أخبار اليوم - بوجه شاحب وصمت عميق، ترقد شرين أبو الكاس، فتاة السابعة عشرة، على سرير العلاج بقسم الجراحة في المستشفى الأهلي العربي 'المعمداني'، في قلب مدينة غزة. ساقاها المبتورتان ترويان مأساة إنسانة فقدت عائلتها ونصف جسدها، في قصف إسرائيلي وقع في خضم حرب الإبادة.
هنا، لا تصدر شرين سوى همسات متقطعة، تكاد تذوب في صمتها العميق. لا تبكي ولا تئن، لكنها تتألم بصمتٍ تكشفه عيناها المحدّقتان دومًا في سقف الغرفة التي تتلقى فيها العلاج.
شرين، ابنة حي الشجاعية الواقع شرقي مدينة غزة، كانت تعيش في منزل صغير مع عائلتها: والدها ووالدتها وأربعة أشقاء. كان الجميع يناديها بـ'الدكتورة الصغيرة'، ليس فقط لأنها حلمت منذ الطفولة بأن تصبح طبيبة، بل لأنها كانت متفوقة دومًا، تحفظ أجزاءً من القرآن الكريم، وتحلق في دراستها كما لو كانت تكتب مستقبلها بأصابع من نور.
لكن في ليلة الثامن والعشرين من مايو/ أيار 2025، تغيّر كل شيء.
كانت عقارب الساعة تشير إلى الحادية عشرة ليلاً، حين أغارت مقاتلات جيش الاحتلال على منزل العائلة المكوّن من أربعة طوابق. ألقت المقاتلات قنبلة واحدة لم تنفجر، ولم يمهل القدر من كانوا بالداخل ـ وعددهم 19 فردًا من العائلة بينهم نساء وأطفال ـ سوى لحظات حتى أغارت الطائرات مجددًا وألقت قنبلتين أخريين، فانفجرت القنابل الثلاث معًا، لتدمر المنزل فوق رؤوسهم.
كان الانفجار مدويًا، تصاعدت منه كتلة هائلة من النيران، تبعها دخان أسود ورماد ملأ سماء المنطقة، فيما تطايرت أجزاء الركام في كل اتجاه. وسط هذا المشهد القاتم، بقيت شرين سجينة تحت الأنقاض، تنزف لساعات، حتى استطاع المسعفون انتشالها بأعجوبة، وهي غائبة عن الوعي تمامًا.
يقول أحد الممرضين الذين شاركوا في استقبالها: 'انتشلها المسعفون وهي تنزف بشدة، كانت فاقدة للوعي. لم نكن نعتقد أنها ستعيش لاحقًا، لكنها قاومت رغم الإصابات المروعة. كانت ساقاها ممزقتين تمامًا، واضطررنا لبترهما من أعلى مفصل الركبة لإنقاذ حياتها'.
لم تتوقف مأساة شرين عند هذا الحد. فقد فقدت في القصف الإسرائيلي والدها شفيق أبو الكاس (45 عامًا)، ووالدتها سمية (39 عامًا)، وأشقّاءها: هبة (11 عامًا)، نضال (19 عامًا)، وأحمد (3 أعوام)، إضافة إلى جدها وجدتها، واثنين من أعمامها، وزوجة أحدهما وأبنائها، واثنتين من عماتها، وأبناء إحداهن.
بعد هذه الفاجعة، ترقد شرين بصمت، تحمل عيناها حزنًا ثقيلًا لا تقدر الكلمات على وصفه. لا تتحدث كثيرًا، وإن تحدثت، فبهمس بالكاد يُسمع. فهي، إلى جانب بتر ساقيها، أُصيبت بحروق شديدة في أنحاء متفرقة من جسدها الصغير.
لم تكن هذه الفتاة الناجية الوحيدة، بل شاء القدر أن ينجو معها شقيقها مصطفى (14 عامًا)، ليصبحا شاهدين على مجزرة إسرائيلية راح ضحيتها 17 فردًا من العائلة دفعة واحدة، ودون رحمة.
زوجة عمها تلازمها منذ دخولها المستشفى. تمسح جبينها من العرق، وتعدّل لها الغطاء، وتهمس في أذنها بين الحين والآخر بآيات قرآنية، علّها تبعث شيئًا من الطمأنينة. تقول: 'شرين بكت حين علمت أنها فقدت ساقيها. لكنها انهارت تمامًا عندما عرفت أن والدها ووالدتها وإخوتها قد استشهدوا'.
قصة شرين تحكي مأساة شعب كامل يُباد في غزة منذ بدء حرب الإبادة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي ما تزال مستمرة للشهر الحادي والعشرين على التوالي. لكن رغم آلام الفقد والحرمان، ووجع الإصابة والبتر، ما زالت شرين تتمسك بحلمها في دراسة الطب، كما تمنّت ووعدت والديها قبل رحيلهما الأبدي.
لكن الأمنية الأكبر لديها اليوم، أن تحظى بفرصة مناسبة للعلاج، بعدما حصلت على تحويلة للعلاج في الخارج. فرصة قد تُمكنها من السير مجددًا بساقين صناعيتين، بعدما فقدت ساقيها في المجزرة. إلا أن ما لم تدركه هذه الفتاة بعد، أن طريق السفر للعلاج ليس معبّدًا أمام جرحى الحرب في ظل الحصار الإسرائيلي، واستمرار الإبادة.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - بوجه شاحب وصمت عميق، ترقد شرين أبو الكاس، فتاة السابعة عشرة، على سرير العلاج بقسم الجراحة في المستشفى الأهلي العربي 'المعمداني'، في قلب مدينة غزة. ساقاها المبتورتان ترويان مأساة إنسانة فقدت عائلتها ونصف جسدها، في قصف إسرائيلي وقع في خضم حرب الإبادة.
هنا، لا تصدر شرين سوى همسات متقطعة، تكاد تذوب في صمتها العميق. لا تبكي ولا تئن، لكنها تتألم بصمتٍ تكشفه عيناها المحدّقتان دومًا في سقف الغرفة التي تتلقى فيها العلاج.
شرين، ابنة حي الشجاعية الواقع شرقي مدينة غزة، كانت تعيش في منزل صغير مع عائلتها: والدها ووالدتها وأربعة أشقاء. كان الجميع يناديها بـ'الدكتورة الصغيرة'، ليس فقط لأنها حلمت منذ الطفولة بأن تصبح طبيبة، بل لأنها كانت متفوقة دومًا، تحفظ أجزاءً من القرآن الكريم، وتحلق في دراستها كما لو كانت تكتب مستقبلها بأصابع من نور.
لكن في ليلة الثامن والعشرين من مايو/ أيار 2025، تغيّر كل شيء.
كانت عقارب الساعة تشير إلى الحادية عشرة ليلاً، حين أغارت مقاتلات جيش الاحتلال على منزل العائلة المكوّن من أربعة طوابق. ألقت المقاتلات قنبلة واحدة لم تنفجر، ولم يمهل القدر من كانوا بالداخل ـ وعددهم 19 فردًا من العائلة بينهم نساء وأطفال ـ سوى لحظات حتى أغارت الطائرات مجددًا وألقت قنبلتين أخريين، فانفجرت القنابل الثلاث معًا، لتدمر المنزل فوق رؤوسهم.
كان الانفجار مدويًا، تصاعدت منه كتلة هائلة من النيران، تبعها دخان أسود ورماد ملأ سماء المنطقة، فيما تطايرت أجزاء الركام في كل اتجاه. وسط هذا المشهد القاتم، بقيت شرين سجينة تحت الأنقاض، تنزف لساعات، حتى استطاع المسعفون انتشالها بأعجوبة، وهي غائبة عن الوعي تمامًا.
يقول أحد الممرضين الذين شاركوا في استقبالها: 'انتشلها المسعفون وهي تنزف بشدة، كانت فاقدة للوعي. لم نكن نعتقد أنها ستعيش لاحقًا، لكنها قاومت رغم الإصابات المروعة. كانت ساقاها ممزقتين تمامًا، واضطررنا لبترهما من أعلى مفصل الركبة لإنقاذ حياتها'.
لم تتوقف مأساة شرين عند هذا الحد. فقد فقدت في القصف الإسرائيلي والدها شفيق أبو الكاس (45 عامًا)، ووالدتها سمية (39 عامًا)، وأشقّاءها: هبة (11 عامًا)، نضال (19 عامًا)، وأحمد (3 أعوام)، إضافة إلى جدها وجدتها، واثنين من أعمامها، وزوجة أحدهما وأبنائها، واثنتين من عماتها، وأبناء إحداهن.
بعد هذه الفاجعة، ترقد شرين بصمت، تحمل عيناها حزنًا ثقيلًا لا تقدر الكلمات على وصفه. لا تتحدث كثيرًا، وإن تحدثت، فبهمس بالكاد يُسمع. فهي، إلى جانب بتر ساقيها، أُصيبت بحروق شديدة في أنحاء متفرقة من جسدها الصغير.
لم تكن هذه الفتاة الناجية الوحيدة، بل شاء القدر أن ينجو معها شقيقها مصطفى (14 عامًا)، ليصبحا شاهدين على مجزرة إسرائيلية راح ضحيتها 17 فردًا من العائلة دفعة واحدة، ودون رحمة.
زوجة عمها تلازمها منذ دخولها المستشفى. تمسح جبينها من العرق، وتعدّل لها الغطاء، وتهمس في أذنها بين الحين والآخر بآيات قرآنية، علّها تبعث شيئًا من الطمأنينة. تقول: 'شرين بكت حين علمت أنها فقدت ساقيها. لكنها انهارت تمامًا عندما عرفت أن والدها ووالدتها وإخوتها قد استشهدوا'.
قصة شرين تحكي مأساة شعب كامل يُباد في غزة منذ بدء حرب الإبادة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي ما تزال مستمرة للشهر الحادي والعشرين على التوالي. لكن رغم آلام الفقد والحرمان، ووجع الإصابة والبتر، ما زالت شرين تتمسك بحلمها في دراسة الطب، كما تمنّت ووعدت والديها قبل رحيلهما الأبدي.
لكن الأمنية الأكبر لديها اليوم، أن تحظى بفرصة مناسبة للعلاج، بعدما حصلت على تحويلة للعلاج في الخارج. فرصة قد تُمكنها من السير مجددًا بساقين صناعيتين، بعدما فقدت ساقيها في المجزرة. إلا أن ما لم تدركه هذه الفتاة بعد، أن طريق السفر للعلاج ليس معبّدًا أمام جرحى الحرب في ظل الحصار الإسرائيلي، واستمرار الإبادة.
فلسطين أون لاين
أخبار اليوم - بوجه شاحب وصمت عميق، ترقد شرين أبو الكاس، فتاة السابعة عشرة، على سرير العلاج بقسم الجراحة في المستشفى الأهلي العربي 'المعمداني'، في قلب مدينة غزة. ساقاها المبتورتان ترويان مأساة إنسانة فقدت عائلتها ونصف جسدها، في قصف إسرائيلي وقع في خضم حرب الإبادة.
هنا، لا تصدر شرين سوى همسات متقطعة، تكاد تذوب في صمتها العميق. لا تبكي ولا تئن، لكنها تتألم بصمتٍ تكشفه عيناها المحدّقتان دومًا في سقف الغرفة التي تتلقى فيها العلاج.
شرين، ابنة حي الشجاعية الواقع شرقي مدينة غزة، كانت تعيش في منزل صغير مع عائلتها: والدها ووالدتها وأربعة أشقاء. كان الجميع يناديها بـ'الدكتورة الصغيرة'، ليس فقط لأنها حلمت منذ الطفولة بأن تصبح طبيبة، بل لأنها كانت متفوقة دومًا، تحفظ أجزاءً من القرآن الكريم، وتحلق في دراستها كما لو كانت تكتب مستقبلها بأصابع من نور.
لكن في ليلة الثامن والعشرين من مايو/ أيار 2025، تغيّر كل شيء.
كانت عقارب الساعة تشير إلى الحادية عشرة ليلاً، حين أغارت مقاتلات جيش الاحتلال على منزل العائلة المكوّن من أربعة طوابق. ألقت المقاتلات قنبلة واحدة لم تنفجر، ولم يمهل القدر من كانوا بالداخل ـ وعددهم 19 فردًا من العائلة بينهم نساء وأطفال ـ سوى لحظات حتى أغارت الطائرات مجددًا وألقت قنبلتين أخريين، فانفجرت القنابل الثلاث معًا، لتدمر المنزل فوق رؤوسهم.
كان الانفجار مدويًا، تصاعدت منه كتلة هائلة من النيران، تبعها دخان أسود ورماد ملأ سماء المنطقة، فيما تطايرت أجزاء الركام في كل اتجاه. وسط هذا المشهد القاتم، بقيت شرين سجينة تحت الأنقاض، تنزف لساعات، حتى استطاع المسعفون انتشالها بأعجوبة، وهي غائبة عن الوعي تمامًا.
يقول أحد الممرضين الذين شاركوا في استقبالها: 'انتشلها المسعفون وهي تنزف بشدة، كانت فاقدة للوعي. لم نكن نعتقد أنها ستعيش لاحقًا، لكنها قاومت رغم الإصابات المروعة. كانت ساقاها ممزقتين تمامًا، واضطررنا لبترهما من أعلى مفصل الركبة لإنقاذ حياتها'.
لم تتوقف مأساة شرين عند هذا الحد. فقد فقدت في القصف الإسرائيلي والدها شفيق أبو الكاس (45 عامًا)، ووالدتها سمية (39 عامًا)، وأشقّاءها: هبة (11 عامًا)، نضال (19 عامًا)، وأحمد (3 أعوام)، إضافة إلى جدها وجدتها، واثنين من أعمامها، وزوجة أحدهما وأبنائها، واثنتين من عماتها، وأبناء إحداهن.
بعد هذه الفاجعة، ترقد شرين بصمت، تحمل عيناها حزنًا ثقيلًا لا تقدر الكلمات على وصفه. لا تتحدث كثيرًا، وإن تحدثت، فبهمس بالكاد يُسمع. فهي، إلى جانب بتر ساقيها، أُصيبت بحروق شديدة في أنحاء متفرقة من جسدها الصغير.
لم تكن هذه الفتاة الناجية الوحيدة، بل شاء القدر أن ينجو معها شقيقها مصطفى (14 عامًا)، ليصبحا شاهدين على مجزرة إسرائيلية راح ضحيتها 17 فردًا من العائلة دفعة واحدة، ودون رحمة.
زوجة عمها تلازمها منذ دخولها المستشفى. تمسح جبينها من العرق، وتعدّل لها الغطاء، وتهمس في أذنها بين الحين والآخر بآيات قرآنية، علّها تبعث شيئًا من الطمأنينة. تقول: 'شرين بكت حين علمت أنها فقدت ساقيها. لكنها انهارت تمامًا عندما عرفت أن والدها ووالدتها وإخوتها قد استشهدوا'.
قصة شرين تحكي مأساة شعب كامل يُباد في غزة منذ بدء حرب الإبادة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي ما تزال مستمرة للشهر الحادي والعشرين على التوالي. لكن رغم آلام الفقد والحرمان، ووجع الإصابة والبتر، ما زالت شرين تتمسك بحلمها في دراسة الطب، كما تمنّت ووعدت والديها قبل رحيلهما الأبدي.
لكن الأمنية الأكبر لديها اليوم، أن تحظى بفرصة مناسبة للعلاج، بعدما حصلت على تحويلة للعلاج في الخارج. فرصة قد تُمكنها من السير مجددًا بساقين صناعيتين، بعدما فقدت ساقيها في المجزرة. إلا أن ما لم تدركه هذه الفتاة بعد، أن طريق السفر للعلاج ليس معبّدًا أمام جرحى الحرب في ظل الحصار الإسرائيلي، واستمرار الإبادة.
فلسطين أون لاين
التعليقات