ريتال .. حكاية طفلة تُصارع السرطان في غزة

mainThumb
ريتال.. حكاية طفلة تُصارع السرطان في غزة

29-10-2025 04:00 PM

printIcon

أخبار اليوم - في حي الشيخ رضوان، أحد الأحياء المكتظة في مدينة غزة، لم تكن الطفلة ريتال العالول، ذات الأربع سنوات، تدرك أن وهج الصاروخ الإسرائيلي الذي سقط قرب منزلها في منطقة تل الزعتر سيطفئ نور عينها ويطفئ معه كل ملامح الطفولة.

في إحدى ليالي الحرب العنيفة، سقط صاروخ يحمل مواد متفجرة محرّمة دوليًا على مقربة من منزل العالول، وانبعثت منه إشعاعات قاتلة لم تترك خلفها سوى الألم، بعد أيام من الاستنشاق والصدمات والنزوح، بدأت علامات التعب تظهر على جسد ريتال. عيناها تورمتا، وحركتها بدأت تضعف. ظنت والدتها أنها مجرد آثار نفسية من صوت القصف... لكن الحقيقة كانت أدهى.

يقول والدها يوسف العالول لـ "فلسطين أون لاين": "بعد أن نزحنا إلى بيت في الشيخ رضوان بعدة أيام استيقظت ريتال لا تتمكن من المشي على قدميها وفقرات عمودها الفقري متشنجة، لم اكن اعرف ما السبب، ولم يكن بوسعي سوى الجأ إلى المستشفيات رغم انهيار المنظومة الصحية".

وبعد متابعات وتحاليل طبية وصور أشعة، أخبر الاطباء والد ريتال أنها مصابة بورم أرومي عصبي نادر (Neuroblastoma)، ورم سرطاني انتشر في عينها اليمنى فخرجت عن مسارها وهدد الأخرى، وأثر على عصب الحركة.

ويضيف العالول بصوت يكسوه الوجع والألم على ابنته: "لم نصدق في البداية، كانت تلعب، وتركض، وتضحك... والآن لا تقوى على المشي، وبدلًا من أن تقضي أيامها وحياتها في اللعب والمرح، باتت متنقلة بين أسرة المستشفيات بعدما انخفض دمها إلى ٤، فلم تعد تقوى على الحركة وتحتاج إلى نقل وحدات دم، ومحاليل تعتاش عليها".

مرض ريتال ليس فقط تهديدًا صحيًا، بل مأساة إنسانية مكتملة، فقد صدر لها تحويلة علاجية عاجلة منذ شهرين وعشرة أيام إلى مستشفى متخصص خارج قطاع غزة، لكن المعبر الذي يغلق الاحتلال بوابته منذ أشهر حال دون إنقاذها.

"كل يوم نراقب تدهور حالتها، كل يوم تضعف أكثر، نسأل الله أن تُفتح أبواب الرحمة قبل أن تُغلق عينها للأبد"، يتابع والدها وهو يمسك بيد صغيرته التي باتت عاجزة حتى عن النهوض.

ريتال، التي لم تعرف من الحياة إلا أصوات الانفجارات وظلال الموت، تقبع اليوم بين الحياة والموت، في غرفة صغيرة تفتقد لأبسط مقومات العلاج، لا أدوية كافية، ولا أجهزة متقدمة، ولا أمل في السفر قريبًا.

"أنا مش طالبة معجزة... بس بدي بنتي تعيش، بدي حد يسمعنا، يفتح المعبر، يوصل صوتنا، فهل انتظر موتها أم اتصالكم"، يتحدث العالول بحرقة على صغيرته.

يصمت ثم يكمل: "كانت تحب الألوان والرسم، وتملأ جدران المنزل بألوان طفولية، لكن اليوم، صارت الألوان تؤلم عينيها، والضوء يزعجها، ولم تعد تقدر حتى على حمل القلم، كما أنها فقدت شهيتها للطعام، وأصبحت تتغذى عبر المغذيات الوريدية، جسدها النحيل يذبل يومًا بعد يوم، في ظل عجز كامل عن تقديم العلاج المناسب".

ويعد الورم "الأرومي العصبي" من أخطر أنواع السرطان لدى الأطفال، ويتطلب علاجًا عاجلًا في مراكز أوروبية أو في مستشفيات متخصصة خارج القطاع.

كما أن العلاج الكيميائي الذي تحتاجه غير متوفر بالكامل، وغياب المتابعة الدورية عبر أجهزة دقيقة يجعل تطور المرض أسرع من قدرتهم على إيقافه.

ويقول والدها: "كلما نظرت إلى المرآة تسألني: بابا وين عيني؟ ليه مش بشوف زي قبل؟" وهي أسئلة تعجز الكلمات عن الرد عليها.

ويوجه نداء إلى المؤسسات الطبية والصحية كالصليب الأحمر، ومنظمة الصحة العالمية، والجهات المعنية بالسفر الطبي بالنظر إلى تل الحالات المستعصية التي تموت ببطء دوت أن تجد من يحرك ساكن بملفها.

ريتال ليست مجرد حالة مرضية، إنها شاهد حي على الإبادة الصامتة، وعلى أن القصف لا ينتهي بانفجاره... بل يبدأ بعده.

المصدر / فلسطين أون لاين