د. ميرفت المهيرات
رغم المستوى المتقدم الذي يعكسه التقرير السنوي الثالث والسبعون لديوان المحاسبة لعام 2024 من حيث النضج المهني والالتزام بالمعايير الدولية، إلا أن قراءة تحليلية معمقة لمحتواه تكشف عن مجموعة من الفجوات التي تمثل فرصاً حقيقية لتعزيز الأثر الرقابي وتوجيهه نحو رقابة أكثر استدامة وفعالية على مستوى السياسات العامة.
من أبرز هذه الفجوات ضعف الربط المنهجي بين نتائج الرقابة والمتابعة الفعلية من قبل الجهات الخاضعة للمساءلة. فعلى الرغم من توثيق نسب الاستجابة وتصويب الملاحظات، إلا أن التقرير لا يوضح بشكل كافٍ ما الذي يحدث تنظيمياً أو إدارياً عند تكرار المخالفات الجوهرية في بعض الجهات، ولا يعكس بوضوح الأثر التصحيحي طويل الأمد لتلك النتائج على سلوك الإدارة العامة ،وهذا يقلل من قدرة التقرير على التحول من مجرد رصد المخالفات إلى التأثير في التغيير المؤسسي.كما يلاحظ أن التقرير يعطي أولوية أكبر لمؤشرات الإنجاز والاستجابة مقارنة بقياس الأثر الفعلي لتوصياته على كفاءة السياسات وجودة الخدمات. رغم الإشارة إلى مفاهيم مثل القيمة مقابل المال وربط الإنفاق بحياة المواطن، إلا أن هذا يظل ضمن إطار نظري دون مؤشرات كمية أو نوعية تقيس التغيير الملموس الناتج عن الرقابة، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي.
ورغم اعتماد التقرير على منهجية التدقيق المبني على المخاطر، فإنه لا يقدم عرضاً مفصلاً لخريطة المخاطر القطاعية على المستوى الوطني، ولا يوضح كيف تنتقل هذه المخاطر من سنة مالية لأخرى، أو مدى نجاح التدخلات الرقابية في الحد منها، غياب هذا التحليل التراكمي يحد من قدرة التقرير على تقديم رؤى استشرافية تدعم صناع القرار في تصميم سياسات وقائية فعالة.
أما في مجال الإدارة المحلية، فقد أظهر التقرير وجود فجوة مستمرة في قدرة البلديات والمؤسسات المحلية على الاستجابة المتناسقة للملاحظات الرقابية. وبينما تم عرض نسب التفاوت، لم يتم التوسع في تحليل العوامل البنيوية التي قد تكون خلف هذا التباين، مثل مستوى الحوكمة المحلية، القدرات الإدارية، أو مدى استدامة الأنظمة المالية، ما يحد من إمكانية استخدام نتائج الرقابة كمدخل لإصلاح محلي فعّال.
فيما يتعلق بالشركات التي تمتلك فيها الحكومة حصصاً مؤثرة، ظهرت حاجة واضحة لتعميق تحليل الحوكمة المؤسسية، وخاصة فيما يتعلق بفعالية مجالس الإدارة، واستقلالية لجان التدقيق، وربط الأداء المالي بالأهداف الاستراتيجية. التقرير يوضح الحاجة للانتقال من مجرد وصف المخالفات إلى تقييم نضج الحوكمة باستخدام نماذج معيارية معتمدة دولياً.
وفيما يخص التحول الرقمي، ورغم التطور في أنظمة التدقيق والمتابعة، فإن استخدام البيانات التحليلي لا يزال في مراحله الأولى، حيث ينصب الاستخدام الحالي على التوثيق والمتابعة، بدلاً من التنبؤ وتحليل المخاطر بشكل استباقي. الفجوة هنا تكمن في ضرورة تحويل البيانات المتراكمة إلى أدوات ذكية تساعد على التنبؤ بالمخاطر ودعم خطط التدقيق المستقبلية.
أخيراً، وعلى الرغم من شمولية التقرير، إلا أنه موجه بدرجة كبيرة إلى جمهور متخصص، ولا يحتوي على سردية مبسطة تساعد المواطن العادي على فهم الأثر الرقابي بلغة أقرب إلى الحياة اليومية. وهذا يقلل من دوره كأداة لتعزيز المساءلة المجتمعية وبناء الثقة العامة.
في المحصلة، لا تقلل هذه الفجوات من القيمة المهنية العالية للتقرير، بل تعكس مرحلة انتقال طبيعية من الرقابة التقليدية إلى رقابة استراتيجية تركز على الأثر والاستدامة. والتعامل الجاد والمنهجي مع هذه الفجوات يمكن أن يعزز الدور الإصلاحي لديوان المحاسبة، ويحوّل تقاريره السنوية إلى أدوات مؤثرة في صنع القرار وتوجيه السياسات وترسيخ الحوكمة الرشيدة
د. ميرفت المهيرات
رغم المستوى المتقدم الذي يعكسه التقرير السنوي الثالث والسبعون لديوان المحاسبة لعام 2024 من حيث النضج المهني والالتزام بالمعايير الدولية، إلا أن قراءة تحليلية معمقة لمحتواه تكشف عن مجموعة من الفجوات التي تمثل فرصاً حقيقية لتعزيز الأثر الرقابي وتوجيهه نحو رقابة أكثر استدامة وفعالية على مستوى السياسات العامة.
من أبرز هذه الفجوات ضعف الربط المنهجي بين نتائج الرقابة والمتابعة الفعلية من قبل الجهات الخاضعة للمساءلة. فعلى الرغم من توثيق نسب الاستجابة وتصويب الملاحظات، إلا أن التقرير لا يوضح بشكل كافٍ ما الذي يحدث تنظيمياً أو إدارياً عند تكرار المخالفات الجوهرية في بعض الجهات، ولا يعكس بوضوح الأثر التصحيحي طويل الأمد لتلك النتائج على سلوك الإدارة العامة ،وهذا يقلل من قدرة التقرير على التحول من مجرد رصد المخالفات إلى التأثير في التغيير المؤسسي.كما يلاحظ أن التقرير يعطي أولوية أكبر لمؤشرات الإنجاز والاستجابة مقارنة بقياس الأثر الفعلي لتوصياته على كفاءة السياسات وجودة الخدمات. رغم الإشارة إلى مفاهيم مثل القيمة مقابل المال وربط الإنفاق بحياة المواطن، إلا أن هذا يظل ضمن إطار نظري دون مؤشرات كمية أو نوعية تقيس التغيير الملموس الناتج عن الرقابة، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي.
ورغم اعتماد التقرير على منهجية التدقيق المبني على المخاطر، فإنه لا يقدم عرضاً مفصلاً لخريطة المخاطر القطاعية على المستوى الوطني، ولا يوضح كيف تنتقل هذه المخاطر من سنة مالية لأخرى، أو مدى نجاح التدخلات الرقابية في الحد منها، غياب هذا التحليل التراكمي يحد من قدرة التقرير على تقديم رؤى استشرافية تدعم صناع القرار في تصميم سياسات وقائية فعالة.
أما في مجال الإدارة المحلية، فقد أظهر التقرير وجود فجوة مستمرة في قدرة البلديات والمؤسسات المحلية على الاستجابة المتناسقة للملاحظات الرقابية. وبينما تم عرض نسب التفاوت، لم يتم التوسع في تحليل العوامل البنيوية التي قد تكون خلف هذا التباين، مثل مستوى الحوكمة المحلية، القدرات الإدارية، أو مدى استدامة الأنظمة المالية، ما يحد من إمكانية استخدام نتائج الرقابة كمدخل لإصلاح محلي فعّال.
فيما يتعلق بالشركات التي تمتلك فيها الحكومة حصصاً مؤثرة، ظهرت حاجة واضحة لتعميق تحليل الحوكمة المؤسسية، وخاصة فيما يتعلق بفعالية مجالس الإدارة، واستقلالية لجان التدقيق، وربط الأداء المالي بالأهداف الاستراتيجية. التقرير يوضح الحاجة للانتقال من مجرد وصف المخالفات إلى تقييم نضج الحوكمة باستخدام نماذج معيارية معتمدة دولياً.
وفيما يخص التحول الرقمي، ورغم التطور في أنظمة التدقيق والمتابعة، فإن استخدام البيانات التحليلي لا يزال في مراحله الأولى، حيث ينصب الاستخدام الحالي على التوثيق والمتابعة، بدلاً من التنبؤ وتحليل المخاطر بشكل استباقي. الفجوة هنا تكمن في ضرورة تحويل البيانات المتراكمة إلى أدوات ذكية تساعد على التنبؤ بالمخاطر ودعم خطط التدقيق المستقبلية.
أخيراً، وعلى الرغم من شمولية التقرير، إلا أنه موجه بدرجة كبيرة إلى جمهور متخصص، ولا يحتوي على سردية مبسطة تساعد المواطن العادي على فهم الأثر الرقابي بلغة أقرب إلى الحياة اليومية. وهذا يقلل من دوره كأداة لتعزيز المساءلة المجتمعية وبناء الثقة العامة.
في المحصلة، لا تقلل هذه الفجوات من القيمة المهنية العالية للتقرير، بل تعكس مرحلة انتقال طبيعية من الرقابة التقليدية إلى رقابة استراتيجية تركز على الأثر والاستدامة. والتعامل الجاد والمنهجي مع هذه الفجوات يمكن أن يعزز الدور الإصلاحي لديوان المحاسبة، ويحوّل تقاريره السنوية إلى أدوات مؤثرة في صنع القرار وتوجيه السياسات وترسيخ الحوكمة الرشيدة
د. ميرفت المهيرات
رغم المستوى المتقدم الذي يعكسه التقرير السنوي الثالث والسبعون لديوان المحاسبة لعام 2024 من حيث النضج المهني والالتزام بالمعايير الدولية، إلا أن قراءة تحليلية معمقة لمحتواه تكشف عن مجموعة من الفجوات التي تمثل فرصاً حقيقية لتعزيز الأثر الرقابي وتوجيهه نحو رقابة أكثر استدامة وفعالية على مستوى السياسات العامة.
من أبرز هذه الفجوات ضعف الربط المنهجي بين نتائج الرقابة والمتابعة الفعلية من قبل الجهات الخاضعة للمساءلة. فعلى الرغم من توثيق نسب الاستجابة وتصويب الملاحظات، إلا أن التقرير لا يوضح بشكل كافٍ ما الذي يحدث تنظيمياً أو إدارياً عند تكرار المخالفات الجوهرية في بعض الجهات، ولا يعكس بوضوح الأثر التصحيحي طويل الأمد لتلك النتائج على سلوك الإدارة العامة ،وهذا يقلل من قدرة التقرير على التحول من مجرد رصد المخالفات إلى التأثير في التغيير المؤسسي.كما يلاحظ أن التقرير يعطي أولوية أكبر لمؤشرات الإنجاز والاستجابة مقارنة بقياس الأثر الفعلي لتوصياته على كفاءة السياسات وجودة الخدمات. رغم الإشارة إلى مفاهيم مثل القيمة مقابل المال وربط الإنفاق بحياة المواطن، إلا أن هذا يظل ضمن إطار نظري دون مؤشرات كمية أو نوعية تقيس التغيير الملموس الناتج عن الرقابة، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي.
ورغم اعتماد التقرير على منهجية التدقيق المبني على المخاطر، فإنه لا يقدم عرضاً مفصلاً لخريطة المخاطر القطاعية على المستوى الوطني، ولا يوضح كيف تنتقل هذه المخاطر من سنة مالية لأخرى، أو مدى نجاح التدخلات الرقابية في الحد منها، غياب هذا التحليل التراكمي يحد من قدرة التقرير على تقديم رؤى استشرافية تدعم صناع القرار في تصميم سياسات وقائية فعالة.
أما في مجال الإدارة المحلية، فقد أظهر التقرير وجود فجوة مستمرة في قدرة البلديات والمؤسسات المحلية على الاستجابة المتناسقة للملاحظات الرقابية. وبينما تم عرض نسب التفاوت، لم يتم التوسع في تحليل العوامل البنيوية التي قد تكون خلف هذا التباين، مثل مستوى الحوكمة المحلية، القدرات الإدارية، أو مدى استدامة الأنظمة المالية، ما يحد من إمكانية استخدام نتائج الرقابة كمدخل لإصلاح محلي فعّال.
فيما يتعلق بالشركات التي تمتلك فيها الحكومة حصصاً مؤثرة، ظهرت حاجة واضحة لتعميق تحليل الحوكمة المؤسسية، وخاصة فيما يتعلق بفعالية مجالس الإدارة، واستقلالية لجان التدقيق، وربط الأداء المالي بالأهداف الاستراتيجية. التقرير يوضح الحاجة للانتقال من مجرد وصف المخالفات إلى تقييم نضج الحوكمة باستخدام نماذج معيارية معتمدة دولياً.
وفيما يخص التحول الرقمي، ورغم التطور في أنظمة التدقيق والمتابعة، فإن استخدام البيانات التحليلي لا يزال في مراحله الأولى، حيث ينصب الاستخدام الحالي على التوثيق والمتابعة، بدلاً من التنبؤ وتحليل المخاطر بشكل استباقي. الفجوة هنا تكمن في ضرورة تحويل البيانات المتراكمة إلى أدوات ذكية تساعد على التنبؤ بالمخاطر ودعم خطط التدقيق المستقبلية.
أخيراً، وعلى الرغم من شمولية التقرير، إلا أنه موجه بدرجة كبيرة إلى جمهور متخصص، ولا يحتوي على سردية مبسطة تساعد المواطن العادي على فهم الأثر الرقابي بلغة أقرب إلى الحياة اليومية. وهذا يقلل من دوره كأداة لتعزيز المساءلة المجتمعية وبناء الثقة العامة.
في المحصلة، لا تقلل هذه الفجوات من القيمة المهنية العالية للتقرير، بل تعكس مرحلة انتقال طبيعية من الرقابة التقليدية إلى رقابة استراتيجية تركز على الأثر والاستدامة. والتعامل الجاد والمنهجي مع هذه الفجوات يمكن أن يعزز الدور الإصلاحي لديوان المحاسبة، ويحوّل تقاريره السنوية إلى أدوات مؤثرة في صنع القرار وتوجيه السياسات وترسيخ الحوكمة الرشيدة
التعليقات