د. فؤاد اياد خصاونة
في زمن التوترات والانقسامات، تبرز الثقافة كقوة ناعمة توحّد ولا تفرّق، تجمع ولا تُقصي، حاملة رسالة سامية مفادها أن الإنسان، أينما كان، يستحق أن يُعبّر عنه ويُسمع ويُحتفى به، فالثقافة ليست حكرًا على طبقة أو جماعة أو جهة أو فرد معين، بل هي نهرٌ جارٍ يتغذى من روافد متعددة، ويتسع للجميع دون استثناء، فالثقافة، في جوهرها، ليست فعل نُخَبٍ منعزلة، بل هي ممارسة مجتمعية حيّة تتغذى من التجارب اليومية، وتزدهر بالتنوع والاختلاف، فكما تتجاور في المتاحف لوحات الكلاسيكية والانطباعية، يجب أن تتجاور في واقعنا الثقافي الرواية الشعبية مع الشعر الحديث، والمنحوتة مع الوسائط الرقمية، والناقد المحترف مع المغني الشعبي.
أن المجتمعات التي تحتضن التعدد الثقافي وتُفسح المجال للجميع، هي مجتمعات أكثر حيوية وإبداعًا وتسامحًا، ففي ظل العولمة، لم تعد الثقافة رفاهية، بل وسيلة للبقاء، ولتعزيز المواطنة، وللتواصل مع الآخر على قاعدة الاحترام المتبادل، فالثقافة حين تُقصي أحدًا، تفقد شيئًا من روحها وبريقها، وتتحول من مساحة للأبداع إلى أداة للسلطة، أما حين تتسع للجميع، فإنها تصبح مرآة حقيقية للإنسان، تعبر عن مشكلاته وعوالمه برؤى متقدمة.
إن الثقافة، بطبيعتها الإنسانية الجامعة، تتسع للجميع دون إقصاء أو تمييز، كما هو الحال المعاش في الأردن الذي شكّل عبر تاريخه نموذجًا حيًّا في احتضان التنوع والتعددية على أسس من الوسطية والاعتدال، فقد ظل هذا الوطن مفتوحًا لكل من حمل فكرًا نيرًا أو إبداعًا صادقًا، بصرف النظر عن الأصل أو المنبت أو التوجه، وكما اتسعت أرضه لخطى الجميع، اتسع وجدانه للفكر المختلف، والرأي الآخر، والتعبير الحر، إيمانًا بأن التنوع مصدر غنى، وأن الثقافة لا تُبنى إلا بشراكة الجميع، من كل الخلفيات والانتماءات.
وقد شكلت مراكز صنع القرار الثقافي في الأردن، وفي مقدمتها وزارة الثقافة، شريكًا أساسيًا وداعمًا حقيقيًا لكل طاقة إبداعية، فمن خلال برامجها ومبادراتها ومهرجاناتها، أسهمت الوزارة في تحفيز الحركة الثقافية، واحتضان التجارب الجديدة، وتوفير المساحات التي تعزز حضور الثقافة في حياة الأفراد والمجتمع، وقدمت الدعم المالي واللوجستي أيضا، ويُحسب لها دورها المحوري في تشكيل الوعي الوطني، وصون الهوية الثقافية، ودفع المشهد الإبداعي نحو مزيد من الاتساع والتنوع، بما يعكس صورة الأردن كدولة تؤمن بالثقافة ركيزة للتنمية ورافعة للتغيير الإيجابي، وقد سارت كثير من مؤسسات المجتمع المحلي نهج الوزارة وبما يحقق مصلحة الجميع.
في المقابل لا تزال بعض الاوساط تعاني من ظاهرة تصنيف المثقفين والفنانين وفقًا لمعايير شكلية، ترتبط اما بالعلاقات والصداقات والولاءات، دون النظر إلى القيمة الفكرية أو الجمالية التي يقدمها الفرد، إن هذا النمط من التصنيف لا يعكس بالضرورة جودة التجربة الإبداعية أو عمقها، بل يكرّس صورة نمطية غير منصفة، تُقصي الكثير من المبدعين والموهبين صغارا وكبارا ، فكم من فنان أو مثقف يقدم أعمالًا نوعية، ويعبّر بصدق عن موهبته وهويته، وحتى عن قضاياه الشخصية، لكنه يُستبعد من المشهد لأسباب توصف بالشخصية، وقائمة على عدم قبول الاخر وقبول الاختلاف، فيطوى في غياهب النسيان.
إن ما نحتاجه اليوم هو مراجعة جادة لمفاهيم التقدير والاعتراف، تقوم على الانفتاح وتقبّل الآخر دون أحكام مسبقة، فالثقافة لا تحتمل الإقصاء، ولا تزدهر في بيئة تعتمد النخبوية، بل تتنفس عبر التنوع، وتُثري عندما تُمنح الفرص بالتساوي، فالمثقف الحقيقي ليس ذاك الذي ينصّب نفسه وصيًا على المشهد، بل من يدرك أن لكل صوت قيمته، ولكل تجربة فرادتها، سواء خرجت ممن يحب او ممن يختلف معه، وهذا الإدراك كفيل ببناء مشهد ثقافي أكثر عدالة، يُنصت للجميع، ويمنح كل مبدع ما يستحقه من اهتمام وتقدير.
إن الدور المطلوب اليوم منا جميعا، افراد ومؤسسات، لم يعد يقتصر على دعم الفعاليات الثقافية أو إنتاج الأعمال الفنية فحسب، بل يتطلب مبادرات حوارية جادة، على شكل مؤتمرات أو ورش عمل، تُعقد بمشاركة فاعلة من أولئك الذين يدّعون التفرد أو يحتكرون تعريف الثقافة والفنون، فمثل هذه اللقاءات قادرة على فتح مساحات للنقاش الصريح حول أهمية قبول الآخر واحترام الطاقات الجديدة، والتأكيد على أن الإبداع لا يخضع لاحتكار أو وصاية، بل ينمو ويتجدد بتعدد الأصوات والرؤى، وترسيخ هذه القيم من شأنه أن يخلق بيئة ثقافية صحية، عادلة، قائمة على الاحترام والتكامل لا الإقصاء والتصنيف.
وأخيرا لقد بات من المقلق أن بعض من المتبرعين بتصنيف المشهد الثقافي وتقييم أفراده يمارسون أدوارًا إقصائية لا تستند إلى معايير واضحة أو موضوعية، بل تُبنى أحيانًا على أهواء شخصية، أو خلافات في الرأي، أو تباين في التوجهات الفكرية، بل وربما على مشاعر الغيرة أو نزعة النكران تجاه الطاقات الجديدة، فغياب المرجعيات المهنية العادلة في التقييم، واستسهال الحكم على التجارب الإبداعية بناءً على الانطباع أو الانتماء، يفرغان الثقافة من محتواها الجامع، ويحولانها إلى مساحة مغلقة لا تعكس حيوية المجتمع وتعدديته، ومن هنا تبرز الحاجة الماسّة إلى إعادة الاعتبار لمبادئ الإنصاف والاعتراف بالتنوع، بوصفها أساسًا لأي نهضة ثقافية حقيقية.
د. فؤاد اياد خصاونة
في زمن التوترات والانقسامات، تبرز الثقافة كقوة ناعمة توحّد ولا تفرّق، تجمع ولا تُقصي، حاملة رسالة سامية مفادها أن الإنسان، أينما كان، يستحق أن يُعبّر عنه ويُسمع ويُحتفى به، فالثقافة ليست حكرًا على طبقة أو جماعة أو جهة أو فرد معين، بل هي نهرٌ جارٍ يتغذى من روافد متعددة، ويتسع للجميع دون استثناء، فالثقافة، في جوهرها، ليست فعل نُخَبٍ منعزلة، بل هي ممارسة مجتمعية حيّة تتغذى من التجارب اليومية، وتزدهر بالتنوع والاختلاف، فكما تتجاور في المتاحف لوحات الكلاسيكية والانطباعية، يجب أن تتجاور في واقعنا الثقافي الرواية الشعبية مع الشعر الحديث، والمنحوتة مع الوسائط الرقمية، والناقد المحترف مع المغني الشعبي.
أن المجتمعات التي تحتضن التعدد الثقافي وتُفسح المجال للجميع، هي مجتمعات أكثر حيوية وإبداعًا وتسامحًا، ففي ظل العولمة، لم تعد الثقافة رفاهية، بل وسيلة للبقاء، ولتعزيز المواطنة، وللتواصل مع الآخر على قاعدة الاحترام المتبادل، فالثقافة حين تُقصي أحدًا، تفقد شيئًا من روحها وبريقها، وتتحول من مساحة للأبداع إلى أداة للسلطة، أما حين تتسع للجميع، فإنها تصبح مرآة حقيقية للإنسان، تعبر عن مشكلاته وعوالمه برؤى متقدمة.
إن الثقافة، بطبيعتها الإنسانية الجامعة، تتسع للجميع دون إقصاء أو تمييز، كما هو الحال المعاش في الأردن الذي شكّل عبر تاريخه نموذجًا حيًّا في احتضان التنوع والتعددية على أسس من الوسطية والاعتدال، فقد ظل هذا الوطن مفتوحًا لكل من حمل فكرًا نيرًا أو إبداعًا صادقًا، بصرف النظر عن الأصل أو المنبت أو التوجه، وكما اتسعت أرضه لخطى الجميع، اتسع وجدانه للفكر المختلف، والرأي الآخر، والتعبير الحر، إيمانًا بأن التنوع مصدر غنى، وأن الثقافة لا تُبنى إلا بشراكة الجميع، من كل الخلفيات والانتماءات.
وقد شكلت مراكز صنع القرار الثقافي في الأردن، وفي مقدمتها وزارة الثقافة، شريكًا أساسيًا وداعمًا حقيقيًا لكل طاقة إبداعية، فمن خلال برامجها ومبادراتها ومهرجاناتها، أسهمت الوزارة في تحفيز الحركة الثقافية، واحتضان التجارب الجديدة، وتوفير المساحات التي تعزز حضور الثقافة في حياة الأفراد والمجتمع، وقدمت الدعم المالي واللوجستي أيضا، ويُحسب لها دورها المحوري في تشكيل الوعي الوطني، وصون الهوية الثقافية، ودفع المشهد الإبداعي نحو مزيد من الاتساع والتنوع، بما يعكس صورة الأردن كدولة تؤمن بالثقافة ركيزة للتنمية ورافعة للتغيير الإيجابي، وقد سارت كثير من مؤسسات المجتمع المحلي نهج الوزارة وبما يحقق مصلحة الجميع.
في المقابل لا تزال بعض الاوساط تعاني من ظاهرة تصنيف المثقفين والفنانين وفقًا لمعايير شكلية، ترتبط اما بالعلاقات والصداقات والولاءات، دون النظر إلى القيمة الفكرية أو الجمالية التي يقدمها الفرد، إن هذا النمط من التصنيف لا يعكس بالضرورة جودة التجربة الإبداعية أو عمقها، بل يكرّس صورة نمطية غير منصفة، تُقصي الكثير من المبدعين والموهبين صغارا وكبارا ، فكم من فنان أو مثقف يقدم أعمالًا نوعية، ويعبّر بصدق عن موهبته وهويته، وحتى عن قضاياه الشخصية، لكنه يُستبعد من المشهد لأسباب توصف بالشخصية، وقائمة على عدم قبول الاخر وقبول الاختلاف، فيطوى في غياهب النسيان.
إن ما نحتاجه اليوم هو مراجعة جادة لمفاهيم التقدير والاعتراف، تقوم على الانفتاح وتقبّل الآخر دون أحكام مسبقة، فالثقافة لا تحتمل الإقصاء، ولا تزدهر في بيئة تعتمد النخبوية، بل تتنفس عبر التنوع، وتُثري عندما تُمنح الفرص بالتساوي، فالمثقف الحقيقي ليس ذاك الذي ينصّب نفسه وصيًا على المشهد، بل من يدرك أن لكل صوت قيمته، ولكل تجربة فرادتها، سواء خرجت ممن يحب او ممن يختلف معه، وهذا الإدراك كفيل ببناء مشهد ثقافي أكثر عدالة، يُنصت للجميع، ويمنح كل مبدع ما يستحقه من اهتمام وتقدير.
إن الدور المطلوب اليوم منا جميعا، افراد ومؤسسات، لم يعد يقتصر على دعم الفعاليات الثقافية أو إنتاج الأعمال الفنية فحسب، بل يتطلب مبادرات حوارية جادة، على شكل مؤتمرات أو ورش عمل، تُعقد بمشاركة فاعلة من أولئك الذين يدّعون التفرد أو يحتكرون تعريف الثقافة والفنون، فمثل هذه اللقاءات قادرة على فتح مساحات للنقاش الصريح حول أهمية قبول الآخر واحترام الطاقات الجديدة، والتأكيد على أن الإبداع لا يخضع لاحتكار أو وصاية، بل ينمو ويتجدد بتعدد الأصوات والرؤى، وترسيخ هذه القيم من شأنه أن يخلق بيئة ثقافية صحية، عادلة، قائمة على الاحترام والتكامل لا الإقصاء والتصنيف.
وأخيرا لقد بات من المقلق أن بعض من المتبرعين بتصنيف المشهد الثقافي وتقييم أفراده يمارسون أدوارًا إقصائية لا تستند إلى معايير واضحة أو موضوعية، بل تُبنى أحيانًا على أهواء شخصية، أو خلافات في الرأي، أو تباين في التوجهات الفكرية، بل وربما على مشاعر الغيرة أو نزعة النكران تجاه الطاقات الجديدة، فغياب المرجعيات المهنية العادلة في التقييم، واستسهال الحكم على التجارب الإبداعية بناءً على الانطباع أو الانتماء، يفرغان الثقافة من محتواها الجامع، ويحولانها إلى مساحة مغلقة لا تعكس حيوية المجتمع وتعدديته، ومن هنا تبرز الحاجة الماسّة إلى إعادة الاعتبار لمبادئ الإنصاف والاعتراف بالتنوع، بوصفها أساسًا لأي نهضة ثقافية حقيقية.
د. فؤاد اياد خصاونة
في زمن التوترات والانقسامات، تبرز الثقافة كقوة ناعمة توحّد ولا تفرّق، تجمع ولا تُقصي، حاملة رسالة سامية مفادها أن الإنسان، أينما كان، يستحق أن يُعبّر عنه ويُسمع ويُحتفى به، فالثقافة ليست حكرًا على طبقة أو جماعة أو جهة أو فرد معين، بل هي نهرٌ جارٍ يتغذى من روافد متعددة، ويتسع للجميع دون استثناء، فالثقافة، في جوهرها، ليست فعل نُخَبٍ منعزلة، بل هي ممارسة مجتمعية حيّة تتغذى من التجارب اليومية، وتزدهر بالتنوع والاختلاف، فكما تتجاور في المتاحف لوحات الكلاسيكية والانطباعية، يجب أن تتجاور في واقعنا الثقافي الرواية الشعبية مع الشعر الحديث، والمنحوتة مع الوسائط الرقمية، والناقد المحترف مع المغني الشعبي.
أن المجتمعات التي تحتضن التعدد الثقافي وتُفسح المجال للجميع، هي مجتمعات أكثر حيوية وإبداعًا وتسامحًا، ففي ظل العولمة، لم تعد الثقافة رفاهية، بل وسيلة للبقاء، ولتعزيز المواطنة، وللتواصل مع الآخر على قاعدة الاحترام المتبادل، فالثقافة حين تُقصي أحدًا، تفقد شيئًا من روحها وبريقها، وتتحول من مساحة للأبداع إلى أداة للسلطة، أما حين تتسع للجميع، فإنها تصبح مرآة حقيقية للإنسان، تعبر عن مشكلاته وعوالمه برؤى متقدمة.
إن الثقافة، بطبيعتها الإنسانية الجامعة، تتسع للجميع دون إقصاء أو تمييز، كما هو الحال المعاش في الأردن الذي شكّل عبر تاريخه نموذجًا حيًّا في احتضان التنوع والتعددية على أسس من الوسطية والاعتدال، فقد ظل هذا الوطن مفتوحًا لكل من حمل فكرًا نيرًا أو إبداعًا صادقًا، بصرف النظر عن الأصل أو المنبت أو التوجه، وكما اتسعت أرضه لخطى الجميع، اتسع وجدانه للفكر المختلف، والرأي الآخر، والتعبير الحر، إيمانًا بأن التنوع مصدر غنى، وأن الثقافة لا تُبنى إلا بشراكة الجميع، من كل الخلفيات والانتماءات.
وقد شكلت مراكز صنع القرار الثقافي في الأردن، وفي مقدمتها وزارة الثقافة، شريكًا أساسيًا وداعمًا حقيقيًا لكل طاقة إبداعية، فمن خلال برامجها ومبادراتها ومهرجاناتها، أسهمت الوزارة في تحفيز الحركة الثقافية، واحتضان التجارب الجديدة، وتوفير المساحات التي تعزز حضور الثقافة في حياة الأفراد والمجتمع، وقدمت الدعم المالي واللوجستي أيضا، ويُحسب لها دورها المحوري في تشكيل الوعي الوطني، وصون الهوية الثقافية، ودفع المشهد الإبداعي نحو مزيد من الاتساع والتنوع، بما يعكس صورة الأردن كدولة تؤمن بالثقافة ركيزة للتنمية ورافعة للتغيير الإيجابي، وقد سارت كثير من مؤسسات المجتمع المحلي نهج الوزارة وبما يحقق مصلحة الجميع.
في المقابل لا تزال بعض الاوساط تعاني من ظاهرة تصنيف المثقفين والفنانين وفقًا لمعايير شكلية، ترتبط اما بالعلاقات والصداقات والولاءات، دون النظر إلى القيمة الفكرية أو الجمالية التي يقدمها الفرد، إن هذا النمط من التصنيف لا يعكس بالضرورة جودة التجربة الإبداعية أو عمقها، بل يكرّس صورة نمطية غير منصفة، تُقصي الكثير من المبدعين والموهبين صغارا وكبارا ، فكم من فنان أو مثقف يقدم أعمالًا نوعية، ويعبّر بصدق عن موهبته وهويته، وحتى عن قضاياه الشخصية، لكنه يُستبعد من المشهد لأسباب توصف بالشخصية، وقائمة على عدم قبول الاخر وقبول الاختلاف، فيطوى في غياهب النسيان.
إن ما نحتاجه اليوم هو مراجعة جادة لمفاهيم التقدير والاعتراف، تقوم على الانفتاح وتقبّل الآخر دون أحكام مسبقة، فالثقافة لا تحتمل الإقصاء، ولا تزدهر في بيئة تعتمد النخبوية، بل تتنفس عبر التنوع، وتُثري عندما تُمنح الفرص بالتساوي، فالمثقف الحقيقي ليس ذاك الذي ينصّب نفسه وصيًا على المشهد، بل من يدرك أن لكل صوت قيمته، ولكل تجربة فرادتها، سواء خرجت ممن يحب او ممن يختلف معه، وهذا الإدراك كفيل ببناء مشهد ثقافي أكثر عدالة، يُنصت للجميع، ويمنح كل مبدع ما يستحقه من اهتمام وتقدير.
إن الدور المطلوب اليوم منا جميعا، افراد ومؤسسات، لم يعد يقتصر على دعم الفعاليات الثقافية أو إنتاج الأعمال الفنية فحسب، بل يتطلب مبادرات حوارية جادة، على شكل مؤتمرات أو ورش عمل، تُعقد بمشاركة فاعلة من أولئك الذين يدّعون التفرد أو يحتكرون تعريف الثقافة والفنون، فمثل هذه اللقاءات قادرة على فتح مساحات للنقاش الصريح حول أهمية قبول الآخر واحترام الطاقات الجديدة، والتأكيد على أن الإبداع لا يخضع لاحتكار أو وصاية، بل ينمو ويتجدد بتعدد الأصوات والرؤى، وترسيخ هذه القيم من شأنه أن يخلق بيئة ثقافية صحية، عادلة، قائمة على الاحترام والتكامل لا الإقصاء والتصنيف.
وأخيرا لقد بات من المقلق أن بعض من المتبرعين بتصنيف المشهد الثقافي وتقييم أفراده يمارسون أدوارًا إقصائية لا تستند إلى معايير واضحة أو موضوعية، بل تُبنى أحيانًا على أهواء شخصية، أو خلافات في الرأي، أو تباين في التوجهات الفكرية، بل وربما على مشاعر الغيرة أو نزعة النكران تجاه الطاقات الجديدة، فغياب المرجعيات المهنية العادلة في التقييم، واستسهال الحكم على التجارب الإبداعية بناءً على الانطباع أو الانتماء، يفرغان الثقافة من محتواها الجامع، ويحولانها إلى مساحة مغلقة لا تعكس حيوية المجتمع وتعدديته، ومن هنا تبرز الحاجة الماسّة إلى إعادة الاعتبار لمبادئ الإنصاف والاعتراف بالتنوع، بوصفها أساسًا لأي نهضة ثقافية حقيقية.
التعليقات