أخبار اليوم - منذ ساعات الصباح، ينهمك جهاد حجازي وهو نازح قسرا من مدينة رفح إلى شاطئ بحر المواصي غرب مدينة خان يونس في إنشاء ساتر رملي لصد مياه البحر التي كانت تغمر خيام النازحين على الشاطئ بفعل المد والجزر.
يغرس حجازي أداة حفر فتمتلئ بالرمال المبللة بالمياه، ويرميها على جبل من الرمال ثم يعاود الحفر ورمي كمية رمال تجاه الجبل ويكرر المحاولة لعشرات المرات، تتصبب هامته عرقًا وهو يقف في حفر بعمق متر لاستيعاب الرمال قبل أن تصل خيمته، وهكذا يفعل النازحون على شاطئ لمواجهة مياه البحر، ويوميًا يكررون المحاولة.
وبين ساعة وأخرى تأكل الأمواج القوية السواتر الرملية وتتلامس مع الخيام أو تغمرها، ليبدأ في العمل بواسطة أدوات حفر لإنشاء سواتر رملية أخرى وقنوات بحفر ما يشبه الخندق بعمق متر لتصد المياه قبل أن تصل الخيمة، في معاناة يومية يعيشها النازحون على شاطئ المواصي، وما يزيد المعاناة تكدس خيام النازحين على الشاطئ عدم اتساع الشاطئ نتيجة إنشاء ميناء مصري أدى لنحر الشاطئ على مسافة عدة كيلو مترات فتأثر به الشاطئ بمدينتي رفح وخان يونس.
وأمام تكدس المواصي بالنازحين وعدم وجود أماكن للنازحين الجدد بعد نشر الاحتلال أوامر إخلاء لمعظم سكان المدينة، بات شاطئ البحر الملاذ الأخير والمأوى الإجباري لهم، بالرغم من المعاناة الكبيرة بالعيش على الشاطئ بدءًا من مياه البحر التي تغمر الخيام وارتفاع درجات الحرارة، والتصاق الرمال بأجسادهم طوال الوقت وانتشار حشرات تتسبب بأمراض مختلفة خاصة الأمراض الجلدية.
بينما تبلل قطرات العرق جبين حجازي وهو يعيد رفع الساتر مرة أخرى، يقول لـ 'فلسطين أون لاين': 'بفعل الحرارة الشديدة تمزقت الخيمة واهترأت. بشكل يومي ننشئ سواتر رملية لكن لا فائدة فأي موجة قوية تأتي تقوم بتدميرها'.
بملامح يائسة وصوت منهك إثر التعب، يضيف: 'هذا الساتر أنشأته اليوم أربع مرات، فيعني أنك تمضي كل يومك فقط في مواجهة موج بحر، إضافة للمعاناة الأخرى في توفير مياه الغسل أو الشرب، فأقرب بئر يبعد عنا نحو كيلو متر ولا يمكن نقل المياه منه، وكذلك شاحنات توزيع مياه الشرب تأتي مرة أسبوعيًا وتمر علينا ساعات ونحن نعيش في عطش شديد'.
ويتابع بصوته المتعب من أثر العمل: 'لا يمكن استعمال مياه البحر لأنها تتسبب بحساسية في الجلد، ولا يمكن استخدامها حتى في جلي الأواني، فضلا عن عدم وجود دخل أو طعام أو تكيات خيرية. حاولت البحث عن مكان بديل عن الشاطئ لكني لم أجد'.
سواتر غير مجدية
على غرار ما كان يفعله حجازي، وعلى بعد عشرات الأمتار منه لم يمنع ساتر من ألواح الزينكو أنشأه مجدي شكشك مياه البحر من الالتفاف من يسار الخيمة وتبليل الملابس والفراش، يقول لـ 'فلسطين أون لاين' بينما تجري المياه أسفل قدميه لتضرب الساتر بنظرات حائرة ونبرة عجز: ' هذا بحر ولا يمكن مواجهته. نعيش بمعاناة كبيرة على الشاطئ فباستمرار تغمر المياه الخيمة وتبلل الفراش، وهذه حياة غير طبيعية يعيشها النازحون. كما ترى الساتر الذي تحفره بالعمل المتواصل لمدة ساعة تضيعه موجة واحدة'.
أمام ارتفاع الأمواج المتكرر، يقف شكشك عاجزًا عن مواجهة مياه البحر، يعيش حياة صعبة تتحول فيها خيمته إلى فرن حارق مع ساعات الظهيرة خاصة: 'الحياة على الشاطئ مرهقة في كل تفاصيلها، ارتفاع حرارة الأجواء غير عادي، خاصة عندما ترتفع الرطوبة، حتى أن ملامحنا أصبحت داكنة ونتعرض لتسلخ الجلود باستمرار'.
ومؤخرًا، نزح شكشك بحي الأمل وسط خان يونس والذي تعرض للإخلاء القسري، ويضيف: 'هناك كنا نشعر بشيء أفضل في تفاصيل الحياة، وإن كنا نعيش بين الركام لكن ليس بهذه الصعوبة وقسوة الحياة التي نعيشها على شاطئ البحر، كنا نجد المياه وهنا شحيحة جدًا، وبصعوبة يتم توفيرها وأحيانا لا نجد خزانات لبيع مياه الشرب'.
وعلى مد البصر تتلاصق الخيام على شاطئ البحر وتتكدس بالنازحين، ولم تعد المسافة الفاصلة بين المياه والخيام سوى أمتار قليلة وبفعل المد والجزر تتلاشى المسافة ويصبح التقارب صفرًا، وهو ما كان عليه الحال حينما زرنا شاطئ البحر والتقينا بالمواطنين، في أحد أكبر الأزمات التي يعيشها النازحون في قطاع غزة.
وما زاد حالة التكدس على شاطئ البحر ومنطقة المواصي إفراغ الاحتلال لكل مدينة رفح ومعظم مدينة خان يونس، ما جعل الأهالي يتكدسون بالمواصي ذات طبيعة المناخ الصحراوي والتي تفتقر فيها للمياه ويعتمد النازحون على شاحنات توزيع المياه والتي تعاني أزمة وقود مما جعلها تقلص توزيع المياه من ثلاث مرات أسبوعيا إلى مرة واحدة وعلى آبار المزارعين الخاصة وهي قليلة مقارنة بحجم الاحتياج.
وعن أزمة المياه، يوضح شكشك: 'لا نستطيع حمل جالونات مياه لمسافة طويلة، هربنا من إطلاق النار والدمار والقتل إلى موت بطيء بكل معنى الكلمة'.
وفي السابق كان يأتي مع عائلته للترفيه على الشاطئ، واليوم تفرض عليه تجربة نزوح إجبارية هي الأقسى التي يعيشها: 'معاناة النزوح على الشاطئ صعبة ولا يمكن التعبير عنها. أسراب الذباب لا تفارق الخيام، حشرات لا نعرفها تعيش في الرمال وكأننا اقتحمنا عالمها، ارتفاع درجة الحرارة يحول الخيمة إلى فرن بمعنى الكلمة'.
وأمام شح المياه، يهرب الناس للاستحمام بمياه البحر التي يجدها البعض الملاذ الوحيد للترويح عن النفس من ضغط حياة النزوح، كحال الشاب عبد الفتاح أبو السعيد الذي كان يبلل جسده داخل مياه البحر، ويلهو برفقة أطفال من عائلته على الشاطئ، يقول: 'نزحت من محيط مجمع ناصر الطبي. الحياة في الخيام صعبة بأجوائها الحارة، ومع قلة المياه نأتي للبحر للاستحمام'.
خطر حقيقي
في خيمة على شكل مثلث مصنوعة من شادر ويقسمها من المنتصف قاطع خشبي، يعيش محمد فايز قديح هو و11 فردا من عائلته مع والديه في خيمة صغيرة لا يزيد عرضها عن ثلاثة أمتار مربعة في رحلة نزوح جديدة يعيشها على شاطئ البحر قادما من بلدة عبسان الكبيرة شرق المدينة.
تنقل قديح لعدة أماكن ونام وعائلته قرب أحد المساجد لعدة أيام إلى أن جاء إلى شاطئ البحر، ليعيش في معاناة يومية كحال سابقيه، إذ تعرضت خيمته لغمر المياه، ويحكي عن معاناته بينما كان يتشارك مع أطفاله وشقيقه في إنشاء ساتر رملية لصد أمواج البحر: 'حياتنا هنا صعبة، خاصة أن هناك حالة تجويع شديدة وأزمات مستمرة، فمشكلتنا ليست فقط مع مياه البحر وإن كانت هي الأصعب علينا كونها تهدد حياة اطفالنا'.
وفي الليل يرافق تقدم المياه تجاه الخيام صوت هدير الأمواج فيبعث الخوف والرعب لدى الأطفال والنساء، ويبقى والدهم في حالة قلق دائم، يتحدث عنها وهو يجلس بين أطفاله الصغار: 'تنام بنصف عين، خوفا من أن تقوم المياه بسحب أطفالك، لأن الموجة عندما تأتي للخيمة مع التقدم الكبير للمياه وتتلاشى المسافة تكون قوية واحتمالية سحب جسد طفل صغير ليس مستبعدًا، لذلك ننشئ السواتر لتقليل تلك المخاطر'.
ومع اشتداد المجاعة يجد قديح نفسه مجبرا على الذهاب إلى 'مصائد الموت' التي تديرها ما تسمى 'مؤسسة غزة الإنسانية' المدعومة أمريكيا وإسرائيليا بدعوى توزيع المساعدات على المجوعين، ويعرض نفسه للخطر لأجل جلب لقمة العيش لأطفاله، وعن ذلك يقول: 'نذهب إلى هناك لتوفير لقمة وهي رحلة شاقة وخطرة في نفس الوقت ومغمسة بالدم، وهي بدون فائدة فذهبت على مدار أسبوع كامل ولم أعد بشيء سوى آثار نفسية من لحظات الرعب التي عيشتها تحت نيران جيش الاحتلال'.
مع ساعات العصر تبرد حرارة الأجواء قليلا على البحر، وبينما ينشغل سكان الخيام في إنشاء السواتر بشكل متواصل، يأتي آخرون ممن لا يعيشون على الشاطئ إلى البحر للترفيه عن النفس باعتباره المتنفس الوحيد لهم بعد تدمير الاحتلال جميع المتنزهات والمرافق العامة.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - منذ ساعات الصباح، ينهمك جهاد حجازي وهو نازح قسرا من مدينة رفح إلى شاطئ بحر المواصي غرب مدينة خان يونس في إنشاء ساتر رملي لصد مياه البحر التي كانت تغمر خيام النازحين على الشاطئ بفعل المد والجزر.
يغرس حجازي أداة حفر فتمتلئ بالرمال المبللة بالمياه، ويرميها على جبل من الرمال ثم يعاود الحفر ورمي كمية رمال تجاه الجبل ويكرر المحاولة لعشرات المرات، تتصبب هامته عرقًا وهو يقف في حفر بعمق متر لاستيعاب الرمال قبل أن تصل خيمته، وهكذا يفعل النازحون على شاطئ لمواجهة مياه البحر، ويوميًا يكررون المحاولة.
وبين ساعة وأخرى تأكل الأمواج القوية السواتر الرملية وتتلامس مع الخيام أو تغمرها، ليبدأ في العمل بواسطة أدوات حفر لإنشاء سواتر رملية أخرى وقنوات بحفر ما يشبه الخندق بعمق متر لتصد المياه قبل أن تصل الخيمة، في معاناة يومية يعيشها النازحون على شاطئ المواصي، وما يزيد المعاناة تكدس خيام النازحين على الشاطئ عدم اتساع الشاطئ نتيجة إنشاء ميناء مصري أدى لنحر الشاطئ على مسافة عدة كيلو مترات فتأثر به الشاطئ بمدينتي رفح وخان يونس.
وأمام تكدس المواصي بالنازحين وعدم وجود أماكن للنازحين الجدد بعد نشر الاحتلال أوامر إخلاء لمعظم سكان المدينة، بات شاطئ البحر الملاذ الأخير والمأوى الإجباري لهم، بالرغم من المعاناة الكبيرة بالعيش على الشاطئ بدءًا من مياه البحر التي تغمر الخيام وارتفاع درجات الحرارة، والتصاق الرمال بأجسادهم طوال الوقت وانتشار حشرات تتسبب بأمراض مختلفة خاصة الأمراض الجلدية.
بينما تبلل قطرات العرق جبين حجازي وهو يعيد رفع الساتر مرة أخرى، يقول لـ 'فلسطين أون لاين': 'بفعل الحرارة الشديدة تمزقت الخيمة واهترأت. بشكل يومي ننشئ سواتر رملية لكن لا فائدة فأي موجة قوية تأتي تقوم بتدميرها'.
بملامح يائسة وصوت منهك إثر التعب، يضيف: 'هذا الساتر أنشأته اليوم أربع مرات، فيعني أنك تمضي كل يومك فقط في مواجهة موج بحر، إضافة للمعاناة الأخرى في توفير مياه الغسل أو الشرب، فأقرب بئر يبعد عنا نحو كيلو متر ولا يمكن نقل المياه منه، وكذلك شاحنات توزيع مياه الشرب تأتي مرة أسبوعيًا وتمر علينا ساعات ونحن نعيش في عطش شديد'.
ويتابع بصوته المتعب من أثر العمل: 'لا يمكن استعمال مياه البحر لأنها تتسبب بحساسية في الجلد، ولا يمكن استخدامها حتى في جلي الأواني، فضلا عن عدم وجود دخل أو طعام أو تكيات خيرية. حاولت البحث عن مكان بديل عن الشاطئ لكني لم أجد'.
سواتر غير مجدية
على غرار ما كان يفعله حجازي، وعلى بعد عشرات الأمتار منه لم يمنع ساتر من ألواح الزينكو أنشأه مجدي شكشك مياه البحر من الالتفاف من يسار الخيمة وتبليل الملابس والفراش، يقول لـ 'فلسطين أون لاين' بينما تجري المياه أسفل قدميه لتضرب الساتر بنظرات حائرة ونبرة عجز: ' هذا بحر ولا يمكن مواجهته. نعيش بمعاناة كبيرة على الشاطئ فباستمرار تغمر المياه الخيمة وتبلل الفراش، وهذه حياة غير طبيعية يعيشها النازحون. كما ترى الساتر الذي تحفره بالعمل المتواصل لمدة ساعة تضيعه موجة واحدة'.
أمام ارتفاع الأمواج المتكرر، يقف شكشك عاجزًا عن مواجهة مياه البحر، يعيش حياة صعبة تتحول فيها خيمته إلى فرن حارق مع ساعات الظهيرة خاصة: 'الحياة على الشاطئ مرهقة في كل تفاصيلها، ارتفاع حرارة الأجواء غير عادي، خاصة عندما ترتفع الرطوبة، حتى أن ملامحنا أصبحت داكنة ونتعرض لتسلخ الجلود باستمرار'.
ومؤخرًا، نزح شكشك بحي الأمل وسط خان يونس والذي تعرض للإخلاء القسري، ويضيف: 'هناك كنا نشعر بشيء أفضل في تفاصيل الحياة، وإن كنا نعيش بين الركام لكن ليس بهذه الصعوبة وقسوة الحياة التي نعيشها على شاطئ البحر، كنا نجد المياه وهنا شحيحة جدًا، وبصعوبة يتم توفيرها وأحيانا لا نجد خزانات لبيع مياه الشرب'.
وعلى مد البصر تتلاصق الخيام على شاطئ البحر وتتكدس بالنازحين، ولم تعد المسافة الفاصلة بين المياه والخيام سوى أمتار قليلة وبفعل المد والجزر تتلاشى المسافة ويصبح التقارب صفرًا، وهو ما كان عليه الحال حينما زرنا شاطئ البحر والتقينا بالمواطنين، في أحد أكبر الأزمات التي يعيشها النازحون في قطاع غزة.
وما زاد حالة التكدس على شاطئ البحر ومنطقة المواصي إفراغ الاحتلال لكل مدينة رفح ومعظم مدينة خان يونس، ما جعل الأهالي يتكدسون بالمواصي ذات طبيعة المناخ الصحراوي والتي تفتقر فيها للمياه ويعتمد النازحون على شاحنات توزيع المياه والتي تعاني أزمة وقود مما جعلها تقلص توزيع المياه من ثلاث مرات أسبوعيا إلى مرة واحدة وعلى آبار المزارعين الخاصة وهي قليلة مقارنة بحجم الاحتياج.
وعن أزمة المياه، يوضح شكشك: 'لا نستطيع حمل جالونات مياه لمسافة طويلة، هربنا من إطلاق النار والدمار والقتل إلى موت بطيء بكل معنى الكلمة'.
وفي السابق كان يأتي مع عائلته للترفيه على الشاطئ، واليوم تفرض عليه تجربة نزوح إجبارية هي الأقسى التي يعيشها: 'معاناة النزوح على الشاطئ صعبة ولا يمكن التعبير عنها. أسراب الذباب لا تفارق الخيام، حشرات لا نعرفها تعيش في الرمال وكأننا اقتحمنا عالمها، ارتفاع درجة الحرارة يحول الخيمة إلى فرن بمعنى الكلمة'.
وأمام شح المياه، يهرب الناس للاستحمام بمياه البحر التي يجدها البعض الملاذ الوحيد للترويح عن النفس من ضغط حياة النزوح، كحال الشاب عبد الفتاح أبو السعيد الذي كان يبلل جسده داخل مياه البحر، ويلهو برفقة أطفال من عائلته على الشاطئ، يقول: 'نزحت من محيط مجمع ناصر الطبي. الحياة في الخيام صعبة بأجوائها الحارة، ومع قلة المياه نأتي للبحر للاستحمام'.
خطر حقيقي
في خيمة على شكل مثلث مصنوعة من شادر ويقسمها من المنتصف قاطع خشبي، يعيش محمد فايز قديح هو و11 فردا من عائلته مع والديه في خيمة صغيرة لا يزيد عرضها عن ثلاثة أمتار مربعة في رحلة نزوح جديدة يعيشها على شاطئ البحر قادما من بلدة عبسان الكبيرة شرق المدينة.
تنقل قديح لعدة أماكن ونام وعائلته قرب أحد المساجد لعدة أيام إلى أن جاء إلى شاطئ البحر، ليعيش في معاناة يومية كحال سابقيه، إذ تعرضت خيمته لغمر المياه، ويحكي عن معاناته بينما كان يتشارك مع أطفاله وشقيقه في إنشاء ساتر رملية لصد أمواج البحر: 'حياتنا هنا صعبة، خاصة أن هناك حالة تجويع شديدة وأزمات مستمرة، فمشكلتنا ليست فقط مع مياه البحر وإن كانت هي الأصعب علينا كونها تهدد حياة اطفالنا'.
وفي الليل يرافق تقدم المياه تجاه الخيام صوت هدير الأمواج فيبعث الخوف والرعب لدى الأطفال والنساء، ويبقى والدهم في حالة قلق دائم، يتحدث عنها وهو يجلس بين أطفاله الصغار: 'تنام بنصف عين، خوفا من أن تقوم المياه بسحب أطفالك، لأن الموجة عندما تأتي للخيمة مع التقدم الكبير للمياه وتتلاشى المسافة تكون قوية واحتمالية سحب جسد طفل صغير ليس مستبعدًا، لذلك ننشئ السواتر لتقليل تلك المخاطر'.
ومع اشتداد المجاعة يجد قديح نفسه مجبرا على الذهاب إلى 'مصائد الموت' التي تديرها ما تسمى 'مؤسسة غزة الإنسانية' المدعومة أمريكيا وإسرائيليا بدعوى توزيع المساعدات على المجوعين، ويعرض نفسه للخطر لأجل جلب لقمة العيش لأطفاله، وعن ذلك يقول: 'نذهب إلى هناك لتوفير لقمة وهي رحلة شاقة وخطرة في نفس الوقت ومغمسة بالدم، وهي بدون فائدة فذهبت على مدار أسبوع كامل ولم أعد بشيء سوى آثار نفسية من لحظات الرعب التي عيشتها تحت نيران جيش الاحتلال'.
مع ساعات العصر تبرد حرارة الأجواء قليلا على البحر، وبينما ينشغل سكان الخيام في إنشاء السواتر بشكل متواصل، يأتي آخرون ممن لا يعيشون على الشاطئ إلى البحر للترفيه عن النفس باعتباره المتنفس الوحيد لهم بعد تدمير الاحتلال جميع المتنزهات والمرافق العامة.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - منذ ساعات الصباح، ينهمك جهاد حجازي وهو نازح قسرا من مدينة رفح إلى شاطئ بحر المواصي غرب مدينة خان يونس في إنشاء ساتر رملي لصد مياه البحر التي كانت تغمر خيام النازحين على الشاطئ بفعل المد والجزر.
يغرس حجازي أداة حفر فتمتلئ بالرمال المبللة بالمياه، ويرميها على جبل من الرمال ثم يعاود الحفر ورمي كمية رمال تجاه الجبل ويكرر المحاولة لعشرات المرات، تتصبب هامته عرقًا وهو يقف في حفر بعمق متر لاستيعاب الرمال قبل أن تصل خيمته، وهكذا يفعل النازحون على شاطئ لمواجهة مياه البحر، ويوميًا يكررون المحاولة.
وبين ساعة وأخرى تأكل الأمواج القوية السواتر الرملية وتتلامس مع الخيام أو تغمرها، ليبدأ في العمل بواسطة أدوات حفر لإنشاء سواتر رملية أخرى وقنوات بحفر ما يشبه الخندق بعمق متر لتصد المياه قبل أن تصل الخيمة، في معاناة يومية يعيشها النازحون على شاطئ المواصي، وما يزيد المعاناة تكدس خيام النازحين على الشاطئ عدم اتساع الشاطئ نتيجة إنشاء ميناء مصري أدى لنحر الشاطئ على مسافة عدة كيلو مترات فتأثر به الشاطئ بمدينتي رفح وخان يونس.
وأمام تكدس المواصي بالنازحين وعدم وجود أماكن للنازحين الجدد بعد نشر الاحتلال أوامر إخلاء لمعظم سكان المدينة، بات شاطئ البحر الملاذ الأخير والمأوى الإجباري لهم، بالرغم من المعاناة الكبيرة بالعيش على الشاطئ بدءًا من مياه البحر التي تغمر الخيام وارتفاع درجات الحرارة، والتصاق الرمال بأجسادهم طوال الوقت وانتشار حشرات تتسبب بأمراض مختلفة خاصة الأمراض الجلدية.
بينما تبلل قطرات العرق جبين حجازي وهو يعيد رفع الساتر مرة أخرى، يقول لـ 'فلسطين أون لاين': 'بفعل الحرارة الشديدة تمزقت الخيمة واهترأت. بشكل يومي ننشئ سواتر رملية لكن لا فائدة فأي موجة قوية تأتي تقوم بتدميرها'.
بملامح يائسة وصوت منهك إثر التعب، يضيف: 'هذا الساتر أنشأته اليوم أربع مرات، فيعني أنك تمضي كل يومك فقط في مواجهة موج بحر، إضافة للمعاناة الأخرى في توفير مياه الغسل أو الشرب، فأقرب بئر يبعد عنا نحو كيلو متر ولا يمكن نقل المياه منه، وكذلك شاحنات توزيع مياه الشرب تأتي مرة أسبوعيًا وتمر علينا ساعات ونحن نعيش في عطش شديد'.
ويتابع بصوته المتعب من أثر العمل: 'لا يمكن استعمال مياه البحر لأنها تتسبب بحساسية في الجلد، ولا يمكن استخدامها حتى في جلي الأواني، فضلا عن عدم وجود دخل أو طعام أو تكيات خيرية. حاولت البحث عن مكان بديل عن الشاطئ لكني لم أجد'.
سواتر غير مجدية
على غرار ما كان يفعله حجازي، وعلى بعد عشرات الأمتار منه لم يمنع ساتر من ألواح الزينكو أنشأه مجدي شكشك مياه البحر من الالتفاف من يسار الخيمة وتبليل الملابس والفراش، يقول لـ 'فلسطين أون لاين' بينما تجري المياه أسفل قدميه لتضرب الساتر بنظرات حائرة ونبرة عجز: ' هذا بحر ولا يمكن مواجهته. نعيش بمعاناة كبيرة على الشاطئ فباستمرار تغمر المياه الخيمة وتبلل الفراش، وهذه حياة غير طبيعية يعيشها النازحون. كما ترى الساتر الذي تحفره بالعمل المتواصل لمدة ساعة تضيعه موجة واحدة'.
أمام ارتفاع الأمواج المتكرر، يقف شكشك عاجزًا عن مواجهة مياه البحر، يعيش حياة صعبة تتحول فيها خيمته إلى فرن حارق مع ساعات الظهيرة خاصة: 'الحياة على الشاطئ مرهقة في كل تفاصيلها، ارتفاع حرارة الأجواء غير عادي، خاصة عندما ترتفع الرطوبة، حتى أن ملامحنا أصبحت داكنة ونتعرض لتسلخ الجلود باستمرار'.
ومؤخرًا، نزح شكشك بحي الأمل وسط خان يونس والذي تعرض للإخلاء القسري، ويضيف: 'هناك كنا نشعر بشيء أفضل في تفاصيل الحياة، وإن كنا نعيش بين الركام لكن ليس بهذه الصعوبة وقسوة الحياة التي نعيشها على شاطئ البحر، كنا نجد المياه وهنا شحيحة جدًا، وبصعوبة يتم توفيرها وأحيانا لا نجد خزانات لبيع مياه الشرب'.
وعلى مد البصر تتلاصق الخيام على شاطئ البحر وتتكدس بالنازحين، ولم تعد المسافة الفاصلة بين المياه والخيام سوى أمتار قليلة وبفعل المد والجزر تتلاشى المسافة ويصبح التقارب صفرًا، وهو ما كان عليه الحال حينما زرنا شاطئ البحر والتقينا بالمواطنين، في أحد أكبر الأزمات التي يعيشها النازحون في قطاع غزة.
وما زاد حالة التكدس على شاطئ البحر ومنطقة المواصي إفراغ الاحتلال لكل مدينة رفح ومعظم مدينة خان يونس، ما جعل الأهالي يتكدسون بالمواصي ذات طبيعة المناخ الصحراوي والتي تفتقر فيها للمياه ويعتمد النازحون على شاحنات توزيع المياه والتي تعاني أزمة وقود مما جعلها تقلص توزيع المياه من ثلاث مرات أسبوعيا إلى مرة واحدة وعلى آبار المزارعين الخاصة وهي قليلة مقارنة بحجم الاحتياج.
وعن أزمة المياه، يوضح شكشك: 'لا نستطيع حمل جالونات مياه لمسافة طويلة، هربنا من إطلاق النار والدمار والقتل إلى موت بطيء بكل معنى الكلمة'.
وفي السابق كان يأتي مع عائلته للترفيه على الشاطئ، واليوم تفرض عليه تجربة نزوح إجبارية هي الأقسى التي يعيشها: 'معاناة النزوح على الشاطئ صعبة ولا يمكن التعبير عنها. أسراب الذباب لا تفارق الخيام، حشرات لا نعرفها تعيش في الرمال وكأننا اقتحمنا عالمها، ارتفاع درجة الحرارة يحول الخيمة إلى فرن بمعنى الكلمة'.
وأمام شح المياه، يهرب الناس للاستحمام بمياه البحر التي يجدها البعض الملاذ الوحيد للترويح عن النفس من ضغط حياة النزوح، كحال الشاب عبد الفتاح أبو السعيد الذي كان يبلل جسده داخل مياه البحر، ويلهو برفقة أطفال من عائلته على الشاطئ، يقول: 'نزحت من محيط مجمع ناصر الطبي. الحياة في الخيام صعبة بأجوائها الحارة، ومع قلة المياه نأتي للبحر للاستحمام'.
خطر حقيقي
في خيمة على شكل مثلث مصنوعة من شادر ويقسمها من المنتصف قاطع خشبي، يعيش محمد فايز قديح هو و11 فردا من عائلته مع والديه في خيمة صغيرة لا يزيد عرضها عن ثلاثة أمتار مربعة في رحلة نزوح جديدة يعيشها على شاطئ البحر قادما من بلدة عبسان الكبيرة شرق المدينة.
تنقل قديح لعدة أماكن ونام وعائلته قرب أحد المساجد لعدة أيام إلى أن جاء إلى شاطئ البحر، ليعيش في معاناة يومية كحال سابقيه، إذ تعرضت خيمته لغمر المياه، ويحكي عن معاناته بينما كان يتشارك مع أطفاله وشقيقه في إنشاء ساتر رملية لصد أمواج البحر: 'حياتنا هنا صعبة، خاصة أن هناك حالة تجويع شديدة وأزمات مستمرة، فمشكلتنا ليست فقط مع مياه البحر وإن كانت هي الأصعب علينا كونها تهدد حياة اطفالنا'.
وفي الليل يرافق تقدم المياه تجاه الخيام صوت هدير الأمواج فيبعث الخوف والرعب لدى الأطفال والنساء، ويبقى والدهم في حالة قلق دائم، يتحدث عنها وهو يجلس بين أطفاله الصغار: 'تنام بنصف عين، خوفا من أن تقوم المياه بسحب أطفالك، لأن الموجة عندما تأتي للخيمة مع التقدم الكبير للمياه وتتلاشى المسافة تكون قوية واحتمالية سحب جسد طفل صغير ليس مستبعدًا، لذلك ننشئ السواتر لتقليل تلك المخاطر'.
ومع اشتداد المجاعة يجد قديح نفسه مجبرا على الذهاب إلى 'مصائد الموت' التي تديرها ما تسمى 'مؤسسة غزة الإنسانية' المدعومة أمريكيا وإسرائيليا بدعوى توزيع المساعدات على المجوعين، ويعرض نفسه للخطر لأجل جلب لقمة العيش لأطفاله، وعن ذلك يقول: 'نذهب إلى هناك لتوفير لقمة وهي رحلة شاقة وخطرة في نفس الوقت ومغمسة بالدم، وهي بدون فائدة فذهبت على مدار أسبوع كامل ولم أعد بشيء سوى آثار نفسية من لحظات الرعب التي عيشتها تحت نيران جيش الاحتلال'.
مع ساعات العصر تبرد حرارة الأجواء قليلا على البحر، وبينما ينشغل سكان الخيام في إنشاء السواتر بشكل متواصل، يأتي آخرون ممن لا يعيشون على الشاطئ إلى البحر للترفيه عن النفس باعتباره المتنفس الوحيد لهم بعد تدمير الاحتلال جميع المتنزهات والمرافق العامة.
فلسطين أون لاين
التعليقات