(أخبار اليوم – تالا الفقيه)
قال أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأردنية الدكتور رعد محمود التل إن العلاقة بين النمو الاقتصادي والبطالة في الأردن تُعد علاقة معقدة يصعب تفسيرها ضمن النظريات الاقتصادية التقليدية التي تفترض أن ارتفاع النمو يؤدي تلقائيًا إلى انخفاض البطالة، موضحًا أن التجربة الأردنية تظهر صورة مختلفة تمامًا.
وبيّن التل أن الأردن شهد في فترات متعددة معدلات نمو اقتصادي معقولة، لكنها لم تنعكس على خلق فرص عمل حقيقية في السوق المحلي، الأمر الذي يدل على محدودية قدرة الاقتصاد الأردني على تحويل النمو إلى تشغيل فعّال، مضيفًا أن "زيادة الناتج المحلي الإجمالي لا تعني بالضرورة زيادة في فرص العمل، لأن نوعية النمو هي التي تحدد مدى تأثيره على البطالة".
وأوضح أن السبب الجوهري وراء هذه المفارقة يعود إلى طبيعة القطاعات التي تقود النمو، إذ أن معظم النمو الاقتصادي في الأردن ناتج عن قطاعات كثيفة رأس المال وضعيفة التشغيل، وهي القطاعات التي تعتمد على التكنولوجيا والاستثمار المادي أكثر من اعتمادها على اليد العاملة.
وأشار التل إلى أن القطاعات القادرة على استيعاب أعداد أكبر من العمالة مثل الزراعة، والصناعات التحويلية، والسياحة، والخدمات اللوجستية، لا تشكل المحرك الرئيس للنمو في الأردن، مما يحدّ من أثره على البطالة. وأضاف: "قطاع الزراعة مثلًا لا تتجاوز مساهمته في الناتج المحلي 5%، وغالبية العاملين فيه من غير الأردنيين، ما يجعل أثره على التشغيل الوطني محدودًا للغاية".
ولفت إلى أن التحسن الأخير في قطاع الصناعات التحويلية يشير إلى اتجاه إيجابي، إذ ارتفعت مساهمته في الناتج المحلي لتتساوى تقريبًا مع قطاعي الخدمات المالية والعقارية بمعدل نمو يقارب 5%، معتبرًا أن هذا التوازن الجديد يمكن أن يشكل فرصة لإعادة توجيه النمو نحو القطاعات الإنتاجية كثيفة العمالة.
وأكد التل أن تحقيق تنمية شاملة وتراجع فعلي في البطالة يتطلب إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني باتجاه القطاعات الإنتاجية التي تخلق فرص عمل، مثل تعزيز التعليم المهني والتقني، وتوجيه الاستثمارات نحو الأنشطة الاقتصادية التي تعتمد على العمالة أكثر من اعتمادها على رأس المال.
وأوضح أن التحدي لا يقتصر فقط على نوعية النمو، بل يمتد إلى طبيعة البطالة ذاتها، مشيرًا إلى أن البطالة في الأردن ليست نمطًا واحدًا، بل تتداخل فيها أنواع متعددة، أبرزها البطالة الهيكلية الناتجة عن الفجوة بين المهارات المتوافرة لدى الخريجين والمهارات المطلوبة في سوق العمل، إضافة إلى البطالة الاحتكاكية المرتبطة بصعوبة الانتقال بين فرص العمل.
وختم التل حديثه بالتأكيد على أن الأردن بحاجة إلى سياسة اقتصادية جديدة تركز على القطاعات القادرة على التشغيل، بحيث يتحول النمو الاقتصادي من مجرد رقم في الناتج المحلي الإجمالي إلى محرك حقيقي للتشغيل والتنمية الشاملة، قائلاً: "بدون هذا التحول، سيبقى النمو رقمًا في التقارير لا ينعكس على حياة الناس ولا على سوق العمل".