أخبار اليوم - في خضم حرب الإبادة المستعرة في قطاع غزة، عاد الاحتلال الإسرائيلي لإحداث تغييرات جوهرية جغرافياً ضمن محاولاته الرامية لتقطيع أوصال القطاع من جهة، ومحاولته فرض ورقة ضغط إضافية على مُجريات مفاوضات وقف العدوان الدائرة في العاصمة القطرية الدوحة.
وأقام جيش الاحتلال أمس، ما يُعرف بـ "محور ماغن عوز" الذي فصل من خلاله شرقي خانيونس عن غربها، وسط جدل حول أهدافه الحقيقية ومصيره على الأرض، حسبما يقول مراقبون.
وقالت مصادر إعلامية عبرية، "اجتمعت فرقتا اللواء 188 ولواء جولاني القتاليتان، وأكملتها فتح محور "ماغن عوز" الفاصل بين شرق خانيونس وغربها، ويُعد هذا المحور الممتد على مسافة 15 كيلومتراً تقريباً، جزءاً اساسياً من الضغط على حماس، حسب زعمها.
محور "ماغن عوز" ليس الأول الذي أقامه الاحتلال فقد انتهج جيشه منذ بداية حرب الإبادة على القطاع في السابع من أكتوبر 2023، على محاولته السيطرة على مناطق عدة من القطاع من خلال انشاء محاور عسكرية مثل "محور نتساريم" وسط القطاع، و"موراج" شمال رفح، و"فيلادليفا" في مدينة رفح، في محاولة لقطع اوصال القطاع وتحويله إلى كنتونات معزولة، وفق ما يرى مراقبون.
يقول الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية رامي أبو زبيدة، إن محور "ماغن عوز" يشبه في تصميمه ما نفذه الاحتلال سابقاً في رفح من خلال "محور موراج"، حيث يعتمد على تقطيع القطاع إلى مربعات أمنية مفصولة بهدف السيطرة النارية على المناطق المأهولة.
ويرى أبو زبيدة في حديثه لـ "فلسطين أون لاين"، أن هذا المحور يمثل "بنية عسكرية محصنة تهدف إلى تهجير سكان المناطق الشرقية بالكامل، وتحويلها إلى نقطة ارتكاز لتمركز وحدات مشاة ومدرعات".
ويؤكد أبو زبيدة أن الأهداف العسكرية لهذا المحور تتضمن فصل مناطق الاشتباك النشط غرب خان يونس عن المناطق التي يزعم الاحتلال السيطرة عليها شرق المدينة، إلى جانب محاولة إقامة "منطقة آمنة" خالية من المقاومة لاستخدامها في إعادة الانتشار وتحسين قدرة الاحتلال اللوجستية في المنطقة.
ورغم إعلان الاحتلال السيطرة على المحور، إلا أن المقاومة، بحسب أبو زبيدة، ما زالت تنفذ عمليات نوعية في عبسان وغيرها، ما يضع المحور في دائرة الاستنزاف المستمر.
سياسياً، يرى أبو زبيدة أن "ماغن عوز" يشكّل ورقة تفاوض جديدة في يد الاحتلال، تضاف إلى ملف رفح، حيث يسعى الاحتلال لاستبدال الانسحاب من رفح بطرح الانسحاب من هذا المحور كخيار تفاوضي.
كما أن له بعداً إعلامياً، إذ تحاول الحكومة الإسرائيلية الترويج داخلياً لفكرة أنها تحقق مكاسب ميدانية، وتطهر "مناطق من المقاومة"، لتهدئة الرأي العام المتذمر، حسب أبو زبيدة.
أما مستقبل هذا المحور، فيؤكد أبو زبيدة أنه يواجه مصيراً مشابهاً لمحور "موراج" جنوباً أو "نتساريم" شمالاً، حيث فشلت محاولات فرض سيطرة دائمة، والمقاومة ما زالت نشطة في محيطه. كما أن "ماغين عوز" مكشوف من الخلف، ويصعب الدفاع عنه في حال حدوث انسحاب تدريجي، فضلاً عن الرفض الشعبي الواسع لفرض "منطقة آمنة" في شرق خان يونس.
ويتوقع أن "ماغن عوز" قد يُستخدم كورقة ضغط تفاوضية قصيرة الأجل، لكنه لن يصمد كأساس لأي حل دائم، لأنه يعتمد على رؤية أمنية بحتة ترفضها المقاومة، كما يرفضها الشارع الفلسطيني الذي يرى فيها محاولة لتفكيك وحدة القطاع الجغرافية والسياسية.
من جانبه، يرى الخبير في الشأن الإسرائيلي د. عمر جعارة أن مشروع "ماغن عوز" وما يشبهه من محاور هو انعكاس لفكر استيطاني إحلالي متطرف تتبناه حكومة بنيامين نتنياهو، ويصفه بـ"النازي".
ويقول جعارة لـ "فلسطين أون لاين"، إن نتنياهو يتهرب من أي صفقة تبادل أسرى أو وقف لإطلاق النار، ويبتدع خرائط جديدة لإطالة أمد الحرب وتأجيل أي انسحاب من غزة، بسبب أزماته الداخلية وخوفه من تفكك حكومته اليمينية المتطرفة في حال تمت الصفقة.
ويضيف جعارة أن فكرة "المناطق الآمنة" أو "مخيمات الاعتقال" على غرار "ماغن عوز"، لا تختلف كثيراً عن نماذج الاعتقال الجماعي النازية، والهدف منها ليس فقط السيطرة الميدانية، بل الضغط على المقاومة عبر القتل والتهجير، في ظل عجز نتنياهو عن تقديم أي إنجاز عسكري واضح للرأي العام الإسرائيلي، خاصة في ظل استمرار العمليات الفاعلة للمقاومة، وفشل جيشه في اجتثاثها رغم ما يزيد عن تسعة أشهر من الحرب.
ويشير جعارة إلى أن محور "ماغن عوز" هو محاولة من نتنياهو لإرضاء شركائه في الحكومة مثل سموتريتش وبن غفير، الذين يرفضون أي انسحاب من غزة، معتبرين أن إتمام صفقة التبادل تعني سقوط الحكومة والتوجه لانتخابات مبكرة، وهو ما يحاول نتنياهو تجنبه بأي ثمن.
ويتفق الخبيران على أن محور "ماغن عوز" ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة محاولات الاحتلال لفرض واقع ميداني بالقوة، لكنه يواجه تحديات عسكرية وشعبية كبيرة. وقد تتحول هذه الورقة إلى عبء على الاحتلال أكثر من كونها مكسباً، في ظل استمرار المقاومة ورفض مشاريع التقسيم الميداني، ما يجعل مصير هذا المحور مرهوناً بإرادة الفلسطينيين على الأرض.
فلسطين أون لاين