المرحلة القادمة، كما يبدو، ستكون مزدحمة بالألغاز، وملبدة بالغيوم السياسية ؛ البعض سيجد في هذه المناخات فرصةً لتمرير أفكاره وسردياته، أو الترويج لمشاريعه وأطماعه، اللافتات ربما تكون جذابة وبريئة، لكن الأجندات قد تكون خبيثة، واجب الأردنيين أن يفتحوا أعينهم وينعشوا وعيهم على كل ما يُقال أو يُطرح، لقد جربنا، في وقت مضى من تاريخنا، الشعارات التي تَرفع دعوات الوحدة والتحرير ، والأخرى التي حرّضت علينا لابتزازنا أو استخدامنا كطلقة في بنادقها، ثم اكتشفنا زيف الشعارات، وخسّة النوايا، وبؤس المآلات.
الآن يتكرر المشهد بصورة أخرى، الصالونات السياسية التي نشطت منذ نحو عامين بدأت تبحث عن حضور لها في المجال العام، الشخصيات التي اختفت طويلاً بدأ صوتها يرتفع، التيارات التي أوهمتنا أنها تستشهد من أجل غزة خرجت للنضال من اجل حصصها فيما بعد الحرب على غزة، نحن أمام محاولات صراع مشاريع، بالأصالة او بالوكالة، أكثرها لا يرى في بلدنا إلا ساحة للتصفية وجغرافيا للتصريف السياسي، ولقمة سهلة للابتلاع، وحده الصوت الأردني الذي يثق بدولته ويعتز بهويته ويراهن على عناصر قوته، ما زال خافتاً، او ربما ينتظر الفرصة المناسبة لكي يقول كلمته.
يجب أن نتوافق ؛ لا صوت يعلو على صوت الدولة وخياراتها وقراراتها، لا يحق لأحد، سواء أكان في المواقع العامة أو على منصات الترويج السياسي، أن يُسوّق، بالتلميح أو التصريح، لأي مشروع يتعارض مع المصالح العليا للدولة الأردنية، ومع حق الأردنيين الحصري في إبقاء بلدهم بعيدا عن العواصف والمخططات والتجاذبات التي تستهدف وجوده وحدوده، هذه مرحلة تستدعي العقلانية والهدوء عند التفكير واتخاذ القرار، لا مجال أبداً لاستخدام العواطف وتوظيف الانفعالات واللعب على حبال الوهم، الخطر الذي يواجه بلدنا يستوجب أن نتوحد على خطاب واحد ؛ الأردن أولاً وفوق الجميع، لا حلول على حسابه، ولا مشاريع ستمر يمكن أن تمسّ هويته وثوابته ومصالحه.
بصراحة، أي خطاب يحاول أن ( يغمغم) أهدافه وأغراضه من خلال إطلاق فزّاعات لتخويفنا او إرباكنا، أو تقديمنا «كبش فداء» ، لكي نحظى بتصفيق الجماهير التي لا تنظر إلينا إلا بعين الوكيل الحصري عن الأمة، أو» المقّصر» الذي يجب أن يتطهر من اخطائه، لابد أن نتعامل معه بما يستحقه من رفض، وأن نكشفه بلا تردد، لقد دفعنا أثماناً سياسية باهظة جراء هذه الخطابات التي أشغلتنا بقضايا خارج حدودنا، على حساب قضايانا الأردنية.
حان الوقت لكي نرى بلدنا من زوايانا الوطنية، وأن نجعل أي قضية تدور في فلكه ومصالحه بدل ان نتركه يدور في فلك مشاريع الآخرين؛ قوة الأردن ومنعته هي الأساس الوحيد الذي يُمكنّنا من الصمود والمواجهة، ويفرض دورنا وحضورنا على طاولة التسويات القادمة، أما هؤلاء الذين يتدافعون لحرف بوصلتنا نحو مصالحهم ومحاصصاتهم وغنائمهم ومشاريعهم فقد جرّبناها، يكفي ان نقول لهم : أعيرونا صمتكم، الأردنيون الذين بنوا الأردن ودحروا أعداءه في كل المواجهات يعرفون مصالح بلدهم، وقادرون على حمايته، ولن يسمحوا لأحد أن يعبث بمستقبله ونواميسه الوطنية.