أخبار اليوم - كانت تحتضن أمها وتضحك، قبل ساعتين فقط من الفاجعة. 'ليوش'، كما اعتادوا أن ينادوها، 'دلوعة البيت' و'روح الروح' عند الكل، 'نامت' في لحظة واحدة إلى الأبد.
انطفأت شموع الفرح التي كانت تشعلها ببراءتها. غادرت سريعا حتى قبل أن تحتفل معهم بعيد الأضحى الذي انتظرته طويلا لترتدي فستانا زاهيا تحيي به الأمل في أفراد عائلتها.
في 23 مايو/أيار، كانت ليا الجعبري (عامان ونصف العام) في جلسة عائلية بسيطة بعد منتصف الليل ببيت جدها الشهيد (والد أمها) بمدينة غزة. لحظة فرح خاطفة، نسفها الموت، بفعل صاروخ من طائرة حربية إسرائيلية.
'الصاروخ دخل فجأة، ما حسّينا فيه.. حضنت ليا، خفت يصيرلها إشي، صرت أتشاهد ولما انفجر قمت وأنا شايلة ليا بحضني'، تقول والدتها لصحيفة 'فلسطين'، وهي تمسك بكلماتها الهاربة من حضن الوجع.
نظرت إليها وهي تمني نفسها بأن طفلتها 'نائمة'، شاحت 'أم ليا' بنظرها إلى شقيقتها وأطفالها محاولة إفاقتهم، لكنهم لم يفعلوا، وانصدمت بالحقيقة: 'خلص استشهدوا'.
'مشيت ببنتي، أخذوها مني.. لحقتهم أشوف وين ماخدينها.. وصلنا المستشفى وتفرقنا.. ما كنت حاسة بإصابتي، كنت خايفة عليها، بنتي وحيدتي، من ريحة أبوها.. بس هي مشتاقاله وراحت عنده. سعيد (والدها) مبسوط بحبيبته، الله يرحمهم ويجمعنا فيهم بالجنة'، كأنما تواسي والدة ليا ذاتها بتلك الكلمات.
سريعا، غادرت ليا عالما لم تر فيه سوى حرب إبادة جماعية كانت إحدى ضحاياها، لتلحق بوالدها سعيد الذي استشهد قبل 19 شهرا.
وفي مجزرة سابقة، استشهد جدها (والد أمها) وأحد أخوالها، وأصيب خالها الأكبر وبترت قدماه. ثم جاءت المجزرة الأخيرة. واستشهدت ليا، وأصيبت أمها، واستشهد آخرون.
نجت الأم من المجزرة بأعجوبة، لكنها لا تزال تئن تحت وطأة كلمات طفلتها، وذكريات المواقف معها. قبل يوم من استشهادها، خطفت ليا نظر والدتها التي تمعنت بجمالها وقالت في سرها: 'ليا حليانة، يا عمري، كبرت.. ربنا يحفظها'.
رائحة العيد.. وفستان مؤجل
تعلقت ليا بأبيها بشدة رغم أنه استشهد قبل أن تتجاوز العام الأول من عمرها، ومازحت أمها أخيرا: 'أنا بدعيله، وأنت لا'. وقبل أيام من استشهادها، كانت أكثر الكلمات التي ترددها: 'حبيبي سعيد، بدي أروح عند بابا'.
'كانت تزور المقبرة، تبوس صورته، وإذا سألناها وين بابا؟ تقول: في الجنة'، والحديث هذه المرة لعمها عاصم الجعبري.
عاصم الذي أطلق على ليا لقب 'روح الروح'، لا يزال هو أيضا أسير حزنه على طفولتها. يقول لـ 'فلسطين أون لاين': استشهد سعيد، والد ليا، بعد 20 يوما من ذكرى ميلادها الأولى، وكان قد احتفل به كأنه لا يريد أن يفوته الوداع.
ومن يوم استشهاده، صارت ليا كل العائلة. جدتها كانت تناديها: 'أم سعيد الحلوة'، وكانت إذا زارت أهل والدها تحضر لهم حلوى وتقول: 'هذا من بابا سعيد'.
يذكر عم الطفلة كيف كانت رغم صغر سنها في منتهى الوعي والفطنة: 'قبل المجزرة، كانت تلعب مع بنت عمتها كنزي، وتشاجرت معها على 'بكلة'، ثم جاءت تبكي. أعطيتها 20 شيقلا وقلت لها: روحي اشتري بكلة وبراد جكارة فيها، راحت اشترت لتر براد، رجعت والكل شرب، حكتلها كنزي ما بدنا نشربها، لكن ليا قالت: حرام وشربتها'.
وفي محطات النزوح القسري التي عايشتها ليا منذ بداية الحرب، حيث كانت تقطن شرق حي الشجاعية، تبوأت الطفلة مكانة في نفوس كل من قابلوها.
'ليا صارت نجمة المدرسة (التي نزحت فيها)، كل ما تطلع على الساحة، النساء والرجال يركضوا يلاعبوها. كانت روحها خفيفة، جميلة، ولسانها ينقط كلاما أكبر من عمرها. سبحان الله، الكل كان يحبها'، يقول عمها.
عند استشهادها، وصلت الجدة إلى مجمع الشفاء الطبي (أو ما تبقى منه بعد أن دمره الاحتــلال)، وقالت وهي ترى ليا بلا نفس: 'والله يا تاتا، لسه بكرا بدي أروح أشتريلك فستان العيد.. سبتينا ورحتي عند أبوكي، يا حبيبتي..'.
ليا، حبيبة عائلتها، الابنة الوحيدة، الذكية، التي أطفأت وحدها ظلاما طويلا بعد رحيل أبيها، قررت أن تضيء الطريق إليه. مشت على الخطى، وغفت في حضن أمها، ثم صحا فيها الحنين، ونهضت إلى السماء.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - كانت تحتضن أمها وتضحك، قبل ساعتين فقط من الفاجعة. 'ليوش'، كما اعتادوا أن ينادوها، 'دلوعة البيت' و'روح الروح' عند الكل، 'نامت' في لحظة واحدة إلى الأبد.
انطفأت شموع الفرح التي كانت تشعلها ببراءتها. غادرت سريعا حتى قبل أن تحتفل معهم بعيد الأضحى الذي انتظرته طويلا لترتدي فستانا زاهيا تحيي به الأمل في أفراد عائلتها.
في 23 مايو/أيار، كانت ليا الجعبري (عامان ونصف العام) في جلسة عائلية بسيطة بعد منتصف الليل ببيت جدها الشهيد (والد أمها) بمدينة غزة. لحظة فرح خاطفة، نسفها الموت، بفعل صاروخ من طائرة حربية إسرائيلية.
'الصاروخ دخل فجأة، ما حسّينا فيه.. حضنت ليا، خفت يصيرلها إشي، صرت أتشاهد ولما انفجر قمت وأنا شايلة ليا بحضني'، تقول والدتها لصحيفة 'فلسطين'، وهي تمسك بكلماتها الهاربة من حضن الوجع.
نظرت إليها وهي تمني نفسها بأن طفلتها 'نائمة'، شاحت 'أم ليا' بنظرها إلى شقيقتها وأطفالها محاولة إفاقتهم، لكنهم لم يفعلوا، وانصدمت بالحقيقة: 'خلص استشهدوا'.
'مشيت ببنتي، أخذوها مني.. لحقتهم أشوف وين ماخدينها.. وصلنا المستشفى وتفرقنا.. ما كنت حاسة بإصابتي، كنت خايفة عليها، بنتي وحيدتي، من ريحة أبوها.. بس هي مشتاقاله وراحت عنده. سعيد (والدها) مبسوط بحبيبته، الله يرحمهم ويجمعنا فيهم بالجنة'، كأنما تواسي والدة ليا ذاتها بتلك الكلمات.
سريعا، غادرت ليا عالما لم تر فيه سوى حرب إبادة جماعية كانت إحدى ضحاياها، لتلحق بوالدها سعيد الذي استشهد قبل 19 شهرا.
وفي مجزرة سابقة، استشهد جدها (والد أمها) وأحد أخوالها، وأصيب خالها الأكبر وبترت قدماه. ثم جاءت المجزرة الأخيرة. واستشهدت ليا، وأصيبت أمها، واستشهد آخرون.
نجت الأم من المجزرة بأعجوبة، لكنها لا تزال تئن تحت وطأة كلمات طفلتها، وذكريات المواقف معها. قبل يوم من استشهادها، خطفت ليا نظر والدتها التي تمعنت بجمالها وقالت في سرها: 'ليا حليانة، يا عمري، كبرت.. ربنا يحفظها'.
رائحة العيد.. وفستان مؤجل
تعلقت ليا بأبيها بشدة رغم أنه استشهد قبل أن تتجاوز العام الأول من عمرها، ومازحت أمها أخيرا: 'أنا بدعيله، وأنت لا'. وقبل أيام من استشهادها، كانت أكثر الكلمات التي ترددها: 'حبيبي سعيد، بدي أروح عند بابا'.
'كانت تزور المقبرة، تبوس صورته، وإذا سألناها وين بابا؟ تقول: في الجنة'، والحديث هذه المرة لعمها عاصم الجعبري.
عاصم الذي أطلق على ليا لقب 'روح الروح'، لا يزال هو أيضا أسير حزنه على طفولتها. يقول لـ 'فلسطين أون لاين': استشهد سعيد، والد ليا، بعد 20 يوما من ذكرى ميلادها الأولى، وكان قد احتفل به كأنه لا يريد أن يفوته الوداع.
ومن يوم استشهاده، صارت ليا كل العائلة. جدتها كانت تناديها: 'أم سعيد الحلوة'، وكانت إذا زارت أهل والدها تحضر لهم حلوى وتقول: 'هذا من بابا سعيد'.
يذكر عم الطفلة كيف كانت رغم صغر سنها في منتهى الوعي والفطنة: 'قبل المجزرة، كانت تلعب مع بنت عمتها كنزي، وتشاجرت معها على 'بكلة'، ثم جاءت تبكي. أعطيتها 20 شيقلا وقلت لها: روحي اشتري بكلة وبراد جكارة فيها، راحت اشترت لتر براد، رجعت والكل شرب، حكتلها كنزي ما بدنا نشربها، لكن ليا قالت: حرام وشربتها'.
وفي محطات النزوح القسري التي عايشتها ليا منذ بداية الحرب، حيث كانت تقطن شرق حي الشجاعية، تبوأت الطفلة مكانة في نفوس كل من قابلوها.
'ليا صارت نجمة المدرسة (التي نزحت فيها)، كل ما تطلع على الساحة، النساء والرجال يركضوا يلاعبوها. كانت روحها خفيفة، جميلة، ولسانها ينقط كلاما أكبر من عمرها. سبحان الله، الكل كان يحبها'، يقول عمها.
عند استشهادها، وصلت الجدة إلى مجمع الشفاء الطبي (أو ما تبقى منه بعد أن دمره الاحتــلال)، وقالت وهي ترى ليا بلا نفس: 'والله يا تاتا، لسه بكرا بدي أروح أشتريلك فستان العيد.. سبتينا ورحتي عند أبوكي، يا حبيبتي..'.
ليا، حبيبة عائلتها، الابنة الوحيدة، الذكية، التي أطفأت وحدها ظلاما طويلا بعد رحيل أبيها، قررت أن تضيء الطريق إليه. مشت على الخطى، وغفت في حضن أمها، ثم صحا فيها الحنين، ونهضت إلى السماء.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - كانت تحتضن أمها وتضحك، قبل ساعتين فقط من الفاجعة. 'ليوش'، كما اعتادوا أن ينادوها، 'دلوعة البيت' و'روح الروح' عند الكل، 'نامت' في لحظة واحدة إلى الأبد.
انطفأت شموع الفرح التي كانت تشعلها ببراءتها. غادرت سريعا حتى قبل أن تحتفل معهم بعيد الأضحى الذي انتظرته طويلا لترتدي فستانا زاهيا تحيي به الأمل في أفراد عائلتها.
في 23 مايو/أيار، كانت ليا الجعبري (عامان ونصف العام) في جلسة عائلية بسيطة بعد منتصف الليل ببيت جدها الشهيد (والد أمها) بمدينة غزة. لحظة فرح خاطفة، نسفها الموت، بفعل صاروخ من طائرة حربية إسرائيلية.
'الصاروخ دخل فجأة، ما حسّينا فيه.. حضنت ليا، خفت يصيرلها إشي، صرت أتشاهد ولما انفجر قمت وأنا شايلة ليا بحضني'، تقول والدتها لصحيفة 'فلسطين'، وهي تمسك بكلماتها الهاربة من حضن الوجع.
نظرت إليها وهي تمني نفسها بأن طفلتها 'نائمة'، شاحت 'أم ليا' بنظرها إلى شقيقتها وأطفالها محاولة إفاقتهم، لكنهم لم يفعلوا، وانصدمت بالحقيقة: 'خلص استشهدوا'.
'مشيت ببنتي، أخذوها مني.. لحقتهم أشوف وين ماخدينها.. وصلنا المستشفى وتفرقنا.. ما كنت حاسة بإصابتي، كنت خايفة عليها، بنتي وحيدتي، من ريحة أبوها.. بس هي مشتاقاله وراحت عنده. سعيد (والدها) مبسوط بحبيبته، الله يرحمهم ويجمعنا فيهم بالجنة'، كأنما تواسي والدة ليا ذاتها بتلك الكلمات.
سريعا، غادرت ليا عالما لم تر فيه سوى حرب إبادة جماعية كانت إحدى ضحاياها، لتلحق بوالدها سعيد الذي استشهد قبل 19 شهرا.
وفي مجزرة سابقة، استشهد جدها (والد أمها) وأحد أخوالها، وأصيب خالها الأكبر وبترت قدماه. ثم جاءت المجزرة الأخيرة. واستشهدت ليا، وأصيبت أمها، واستشهد آخرون.
نجت الأم من المجزرة بأعجوبة، لكنها لا تزال تئن تحت وطأة كلمات طفلتها، وذكريات المواقف معها. قبل يوم من استشهادها، خطفت ليا نظر والدتها التي تمعنت بجمالها وقالت في سرها: 'ليا حليانة، يا عمري، كبرت.. ربنا يحفظها'.
رائحة العيد.. وفستان مؤجل
تعلقت ليا بأبيها بشدة رغم أنه استشهد قبل أن تتجاوز العام الأول من عمرها، ومازحت أمها أخيرا: 'أنا بدعيله، وأنت لا'. وقبل أيام من استشهادها، كانت أكثر الكلمات التي ترددها: 'حبيبي سعيد، بدي أروح عند بابا'.
'كانت تزور المقبرة، تبوس صورته، وإذا سألناها وين بابا؟ تقول: في الجنة'، والحديث هذه المرة لعمها عاصم الجعبري.
عاصم الذي أطلق على ليا لقب 'روح الروح'، لا يزال هو أيضا أسير حزنه على طفولتها. يقول لـ 'فلسطين أون لاين': استشهد سعيد، والد ليا، بعد 20 يوما من ذكرى ميلادها الأولى، وكان قد احتفل به كأنه لا يريد أن يفوته الوداع.
ومن يوم استشهاده، صارت ليا كل العائلة. جدتها كانت تناديها: 'أم سعيد الحلوة'، وكانت إذا زارت أهل والدها تحضر لهم حلوى وتقول: 'هذا من بابا سعيد'.
يذكر عم الطفلة كيف كانت رغم صغر سنها في منتهى الوعي والفطنة: 'قبل المجزرة، كانت تلعب مع بنت عمتها كنزي، وتشاجرت معها على 'بكلة'، ثم جاءت تبكي. أعطيتها 20 شيقلا وقلت لها: روحي اشتري بكلة وبراد جكارة فيها، راحت اشترت لتر براد، رجعت والكل شرب، حكتلها كنزي ما بدنا نشربها، لكن ليا قالت: حرام وشربتها'.
وفي محطات النزوح القسري التي عايشتها ليا منذ بداية الحرب، حيث كانت تقطن شرق حي الشجاعية، تبوأت الطفلة مكانة في نفوس كل من قابلوها.
'ليا صارت نجمة المدرسة (التي نزحت فيها)، كل ما تطلع على الساحة، النساء والرجال يركضوا يلاعبوها. كانت روحها خفيفة، جميلة، ولسانها ينقط كلاما أكبر من عمرها. سبحان الله، الكل كان يحبها'، يقول عمها.
عند استشهادها، وصلت الجدة إلى مجمع الشفاء الطبي (أو ما تبقى منه بعد أن دمره الاحتــلال)، وقالت وهي ترى ليا بلا نفس: 'والله يا تاتا، لسه بكرا بدي أروح أشتريلك فستان العيد.. سبتينا ورحتي عند أبوكي، يا حبيبتي..'.
ليا، حبيبة عائلتها، الابنة الوحيدة، الذكية، التي أطفأت وحدها ظلاما طويلا بعد رحيل أبيها، قررت أن تضيء الطريق إليه. مشت على الخطى، وغفت في حضن أمها، ثم صحا فيها الحنين، ونهضت إلى السماء.
فلسطين أون لاين
التعليقات