أخبار اليوم - 'تعاني جروحًا عميقة في رأسها ولا أحد يستطيع فعل شيء. إنها تصارع الموت بصمت.' بوجع كبير يعتمل في قلبها وغصَّة بحلقها، قالت نريمان عبد العال هذه الكلمات، واصفةً حالة ابنة شقيقها 'ميس'، بعدما أصيبت بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي في خضم حرب الإبادة.
داخل قسم الجراحة في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، ترقد ميْس عبد العال، ذات الأعوام العشرة، على سرير مكسو بغطاء ملون، بجسدٍ نحيل ورأس تساقط منه شعرها الناعم.
وبينما تفتح الطفلة عينيها وتحدق بهما فيمن حولها، تغصُّ في صمت عميق يشبه ليل غزة الطويل، بعدما فقدت القدرة على النطق. أما رأسها المليء بالجروح والفراغات يحكي فصول المأساة كلها.
ظهر الاثنين، 26 مايو/ أيار 2025، لم يكن عاديًا في حياة الطفلة وعائلتها. بينما كانوا متجمعين تحت ظل خيمة رثَّة وجدوا فيها ملاذهم الأخير بعد تدمير منزل العائلة في خان يونس، اقتحمت مسيرة إسرائيلية من نوع 'كواد كابتر'، أجواء المنطقة وبدأت بإطلاق الرصاص بكثافة.
فجأة، ودون سابق إنذار، أصابت رصاصة رأس الطفلة مباشرة، بينما كانت داخل الخيمة تحاول أن تبحث عن فسحة أمل مع أشقائها. سقطت الطفلة أرضًا، وتدفقت الدماء من رأسها كالنافورة، قبل أن ينقلها المسعفون إلى مستشفى ناصر القريب.
'في البداية، لم يكن الجرح واضحًا، فالرأس مغطى بالشعر، وكانت الطفلة غائبة عن الوعي تمامًا، لا تبكي ولا تصرخ، فقط تنزف دمًا.' تقول عمة الطفلة التي تتولى رعايتها داخل المستشفى بسبب سفر والدتها في رحلة علاج خارج غزة.
لاحقًا اكتشف الأطباء، أن الرصاصة استقرت في الرأس، فأجروا لها سلسلة عمليات لتطبيب جراحها، لكن آثار الإصابة كانت كافية أن تقلب حياتها رأسًا على عقب.
مرت أيام قبل أن تظهر مضاعفات جديدة على حالتها، تبعها ظهور علامات التهاب حاد: حرارة مرتفعة، رائحة كريهة، وتقيحات صفراء. وحين تجلت هذه العلامات، كان رأسها قد تحول إلى بؤرة التهاب خطير.
تضيف عمتها: 'مع اشتداد المضاعفات صارت الديدان تنمو داخل رأسها وتأكل أنسجته من الداخل، وتخرج من الجروح. الأطباء يجروا لها عمليات تنظيف يوميًا، يفتحون جروحها ويعيدون خياطتها، ولا أحد يستطيع فعل أكثر من ذلك.'
لم تتوقف معاناة الطفلة عند هذا الحد، بل إن الأطباء أجروا عملية استئصال جزء من الجمجمة، ليتمكنوا من استخراج الرصاصة من رأسها ومنع الالتهابات. ليس ذلك فحسب، فقد تسببت الرصاصة بشلل نصفي لها، وجعلت جسدها الغضّ حبيس أسرة العلاج، وأفقدتها القدرة على الحركة إلا بمساعدة أحد.
ورغم الألم، لا تصدر ميس أي انفعالات سوى أنها تبكي باستمرار، ولا تقدر أن ترفع يدًا أو تلتفت. فقط عيناها، اللتان فقدتا الإبصار، تتحركان، وكأنها تسأل: لماذا أنا؟!
في ساعات النهار، يأتي إلى غرفتها في المستشفى أشقائها، محمد (11 عامًا) وملاك (12 عامًا)، يداعبانها بلطف شديد، محاولان التخفيف عنها، يحدقان في وجهها، وكأنهما يتذكران اللحظات الجميلة التي قضوها معًا، رغم أصوات القصف وهدير الطائرات التي لا تفارق السماء.
تجلس عمة الطفلة إلى جانب السرير، تمسك بيدها الصغيرة، وتقرأ آيات من القرآن بصوت خافت. 'هي ليست ميتة. لكن الموت يحيط بها من كل زاوية.' تقول العمة، وتمسح دمعة سقطت دون إذن.
في الغرفة ذاتها، يمر الأطباء والممرضون بشكل دوري. بعضهم يتوقف قليلاً ليحدق في وجه ميس، ثم يغادر دون أن ينبس بكلمة. لا أحد يملك جوابًا شافيًا، فالإصابة تتجاوز قدرات المستشفى البسيط المحاصر، والمستلزمات الطبية على وشك النفاذ.
'أخاف أن تموت على سريرها قبل نقلها للعلاج خارج غزة. حصلنا على تحويلة طبية، لكن لم يأتِ دورها بعد، فهناك آلاف المصابين ينتظرون دورهم مثلما تنتظر ميس تمامًا. وأكثر ما يخيفني إغلاق المعابر في وجوههم.' قالت العمة وعيناها تسبحان في الأفق، كمن يبحث عن أمل مفقود.
في حكاية هذه الطفلة، يبقى الألم هو اللغة الوحيدة التي تُفهم. ميْس، بعدما كانت مفعمة بالحياة، صارت الآن صورة حيَّة لمأساة أعمق من جراحها: مأساة طفلة لاحقها الرصاص في خيمةٍ، وتُنسى على سريرٍ بارد، دون أن يسمع أنينها أحد.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - 'تعاني جروحًا عميقة في رأسها ولا أحد يستطيع فعل شيء. إنها تصارع الموت بصمت.' بوجع كبير يعتمل في قلبها وغصَّة بحلقها، قالت نريمان عبد العال هذه الكلمات، واصفةً حالة ابنة شقيقها 'ميس'، بعدما أصيبت بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي في خضم حرب الإبادة.
داخل قسم الجراحة في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، ترقد ميْس عبد العال، ذات الأعوام العشرة، على سرير مكسو بغطاء ملون، بجسدٍ نحيل ورأس تساقط منه شعرها الناعم.
وبينما تفتح الطفلة عينيها وتحدق بهما فيمن حولها، تغصُّ في صمت عميق يشبه ليل غزة الطويل، بعدما فقدت القدرة على النطق. أما رأسها المليء بالجروح والفراغات يحكي فصول المأساة كلها.
ظهر الاثنين، 26 مايو/ أيار 2025، لم يكن عاديًا في حياة الطفلة وعائلتها. بينما كانوا متجمعين تحت ظل خيمة رثَّة وجدوا فيها ملاذهم الأخير بعد تدمير منزل العائلة في خان يونس، اقتحمت مسيرة إسرائيلية من نوع 'كواد كابتر'، أجواء المنطقة وبدأت بإطلاق الرصاص بكثافة.
فجأة، ودون سابق إنذار، أصابت رصاصة رأس الطفلة مباشرة، بينما كانت داخل الخيمة تحاول أن تبحث عن فسحة أمل مع أشقائها. سقطت الطفلة أرضًا، وتدفقت الدماء من رأسها كالنافورة، قبل أن ينقلها المسعفون إلى مستشفى ناصر القريب.
'في البداية، لم يكن الجرح واضحًا، فالرأس مغطى بالشعر، وكانت الطفلة غائبة عن الوعي تمامًا، لا تبكي ولا تصرخ، فقط تنزف دمًا.' تقول عمة الطفلة التي تتولى رعايتها داخل المستشفى بسبب سفر والدتها في رحلة علاج خارج غزة.
لاحقًا اكتشف الأطباء، أن الرصاصة استقرت في الرأس، فأجروا لها سلسلة عمليات لتطبيب جراحها، لكن آثار الإصابة كانت كافية أن تقلب حياتها رأسًا على عقب.
مرت أيام قبل أن تظهر مضاعفات جديدة على حالتها، تبعها ظهور علامات التهاب حاد: حرارة مرتفعة، رائحة كريهة، وتقيحات صفراء. وحين تجلت هذه العلامات، كان رأسها قد تحول إلى بؤرة التهاب خطير.
تضيف عمتها: 'مع اشتداد المضاعفات صارت الديدان تنمو داخل رأسها وتأكل أنسجته من الداخل، وتخرج من الجروح. الأطباء يجروا لها عمليات تنظيف يوميًا، يفتحون جروحها ويعيدون خياطتها، ولا أحد يستطيع فعل أكثر من ذلك.'
لم تتوقف معاناة الطفلة عند هذا الحد، بل إن الأطباء أجروا عملية استئصال جزء من الجمجمة، ليتمكنوا من استخراج الرصاصة من رأسها ومنع الالتهابات. ليس ذلك فحسب، فقد تسببت الرصاصة بشلل نصفي لها، وجعلت جسدها الغضّ حبيس أسرة العلاج، وأفقدتها القدرة على الحركة إلا بمساعدة أحد.
ورغم الألم، لا تصدر ميس أي انفعالات سوى أنها تبكي باستمرار، ولا تقدر أن ترفع يدًا أو تلتفت. فقط عيناها، اللتان فقدتا الإبصار، تتحركان، وكأنها تسأل: لماذا أنا؟!
في ساعات النهار، يأتي إلى غرفتها في المستشفى أشقائها، محمد (11 عامًا) وملاك (12 عامًا)، يداعبانها بلطف شديد، محاولان التخفيف عنها، يحدقان في وجهها، وكأنهما يتذكران اللحظات الجميلة التي قضوها معًا، رغم أصوات القصف وهدير الطائرات التي لا تفارق السماء.
تجلس عمة الطفلة إلى جانب السرير، تمسك بيدها الصغيرة، وتقرأ آيات من القرآن بصوت خافت. 'هي ليست ميتة. لكن الموت يحيط بها من كل زاوية.' تقول العمة، وتمسح دمعة سقطت دون إذن.
في الغرفة ذاتها، يمر الأطباء والممرضون بشكل دوري. بعضهم يتوقف قليلاً ليحدق في وجه ميس، ثم يغادر دون أن ينبس بكلمة. لا أحد يملك جوابًا شافيًا، فالإصابة تتجاوز قدرات المستشفى البسيط المحاصر، والمستلزمات الطبية على وشك النفاذ.
'أخاف أن تموت على سريرها قبل نقلها للعلاج خارج غزة. حصلنا على تحويلة طبية، لكن لم يأتِ دورها بعد، فهناك آلاف المصابين ينتظرون دورهم مثلما تنتظر ميس تمامًا. وأكثر ما يخيفني إغلاق المعابر في وجوههم.' قالت العمة وعيناها تسبحان في الأفق، كمن يبحث عن أمل مفقود.
في حكاية هذه الطفلة، يبقى الألم هو اللغة الوحيدة التي تُفهم. ميْس، بعدما كانت مفعمة بالحياة، صارت الآن صورة حيَّة لمأساة أعمق من جراحها: مأساة طفلة لاحقها الرصاص في خيمةٍ، وتُنسى على سريرٍ بارد، دون أن يسمع أنينها أحد.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - 'تعاني جروحًا عميقة في رأسها ولا أحد يستطيع فعل شيء. إنها تصارع الموت بصمت.' بوجع كبير يعتمل في قلبها وغصَّة بحلقها، قالت نريمان عبد العال هذه الكلمات، واصفةً حالة ابنة شقيقها 'ميس'، بعدما أصيبت بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي في خضم حرب الإبادة.
داخل قسم الجراحة في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، ترقد ميْس عبد العال، ذات الأعوام العشرة، على سرير مكسو بغطاء ملون، بجسدٍ نحيل ورأس تساقط منه شعرها الناعم.
وبينما تفتح الطفلة عينيها وتحدق بهما فيمن حولها، تغصُّ في صمت عميق يشبه ليل غزة الطويل، بعدما فقدت القدرة على النطق. أما رأسها المليء بالجروح والفراغات يحكي فصول المأساة كلها.
ظهر الاثنين، 26 مايو/ أيار 2025، لم يكن عاديًا في حياة الطفلة وعائلتها. بينما كانوا متجمعين تحت ظل خيمة رثَّة وجدوا فيها ملاذهم الأخير بعد تدمير منزل العائلة في خان يونس، اقتحمت مسيرة إسرائيلية من نوع 'كواد كابتر'، أجواء المنطقة وبدأت بإطلاق الرصاص بكثافة.
فجأة، ودون سابق إنذار، أصابت رصاصة رأس الطفلة مباشرة، بينما كانت داخل الخيمة تحاول أن تبحث عن فسحة أمل مع أشقائها. سقطت الطفلة أرضًا، وتدفقت الدماء من رأسها كالنافورة، قبل أن ينقلها المسعفون إلى مستشفى ناصر القريب.
'في البداية، لم يكن الجرح واضحًا، فالرأس مغطى بالشعر، وكانت الطفلة غائبة عن الوعي تمامًا، لا تبكي ولا تصرخ، فقط تنزف دمًا.' تقول عمة الطفلة التي تتولى رعايتها داخل المستشفى بسبب سفر والدتها في رحلة علاج خارج غزة.
لاحقًا اكتشف الأطباء، أن الرصاصة استقرت في الرأس، فأجروا لها سلسلة عمليات لتطبيب جراحها، لكن آثار الإصابة كانت كافية أن تقلب حياتها رأسًا على عقب.
مرت أيام قبل أن تظهر مضاعفات جديدة على حالتها، تبعها ظهور علامات التهاب حاد: حرارة مرتفعة، رائحة كريهة، وتقيحات صفراء. وحين تجلت هذه العلامات، كان رأسها قد تحول إلى بؤرة التهاب خطير.
تضيف عمتها: 'مع اشتداد المضاعفات صارت الديدان تنمو داخل رأسها وتأكل أنسجته من الداخل، وتخرج من الجروح. الأطباء يجروا لها عمليات تنظيف يوميًا، يفتحون جروحها ويعيدون خياطتها، ولا أحد يستطيع فعل أكثر من ذلك.'
لم تتوقف معاناة الطفلة عند هذا الحد، بل إن الأطباء أجروا عملية استئصال جزء من الجمجمة، ليتمكنوا من استخراج الرصاصة من رأسها ومنع الالتهابات. ليس ذلك فحسب، فقد تسببت الرصاصة بشلل نصفي لها، وجعلت جسدها الغضّ حبيس أسرة العلاج، وأفقدتها القدرة على الحركة إلا بمساعدة أحد.
ورغم الألم، لا تصدر ميس أي انفعالات سوى أنها تبكي باستمرار، ولا تقدر أن ترفع يدًا أو تلتفت. فقط عيناها، اللتان فقدتا الإبصار، تتحركان، وكأنها تسأل: لماذا أنا؟!
في ساعات النهار، يأتي إلى غرفتها في المستشفى أشقائها، محمد (11 عامًا) وملاك (12 عامًا)، يداعبانها بلطف شديد، محاولان التخفيف عنها، يحدقان في وجهها، وكأنهما يتذكران اللحظات الجميلة التي قضوها معًا، رغم أصوات القصف وهدير الطائرات التي لا تفارق السماء.
تجلس عمة الطفلة إلى جانب السرير، تمسك بيدها الصغيرة، وتقرأ آيات من القرآن بصوت خافت. 'هي ليست ميتة. لكن الموت يحيط بها من كل زاوية.' تقول العمة، وتمسح دمعة سقطت دون إذن.
في الغرفة ذاتها، يمر الأطباء والممرضون بشكل دوري. بعضهم يتوقف قليلاً ليحدق في وجه ميس، ثم يغادر دون أن ينبس بكلمة. لا أحد يملك جوابًا شافيًا، فالإصابة تتجاوز قدرات المستشفى البسيط المحاصر، والمستلزمات الطبية على وشك النفاذ.
'أخاف أن تموت على سريرها قبل نقلها للعلاج خارج غزة. حصلنا على تحويلة طبية، لكن لم يأتِ دورها بعد، فهناك آلاف المصابين ينتظرون دورهم مثلما تنتظر ميس تمامًا. وأكثر ما يخيفني إغلاق المعابر في وجوههم.' قالت العمة وعيناها تسبحان في الأفق، كمن يبحث عن أمل مفقود.
في حكاية هذه الطفلة، يبقى الألم هو اللغة الوحيدة التي تُفهم. ميْس، بعدما كانت مفعمة بالحياة، صارت الآن صورة حيَّة لمأساة أعمق من جراحها: مأساة طفلة لاحقها الرصاص في خيمةٍ، وتُنسى على سريرٍ بارد، دون أن يسمع أنينها أحد.
فلسطين أون لاين
التعليقات