أخبار اليوم - علي أبو نوار (1925- 15 آب 1991) كان ضابطًا أردنيا تولى منصب رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الأردنية في شهر أيار من عام 1956 وبقي في منصبه ذاك حتى نيسان من عام 1957. شارك علي أبو نوار في حرب 1948 بصفته ضابطا في صنف المدفعية بالجيش الأردني. بسبب معارضته الدائمة للتدخل والانتداب البريطاني على الأردن نقل إلى باريس ليكون ملحقًا عسكريًا أردنيًّا فيها وذلك عام 1952، كما لو كان نفيًا فعليًّا له. في باريس، بدأ علي أبو نوار بصياغة علاقته بروابط متينة مع الحسين بن طلال ولي عهد العرش الأردني آنذاك، والذي رقّاه في الرتب بعد اعتلاءه العرش.
عداء أبو نوار لغلوب باشا القائد البريطاني للجيش الأردني ذو النفوذ والسيطرة، كان مرده لمقاومة غلوب باشا لتأسيس قيادة عربية للجيش؛ ولكن علاقته التي كونها مع الملك الحسين بن طلال كان لها أثرها في طرد غلوب ومجموعة الضباط البريطانين من الأردن عام 1956 م، فيما عُرِف بتعريب قيادة الجيش العربي. بعد طرد غلوب عيّن الملك علي أبو نوار مكانه قائدا عاما للجيش. ومع ذلك، فإن الدعم الشديد من علي أبو نوار لسياسات الرئيس المصري جمال عبد الناصر في المنطقة ساهم في زيادة ابتعاد الأردن عن المحور البريطاني الأمريكي، وهو الشيء الذي أدى بالتالي إلى تعطل كثير من المصالح المشتركة بين الأردن وتلك الدول والتي من ثمارها الدعم المالي الذي كان يحصل عليه الأردن منها. في ذات الوقت، فإن عدم الرضا عن قيادة علي أبو نوار للجيش في بعض الأوساط العسكرية وبعض الضباط في البلاط الملكي بلغ أوجه خلال المجابهات العنيفة في المعسكرات التابعة للجيش الأردني في الزرقاء والتي تُعرف باسم انقلاب 1957 بين الوحدات الموالية للملكية وبعض وحدات أخرى كان على رأسها ضباط من الناصريين واليساريين المتأثرين بالدول الأخرى. فيما يخص أحداث الزرقاء تلك، فهنالك روايتان، فأما الحكومة الأردنية والوحدات العسكرية الأردنية الملكية تتمسك بالرواية التي تقول أن الحادث كان انقلابا عسكريا كاملا، بينما يمضي المخالفون لهم في قولهم أن الحادثة كانت أشبه بمسرحية؛ حيث كان ما حدث انقلاب معاكس ضد الحركة القومية العربية في البلاد. وعلى أية حال، فإن علي أبو نوار استقال من منصبه قائدا للقوات المسلحة بينما سُمح له الخروج من المملكة إلى جارتها الشمالية سورية. حُكم على أبو نوار مباشرة بعد ذلك بالحبس غيابيًا لمدة 15 سنة.
قضى علي أبو نوار معظم وقته في المنفى بين كل من سورية ومصر وهو يحاول تنظيم المعارضة ضد الملك الحسين بن طلال وحكمه الملكي، كما كان يروج لفكرة براءته في أحداث معسكرات الزرقاء تلك. في عام 1964 م، عاد أبو نوار للأردن بعد عفو ملكي عن المعارضين في المنفى شمله وذلك في إطار الجهود التي بذلها الحسين مع معارضته في المنفى. في عام 1971 م، عُيِّن أبو نوار سفيرًا للأردن لدى باريس، وفي عام 1989 م، وبعد إجراء الانتخابات النيابية في ذلك العام عُيِّن عينا في مجلس الأعيان الأردني. تُوفى أبو نوار بمرض سرطان الدم في إحدى مستشفيات لندن عن غمرٍ يناهز 66 سنة، وذلك بعد سنة واحدة من نشره لكتابه حين تلاشت العرب (1948-1964) الذي يُعد سيرةً ذاتيةً له؛ أي في عام 1991 م.
وُلِد اللواء علي أبو نوار في مدينة السلط عام 1924 م مركز محافظة البلقاء في إمارة شرق الأردن (المملكة الأردني الهاشمية لاحقًا). عائلة أبو نوار من جهة والده كانت عشيرة عربية مرموقة في مدينة السلط. على الجهة الأخرى، كانت أمه شركسية. وفي صغره تأثر علي أبو نوار بما كان يصغي إليه من نقاشاتٍ تجري من والده وأقاربه عن الثورة العربية الكبرى عام 1916 م ووعد بلفور عام 1917 م وهزيمة المملكة العربية السورية عام 1920 م في معركة ميسلون وتأثير كل ذلك على أوضاع ومستقبل المنطقة العربية والشرق الأوسط عمومًا. خلال السنوات الأخيرة للحرب العظمى، خسرت الدولة العثمانية معظم أراضي ولاياتها العربية من خلال الثورة العربية الكبرى بجيشها الشريفي تحت قيادة الهاشميين وبالتحالف مع البريطانيين؛ لكن بعد نهاية الثورة استبدل العثمانيون باحتلالين فرنسي وآخر بريطاني على الأرض العربية في المشرق. وخلال عشرينيات وثلاثينات القرن العشرين تشكلت وانطلقت الثورات والمعارضات لذلك الاحتلال في الأردن وفلسطين وغيرهما من المناطق في الإقليم. في مذكراته، استدعى أبو نوار ما قاله معلمه له ولزملاءه في الصف في مدرسته مدرسة السلط الثانوية 'الأمة العربية استعمرت وقسمت وهذا كله على أكتاف جيلنا ليأخذ مسؤولياته من أجل الحرية والوحدة'.
لتحق علي أبو نوار بالجيش العربي ليصبح ضابط مدفعية خلال عام 1946 م، وذلك خلال عهد الملك عبد الله الأول بن الحسين. وخلال حرب 1948، خدم أبو نوار في الجيش وكان حينها برتبة ملازم ثان. من ثمَّ تلقى تدريبًا في كلية الأركان البريطانية في كامبرلي لمدة سنتين، قبل أن يرجع للأردن والتي أصبحت تتكون آنذاك من الضفة الشرقية والضفة الغربية نتيجةً لحرب 1948. تسببت هزيمة العرب وحجم الانتصارات والمكاسب للدولة العبرية إلى ازدياد النشاط النضالي القومي المضاد للاحتلال بين صفوف عدد ضخم من الضباط في الجيوش العربي، والذين ألقوا اللوم بدورهم على قياداتهم العسكرية والسياسية فيما يتعلق بالهزيمة في الحرب وانتصار الجانب اليهودي. وكانت نظرتهم لتلك القيادات أو 'الحرس القديم' أنها فاسدة وغير جديرة بمناصبها ومتحكم بها من قبل القوى الاستعمارية. من بين أولئك الضباط الحانقين كان علي أبو نوار. وعلى الرغم من كونه ليس من مؤسسي حركة الضباط الأحرار، وهي حركة سرية من الضباط ذوي التوجه البعثي مضادة للتواجد البريطاني في الجيش الأردني، إلا أنه التحق بها فور عودته للأردن عام 1950 م.
أضحى أبو نوار منتقدًا صخّابًا للمعونة البريطانية التي كانت تُقدَّم للأردن مقابل مصالح مشتركة للبلدين، حيث رآها أبو نوار بكونها تبعيةً لكل من القوة الانتدابية السابقة على الأردن بريطانيا والضابط ذو التأثير الكبير غلوب باشا قائد الجيش العربي الذي كان الضباط الأردنيين وخصوصا أولئك القوميين منهم يسخرون منه بكونه رمزًا لما تبقى من آثار الانتداب البريطاني على الأردن. بُعيد اغتيال الملك عبد الله الأول بن الحسين، كان وريثه الواضح وولي عهده هو طلال بن عبد الله غير أنه كان يُعاني من المرض كان يتعالج منه منذ مدة طويلة في الخارج. ولكونه كان متعاطفًا مع الضباط الأحرار؛ يرى البعض أن غلوب باشا وتوفيق أبو الهدى وحكومته كانوا قد تناقشوا في شأن منعه من الوصول للعرش، وقد استغلوا ذلك، فوضع طلال في مؤسسة صحية للأمراض النفسية في سويسرا. هذا الشيء كان يراه الضباط الأحرار حجة وتزييفًا للحقائق من أجل إبقاء طلال خارج البلاد. ردًّا على ذلك، كان أبو نوار يسعى لتنصيب طلال بالقوة ملكًا على الأردن؛ لذا أرسل الطبيب العسكري الأردني عوني حنون ليُعيد الملك طلال للأردن. ولكن الطبيب حنون مُنع من الزيارة؛ بسبب القيود على الزيارات في تلك المؤسسة الطبية، كما سرَّحه غلوب باشا من الخدمة بسبب ما رآه تحريضًا ضد المصالح البريطانية. ومع كل ما جرى، عاد الملك طلال ليمارس سلطاته الدستورية منهيًا بذلك عهد أخيه نايف الوصي على العرش آنذاك. بعد العودة تلك، أرسل أبو نوار رسالةً إليه يحثّه بها على طرد غلوب باشا من الخدمة. شكلت تلك الرسالة خطرًا على المصالح البريطانية في الأردن، مما دفع توفيق أبو الهدى وحكومته لنفي علي أبو نوار فعليًا من البلاد. بعد ذلك، أذعنت الحكومة لإبقاء أبو نوار، بيد أنها نقلته إلى باريس ليخدم فيها ملحقًا عسكريًا في شهر أيلول من العام 1952 م. بعد ذلك بمدة قصيرة وبقرارٍ من مجلس النواب الأردني أُزيح الملك طلال عن العرش بسبب عدم أهليته الصحية على متابعة شؤون الحكم.
خلال عمله في باريس، تمكن أبو نوار من مقابلة ابن الملك طلال وخليفته ملك الأردن آنذاك الحسين بن طلال، والذي كان يزور باريس دائما خلال عُطله؛ حيث كان في دراسته العسكرية في ساند هيرست. لقد كان علي أبو نوار شديد الحماس لأن يأخذ الحسين بن طلال في صفه وما يؤمن به من أفكار قومية تتعلق بطرد الضباط البريطانيين وإنهاء التأثير البريطاني على الجيش الأردني. أفكار أبو نوار تلك كان لها وقعها عند الحسين الذي تحمس لها، كما أنه في أيار من عام 1953 م - بعد توليه العرش - حاول الحسين إرجاع أبو نوار للأردن على الرغم من التحفظ الذي أبداه غلوب باشا. في شهر آب من ذات العام، زار الحسين لندن ودعا أبو نوار والضباط الذين يحملون ذات الأفكار، ومنهم عضو ما سُمي بحركة الضباط الأحرار شاهر أبو شحوت، لمقابلته. في ذلك الزمان والمكان، أخبر الضابط شاهر زميله أبو نوار عن تنظيم الضباط الأحرار في الأردن وخطته لـ'تعريب' قيادة الجيش العربي؛ وذلك بإزاحة القيادات البريطانية فيه بمن فيهم غلوب باشا. بعدها، وخلال احتفالٍ بتنصيب الحسين ملكًا على البلاد، أخبر أبو نوار الملك الحسين بن طلال بأنه أحد قادة حركة الضباط الأحرار؛ رغم أنه لم يكن كذلك، وبين للملك هدف الحركة التي يصرون على تحقيقها وهي بتنصيب قيادة عربية للجيش الأردني وتسريح كل الضباط البريطانيين، وهو الهدف الذي تلقاه الحسين وعمل عليه لاحقًا. كان الحسين بن طلال متأثرًا بأبو نوار الذي كان يبدي عدم رضاه علنًا عن الحضور البريطاني في الأردن حينها، وهو الأمر الذي أكسب أبو نوار تأييد الضباط الأردنيين.
كبير المرافقين
بعد عودة الحسين بن طلال للعاصمة عمّان استمر في ضغطه من أجل عودة أبو نوار للأردن؛ بيد أن غلوب باشا كان في الجهة المقابلة يبذل جهوده كلها من أجل إقالة أبو نوار. بعد ذلك في عام 1953 م، أرسل الملك الحسين علي أبو نوار لاجتماع قمة مع رئيس مصر القوي جمال عبد الناصر، والذي كان مؤخرًا قد قاد مجموعة ضباط انقلابية على النظام الملكي مطيحًا بالملك فاروق؛ حيث كان يرى ذلك النظام موالٍ للبريطانيين. بعد ذلك بعام، أي عام 1954 م، استُدعي أبو نوار لمشاورات مع العاهل الأردني آنذاك. بعد ذلك في تشرين الثاني من عام 1955 م، أعاد الحسين بن طلال علي أبو نوار للأردن بشكل دائم، متجاوزًا غلوب باشا ورأيه في ذلك. وقد وصل أبو نوار للأردن وسط أجواءٍ مشحونةٍ بالعداء للبريطانيين. وفي أحد الاجتماعات بين علي أبو نوار وغلوب، أبدى غلوب استياءه من قرار الملك الحسين، كما هدد أبو نوار بأنه 'سيقصر حياته (أبو نوار' إذا تجرأ على التحريض على البريطانيين ومصالحهم في الأردن. وبعد أن عَلم الملك الحسين بتفاصيل اللقاء عيَّن أبو نوار في منصب المرافق العسكري الأعلى الخاص به. أيضًا فقد رقى الملكُ أبو نوار إلى رتبة مقدم. كان لأبو نوار في منصبه الجديد تأثير قوى على الملك الحسين الذي لم يكن يبلغ حينها من العمل سوى عشرين عامًا؛ إذ كان دائمًا لجانب الملك ناصحًا إياه أن يُسَرِّح غلوب باشا من الجيش وأن يقطع علاقات الأردن مع المملكة المتحدة. كان الحسين متأثرًا كذلك بضباطٍ وشخصياتٍ أردنيةٍ أخرى، بمن فيهم قريبه زيد بن شاكر. أيضًا، فإن الجو كان مشحونًا بطريقةٍ متزايدة بالأفكار التي تحض على مجابهة الإمبريالية وبالأفكار القومية العربية. وإشارةً على أفكار الملك الحسين القومية المتنامية آنذاك، وبكونها وسيلةً لتهدئة وتقريب المعارضة السياسية من حكمه؛ فقد أصدر الملك الشابُّ قراره بتسريح غلوب وجميع الضباط البريطانيين من الأردن. ولقد تعاون الملك الحسين مع علي أبو نوار والضباط الأحرار الآخرين من أجل اتخاذ كافة الاجراءات للوقاية من أي تحرك مضاد من قبل البريطانيين أو داعميهم إن وجدوا داخل الجيش. وهكذا، وفي 28 من شباط من عام 1956 م، كان على علي أبو نوار أن يضع قواته على أهبة الاستعداد؛ حيث وزع أعضاء حركة الضباط الأحرار على المراكز العسكرية المهمة في الأردن، وهي مطار عمّان والقاعدة العسكرية الكبرى في الزرقاء وفي القرب من مقر إقامة غلوب نفسه. وبعد أن تأكد أبو نوار من أمان المواقع، اجتمع الملك بمجلس الوزراء معلنًا قراره بتسريح غلوب ورفاقه البريطانيين في 1 آذار عام 1956 م. لم يقاوم غلوب القرار، حيث استجاب له وغادر الأردن في اليوم التالي. بعد ذلك، رقّى الملك رتبة أبو نوار لعقيد، واختار اللواء راضي عناب قائدًا للجيش الذي أصبح يُطلق عليه منذ ذلك الحين اسم القوات المسلحة الأردنية في مكان غلوب باشا.
رئيسا لهيئة الأركان العامة
أبو نوار يُصافح الرئيس المصري جمال عبد الناصر (يمين) في مصر عام 1956. أبو نوار كان مناصرًا لسياسات ناصر القومية .
بعد أن تقاعد اللواء راضي عناب، عُيِّن علي أبو نوار قائدًا عامًّا للجيش في 24 أيار عام 1956 م. طرد غلوب من الخدمة قوبِل بحماسٍ شديدٍ من الشعب الأردني والقوميين العرب داخل الأردن وخارجه. ومع ذلك، فإن ترقية أبو نوار لمنصب قائد الجيش لم يكن له قبولٌ واسع بين وحدات الجيش المتمرسة في القتال؛ والتي توصف بأنها ذات غالبيةٍ 'بدوية'؛ إذ لطالما عُدّ أبو نوار ضابطًا منافسًا، بيد أنه لم يكن يمتلك الخبرة اللازمة للقيادة. وضمن خطته وجهوده لتحديث الجيش، أصدر أبو نوار أوامره بأن يكون التعليم متطلّبًا لازمًا للترقية في الرتب العسكرية. هذا القرار أثر على كثيرٍ من الضباط - كثيرٌ منهم من البدو - بشكلٍ غير متكافئ؛ حيث كانوا يفتقرون للتعليم الأساسي. ونتيجةً لتلك العملية الإصلاحية؛ فإنَّ عدة ضباطٍ قد أُحيلوا على التقاعد، بينما نُقل آخرون لمواقع غير قيادية. ومن أجل خلق توازنٍ مع أي معارضةٍ قد تظهر من قبل قيادات الجيش لذاك التوجه؛ فقد أنشأ أبو نوار لواءًا جديدًا هو اللواء الرابع والذي كان يتكون في غالبيته من أردنيين من أصل فلسطيني لأن أبو نوار كان يعتقد أنهم سيشكلون جزءًا أساسيًّا لقوته داخل الجيش. كذلك، فإن اختيارات أبو نوار للضباط في الجيش كان لها علاقة بالتحول في العلاقات بين الأردن والمملكة المتحدة.
حمل أبو نوار كثيرًا من الأفكار الناصرية التي توصف بأنها مناهضة للاستعمار ومنادية بالقومية العربية خلال مدَّة قيادته للقوات المسلحة الأردنية عام 1956 م. وعلى سبيل المثال، فقد أبدى أبو نوار دعمه لجمال عبد الناصر ومبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي - الذي كان نشطًا في سورية والأردن - خلال اجتماعٍ عام 1956 م جمعه بالرئيس اللبناني كميل شمعون أحد معارضي عبد الناصر السياسيين في المنطقة. وفي ملاحظة لأحد مسؤولي السفارة الأمريكية في عَمَّان على علي أبو نوار خلال نقاشٍ معينٍ، فإنَّ أبو نوار كان ناصريًّا أكثر من جمال عبد الناصر نفسه. كذلك، فلقد وصفته وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.إيه) بأنه من غلاة القوميين
أخبار اليوم - علي أبو نوار (1925- 15 آب 1991) كان ضابطًا أردنيا تولى منصب رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الأردنية في شهر أيار من عام 1956 وبقي في منصبه ذاك حتى نيسان من عام 1957. شارك علي أبو نوار في حرب 1948 بصفته ضابطا في صنف المدفعية بالجيش الأردني. بسبب معارضته الدائمة للتدخل والانتداب البريطاني على الأردن نقل إلى باريس ليكون ملحقًا عسكريًا أردنيًّا فيها وذلك عام 1952، كما لو كان نفيًا فعليًّا له. في باريس، بدأ علي أبو نوار بصياغة علاقته بروابط متينة مع الحسين بن طلال ولي عهد العرش الأردني آنذاك، والذي رقّاه في الرتب بعد اعتلاءه العرش.
عداء أبو نوار لغلوب باشا القائد البريطاني للجيش الأردني ذو النفوذ والسيطرة، كان مرده لمقاومة غلوب باشا لتأسيس قيادة عربية للجيش؛ ولكن علاقته التي كونها مع الملك الحسين بن طلال كان لها أثرها في طرد غلوب ومجموعة الضباط البريطانين من الأردن عام 1956 م، فيما عُرِف بتعريب قيادة الجيش العربي. بعد طرد غلوب عيّن الملك علي أبو نوار مكانه قائدا عاما للجيش. ومع ذلك، فإن الدعم الشديد من علي أبو نوار لسياسات الرئيس المصري جمال عبد الناصر في المنطقة ساهم في زيادة ابتعاد الأردن عن المحور البريطاني الأمريكي، وهو الشيء الذي أدى بالتالي إلى تعطل كثير من المصالح المشتركة بين الأردن وتلك الدول والتي من ثمارها الدعم المالي الذي كان يحصل عليه الأردن منها. في ذات الوقت، فإن عدم الرضا عن قيادة علي أبو نوار للجيش في بعض الأوساط العسكرية وبعض الضباط في البلاط الملكي بلغ أوجه خلال المجابهات العنيفة في المعسكرات التابعة للجيش الأردني في الزرقاء والتي تُعرف باسم انقلاب 1957 بين الوحدات الموالية للملكية وبعض وحدات أخرى كان على رأسها ضباط من الناصريين واليساريين المتأثرين بالدول الأخرى. فيما يخص أحداث الزرقاء تلك، فهنالك روايتان، فأما الحكومة الأردنية والوحدات العسكرية الأردنية الملكية تتمسك بالرواية التي تقول أن الحادث كان انقلابا عسكريا كاملا، بينما يمضي المخالفون لهم في قولهم أن الحادثة كانت أشبه بمسرحية؛ حيث كان ما حدث انقلاب معاكس ضد الحركة القومية العربية في البلاد. وعلى أية حال، فإن علي أبو نوار استقال من منصبه قائدا للقوات المسلحة بينما سُمح له الخروج من المملكة إلى جارتها الشمالية سورية. حُكم على أبو نوار مباشرة بعد ذلك بالحبس غيابيًا لمدة 15 سنة.
قضى علي أبو نوار معظم وقته في المنفى بين كل من سورية ومصر وهو يحاول تنظيم المعارضة ضد الملك الحسين بن طلال وحكمه الملكي، كما كان يروج لفكرة براءته في أحداث معسكرات الزرقاء تلك. في عام 1964 م، عاد أبو نوار للأردن بعد عفو ملكي عن المعارضين في المنفى شمله وذلك في إطار الجهود التي بذلها الحسين مع معارضته في المنفى. في عام 1971 م، عُيِّن أبو نوار سفيرًا للأردن لدى باريس، وفي عام 1989 م، وبعد إجراء الانتخابات النيابية في ذلك العام عُيِّن عينا في مجلس الأعيان الأردني. تُوفى أبو نوار بمرض سرطان الدم في إحدى مستشفيات لندن عن غمرٍ يناهز 66 سنة، وذلك بعد سنة واحدة من نشره لكتابه حين تلاشت العرب (1948-1964) الذي يُعد سيرةً ذاتيةً له؛ أي في عام 1991 م.
وُلِد اللواء علي أبو نوار في مدينة السلط عام 1924 م مركز محافظة البلقاء في إمارة شرق الأردن (المملكة الأردني الهاشمية لاحقًا). عائلة أبو نوار من جهة والده كانت عشيرة عربية مرموقة في مدينة السلط. على الجهة الأخرى، كانت أمه شركسية. وفي صغره تأثر علي أبو نوار بما كان يصغي إليه من نقاشاتٍ تجري من والده وأقاربه عن الثورة العربية الكبرى عام 1916 م ووعد بلفور عام 1917 م وهزيمة المملكة العربية السورية عام 1920 م في معركة ميسلون وتأثير كل ذلك على أوضاع ومستقبل المنطقة العربية والشرق الأوسط عمومًا. خلال السنوات الأخيرة للحرب العظمى، خسرت الدولة العثمانية معظم أراضي ولاياتها العربية من خلال الثورة العربية الكبرى بجيشها الشريفي تحت قيادة الهاشميين وبالتحالف مع البريطانيين؛ لكن بعد نهاية الثورة استبدل العثمانيون باحتلالين فرنسي وآخر بريطاني على الأرض العربية في المشرق. وخلال عشرينيات وثلاثينات القرن العشرين تشكلت وانطلقت الثورات والمعارضات لذلك الاحتلال في الأردن وفلسطين وغيرهما من المناطق في الإقليم. في مذكراته، استدعى أبو نوار ما قاله معلمه له ولزملاءه في الصف في مدرسته مدرسة السلط الثانوية 'الأمة العربية استعمرت وقسمت وهذا كله على أكتاف جيلنا ليأخذ مسؤولياته من أجل الحرية والوحدة'.
لتحق علي أبو نوار بالجيش العربي ليصبح ضابط مدفعية خلال عام 1946 م، وذلك خلال عهد الملك عبد الله الأول بن الحسين. وخلال حرب 1948، خدم أبو نوار في الجيش وكان حينها برتبة ملازم ثان. من ثمَّ تلقى تدريبًا في كلية الأركان البريطانية في كامبرلي لمدة سنتين، قبل أن يرجع للأردن والتي أصبحت تتكون آنذاك من الضفة الشرقية والضفة الغربية نتيجةً لحرب 1948. تسببت هزيمة العرب وحجم الانتصارات والمكاسب للدولة العبرية إلى ازدياد النشاط النضالي القومي المضاد للاحتلال بين صفوف عدد ضخم من الضباط في الجيوش العربي، والذين ألقوا اللوم بدورهم على قياداتهم العسكرية والسياسية فيما يتعلق بالهزيمة في الحرب وانتصار الجانب اليهودي. وكانت نظرتهم لتلك القيادات أو 'الحرس القديم' أنها فاسدة وغير جديرة بمناصبها ومتحكم بها من قبل القوى الاستعمارية. من بين أولئك الضباط الحانقين كان علي أبو نوار. وعلى الرغم من كونه ليس من مؤسسي حركة الضباط الأحرار، وهي حركة سرية من الضباط ذوي التوجه البعثي مضادة للتواجد البريطاني في الجيش الأردني، إلا أنه التحق بها فور عودته للأردن عام 1950 م.
أضحى أبو نوار منتقدًا صخّابًا للمعونة البريطانية التي كانت تُقدَّم للأردن مقابل مصالح مشتركة للبلدين، حيث رآها أبو نوار بكونها تبعيةً لكل من القوة الانتدابية السابقة على الأردن بريطانيا والضابط ذو التأثير الكبير غلوب باشا قائد الجيش العربي الذي كان الضباط الأردنيين وخصوصا أولئك القوميين منهم يسخرون منه بكونه رمزًا لما تبقى من آثار الانتداب البريطاني على الأردن. بُعيد اغتيال الملك عبد الله الأول بن الحسين، كان وريثه الواضح وولي عهده هو طلال بن عبد الله غير أنه كان يُعاني من المرض كان يتعالج منه منذ مدة طويلة في الخارج. ولكونه كان متعاطفًا مع الضباط الأحرار؛ يرى البعض أن غلوب باشا وتوفيق أبو الهدى وحكومته كانوا قد تناقشوا في شأن منعه من الوصول للعرش، وقد استغلوا ذلك، فوضع طلال في مؤسسة صحية للأمراض النفسية في سويسرا. هذا الشيء كان يراه الضباط الأحرار حجة وتزييفًا للحقائق من أجل إبقاء طلال خارج البلاد. ردًّا على ذلك، كان أبو نوار يسعى لتنصيب طلال بالقوة ملكًا على الأردن؛ لذا أرسل الطبيب العسكري الأردني عوني حنون ليُعيد الملك طلال للأردن. ولكن الطبيب حنون مُنع من الزيارة؛ بسبب القيود على الزيارات في تلك المؤسسة الطبية، كما سرَّحه غلوب باشا من الخدمة بسبب ما رآه تحريضًا ضد المصالح البريطانية. ومع كل ما جرى، عاد الملك طلال ليمارس سلطاته الدستورية منهيًا بذلك عهد أخيه نايف الوصي على العرش آنذاك. بعد العودة تلك، أرسل أبو نوار رسالةً إليه يحثّه بها على طرد غلوب باشا من الخدمة. شكلت تلك الرسالة خطرًا على المصالح البريطانية في الأردن، مما دفع توفيق أبو الهدى وحكومته لنفي علي أبو نوار فعليًا من البلاد. بعد ذلك، أذعنت الحكومة لإبقاء أبو نوار، بيد أنها نقلته إلى باريس ليخدم فيها ملحقًا عسكريًا في شهر أيلول من العام 1952 م. بعد ذلك بمدة قصيرة وبقرارٍ من مجلس النواب الأردني أُزيح الملك طلال عن العرش بسبب عدم أهليته الصحية على متابعة شؤون الحكم.
خلال عمله في باريس، تمكن أبو نوار من مقابلة ابن الملك طلال وخليفته ملك الأردن آنذاك الحسين بن طلال، والذي كان يزور باريس دائما خلال عُطله؛ حيث كان في دراسته العسكرية في ساند هيرست. لقد كان علي أبو نوار شديد الحماس لأن يأخذ الحسين بن طلال في صفه وما يؤمن به من أفكار قومية تتعلق بطرد الضباط البريطانيين وإنهاء التأثير البريطاني على الجيش الأردني. أفكار أبو نوار تلك كان لها وقعها عند الحسين الذي تحمس لها، كما أنه في أيار من عام 1953 م - بعد توليه العرش - حاول الحسين إرجاع أبو نوار للأردن على الرغم من التحفظ الذي أبداه غلوب باشا. في شهر آب من ذات العام، زار الحسين لندن ودعا أبو نوار والضباط الذين يحملون ذات الأفكار، ومنهم عضو ما سُمي بحركة الضباط الأحرار شاهر أبو شحوت، لمقابلته. في ذلك الزمان والمكان، أخبر الضابط شاهر زميله أبو نوار عن تنظيم الضباط الأحرار في الأردن وخطته لـ'تعريب' قيادة الجيش العربي؛ وذلك بإزاحة القيادات البريطانية فيه بمن فيهم غلوب باشا. بعدها، وخلال احتفالٍ بتنصيب الحسين ملكًا على البلاد، أخبر أبو نوار الملك الحسين بن طلال بأنه أحد قادة حركة الضباط الأحرار؛ رغم أنه لم يكن كذلك، وبين للملك هدف الحركة التي يصرون على تحقيقها وهي بتنصيب قيادة عربية للجيش الأردني وتسريح كل الضباط البريطانيين، وهو الهدف الذي تلقاه الحسين وعمل عليه لاحقًا. كان الحسين بن طلال متأثرًا بأبو نوار الذي كان يبدي عدم رضاه علنًا عن الحضور البريطاني في الأردن حينها، وهو الأمر الذي أكسب أبو نوار تأييد الضباط الأردنيين.
كبير المرافقين
بعد عودة الحسين بن طلال للعاصمة عمّان استمر في ضغطه من أجل عودة أبو نوار للأردن؛ بيد أن غلوب باشا كان في الجهة المقابلة يبذل جهوده كلها من أجل إقالة أبو نوار. بعد ذلك في عام 1953 م، أرسل الملك الحسين علي أبو نوار لاجتماع قمة مع رئيس مصر القوي جمال عبد الناصر، والذي كان مؤخرًا قد قاد مجموعة ضباط انقلابية على النظام الملكي مطيحًا بالملك فاروق؛ حيث كان يرى ذلك النظام موالٍ للبريطانيين. بعد ذلك بعام، أي عام 1954 م، استُدعي أبو نوار لمشاورات مع العاهل الأردني آنذاك. بعد ذلك في تشرين الثاني من عام 1955 م، أعاد الحسين بن طلال علي أبو نوار للأردن بشكل دائم، متجاوزًا غلوب باشا ورأيه في ذلك. وقد وصل أبو نوار للأردن وسط أجواءٍ مشحونةٍ بالعداء للبريطانيين. وفي أحد الاجتماعات بين علي أبو نوار وغلوب، أبدى غلوب استياءه من قرار الملك الحسين، كما هدد أبو نوار بأنه 'سيقصر حياته (أبو نوار' إذا تجرأ على التحريض على البريطانيين ومصالحهم في الأردن. وبعد أن عَلم الملك الحسين بتفاصيل اللقاء عيَّن أبو نوار في منصب المرافق العسكري الأعلى الخاص به. أيضًا فقد رقى الملكُ أبو نوار إلى رتبة مقدم. كان لأبو نوار في منصبه الجديد تأثير قوى على الملك الحسين الذي لم يكن يبلغ حينها من العمل سوى عشرين عامًا؛ إذ كان دائمًا لجانب الملك ناصحًا إياه أن يُسَرِّح غلوب باشا من الجيش وأن يقطع علاقات الأردن مع المملكة المتحدة. كان الحسين متأثرًا كذلك بضباطٍ وشخصياتٍ أردنيةٍ أخرى، بمن فيهم قريبه زيد بن شاكر. أيضًا، فإن الجو كان مشحونًا بطريقةٍ متزايدة بالأفكار التي تحض على مجابهة الإمبريالية وبالأفكار القومية العربية. وإشارةً على أفكار الملك الحسين القومية المتنامية آنذاك، وبكونها وسيلةً لتهدئة وتقريب المعارضة السياسية من حكمه؛ فقد أصدر الملك الشابُّ قراره بتسريح غلوب وجميع الضباط البريطانيين من الأردن. ولقد تعاون الملك الحسين مع علي أبو نوار والضباط الأحرار الآخرين من أجل اتخاذ كافة الاجراءات للوقاية من أي تحرك مضاد من قبل البريطانيين أو داعميهم إن وجدوا داخل الجيش. وهكذا، وفي 28 من شباط من عام 1956 م، كان على علي أبو نوار أن يضع قواته على أهبة الاستعداد؛ حيث وزع أعضاء حركة الضباط الأحرار على المراكز العسكرية المهمة في الأردن، وهي مطار عمّان والقاعدة العسكرية الكبرى في الزرقاء وفي القرب من مقر إقامة غلوب نفسه. وبعد أن تأكد أبو نوار من أمان المواقع، اجتمع الملك بمجلس الوزراء معلنًا قراره بتسريح غلوب ورفاقه البريطانيين في 1 آذار عام 1956 م. لم يقاوم غلوب القرار، حيث استجاب له وغادر الأردن في اليوم التالي. بعد ذلك، رقّى الملك رتبة أبو نوار لعقيد، واختار اللواء راضي عناب قائدًا للجيش الذي أصبح يُطلق عليه منذ ذلك الحين اسم القوات المسلحة الأردنية في مكان غلوب باشا.
رئيسا لهيئة الأركان العامة
أبو نوار يُصافح الرئيس المصري جمال عبد الناصر (يمين) في مصر عام 1956. أبو نوار كان مناصرًا لسياسات ناصر القومية .
بعد أن تقاعد اللواء راضي عناب، عُيِّن علي أبو نوار قائدًا عامًّا للجيش في 24 أيار عام 1956 م. طرد غلوب من الخدمة قوبِل بحماسٍ شديدٍ من الشعب الأردني والقوميين العرب داخل الأردن وخارجه. ومع ذلك، فإن ترقية أبو نوار لمنصب قائد الجيش لم يكن له قبولٌ واسع بين وحدات الجيش المتمرسة في القتال؛ والتي توصف بأنها ذات غالبيةٍ 'بدوية'؛ إذ لطالما عُدّ أبو نوار ضابطًا منافسًا، بيد أنه لم يكن يمتلك الخبرة اللازمة للقيادة. وضمن خطته وجهوده لتحديث الجيش، أصدر أبو نوار أوامره بأن يكون التعليم متطلّبًا لازمًا للترقية في الرتب العسكرية. هذا القرار أثر على كثيرٍ من الضباط - كثيرٌ منهم من البدو - بشكلٍ غير متكافئ؛ حيث كانوا يفتقرون للتعليم الأساسي. ونتيجةً لتلك العملية الإصلاحية؛ فإنَّ عدة ضباطٍ قد أُحيلوا على التقاعد، بينما نُقل آخرون لمواقع غير قيادية. ومن أجل خلق توازنٍ مع أي معارضةٍ قد تظهر من قبل قيادات الجيش لذاك التوجه؛ فقد أنشأ أبو نوار لواءًا جديدًا هو اللواء الرابع والذي كان يتكون في غالبيته من أردنيين من أصل فلسطيني لأن أبو نوار كان يعتقد أنهم سيشكلون جزءًا أساسيًّا لقوته داخل الجيش. كذلك، فإن اختيارات أبو نوار للضباط في الجيش كان لها علاقة بالتحول في العلاقات بين الأردن والمملكة المتحدة.
حمل أبو نوار كثيرًا من الأفكار الناصرية التي توصف بأنها مناهضة للاستعمار ومنادية بالقومية العربية خلال مدَّة قيادته للقوات المسلحة الأردنية عام 1956 م. وعلى سبيل المثال، فقد أبدى أبو نوار دعمه لجمال عبد الناصر ومبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي - الذي كان نشطًا في سورية والأردن - خلال اجتماعٍ عام 1956 م جمعه بالرئيس اللبناني كميل شمعون أحد معارضي عبد الناصر السياسيين في المنطقة. وفي ملاحظة لأحد مسؤولي السفارة الأمريكية في عَمَّان على علي أبو نوار خلال نقاشٍ معينٍ، فإنَّ أبو نوار كان ناصريًّا أكثر من جمال عبد الناصر نفسه. كذلك، فلقد وصفته وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.إيه) بأنه من غلاة القوميين
أخبار اليوم - علي أبو نوار (1925- 15 آب 1991) كان ضابطًا أردنيا تولى منصب رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الأردنية في شهر أيار من عام 1956 وبقي في منصبه ذاك حتى نيسان من عام 1957. شارك علي أبو نوار في حرب 1948 بصفته ضابطا في صنف المدفعية بالجيش الأردني. بسبب معارضته الدائمة للتدخل والانتداب البريطاني على الأردن نقل إلى باريس ليكون ملحقًا عسكريًا أردنيًّا فيها وذلك عام 1952، كما لو كان نفيًا فعليًّا له. في باريس، بدأ علي أبو نوار بصياغة علاقته بروابط متينة مع الحسين بن طلال ولي عهد العرش الأردني آنذاك، والذي رقّاه في الرتب بعد اعتلاءه العرش.
عداء أبو نوار لغلوب باشا القائد البريطاني للجيش الأردني ذو النفوذ والسيطرة، كان مرده لمقاومة غلوب باشا لتأسيس قيادة عربية للجيش؛ ولكن علاقته التي كونها مع الملك الحسين بن طلال كان لها أثرها في طرد غلوب ومجموعة الضباط البريطانين من الأردن عام 1956 م، فيما عُرِف بتعريب قيادة الجيش العربي. بعد طرد غلوب عيّن الملك علي أبو نوار مكانه قائدا عاما للجيش. ومع ذلك، فإن الدعم الشديد من علي أبو نوار لسياسات الرئيس المصري جمال عبد الناصر في المنطقة ساهم في زيادة ابتعاد الأردن عن المحور البريطاني الأمريكي، وهو الشيء الذي أدى بالتالي إلى تعطل كثير من المصالح المشتركة بين الأردن وتلك الدول والتي من ثمارها الدعم المالي الذي كان يحصل عليه الأردن منها. في ذات الوقت، فإن عدم الرضا عن قيادة علي أبو نوار للجيش في بعض الأوساط العسكرية وبعض الضباط في البلاط الملكي بلغ أوجه خلال المجابهات العنيفة في المعسكرات التابعة للجيش الأردني في الزرقاء والتي تُعرف باسم انقلاب 1957 بين الوحدات الموالية للملكية وبعض وحدات أخرى كان على رأسها ضباط من الناصريين واليساريين المتأثرين بالدول الأخرى. فيما يخص أحداث الزرقاء تلك، فهنالك روايتان، فأما الحكومة الأردنية والوحدات العسكرية الأردنية الملكية تتمسك بالرواية التي تقول أن الحادث كان انقلابا عسكريا كاملا، بينما يمضي المخالفون لهم في قولهم أن الحادثة كانت أشبه بمسرحية؛ حيث كان ما حدث انقلاب معاكس ضد الحركة القومية العربية في البلاد. وعلى أية حال، فإن علي أبو نوار استقال من منصبه قائدا للقوات المسلحة بينما سُمح له الخروج من المملكة إلى جارتها الشمالية سورية. حُكم على أبو نوار مباشرة بعد ذلك بالحبس غيابيًا لمدة 15 سنة.
قضى علي أبو نوار معظم وقته في المنفى بين كل من سورية ومصر وهو يحاول تنظيم المعارضة ضد الملك الحسين بن طلال وحكمه الملكي، كما كان يروج لفكرة براءته في أحداث معسكرات الزرقاء تلك. في عام 1964 م، عاد أبو نوار للأردن بعد عفو ملكي عن المعارضين في المنفى شمله وذلك في إطار الجهود التي بذلها الحسين مع معارضته في المنفى. في عام 1971 م، عُيِّن أبو نوار سفيرًا للأردن لدى باريس، وفي عام 1989 م، وبعد إجراء الانتخابات النيابية في ذلك العام عُيِّن عينا في مجلس الأعيان الأردني. تُوفى أبو نوار بمرض سرطان الدم في إحدى مستشفيات لندن عن غمرٍ يناهز 66 سنة، وذلك بعد سنة واحدة من نشره لكتابه حين تلاشت العرب (1948-1964) الذي يُعد سيرةً ذاتيةً له؛ أي في عام 1991 م.
وُلِد اللواء علي أبو نوار في مدينة السلط عام 1924 م مركز محافظة البلقاء في إمارة شرق الأردن (المملكة الأردني الهاشمية لاحقًا). عائلة أبو نوار من جهة والده كانت عشيرة عربية مرموقة في مدينة السلط. على الجهة الأخرى، كانت أمه شركسية. وفي صغره تأثر علي أبو نوار بما كان يصغي إليه من نقاشاتٍ تجري من والده وأقاربه عن الثورة العربية الكبرى عام 1916 م ووعد بلفور عام 1917 م وهزيمة المملكة العربية السورية عام 1920 م في معركة ميسلون وتأثير كل ذلك على أوضاع ومستقبل المنطقة العربية والشرق الأوسط عمومًا. خلال السنوات الأخيرة للحرب العظمى، خسرت الدولة العثمانية معظم أراضي ولاياتها العربية من خلال الثورة العربية الكبرى بجيشها الشريفي تحت قيادة الهاشميين وبالتحالف مع البريطانيين؛ لكن بعد نهاية الثورة استبدل العثمانيون باحتلالين فرنسي وآخر بريطاني على الأرض العربية في المشرق. وخلال عشرينيات وثلاثينات القرن العشرين تشكلت وانطلقت الثورات والمعارضات لذلك الاحتلال في الأردن وفلسطين وغيرهما من المناطق في الإقليم. في مذكراته، استدعى أبو نوار ما قاله معلمه له ولزملاءه في الصف في مدرسته مدرسة السلط الثانوية 'الأمة العربية استعمرت وقسمت وهذا كله على أكتاف جيلنا ليأخذ مسؤولياته من أجل الحرية والوحدة'.
لتحق علي أبو نوار بالجيش العربي ليصبح ضابط مدفعية خلال عام 1946 م، وذلك خلال عهد الملك عبد الله الأول بن الحسين. وخلال حرب 1948، خدم أبو نوار في الجيش وكان حينها برتبة ملازم ثان. من ثمَّ تلقى تدريبًا في كلية الأركان البريطانية في كامبرلي لمدة سنتين، قبل أن يرجع للأردن والتي أصبحت تتكون آنذاك من الضفة الشرقية والضفة الغربية نتيجةً لحرب 1948. تسببت هزيمة العرب وحجم الانتصارات والمكاسب للدولة العبرية إلى ازدياد النشاط النضالي القومي المضاد للاحتلال بين صفوف عدد ضخم من الضباط في الجيوش العربي، والذين ألقوا اللوم بدورهم على قياداتهم العسكرية والسياسية فيما يتعلق بالهزيمة في الحرب وانتصار الجانب اليهودي. وكانت نظرتهم لتلك القيادات أو 'الحرس القديم' أنها فاسدة وغير جديرة بمناصبها ومتحكم بها من قبل القوى الاستعمارية. من بين أولئك الضباط الحانقين كان علي أبو نوار. وعلى الرغم من كونه ليس من مؤسسي حركة الضباط الأحرار، وهي حركة سرية من الضباط ذوي التوجه البعثي مضادة للتواجد البريطاني في الجيش الأردني، إلا أنه التحق بها فور عودته للأردن عام 1950 م.
أضحى أبو نوار منتقدًا صخّابًا للمعونة البريطانية التي كانت تُقدَّم للأردن مقابل مصالح مشتركة للبلدين، حيث رآها أبو نوار بكونها تبعيةً لكل من القوة الانتدابية السابقة على الأردن بريطانيا والضابط ذو التأثير الكبير غلوب باشا قائد الجيش العربي الذي كان الضباط الأردنيين وخصوصا أولئك القوميين منهم يسخرون منه بكونه رمزًا لما تبقى من آثار الانتداب البريطاني على الأردن. بُعيد اغتيال الملك عبد الله الأول بن الحسين، كان وريثه الواضح وولي عهده هو طلال بن عبد الله غير أنه كان يُعاني من المرض كان يتعالج منه منذ مدة طويلة في الخارج. ولكونه كان متعاطفًا مع الضباط الأحرار؛ يرى البعض أن غلوب باشا وتوفيق أبو الهدى وحكومته كانوا قد تناقشوا في شأن منعه من الوصول للعرش، وقد استغلوا ذلك، فوضع طلال في مؤسسة صحية للأمراض النفسية في سويسرا. هذا الشيء كان يراه الضباط الأحرار حجة وتزييفًا للحقائق من أجل إبقاء طلال خارج البلاد. ردًّا على ذلك، كان أبو نوار يسعى لتنصيب طلال بالقوة ملكًا على الأردن؛ لذا أرسل الطبيب العسكري الأردني عوني حنون ليُعيد الملك طلال للأردن. ولكن الطبيب حنون مُنع من الزيارة؛ بسبب القيود على الزيارات في تلك المؤسسة الطبية، كما سرَّحه غلوب باشا من الخدمة بسبب ما رآه تحريضًا ضد المصالح البريطانية. ومع كل ما جرى، عاد الملك طلال ليمارس سلطاته الدستورية منهيًا بذلك عهد أخيه نايف الوصي على العرش آنذاك. بعد العودة تلك، أرسل أبو نوار رسالةً إليه يحثّه بها على طرد غلوب باشا من الخدمة. شكلت تلك الرسالة خطرًا على المصالح البريطانية في الأردن، مما دفع توفيق أبو الهدى وحكومته لنفي علي أبو نوار فعليًا من البلاد. بعد ذلك، أذعنت الحكومة لإبقاء أبو نوار، بيد أنها نقلته إلى باريس ليخدم فيها ملحقًا عسكريًا في شهر أيلول من العام 1952 م. بعد ذلك بمدة قصيرة وبقرارٍ من مجلس النواب الأردني أُزيح الملك طلال عن العرش بسبب عدم أهليته الصحية على متابعة شؤون الحكم.
خلال عمله في باريس، تمكن أبو نوار من مقابلة ابن الملك طلال وخليفته ملك الأردن آنذاك الحسين بن طلال، والذي كان يزور باريس دائما خلال عُطله؛ حيث كان في دراسته العسكرية في ساند هيرست. لقد كان علي أبو نوار شديد الحماس لأن يأخذ الحسين بن طلال في صفه وما يؤمن به من أفكار قومية تتعلق بطرد الضباط البريطانيين وإنهاء التأثير البريطاني على الجيش الأردني. أفكار أبو نوار تلك كان لها وقعها عند الحسين الذي تحمس لها، كما أنه في أيار من عام 1953 م - بعد توليه العرش - حاول الحسين إرجاع أبو نوار للأردن على الرغم من التحفظ الذي أبداه غلوب باشا. في شهر آب من ذات العام، زار الحسين لندن ودعا أبو نوار والضباط الذين يحملون ذات الأفكار، ومنهم عضو ما سُمي بحركة الضباط الأحرار شاهر أبو شحوت، لمقابلته. في ذلك الزمان والمكان، أخبر الضابط شاهر زميله أبو نوار عن تنظيم الضباط الأحرار في الأردن وخطته لـ'تعريب' قيادة الجيش العربي؛ وذلك بإزاحة القيادات البريطانية فيه بمن فيهم غلوب باشا. بعدها، وخلال احتفالٍ بتنصيب الحسين ملكًا على البلاد، أخبر أبو نوار الملك الحسين بن طلال بأنه أحد قادة حركة الضباط الأحرار؛ رغم أنه لم يكن كذلك، وبين للملك هدف الحركة التي يصرون على تحقيقها وهي بتنصيب قيادة عربية للجيش الأردني وتسريح كل الضباط البريطانيين، وهو الهدف الذي تلقاه الحسين وعمل عليه لاحقًا. كان الحسين بن طلال متأثرًا بأبو نوار الذي كان يبدي عدم رضاه علنًا عن الحضور البريطاني في الأردن حينها، وهو الأمر الذي أكسب أبو نوار تأييد الضباط الأردنيين.
كبير المرافقين
بعد عودة الحسين بن طلال للعاصمة عمّان استمر في ضغطه من أجل عودة أبو نوار للأردن؛ بيد أن غلوب باشا كان في الجهة المقابلة يبذل جهوده كلها من أجل إقالة أبو نوار. بعد ذلك في عام 1953 م، أرسل الملك الحسين علي أبو نوار لاجتماع قمة مع رئيس مصر القوي جمال عبد الناصر، والذي كان مؤخرًا قد قاد مجموعة ضباط انقلابية على النظام الملكي مطيحًا بالملك فاروق؛ حيث كان يرى ذلك النظام موالٍ للبريطانيين. بعد ذلك بعام، أي عام 1954 م، استُدعي أبو نوار لمشاورات مع العاهل الأردني آنذاك. بعد ذلك في تشرين الثاني من عام 1955 م، أعاد الحسين بن طلال علي أبو نوار للأردن بشكل دائم، متجاوزًا غلوب باشا ورأيه في ذلك. وقد وصل أبو نوار للأردن وسط أجواءٍ مشحونةٍ بالعداء للبريطانيين. وفي أحد الاجتماعات بين علي أبو نوار وغلوب، أبدى غلوب استياءه من قرار الملك الحسين، كما هدد أبو نوار بأنه 'سيقصر حياته (أبو نوار' إذا تجرأ على التحريض على البريطانيين ومصالحهم في الأردن. وبعد أن عَلم الملك الحسين بتفاصيل اللقاء عيَّن أبو نوار في منصب المرافق العسكري الأعلى الخاص به. أيضًا فقد رقى الملكُ أبو نوار إلى رتبة مقدم. كان لأبو نوار في منصبه الجديد تأثير قوى على الملك الحسين الذي لم يكن يبلغ حينها من العمل سوى عشرين عامًا؛ إذ كان دائمًا لجانب الملك ناصحًا إياه أن يُسَرِّح غلوب باشا من الجيش وأن يقطع علاقات الأردن مع المملكة المتحدة. كان الحسين متأثرًا كذلك بضباطٍ وشخصياتٍ أردنيةٍ أخرى، بمن فيهم قريبه زيد بن شاكر. أيضًا، فإن الجو كان مشحونًا بطريقةٍ متزايدة بالأفكار التي تحض على مجابهة الإمبريالية وبالأفكار القومية العربية. وإشارةً على أفكار الملك الحسين القومية المتنامية آنذاك، وبكونها وسيلةً لتهدئة وتقريب المعارضة السياسية من حكمه؛ فقد أصدر الملك الشابُّ قراره بتسريح غلوب وجميع الضباط البريطانيين من الأردن. ولقد تعاون الملك الحسين مع علي أبو نوار والضباط الأحرار الآخرين من أجل اتخاذ كافة الاجراءات للوقاية من أي تحرك مضاد من قبل البريطانيين أو داعميهم إن وجدوا داخل الجيش. وهكذا، وفي 28 من شباط من عام 1956 م، كان على علي أبو نوار أن يضع قواته على أهبة الاستعداد؛ حيث وزع أعضاء حركة الضباط الأحرار على المراكز العسكرية المهمة في الأردن، وهي مطار عمّان والقاعدة العسكرية الكبرى في الزرقاء وفي القرب من مقر إقامة غلوب نفسه. وبعد أن تأكد أبو نوار من أمان المواقع، اجتمع الملك بمجلس الوزراء معلنًا قراره بتسريح غلوب ورفاقه البريطانيين في 1 آذار عام 1956 م. لم يقاوم غلوب القرار، حيث استجاب له وغادر الأردن في اليوم التالي. بعد ذلك، رقّى الملك رتبة أبو نوار لعقيد، واختار اللواء راضي عناب قائدًا للجيش الذي أصبح يُطلق عليه منذ ذلك الحين اسم القوات المسلحة الأردنية في مكان غلوب باشا.
رئيسا لهيئة الأركان العامة
أبو نوار يُصافح الرئيس المصري جمال عبد الناصر (يمين) في مصر عام 1956. أبو نوار كان مناصرًا لسياسات ناصر القومية .
بعد أن تقاعد اللواء راضي عناب، عُيِّن علي أبو نوار قائدًا عامًّا للجيش في 24 أيار عام 1956 م. طرد غلوب من الخدمة قوبِل بحماسٍ شديدٍ من الشعب الأردني والقوميين العرب داخل الأردن وخارجه. ومع ذلك، فإن ترقية أبو نوار لمنصب قائد الجيش لم يكن له قبولٌ واسع بين وحدات الجيش المتمرسة في القتال؛ والتي توصف بأنها ذات غالبيةٍ 'بدوية'؛ إذ لطالما عُدّ أبو نوار ضابطًا منافسًا، بيد أنه لم يكن يمتلك الخبرة اللازمة للقيادة. وضمن خطته وجهوده لتحديث الجيش، أصدر أبو نوار أوامره بأن يكون التعليم متطلّبًا لازمًا للترقية في الرتب العسكرية. هذا القرار أثر على كثيرٍ من الضباط - كثيرٌ منهم من البدو - بشكلٍ غير متكافئ؛ حيث كانوا يفتقرون للتعليم الأساسي. ونتيجةً لتلك العملية الإصلاحية؛ فإنَّ عدة ضباطٍ قد أُحيلوا على التقاعد، بينما نُقل آخرون لمواقع غير قيادية. ومن أجل خلق توازنٍ مع أي معارضةٍ قد تظهر من قبل قيادات الجيش لذاك التوجه؛ فقد أنشأ أبو نوار لواءًا جديدًا هو اللواء الرابع والذي كان يتكون في غالبيته من أردنيين من أصل فلسطيني لأن أبو نوار كان يعتقد أنهم سيشكلون جزءًا أساسيًّا لقوته داخل الجيش. كذلك، فإن اختيارات أبو نوار للضباط في الجيش كان لها علاقة بالتحول في العلاقات بين الأردن والمملكة المتحدة.
حمل أبو نوار كثيرًا من الأفكار الناصرية التي توصف بأنها مناهضة للاستعمار ومنادية بالقومية العربية خلال مدَّة قيادته للقوات المسلحة الأردنية عام 1956 م. وعلى سبيل المثال، فقد أبدى أبو نوار دعمه لجمال عبد الناصر ومبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي - الذي كان نشطًا في سورية والأردن - خلال اجتماعٍ عام 1956 م جمعه بالرئيس اللبناني كميل شمعون أحد معارضي عبد الناصر السياسيين في المنطقة. وفي ملاحظة لأحد مسؤولي السفارة الأمريكية في عَمَّان على علي أبو نوار خلال نقاشٍ معينٍ، فإنَّ أبو نوار كان ناصريًّا أكثر من جمال عبد الناصر نفسه. كذلك، فلقد وصفته وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.إيه) بأنه من غلاة القوميين
التعليقات