منها رائحة أكباد الدجاج التي أعدها، ويقول إن المكان الذي يطبخ فيه كان منزله، مشيرا إلى كهف قريب تعلو فوهته نجمة داود، ويرفرف فوقه علم إسرائيلي.
ويكمل 'ولدت في هذا الكهف وعشت فيه مع أبي وجدي إلى أن جاء المستوطنون، فهجرونا قسرا ودمروا كل شيء، وعندما اشتكينا للشرطة، قالوا إنها منطقة عسكرية مغلقة'. يطبخ العمور للحراس كل ليلة، ويقول 'كل يوم نختار طبقا مختلفا، محاولين إبقاء المكان دافئا. النار والدخان هما كل ما تبقى من رائحة البيت'.
ومع اقتراب الفجر، تخفت الأضواء فوق التلال، وتبتسم الوجوه المتعبة عند رؤية أول خيوط الصباح. ويعود الشبان إلى بيوتهم، بعضهم إلى أغنامه، وآخرون إلى قسط قصير من النوم قبل يوم جديد. وبين طلوع القمر وشروق الشمس، يكون حراس الجبل قد أدوا واجبهم، ساهرين طوال الليل لحماية قرية تريد أن تبقى على أرضها.
الجزيرة
أخبار اليوم - في المفقرة، وهي قرية في مسافر يطا جنوب الخليل، يبدو الليل مختلفا، إذ بدلًا من الراحة والنوم، يتسم باليقظة والقلق لدى رجال القرية الذين يحرسونها من هجمات المستوطنين الإسرائيليين القادمين من البؤر الاستيطانية غير القانونية القريبة.
وعندما تغرب الشمس، تبدأ نوبتهم فيتجمعون على تل مرتفع يطل على القرية، ويجلسون محاطين بإطارات سيارات قديمة مكدسة لتشكل جدارا يحميهم من الرياح الباردة. وحسب تنظيمهم، لكل شخص مهمة، فبعضهم يحمل المشاعل وآخرون يجهزون العشاء، ورجل واحد يعد شاي الميرمية، الذي يبقى على النار يغلي دائما، مانحا إياهم الدفء والطاقة خلال الليل الطويل البارد.
يخترق ضحكهم الظلام، لكنه لا يستطيع إخفاء الخوف الذي يخيم على المكان، يقول أحدهم 'مهمتنا ليست سهلة، لكنها ليست مستحيلة أيضا'، ويضيف 'الليل لنا، ما دمنا نقوم بالحراسة'.
لجنة حراس الليل
تضم المفقرة نحو 23 عائلة، يبلغ عدد أفرادها 220 شخصا، بينهم 50 طفلا، ويعتمد سكانها على الرعي والزراعة وتربية المواشي. لكن هذا النمط البسيط من الحياة يواجه اعتداءات يومية من المستوطنين والسلطات الإسرائيلية، التي هدمت منازلهم مرارا، ودمرت أراضيهم الزراعية، وأحرقت مساكنهم، حتى إنها لجأت للقتل.
وكان آخر الضحايا هنا رمزا للمقاومة، وهو عودة الهذالين الذي أطلق عليه مستوطن إسرائيلي الرصاص، كما أُصيب آخرون بجروح، وفقد بعضهم أطرافه في اعتداءات أخرى.
هذا الخطر المتواصل دفع أهالي القرية إلى اتخاذ قرار بتأسيس 'لجنة حراس الجبل'، وهي مجموعة تضم نحو 30 شابا يقضون الليل على التل المطل على المستوطنات والقرية، ويتناوبون الحراسة من الغروب حتى الشروق. ويعود الاسم إلى موقعهم المرتفع المشرف على القرية والمستوطنات، حيث يراقبون التحركات الليلية وينبهون الأهالي.
هناك فريق للرصد والاستطلاع، وآخر لإدارة الأضواء وأجهزة الإنذار، وفريق يتولى إطعام الجميع وإعداد المشروبات الساخنة، إضافة إلى فريق دعم، يسانده بعض كبار السن الذين يمرون حاملين القهوة أو بذور دوار الشمس للحراس، وهي أشياء ترمز للتضامن والصمود بقدر ما هي وجبات خفيفة.
حميدة علي حمامدة أم (51 عاما) لديها 9 أبناء تتراوح أعمارهم بين مفيد (33 عاما) وبيان (20 عاما)، وهي تعيش مع زوجها قاسم حمامدة (53 عاما) في أحد بيوت القرية المبنية بالطين. تقول وهي تنظر من نافذتها إلى التلال، 'كانت الحياة في المفقرة حلوة وبسيطة، كنا نعيش بأمان وكانت الأغنام ترعى بحرية، إلى أن جاء الخوف'.
وأوضحت أن الحياة تغيرت منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، متحدثة عن اقتحام المستوطنين الإسرائيليين للمنازل يحملون الحجارة والشتائم، ويهددون السكان بالموت والتهجير، ويطلقون أغنامهم في الأراضي الفلسطينية لتدمير المحاصيل والأشجار، التي لا يستطيع كثير من أصحابها الوصول إليها.
مسؤولية مشتركة
وتروي حمامدة حادثة اقترب فيها 4 مستوطنين من منزلهم بعد الاستيلاء على كهف قريب وطرد العائلة التي كانت تعيش فيه، وتوضح 'قالوا لزوجي عليك أن ترحل من هنا. هذه ليست أرضا فلسطينية'. وأضافت 'الحياة فقدت معناها.. كل شيء أصبح مشقة، بلا راحة ولا أمان'، وتقول إنها تحلم بانتهاء الخطر الذي تفرضه المستوطنات، وبأن يعيش أحفادها بأمان، يذهبون إلى المدرسة من دون خوف.
وتشير إلى إن عائلات القرية لجأت إلى إجراءات حماية بسيطة لمنازلها، مثل وضع الأسلاك الشائكة على النوافذ، وتربية الكلاب في الساحات لتنبح عند اقتراب الخطر. لكنها تتابع 'لولا لجان الحراسة لما أغمضنا أعيننا. إنهم خط دفاعنا الأول'.
تقوم حمامدة بدورها في حماية القرية، وكل ليلة تطلب من امرأة فيها أن تعد الحلويات المنزلية والكعك وغيره من المأكولات، وترسل بعضها إلى الشبان الحراس في التلال. وتقول 'هم يحموننا، ونحن نرسل لهم الحلويات. على الأقل نتشارك شيئا بسيطا يخفف عنهم العبء'.
حفيدتها أصالة (11 عاما) ابنة مفيد وقد نشأت وسط خوف يفوق ما عرفته من لعب، تشير إلى حفرة في الأرض موضحة 'عندما يهاجم المستوطنون القرية، نركض إلى هنا.. إلى الكهف'، واصفة إياه بأنه ملجؤهم تحت الأرض، والمكان الذي تختبئ فيه مع إخوتها الصغار بعيدا عن النوافذ والأبواب. وتضيف 'في كوابيسي أراهم يهاجموننا.. أتمنى أن أعيش طفولتي وأذهب إلى المدرسة من دون خوف'.
وعلى أطراف المفقرة، يقف قاسم حمامدة متأملا المستوطنات الجديدة التي تزحف على الأفق المحيط بقريته. قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كانت مستوطنتا أفغيل وحافات معون تطوقانها. أما اليوم، فإن التوسع الاستيطاني بات واضحا ومؤلما مع إقامة 5 بؤر استيطانية جديدة حول القرية، غير قانونية حتى بموجب القانون الإسرائيلي.
يروي قاسم القصة نفسها التي روتها زوجته، 'جاؤوا بعد أن استولوا على كهف قرب بيتي وهددوني بإخراجي بالقوة. قلت لهم تريدونني أن أرحل هكذا، كيف؟ هذه أرضي، ورثتها عن أبي وجدي.. لن أتركها، سأموت هنا'. ويضيف أن لجنة الحماية حسنت الأوضاع، 'أشعر بقدر من الأمان. كبار السن والنساء ينامون بطمأنينة نسبية، لكننا نحتاج إلى خيمة تحمي الشباب من برد الشتاء'.
التمسك بالأرض
يتلألأ ضوء المشعل في يد معاذ الحمامدة (32 عاما)، وهو مزارع وأب لثلاثة أطفال، وأحد أبرز أعضاء لجنة الحماية. يقول وعيناه تتنقلان بين التلال من حوله 'نحرس طوال الليل لأن الهجوم وأنت نائم أخطر بكثير وأنت مستيقظ'. ويقدّر أن وجود حراس الجبل خفض الهجمات بأكثر من 80%، لأن المستوطنين لم يعودوا يجدون القرية بلا حراسة.
وعندما يقع هجوم، تتحرك اللجنة بسرعة. تسارع مجموعة إلى نقل الأطفال والنساء إلى الكهوف تحت الأرض، وتتوجه أخرى إلى حظائر الأغنام لحماية مواشي القرية، في حين تواجه مجموعة ثالثة المستوطنين إلى أن تصل تعزيزات. ويوضح معاذ 'كلنا نعرف أن المستوطن لا يرحم، لكن الفلسطيني لن يتخلى عن أرضه. حتى الأطفال هنا يعرفون أن الأرض هي الحياة'.
قرب موقع الحراسة، يجثو جلال العمور (47 عاما) قرب النار، وهو يحرك قدرا كبيرة تفوح منها رائحة أكباد الدجاج التي أعدها، ويقول إن المكان الذي يطبخ فيه كان منزله، مشيرا إلى كهف قريب تعلو فوهته نجمة داود، ويرفرف فوقه علم إسرائيلي.
ويكمل 'ولدت في هذا الكهف وعشت فيه مع أبي وجدي إلى أن جاء المستوطنون، فهجرونا قسرا ودمروا كل شيء، وعندما اشتكينا للشرطة، قالوا إنها منطقة عسكرية مغلقة'. يطبخ العمور للحراس كل ليلة، ويقول 'كل يوم نختار طبقا مختلفا، محاولين إبقاء المكان دافئا. النار والدخان هما كل ما تبقى من رائحة البيت'.
ومع اقتراب الفجر، تخفت الأضواء فوق التلال، وتبتسم الوجوه المتعبة عند رؤية أول خيوط الصباح. ويعود الشبان إلى بيوتهم، بعضهم إلى أغنامه، وآخرون إلى قسط قصير من النوم قبل يوم جديد. وبين طلوع القمر وشروق الشمس، يكون حراس الجبل قد أدوا واجبهم، ساهرين طوال الليل لحماية قرية تريد أن تبقى على أرضها.
الجزيرة
أخبار اليوم - في المفقرة، وهي قرية في مسافر يطا جنوب الخليل، يبدو الليل مختلفا، إذ بدلًا من الراحة والنوم، يتسم باليقظة والقلق لدى رجال القرية الذين يحرسونها من هجمات المستوطنين الإسرائيليين القادمين من البؤر الاستيطانية غير القانونية القريبة.
وعندما تغرب الشمس، تبدأ نوبتهم فيتجمعون على تل مرتفع يطل على القرية، ويجلسون محاطين بإطارات سيارات قديمة مكدسة لتشكل جدارا يحميهم من الرياح الباردة. وحسب تنظيمهم، لكل شخص مهمة، فبعضهم يحمل المشاعل وآخرون يجهزون العشاء، ورجل واحد يعد شاي الميرمية، الذي يبقى على النار يغلي دائما، مانحا إياهم الدفء والطاقة خلال الليل الطويل البارد.
يخترق ضحكهم الظلام، لكنه لا يستطيع إخفاء الخوف الذي يخيم على المكان، يقول أحدهم 'مهمتنا ليست سهلة، لكنها ليست مستحيلة أيضا'، ويضيف 'الليل لنا، ما دمنا نقوم بالحراسة'.
لجنة حراس الليل
تضم المفقرة نحو 23 عائلة، يبلغ عدد أفرادها 220 شخصا، بينهم 50 طفلا، ويعتمد سكانها على الرعي والزراعة وتربية المواشي. لكن هذا النمط البسيط من الحياة يواجه اعتداءات يومية من المستوطنين والسلطات الإسرائيلية، التي هدمت منازلهم مرارا، ودمرت أراضيهم الزراعية، وأحرقت مساكنهم، حتى إنها لجأت للقتل.
وكان آخر الضحايا هنا رمزا للمقاومة، وهو عودة الهذالين الذي أطلق عليه مستوطن إسرائيلي الرصاص، كما أُصيب آخرون بجروح، وفقد بعضهم أطرافه في اعتداءات أخرى.
هذا الخطر المتواصل دفع أهالي القرية إلى اتخاذ قرار بتأسيس 'لجنة حراس الجبل'، وهي مجموعة تضم نحو 30 شابا يقضون الليل على التل المطل على المستوطنات والقرية، ويتناوبون الحراسة من الغروب حتى الشروق. ويعود الاسم إلى موقعهم المرتفع المشرف على القرية والمستوطنات، حيث يراقبون التحركات الليلية وينبهون الأهالي.
هناك فريق للرصد والاستطلاع، وآخر لإدارة الأضواء وأجهزة الإنذار، وفريق يتولى إطعام الجميع وإعداد المشروبات الساخنة، إضافة إلى فريق دعم، يسانده بعض كبار السن الذين يمرون حاملين القهوة أو بذور دوار الشمس للحراس، وهي أشياء ترمز للتضامن والصمود بقدر ما هي وجبات خفيفة.
حميدة علي حمامدة أم (51 عاما) لديها 9 أبناء تتراوح أعمارهم بين مفيد (33 عاما) وبيان (20 عاما)، وهي تعيش مع زوجها قاسم حمامدة (53 عاما) في أحد بيوت القرية المبنية بالطين. تقول وهي تنظر من نافذتها إلى التلال، 'كانت الحياة في المفقرة حلوة وبسيطة، كنا نعيش بأمان وكانت الأغنام ترعى بحرية، إلى أن جاء الخوف'.
وأوضحت أن الحياة تغيرت منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، متحدثة عن اقتحام المستوطنين الإسرائيليين للمنازل يحملون الحجارة والشتائم، ويهددون السكان بالموت والتهجير، ويطلقون أغنامهم في الأراضي الفلسطينية لتدمير المحاصيل والأشجار، التي لا يستطيع كثير من أصحابها الوصول إليها.
مسؤولية مشتركة
وتروي حمامدة حادثة اقترب فيها 4 مستوطنين من منزلهم بعد الاستيلاء على كهف قريب وطرد العائلة التي كانت تعيش فيه، وتوضح 'قالوا لزوجي عليك أن ترحل من هنا. هذه ليست أرضا فلسطينية'. وأضافت 'الحياة فقدت معناها.. كل شيء أصبح مشقة، بلا راحة ولا أمان'، وتقول إنها تحلم بانتهاء الخطر الذي تفرضه المستوطنات، وبأن يعيش أحفادها بأمان، يذهبون إلى المدرسة من دون خوف.
وتشير إلى إن عائلات القرية لجأت إلى إجراءات حماية بسيطة لمنازلها، مثل وضع الأسلاك الشائكة على النوافذ، وتربية الكلاب في الساحات لتنبح عند اقتراب الخطر. لكنها تتابع 'لولا لجان الحراسة لما أغمضنا أعيننا. إنهم خط دفاعنا الأول'.
تقوم حمامدة بدورها في حماية القرية، وكل ليلة تطلب من امرأة فيها أن تعد الحلويات المنزلية والكعك وغيره من المأكولات، وترسل بعضها إلى الشبان الحراس في التلال. وتقول 'هم يحموننا، ونحن نرسل لهم الحلويات. على الأقل نتشارك شيئا بسيطا يخفف عنهم العبء'.
حفيدتها أصالة (11 عاما) ابنة مفيد وقد نشأت وسط خوف يفوق ما عرفته من لعب، تشير إلى حفرة في الأرض موضحة 'عندما يهاجم المستوطنون القرية، نركض إلى هنا.. إلى الكهف'، واصفة إياه بأنه ملجؤهم تحت الأرض، والمكان الذي تختبئ فيه مع إخوتها الصغار بعيدا عن النوافذ والأبواب. وتضيف 'في كوابيسي أراهم يهاجموننا.. أتمنى أن أعيش طفولتي وأذهب إلى المدرسة من دون خوف'.
وعلى أطراف المفقرة، يقف قاسم حمامدة متأملا المستوطنات الجديدة التي تزحف على الأفق المحيط بقريته. قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كانت مستوطنتا أفغيل وحافات معون تطوقانها. أما اليوم، فإن التوسع الاستيطاني بات واضحا ومؤلما مع إقامة 5 بؤر استيطانية جديدة حول القرية، غير قانونية حتى بموجب القانون الإسرائيلي.
يروي قاسم القصة نفسها التي روتها زوجته، 'جاؤوا بعد أن استولوا على كهف قرب بيتي وهددوني بإخراجي بالقوة. قلت لهم تريدونني أن أرحل هكذا، كيف؟ هذه أرضي، ورثتها عن أبي وجدي.. لن أتركها، سأموت هنا'. ويضيف أن لجنة الحماية حسنت الأوضاع، 'أشعر بقدر من الأمان. كبار السن والنساء ينامون بطمأنينة نسبية، لكننا نحتاج إلى خيمة تحمي الشباب من برد الشتاء'.
التمسك بالأرض
يتلألأ ضوء المشعل في يد معاذ الحمامدة (32 عاما)، وهو مزارع وأب لثلاثة أطفال، وأحد أبرز أعضاء لجنة الحماية. يقول وعيناه تتنقلان بين التلال من حوله 'نحرس طوال الليل لأن الهجوم وأنت نائم أخطر بكثير وأنت مستيقظ'. ويقدّر أن وجود حراس الجبل خفض الهجمات بأكثر من 80%، لأن المستوطنين لم يعودوا يجدون القرية بلا حراسة.
وعندما يقع هجوم، تتحرك اللجنة بسرعة. تسارع مجموعة إلى نقل الأطفال والنساء إلى الكهوف تحت الأرض، وتتوجه أخرى إلى حظائر الأغنام لحماية مواشي القرية، في حين تواجه مجموعة ثالثة المستوطنين إلى أن تصل تعزيزات. ويوضح معاذ 'كلنا نعرف أن المستوطن لا يرحم، لكن الفلسطيني لن يتخلى عن أرضه. حتى الأطفال هنا يعرفون أن الأرض هي الحياة'.
قرب موقع الحراسة، يجثو جلال العمور (47 عاما) قرب النار، وهو يحرك قدرا كبيرة تفوح منها رائحة أكباد الدجاج التي أعدها، ويقول إن المكان الذي يطبخ فيه كان منزله، مشيرا إلى كهف قريب تعلو فوهته نجمة داود، ويرفرف فوقه علم إسرائيلي.
ويكمل 'ولدت في هذا الكهف وعشت فيه مع أبي وجدي إلى أن جاء المستوطنون، فهجرونا قسرا ودمروا كل شيء، وعندما اشتكينا للشرطة، قالوا إنها منطقة عسكرية مغلقة'. يطبخ العمور للحراس كل ليلة، ويقول 'كل يوم نختار طبقا مختلفا، محاولين إبقاء المكان دافئا. النار والدخان هما كل ما تبقى من رائحة البيت'.
ومع اقتراب الفجر، تخفت الأضواء فوق التلال، وتبتسم الوجوه المتعبة عند رؤية أول خيوط الصباح. ويعود الشبان إلى بيوتهم، بعضهم إلى أغنامه، وآخرون إلى قسط قصير من النوم قبل يوم جديد. وبين طلوع القمر وشروق الشمس، يكون حراس الجبل قد أدوا واجبهم، ساهرين طوال الليل لحماية قرية تريد أن تبقى على أرضها.
الجزيرة
التعليقات