سهم محمد العبادي
حين سألوا الإنجليز: 'ماذا تريدون؟'، لم يقل حابس المجالي شيئًا عن النفط أو السلاح أو المصانع، لم يطلب قصورًا ولا شركات، بل قالها بلهجة ابن الكرك:
'نريد أن نؤسس جامعة... يقرأ فيها عيالنا.'
وصفي التل، الذي كان رفيقه في الفكرة، كان يؤمن أن معركة الأمة لا تبدأ من الخنادق فقط، بل من القاعات، من السبورة، من دفاتر الهندسة والطب والفلسفة.
وفي عهد وصفي، وبدعم من جلالة الحسين الباني، بدأت الحكاية.
جامعة... من تراب المستنبت، من أراضي 'اللوزية'، من شتلات الزيتون، ومن عزم الرجال.
أنا شخصيًا، أول مرة دخلت حرم الجامعة الأردنية، لم أكن طالبًا فيها، كنت طالب أول ثانوي، مرافقًا لابن عمي منعم عبد الكريم السعايدة. كان يريد التسجيل في كلية الهندسة. جلسنا على بوابة الجامعة، وهناك أكلت أول 'برغر' في حياتي.
يا الله... كم كان مختلفًا عن سندويشات الزيت والسكر، وعن خبز الشراك مع الزبدة، وعن 'اللزاقيات' والعربود .
من يومها، كلما مررت من بوابة الجامعة، يعود طعم البرغر، وتعود الذاكرة...
تعود جلسة الهندسة تحت الأشجار، تعود قصائد عقاب العجرمي وطاروق الهجيني ، يعود منعم… واليوم صار 'الأستاذ الدكتور المهندس أبو عبد الله أطال الله في عمره'.
الجامعة الأردنية ليست جدرانًا وصفوفًا، هي أم الجامعات، هي الذاكرة الوطنية، هي التي تخرّج منها النشامى والنشميات من القرى، من الأرياف، من المخيمات، من المدن.
تخرّج منها وسام، شقيقي الصحفي، وتخرّجت منها شقيقتي الصحفية رويدا، وتخرّج منها الآلاف من أبناء العمومة والأصدقاء، وتخرّج منها أبناء الأمة العربية، ومن أبناء العالم…
بل إن خريجيها اليوم على امتداد الكرة الأرضية… في كل قارة، في كل مؤسسة علمية، في كل مختبر… تلاقي أردني تخرّج من الجامعة الأردنية، ورافع راسه، ومخلّي اسم بلده فوق.
هي التي حملت أحلام أبناء القرى والبوادي، أبناء الأرياف والمخيمات والمدن، وكانت محطة الحلم الأولى لمن كانوا يسرّون في المواصلات العامة من الفجر، يحملون كتبهم، وكان نداء السائق يبشّرهم بقرب الحلم:
'الرئيسي نزل… العلوم نزل… المسجد نزل.'
يدخلون من بوابة الجامعة وقلوبهم تسبقهم، وبعضهم كان يعتبر أن الجلوس في ساحة المكتبة المركزية شرف، وأن مجرد الوقوف بين رفوفها عبور نحو النور.
ومن جلس في تلك المكتبة يومًا، يدرك أن الجامعة لم تكن مبانٍ، بل حلمًا معلّقًا على أكتاف الوطن.
فهي لم تكن ذات يوم مشروعًا شخصيًا، بل مشروع وطن.
تخرّجت منها القادة، وعلّمت الناس، وسقت العقول علمًا، لا فضل فيها على أحد… ولا أحد له فضل عليها.
وإن أخطأ فيها شخص – أيًا كان – فالقانون فوقه، والمحاسبة حاضرة، لكن لا يجوز أن نعمّم الخطأ على مؤسسة كتبت تاريخها بالتعب لا بالكلام.
ومن يهاجم الجامعة، يهاجم الذاكرة، يهاجم حابس المجالي، يهاجم وصفي، يهاجم الحسين، ويخاصم عبدالله الثاني…
لأنها إرث وطني، وبيت الأردنيين الكبير، وهي ليست ملكًا لرئيسها ولا لأستاذ فيها…
هي لنا، ولكم، ولمن يأتي بعدنا.
أكاد أجزم أن كل بيت أردني فيه خريج من الجامعة الأردنية، أو على الأقل، حلم أن يكون.
هي الجامعة التي تزيّن مدرجاتها بأسماء الشهداء، ورجالات الدولة، وتظل ظلال أشجارها حنونة على أحلام الطلبة.
كل من جلس على درجها أو مشى بين ممراتها، يعرف أن اسمه صار جزءًا من جدارها، من ترابها، من وجدانها.
هذه ليست مجرد جامعة…
هي وطنٌ على هيئة جامعة.
وستبقى، رغم الحروف المسمومة، ورغم الشوائب العارضة، طاهرة نقية، كما بدأها وصفي وحابس…
وكما أرادها الحسين، وكما يرعاها المعزز عبدالله الثاني.
ونثنّي أيضًا، بأن سمعة التعليم العالي الأردني، وبخاصة الجامعة الأردنية، مرتفعة جدًا وتضاهي كبريات الجامعات في العالم.
كما أن مستوى الأمان داخل مؤسساتنا التعليمية يُعدّ من الأعلى والأكثر احترامًا في الإقليم والعالم، وهذه شهادة نعتز بها ونباهي بها الدنيا… لأن من يزرع العلم، يحصد الإنسان.
فطوبى للجامعة الأردنية…
وطوبى لخريجيها…
وطوبى لمن جلس تحت شجرة فيها وحلم أن يصير شيئًا.
وهو اليوم، صار.
'كل ذرة من ثرى الأردن العظيم طاهرة ومقدسة، فلنحافظ عليها بأرواحنا'
سهم محمد العبادي
حين سألوا الإنجليز: 'ماذا تريدون؟'، لم يقل حابس المجالي شيئًا عن النفط أو السلاح أو المصانع، لم يطلب قصورًا ولا شركات، بل قالها بلهجة ابن الكرك:
'نريد أن نؤسس جامعة... يقرأ فيها عيالنا.'
وصفي التل، الذي كان رفيقه في الفكرة، كان يؤمن أن معركة الأمة لا تبدأ من الخنادق فقط، بل من القاعات، من السبورة، من دفاتر الهندسة والطب والفلسفة.
وفي عهد وصفي، وبدعم من جلالة الحسين الباني، بدأت الحكاية.
جامعة... من تراب المستنبت، من أراضي 'اللوزية'، من شتلات الزيتون، ومن عزم الرجال.
أنا شخصيًا، أول مرة دخلت حرم الجامعة الأردنية، لم أكن طالبًا فيها، كنت طالب أول ثانوي، مرافقًا لابن عمي منعم عبد الكريم السعايدة. كان يريد التسجيل في كلية الهندسة. جلسنا على بوابة الجامعة، وهناك أكلت أول 'برغر' في حياتي.
يا الله... كم كان مختلفًا عن سندويشات الزيت والسكر، وعن خبز الشراك مع الزبدة، وعن 'اللزاقيات' والعربود .
من يومها، كلما مررت من بوابة الجامعة، يعود طعم البرغر، وتعود الذاكرة...
تعود جلسة الهندسة تحت الأشجار، تعود قصائد عقاب العجرمي وطاروق الهجيني ، يعود منعم… واليوم صار 'الأستاذ الدكتور المهندس أبو عبد الله أطال الله في عمره'.
الجامعة الأردنية ليست جدرانًا وصفوفًا، هي أم الجامعات، هي الذاكرة الوطنية، هي التي تخرّج منها النشامى والنشميات من القرى، من الأرياف، من المخيمات، من المدن.
تخرّج منها وسام، شقيقي الصحفي، وتخرّجت منها شقيقتي الصحفية رويدا، وتخرّج منها الآلاف من أبناء العمومة والأصدقاء، وتخرّج منها أبناء الأمة العربية، ومن أبناء العالم…
بل إن خريجيها اليوم على امتداد الكرة الأرضية… في كل قارة، في كل مؤسسة علمية، في كل مختبر… تلاقي أردني تخرّج من الجامعة الأردنية، ورافع راسه، ومخلّي اسم بلده فوق.
هي التي حملت أحلام أبناء القرى والبوادي، أبناء الأرياف والمخيمات والمدن، وكانت محطة الحلم الأولى لمن كانوا يسرّون في المواصلات العامة من الفجر، يحملون كتبهم، وكان نداء السائق يبشّرهم بقرب الحلم:
'الرئيسي نزل… العلوم نزل… المسجد نزل.'
يدخلون من بوابة الجامعة وقلوبهم تسبقهم، وبعضهم كان يعتبر أن الجلوس في ساحة المكتبة المركزية شرف، وأن مجرد الوقوف بين رفوفها عبور نحو النور.
ومن جلس في تلك المكتبة يومًا، يدرك أن الجامعة لم تكن مبانٍ، بل حلمًا معلّقًا على أكتاف الوطن.
فهي لم تكن ذات يوم مشروعًا شخصيًا، بل مشروع وطن.
تخرّجت منها القادة، وعلّمت الناس، وسقت العقول علمًا، لا فضل فيها على أحد… ولا أحد له فضل عليها.
وإن أخطأ فيها شخص – أيًا كان – فالقانون فوقه، والمحاسبة حاضرة، لكن لا يجوز أن نعمّم الخطأ على مؤسسة كتبت تاريخها بالتعب لا بالكلام.
ومن يهاجم الجامعة، يهاجم الذاكرة، يهاجم حابس المجالي، يهاجم وصفي، يهاجم الحسين، ويخاصم عبدالله الثاني…
لأنها إرث وطني، وبيت الأردنيين الكبير، وهي ليست ملكًا لرئيسها ولا لأستاذ فيها…
هي لنا، ولكم، ولمن يأتي بعدنا.
أكاد أجزم أن كل بيت أردني فيه خريج من الجامعة الأردنية، أو على الأقل، حلم أن يكون.
هي الجامعة التي تزيّن مدرجاتها بأسماء الشهداء، ورجالات الدولة، وتظل ظلال أشجارها حنونة على أحلام الطلبة.
كل من جلس على درجها أو مشى بين ممراتها، يعرف أن اسمه صار جزءًا من جدارها، من ترابها، من وجدانها.
هذه ليست مجرد جامعة…
هي وطنٌ على هيئة جامعة.
وستبقى، رغم الحروف المسمومة، ورغم الشوائب العارضة، طاهرة نقية، كما بدأها وصفي وحابس…
وكما أرادها الحسين، وكما يرعاها المعزز عبدالله الثاني.
ونثنّي أيضًا، بأن سمعة التعليم العالي الأردني، وبخاصة الجامعة الأردنية، مرتفعة جدًا وتضاهي كبريات الجامعات في العالم.
كما أن مستوى الأمان داخل مؤسساتنا التعليمية يُعدّ من الأعلى والأكثر احترامًا في الإقليم والعالم، وهذه شهادة نعتز بها ونباهي بها الدنيا… لأن من يزرع العلم، يحصد الإنسان.
فطوبى للجامعة الأردنية…
وطوبى لخريجيها…
وطوبى لمن جلس تحت شجرة فيها وحلم أن يصير شيئًا.
وهو اليوم، صار.
'كل ذرة من ثرى الأردن العظيم طاهرة ومقدسة، فلنحافظ عليها بأرواحنا'
سهم محمد العبادي
حين سألوا الإنجليز: 'ماذا تريدون؟'، لم يقل حابس المجالي شيئًا عن النفط أو السلاح أو المصانع، لم يطلب قصورًا ولا شركات، بل قالها بلهجة ابن الكرك:
'نريد أن نؤسس جامعة... يقرأ فيها عيالنا.'
وصفي التل، الذي كان رفيقه في الفكرة، كان يؤمن أن معركة الأمة لا تبدأ من الخنادق فقط، بل من القاعات، من السبورة، من دفاتر الهندسة والطب والفلسفة.
وفي عهد وصفي، وبدعم من جلالة الحسين الباني، بدأت الحكاية.
جامعة... من تراب المستنبت، من أراضي 'اللوزية'، من شتلات الزيتون، ومن عزم الرجال.
أنا شخصيًا، أول مرة دخلت حرم الجامعة الأردنية، لم أكن طالبًا فيها، كنت طالب أول ثانوي، مرافقًا لابن عمي منعم عبد الكريم السعايدة. كان يريد التسجيل في كلية الهندسة. جلسنا على بوابة الجامعة، وهناك أكلت أول 'برغر' في حياتي.
يا الله... كم كان مختلفًا عن سندويشات الزيت والسكر، وعن خبز الشراك مع الزبدة، وعن 'اللزاقيات' والعربود .
من يومها، كلما مررت من بوابة الجامعة، يعود طعم البرغر، وتعود الذاكرة...
تعود جلسة الهندسة تحت الأشجار، تعود قصائد عقاب العجرمي وطاروق الهجيني ، يعود منعم… واليوم صار 'الأستاذ الدكتور المهندس أبو عبد الله أطال الله في عمره'.
الجامعة الأردنية ليست جدرانًا وصفوفًا، هي أم الجامعات، هي الذاكرة الوطنية، هي التي تخرّج منها النشامى والنشميات من القرى، من الأرياف، من المخيمات، من المدن.
تخرّج منها وسام، شقيقي الصحفي، وتخرّجت منها شقيقتي الصحفية رويدا، وتخرّج منها الآلاف من أبناء العمومة والأصدقاء، وتخرّج منها أبناء الأمة العربية، ومن أبناء العالم…
بل إن خريجيها اليوم على امتداد الكرة الأرضية… في كل قارة، في كل مؤسسة علمية، في كل مختبر… تلاقي أردني تخرّج من الجامعة الأردنية، ورافع راسه، ومخلّي اسم بلده فوق.
هي التي حملت أحلام أبناء القرى والبوادي، أبناء الأرياف والمخيمات والمدن، وكانت محطة الحلم الأولى لمن كانوا يسرّون في المواصلات العامة من الفجر، يحملون كتبهم، وكان نداء السائق يبشّرهم بقرب الحلم:
'الرئيسي نزل… العلوم نزل… المسجد نزل.'
يدخلون من بوابة الجامعة وقلوبهم تسبقهم، وبعضهم كان يعتبر أن الجلوس في ساحة المكتبة المركزية شرف، وأن مجرد الوقوف بين رفوفها عبور نحو النور.
ومن جلس في تلك المكتبة يومًا، يدرك أن الجامعة لم تكن مبانٍ، بل حلمًا معلّقًا على أكتاف الوطن.
فهي لم تكن ذات يوم مشروعًا شخصيًا، بل مشروع وطن.
تخرّجت منها القادة، وعلّمت الناس، وسقت العقول علمًا، لا فضل فيها على أحد… ولا أحد له فضل عليها.
وإن أخطأ فيها شخص – أيًا كان – فالقانون فوقه، والمحاسبة حاضرة، لكن لا يجوز أن نعمّم الخطأ على مؤسسة كتبت تاريخها بالتعب لا بالكلام.
ومن يهاجم الجامعة، يهاجم الذاكرة، يهاجم حابس المجالي، يهاجم وصفي، يهاجم الحسين، ويخاصم عبدالله الثاني…
لأنها إرث وطني، وبيت الأردنيين الكبير، وهي ليست ملكًا لرئيسها ولا لأستاذ فيها…
هي لنا، ولكم، ولمن يأتي بعدنا.
أكاد أجزم أن كل بيت أردني فيه خريج من الجامعة الأردنية، أو على الأقل، حلم أن يكون.
هي الجامعة التي تزيّن مدرجاتها بأسماء الشهداء، ورجالات الدولة، وتظل ظلال أشجارها حنونة على أحلام الطلبة.
كل من جلس على درجها أو مشى بين ممراتها، يعرف أن اسمه صار جزءًا من جدارها، من ترابها، من وجدانها.
هذه ليست مجرد جامعة…
هي وطنٌ على هيئة جامعة.
وستبقى، رغم الحروف المسمومة، ورغم الشوائب العارضة، طاهرة نقية، كما بدأها وصفي وحابس…
وكما أرادها الحسين، وكما يرعاها المعزز عبدالله الثاني.
ونثنّي أيضًا، بأن سمعة التعليم العالي الأردني، وبخاصة الجامعة الأردنية، مرتفعة جدًا وتضاهي كبريات الجامعات في العالم.
كما أن مستوى الأمان داخل مؤسساتنا التعليمية يُعدّ من الأعلى والأكثر احترامًا في الإقليم والعالم، وهذه شهادة نعتز بها ونباهي بها الدنيا… لأن من يزرع العلم، يحصد الإنسان.
فطوبى للجامعة الأردنية…
وطوبى لخريجيها…
وطوبى لمن جلس تحت شجرة فيها وحلم أن يصير شيئًا.
وهو اليوم، صار.
'كل ذرة من ثرى الأردن العظيم طاهرة ومقدسة، فلنحافظ عليها بأرواحنا'
التعليقات