مبادرة وزير الداخلية لتنظيم مظاهر الأفراح والأتراح… وعيٌ يصنع التغيير ويعيد للناس توازنهم

mainThumb
مبادرة وزير الداخلية لتنظيم مظاهر الأفراح والأتراح… وعيٌ يصنع التغيير ويعيد للناس توازنهم

05-11-2025 01:06 PM

printIcon

الدكتور صلاح الحمايدة

في وقتٍ أصبحت فيه المناسبات الاجتماعية تتحول من فرحةٍ إلى عبء، ومن تضامنٍ إلى استعراض، جاءت مبادرة وزير الداخلية لتنظيم مظاهر الأفراح والأتراح لتضع الأمور في نصابها الصحيح، وتعيد إلى المجتمع وعيه ووقاره، وتخفف عن الناس ما أثقل كاهلهم من تكاليفٍ وعاداتٍ لم يعد فيها من الرحمة إلا اسمها.

هذه المبادرة ليست قرار إداري أو حملة وقتية، بل هي رؤية وطنية متكاملة تنبع من إحساسٍ عميق بمشاكل الناس اليومية، ومن إدراكٍ بأن الإصلاح لا يكون فقط بالقوانين، بل بإعادة ترتيب المفاهيم الاجتماعية التي شوهها التباهي والمظاهر الزائفة.

لقد رأينا في السنوات الأخيرة كيف تحولت بعض الأعراس إلى سباقٍ محموم في الصرف والبذخ، حتى غابت البهجة وحضر القلق، وصار الزواج مشروعًا ثقيلًا يخشاه الشباب بدل أن يكون حلم العمر. ورأينا أيضًا كيف تحولت مراسم العزاء إلى مظاهر لا تليق بالحزن، وأعباء تثقل أهل الميت بدل أن تواسيهم.

ومن هنا، فإن مبادرة الوزير تأتي كصوت العقل والرحمة معًا؛ تذكّر الناس بأن الأصل في الأفراح هو الفرح لا التفاخر، وأن الأصل في الأحزان هو المواساة لا التكلّف.

ما يميز هذه المبادرة أنها ليست الأولى في سجل هذا الوزير؛ فقد سبقتها خطوات إصلاحية جريئة في ملف الجلوة العشائرية، حيث استطاع أن يوازن بين احترام العادات وصون الحقوق، فخفف الظلم عن أبرياء كانوا يدفعون ثمنًا ليس ذنبهم فيه. واليوم يواصل المسيرة ذاتها، ولكن في ميدانٍ جديد، ميدان الوعي الاجتماعي، حيث يبدأ الإصلاح الحقيقي من العقول قبل النصوص.

إن الدعوة إلى تنظيم مظاهر الفرح والحزن ليست تقييدًا للحريات، بل تحريرٌ للناس من قيودٍ صنعوها بأنفسهم. فحين تُخفّف المهور، وتُبسط الولائم، وتُختصر المظاهر المبالغ بها، نمنح الشباب فرصة للحياة والاستقرار، ونُعيد الأمل إلى قلوبٍ كانت ترى الزواج حلمًا بعيد المنال.

كل دينٍ وعُرفٍ سليمٍ دعا إلى البساطة، لأن البساطة تحفظ المودة وتزرع البركة. ومن المؤلم أن ترى شابًا يؤجل زواجه لأن العادات تطلب منه ما لا يستطيع، أو أسرةً تبيع ما تملك لتقيم عرسًا “لا يُنسى”! فما جدوى الفرح إن تحول إلى همّ؟ وما فائدة العزاء إن أثقل القلوب بدل أن يواسيها؟

هذه المبادرة جاءت لتقول للناس: عودوا إلى الفطرة، إلى التوازن، إلى المعنى.
فالفرح لا يقاس بعدد الأضواء، بل بصفاء القلوب، والحزن لا يُقاس بحجم الخيام، بل بحرارة المواساة.

إن مبادرة وزير الداخلية تستحق أن تُروى كنموذجٍ في الإصلاح المجتمعي الواعي، لأنها لا تخاطب المظاهر فقط، بل تخاطب جوهر الإنسان فينا. فالمجتمع لا يُبنى بالمهرجانات والولائم، بل يُبنى بالرحمة والعقل، وبإدراك أن الكرامة ليست في المبالغة، بل في البساطة والعفة والاحترام.

اليوم، ونحن نرى هذه المبادرة تتجذر في الوعي العام، علينا جميعًا أن نساندها لا بالكلام فقط، بل بالفعل والقدوة؛ فليكن كل منا داعيةً للاعتدال، ومثالًا للتخفيف، ورسالةً تنبض بالعقل والحكمة.

حينها فقط، سنستعيد فرحنا النقي، وعزاؤنا المهيب، وسنقول بثقة:
إن ما بدأه الوزير كمبادرة، تحول إلى ثقافةٍ وطنية تُبنى بها الأجيال.