(أخبار اليوم – صفوت الحنيني)
أكد وزير الزراعة الأسبق سعيد المصري أن الاحتفال السنوي بعيد الشجرة لا يقتصر على الجانب الرمزي، بل يمثل انطلاقة فعلية لموسم التحريج في المملكة، مشيرًا إلى أن هذا الحدث الذي يُقام في السادس عشر من كانون الثاني كل عام تحت رعاية وزارة الزراعة، يهدف إلى الإعلان عن بدء موسم الزراعة والتحريج الوطني مع بداية الموسم المطري.
وأوضح المصري أن ما يجري في يوم الشجرة من احتفالات وزراعة رمزية لأعداد محدودة من الأشجار في مواقع مختارة هو بمثابة مؤشر لانطلاق العمل الميداني الحقيقي، حيث تبدأ بعدها حملات التحريج في مختلف المناطق بالتنسيق بين الوزارة والقطاعين العام والخاص والجمعيات البيئية، وضمن مخصصات مالية يتم رصدها سنويًا لدعم هذه المشاريع.
وقال المصري إن المهمة ليست سهلة، فالتحدي الأكبر يكمن في شحّ الأمطار وضعف رطوبة التربة، وهو ما ينعكس مباشرة على نمو الأشجار واستقرارها. وأضاف: "إذا قارنا طبيعة الغطاء الأخضر في شمال أوروبا، حيث التربة مشبعة بالمياه، نجد الفرق واضحًا في اللون والحيوية، بينما في بيئتنا الجافة يصبح النبات أقل نموًا وأكثر عرضة للتأثر، وهذه هي المعضلة الأساسية التي تواجهنا".
وبيّن أن الأردن يبذل جهودًا جدّية في مجال التحريج ومكافحة التصحر، إلا أن حجم المشكلة يتطلب مخصصات أكبر ونشاطًا ميدانيًا أوسع، معتبرًا أن التصحر بات من أخطر التحديات البيئية التي تواجه المملكة والمنطقة. وقال: "نحن بحاجة إلى جهد وطني شامل، لأن التصحر اليوم لم يعد مجرد قضية بيئية، بل خطر يهدد الزراعة والاقتصاد والحياة الطبيعية".
وأشار المصري إلى أن التحريج بالأشجار غير المثمرة يُعد من أدوات مقاومة التصحر والتغير المناخي، نظرًا لدوره في تثبيت التربة وحفظ التوازن البيئي والمناخي. وأكد أن الحكومة تعمل على تنفيذ خطط سنوية لزراعة مساحات جديدة، مع استخدام تقنيات حديثة للحفاظ على رطوبة التربة وتطوير وسائل الري التكميلي في المناطق الجافة.
وفي المقابل، أوضح المصري أن الزراعات المثمرة مثل الزيتون والعنب والحمضيات تواجه تحديات متزايدة نتيجة تذبذب كميات الأمطار وتغير درجات الحرارة. وقال: "خلال العقود الماضية، كانت المناطق الشمالية والغربية من المملكة تُعرف بوفرة إنتاج الزيتون البعلي، لكن مع انخفاض الهطول المطري وتغيّر المناخ بدأ الإنتاج يتراجع، وبدأ المزارعون يلجأون للريّ التكميلي بصهاريج المياه للحفاظ على الأشجار في فصل الصيف".
وأضاف أن التغيرات المناخية انعكست على سلوك المزارعين، فباتوا أكثر حذرًا في اختيار مناطق الزراعة ونوعية الأشجار التي تتناسب مع الظروف المناخية، مشيرًا إلى أن هذه التحولات تؤكد ضرورة التخطيط الزراعي المستقبلي على أساس علمي ومناخي دقيق.
وتحدث المصري عن التأثير العالمي لتغير المناخ، موضحًا أن الانبعاثات الناتجة عن الثورة الصناعية خلال المئة والخمسين عامًا الماضية أدت إلى اضطراب توازن الغلاف الجوي وارتفاع درجات الحرارة، مما أثر سلبًا على نسب الأوكسجين وعلى استقرار أنماط الهطول المطري في العالم. وأضاف: "الأشجار والغابات كانت وما زالت الرئة الطبيعية للأرض، وفقدانها يعني فقدان جزء من هذا التوازن الحيوي الذي يحافظ على الحياة".
وأكد أن التحريج الوطني في الأردن ليس نشاطًا موسمياً بل سياسة بيئية دائمة، مشددًا على أهمية استمرار زراعة الأشجار في المناطق الصحراوية والجبلية التي فقدت جزءًا من غطائها النباتي، وإعادة تأهيل الأراضي الجرداء لتستعيد قدرتها على دعم الحياة الطبيعية والحد من التغيرات المناخية.
وختم المصري حديثه بالقول إن "شحّ المطر أضعف الغطاء الأخضر، لكن الإرادة الوطنية في التحريج قادرة على صنع الفارق"، مضيفًا أن الأشجار غير المثمرة تشكل جدار الدفاع الأول في وجه التصحر، فيما تظل الأشجار المثمرة مصدر حياة واقتصاد، وكلاهما معًا يمثلان روح البيئة الأردنية الخضراء التي يجب الحفاظ عليها بكل الوسائل الممكنة.