بعد نوح زعيتر .. الجيش اللبناني يلاحق 23 متورطاً بالمخدرات

mainThumb
بعد نوح زعيتر... الجيش اللبناني يلاحق 23 متورطاً بالمخدرات

22-11-2025 05:47 PM

printIcon

أخبار اليوم - يمثل توقيف استخبارات الجيش اللبناني «بارون المخدرات» نوح زعيتر، الخميس، حلقة من سلسلة القضاء على النشاط الإجرامي المتصل بالاتجار بالمخدرات وترويجها. فقد كثفت السلطات اللبنانية حملاتها لتفكيكها منذ 5 سنوات، وازدادت وتيرتها مع سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، حين فُقدت الملاذات الآمنة للمطلوبين الذي اضطروا جراء إقفال الحدود والتغيرات في سوريا، إلى العودة إلى الداخل اللبناني، فيما يلاحق الجيش 23 من أخطر المطلوبين، ويواصل إجراءاته للقضاء على الاتجار بالمخدرات.

وأسهمت العمليات الأمنية في تحييد عشرات المطلوبين منذ مطلع العام، سواء عبر التوقيف، أو عبر قتلهم جراء اشتباكات مع عناصر الجيش، وتبادل لإطلاق النار، وأفضت العمليات إلى توقيف ما يزيد على 500 مطلوب خلال 5 سنوات، حسب بيانات الجيش ورصد «الشرق الأوسط»، فضلاً عن مقتل 5 من أبرز المطلوبين خلال أشهر فقط.


جبل الإنجازات
جاء توقيف نوح زعيتر بمنزلة «القمة على جبل الإنجازات»، حسبما يقول مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط»، واصفاً العملية بأنها «ضربة قاضية أعادت الأمل، وأكدت أن الدولة، حين تقرر، لا تترك مجرماً يفلت من العدالة». ويضيف: «انهيار هذا (العرش الأسود)، لم يكن مجرد انتصار أمني، بل لحظة استرداد للهيبة الوطنية. فبعملية نوعية، بلا ضجيج إعلامي، تم رصد تحركاته بدقة، واعتمدت القوات الأمنية أسلوب الرصد طويل الأمد، والاختراق الهادئ. وعند ساعة الصفر، انقضّت القوة على الهدف، لتُسدل الستار على فصل من الفوضى».


ويعد توقيف نوح زعيتر في عملية أمنية يوم الخميس، أبرز إنجاز بالنظر إلى أن الرجل يوصف بأنه «بارون المخدرات» في لبنان، وهو خاضع لعقوبات أميركية وبريطانية وأوروبية. وأدار في البقاع في شرق لبنان، منذ التسعينات، إمبراطورية لتصنيع المخدرات وتهريبها، بينها حبوب الكبتاغون التي ازدهرت تجارتها في السنوات الأخيرة بين لبنان وسوريا.

ويقول المصدر: «نوح زعيتر، الاسم الذي لطالما ارتبط بتجارة المخدرات، السلاح، والخروج الصارخ عن القانون، كان لعقود بمثابة (الظل الثقيل) على مشهد الأمن الداخلي. تحوّل من شخص إلى أسطورة، لا بسبب إنجاز، بل نتيجة قدرته على التملّص، وفرض سطوته في البقاع، متحدّياً الدولة، ومربكاً الرأي العام».

الإطاحة برؤوس كبيرة
ولم تكن العملية مجرد توقيف، بل تتويج لسلسلة من الضربات الأمنية النوعية خلال الأشهر الستة الأخيرة. فقد شهدت هذه المرحلة تفكيك أهم شبكات المخدرات والجرائم المنظمة، من خلال القضاء على أو اعتقال كبار الرؤوس، بينهم علي زعيتر (أبو سلة)، وعباس علي سعدون زعيتر، وحسن عباس جعفر، وحسين عباس جعفر، وحمزة راجح جعفر، وغيرهم من زعماء العصابات المتورطة بالاتجار، والسرقة، والخطف، وتصنيع السموم.

وبرز اسم علي منذر زعيتر، المعروف بـ«أبو سلّة»، كأحد أخطر تجار المخدرات في لبنان خلال السنوات الأخيرة، وصدرت بحقه أحكام غيابية، أبرزها حكم بالإعدام صادر عن المحكمة العسكرية في 7 مارس (آذار) 2024، بعد اتهامه بتشكيل مجموعة مسلّحة وارتكاب جرائم قتل ومحاولة قتل عسكريين، إضافةً إلى إدارة شبكة اتجار بالمخدرات.

اكتسب لقبه من طريقة بيع المخدرات التي اشتهر بها في منطقة السبتية في جبل لبنان، حيث كان يُهبط سلّة من شرفة منزله لإنجاز عمليات البيع من دون مواجهة مباشرة مع الزبائن.

في 6 أغسطس (آب) 2025 نفّذ الجيش اللبناني عملية نوعية في حي الشراونة – بعلبك، استُخدمت فيها المسيّرات والصواريخ، وانتهت بمقتله مع عباس علي سعدون زعيتر وفياض سالم زعيتر. وتشير السجلات الأمنية إلى أنه كان قد فرّ إلى المنطقة الحدودية مع سوريا بعد مداهمة في يونيو (حزيران) 2022، وظلّ يدير جزءاً من نشاطه من هناك.


أما حسن عباس جعفر، الملقب بـ«السبع»، فيُنظر إليه على أنه أحد أبرز المطلوبين في قضايا الخطف والسرقة في منطقة البقاع. أنهى الجيش اللبناني مسيرته في 26 سبتمبر (أيلول) 2025 خلال عملية أمنية دقيقة في بلدة دار الواسعة غرب بعلبك، نُفّذت باستخدام طائرة مسيّرة واقتحام منازل مطلوبين. وقد شكّل مقتله محطة مفصلية في المواجهة مع شبكات الخطف التي كانت تنشط على نطاق واسع في المنطقة.

ومثله، حمل بدري زعيتر، الملقب بــ«السائق»، سجلاً أمنياً مرتبطاً بتسهيل تحركات عدد من المطلوبين في شبكات المخدرات والتهريب. في 4 أكتوبر (تشرين الأول) 2025، وخلال حملة موسعة للجيش لإقفال المعابر غير الشرعية في منطقة بعلبك – الهرمل، داهمت قوة عسكرية حي الشراونة بعد استهداف مراكزها بقذائف صاروخية. وأفادت المعلومات الميدانية بأن بدري زعيتر قُتل خلال العملية مع اثنين من مرافقيه السوريين، في خطوة عُدّت جزءاً من التشدد الأمني لملاحقة الشبكات الناشطة في التهريب وجرائم المخدرات.

ضربات مدمرة
ولم تكتفِ القوى الأمنية بذلك، بل وجّهت ضربات مدمّرة إلى أضخم معامل تصنيع المخدرات في لبنان والمنطقة، مما شكّل زلزالاً حقيقياً تحت أقدام الشبكات الدولية، وأصاب مفاصل هذه السوق السوداء بالشلل.

ويقول المصدر الأمني: «خلال السنوات الخمس الماضية، خاضت الدولة معركة صامتة وشاقة ضدّ إمبراطوريات السمّ الأبيض، واستطاعت أن توجّه ضربات قاضية إلى تجّار المخدرات، فاعتقلت ما يفوق 500 شخص متورط في تجارة وتوزيع وصناعة المخدرات، كثيرون منهم أسماء لطالما عُدّت «خطاً أحمر»، لا يجرؤ أحد على الاقتراب منهم، إلى أن دخلت مخابرات الجيش على الخط، وكشفت عن شبكات لطالما رعت الفساد وأراقت السمّ في عروق المجتمع».

ويكشف المصدر عن أنه «تم جرف أكثر من 14 ربعة (مركز ميداني) لبيع المخدرات، وتفكيك نحو 50 معملاً لصناعة الكبتاغون، وقدّرت المضبوطات من مواد مخدّرة وآلات تصنيع بقيمة تجاوزت المليار دولار أميركي، مما شكّل ضربة اقتصادية وتجارية كبرى لعصابات تهريب المخدرات داخل وخارج لبنان». وأشار إلى أن «البعض هرب إلى الخارج، كما حصل مع المطلوب جلال شريف وآخرين، فيما تبقّى نحو 20 ربعة نشطة، تتمركز بين حورتعلا، والشراونة، وتل الأبيض، واليمونة» وهي قرى في شرق لبنان.

أسماء ملاحَقة وخطط مستقبلية
وإذ أشار إلى 23 اسماً من بين كبار المطلوبين تجري ملاحقتهم في الشراونة واليمونة تل أبيض وحورتعلا في البقاع، قال المصدر: «هذه الأسماء تبقى في الواجهة، مسلحة وخطيرة، مدعومة أحياناً بعناصر مسلّحة من جنسيات أخرى، إلا أن الأخطر هم من يختبئون في الظل، وهم تجّار كبار غير مطلوبين للقضاء، متخفّين خلف مشاريع (نظيفة) وعلاقات نافذة داخل الدولة، يُعاد تنظيمهم بصمت».

ويؤكد المصدر: «مع كل هذه المواجهات، سجّل الأمن اللبناني إنجازاً بالغ الأهمية، يتمثل في انخفاض نسبة المخدرات بنسبة 70 في المائة، وهو رقم تاريخي في ظل بيئة مليئة بالتحديات». ويشرح: «تحمل المرحلة القادمة معها خطة تجفيف منابع التهريب والتصنيع بالكامل في سياق معركة وجود لن تتوقّف حتى القضاء على آخر شبكات السمّ».