أخبار اليوم - يؤكد جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين أن صحة المواطن هي ركيزة التنمية الوطنية وأساس الاقتصاد المنتج، وأن النهوض بالقطاع الصحي هو استثمار في الإنسان الأردني وركيزة للنمو الشامل. إلا أنّ واقع الاقتصاد الصحي في الأردن ما زال يعاني من ضعفٍ مؤسسي في التحليل والحوكمة والتمويل، رغم حجم الإنفاق الكبير المخصص للقطاع.
وبحسب الدكتور محمد حسن الطراونة عضو مجلس نقابة الأطباء الأردنية تشير بيانات تقرير الحسابات الصحية الوطنية (2020–2022) إلى أن الإنفاق الصحي الجاري لعام 2022 بلغ 2.67 مليار دينار، أي ما يعادل 7.7% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين بلغ الإنفاق الرأسمالي 180.6 مليون دينار (0.52% من الناتج المحلي). وقد بلغ متوسط الإنفاق الصحي للفرد 236 دينارًا سنويًا، وبلغت نفقات الأدوية 795 مليون دينار، أي 29.8% من إجمالي الإنفاق الصحي الجاري. كما وصلت نسبة الإنفاق على الرعاية الصحية الأولية إلى 40.2%، ، فيما بلغ الإنفاق المباشر من جيب المواطن 960 مليون دينار (35.9%) من الإنفاق الصحي الكلي، وهو من أعلى المعدلات في المنطقة.
ويتابع الطراونة ان هذه الأرقام تعكس عبئًا ماليًا مرتفعًا على الأسر الأردنية، وضعفًا في كفاءة التوزيع بين الرعاية الوقائية والعلاجية، ما يجعل إصلاح الاقتصاد الصحي ضرورة وطنية عاجلة.
ويوضح الدكتور الطراونة انه ورغم الجهود الحكومية في التحول الرقمي وتحسين كفاءة الإنفاق، لا يزال النظام الصحي يفتقر إلى حساب وطني موحد للإنفاق الصحي يشمل جميع القطاعات (الحكومي، العسكري، الجامعي، والخاص)، ما يؤدي إلى ازدواجية في الصرف وهدر مالي يقدّر بنحو 10–15% سنويًا. كما أن تخصص الاقتصاد الصحي لا يزال غير مفعّل بالشكل المطلوب داخل هياكل المؤسسات الصحية والجامعات، مما يحرم صُنّاع القرار من أداة علمية لتحليل الكلفة والعائد وجدوى السياسات الصحية.
ويشير الطراونة إنّ إصلاح الاقتصاد الصحي الأردني يتطلب رؤية مؤسسية شاملة تستند إلى الأدلة المالية والاقتصادية لا إلى القرارات الإدارية فقط، وذلك من خلال تطبيق مجموعة من التوصيات العملية:
تأسيس حساب وطني موحد للإنفاق الصحي بإشراف وزارة الصحة لقياس الكلفة الفعلية للخدمات وتحديد الفجوات والهدر.
تخصيص مديرية وليست وحدة متخصصة في الاقتصاد الصحي والتحليل المالي ضمن هيكل الوزارة لتقييم السياسات الصحية على أسس علمية واقتصادية.
ضبط الهدر الدوائي من خلال التحول الرقمي الكامل لإدارة الإنفاق في المستشفيات والمراكز الصحية.
تحديث قانون الصحة العامة ليشمل بنودًا خاصة بالحوكمة المالية، والمساءلة على الأداء، وربط التمويل بالمخرجات.
تعزيز الاستثمار في الرعاية الصحية الأولية والوقاية لتقليل العبء المالي المستقبلي للأمراض غير السارية التي تمثل اكثر الاسباب من العبء الصحي العام.تكلفة
رفع كفاءة الموارد البشرية التي تستحوذ على أكثر من 53% من الإنفاق الصحي العام، وتطبيق نظام حوافز قائم على الأداء والإنتاجية.
توسيع برامج التعليم الجامعي في الاقتصاد الصحي وبناء كوادر وطنية متخصصة لدعم صُنّاع القرار بالأدلة الاقتصادية والتحليل المالي.
تحويل الصحة إلى قطاع اقتصادي منتج عبر تطوير السياحة العلاجية والشراكات المنظمة مع القطاع الخاص ضمن إطار حوكمي واضح.
ويختم الطراونة حديثة إنّ الاقتصاد الصحي ليس ترفًا فكريًا بل أداة للحوكمة الرشيدة والإصلاح المالي والإداري. فتمكين وزارة الصحة من قيادة نظام مالي صحي موحد سيُحوّل الإنفاق إلى استثمار، ويجعل من القطاع الصحي رافعة اقتصادية وطنية تعكس رؤية جلالة الملك في جعل صحة المواطن أساس الدولة الحديثة وعماد اقتصادها الإنساني.