أخبار اليوم - في قطاع يعيش على أنقاض الأحلام، تقف رهف زاهر الزرد (19 عامًا)، شاهدة على ما يمكن أن يفعله صاروخ بحياة فتاة في عمر الزهر. لم تكن في ساحات المواجهة، بل بين جدران غرفتها الصغيرة، تمسك دفترها وقلمها، ترسم خطواتها القادمة في الحياة: "توجيهي، كلية الطب، مستقبل تُنقذ فيه الأرواح".
لكنها لم تستطع إنقاذ جسدها من مصير مفاجئ. في مساء الثالث من يوليو/ تموز 2024، وبينما كانت تعيش عزلة تأمل وتخطيط، باغتتها طائرات الاحتلال بقصف عنيف استهدف الشقة السفلية من منزل عائلتها. لم تترك الصدمة لها وقتًا للصراخ، إذ مزقت شظايا غادرة قدمها اليمنى، لتستيقظ في المستشفى على خبر بترها.
تقول رهف لصحيفة "فلسطين": "صرخت، مش من الوجع فقط، بل من الخوف على مستقبلي." يروي والدها، زاهر الزرد، أنها نُقلت إلى المستشفى في ظروف إنسانية صعبة، حيث لم تكن المعدات الطبية ولا الطواقم كافية لاحتواء العدد الكبير من المصابين.
ويتابع بحرقة: "كنت بجانبها، أمسك يدها وأكتم دموعي. كنت أشعر أنني أريد أن أصرخ، لكنني خفت أن تسمعني وتنهار. كنت أقول لها إنه جرح بسيط، بينما قلبي يتقطع عليها." ومع مرور الأيام، لم يكن الألم الجسدي هو الأصعب، بل الجرح النفسي الذي تركته الإصابة.
رهف بدأت تنعزل عن محيطها، تتجنب النظر في المرآة، وتشعر بثقل نظرات الناس. تقول بصوت خافت: "رغم مرور عام على إصابتي، ما قدرت أتأقلم مع شكل جسمي الجديد.
كنت أنام وأصحى وأتمنى يكون حلم... بس الواقع كان أقسى من أي كابوس." كانت رهف قبل إصابتها تمارس رياضة المشي بانتظام، وتحب المشاركة في الرحلات المدرسية. يكمل والدها: "كانت أكتر وحدة بتحب الحياة، بتحب الضحك، وتساعد الكل... الحرب أخذت منها كل شيء فجأة." ورغم المأساة، بدأت رهف تحاول استعادة جزء من حياتها.
تتابع تعليمها من المنزل، وتنتظر تحويلة طبية للعلاج في الخارج لتركيب طرف صناعي. لكنها حتى اللحظة لم تتلقَ أي رد، وتخشى أن تفقد عامًا دراسيًا آخر. ويؤكد والدها أن أكثر ما يؤثر في ابنته هو عدم تمكنها من التقدُّم لامتحانات الثانوية العامة، الأمر الذي يزيد من معاناتها النفسية. تختم رهف حديثها بدمعة مكبوتة: "بدي أرجع أوقف على قدمي، عشان ألحق حلمي اللي صار بعيد، بس لسه ما مات." وعائلتها تنتظر بفارغ الصبر فرصة العلاج، لعلها تعيد لرُهَف شيئًا من أمل سرقه صاروخ. في غزة، لا ينجو الأطفال والشباب من الموت فقط، بل يحاولون النجاة من الحياة بعده.
فلسطين أون لاين