صالح الشرّْاب العبادي
لم تعد كلمة التحديات مجرد وصف لظرف صعب أو مرحلة دقيقة، بل تحوّلت في الخطاب الرسمي إلى عبارة جاهزة تُرمى في كل تصريح، حتى فقدت معناها الأصلي وتحوّل وقعها من التنبيه إلى الإزعاج. فالشعب سئم من سماعها تتكرر بإيقاع لا ينقطع، وكأنها شماعة تُعلَّق عليها كل المشكلات والأزمات مهما كان نوعها او تأثيرها على الاقليم او الدولة او المواطنين معاً او فرادى بلا تفاصيل ولا حلول.
في جوهرها، تعني التحديات العقبات التي تتطلب جهدًا وتخطيطًا لتجاوزها، وهي قد تكون بشرية المنشأ مثل القرارات الخاطئة وضعف الإدارة والفساد والعجز الوظيفي ، وعدم القدرة على تفكيك شيفرة التحديات ، وقد تكون خارجية أو طبيعية لا يد للدولة فيها. لكن الاستخدام المفرط لها جعلها كلمة فضفاضة تُخفي أكثر مما تُظهر، وتجمّل الأزمة بدل أن تشرحها.
ولأن كلمة “التحديات” فضفاضة وعامة، يستخدمها المسؤول لتجنب تحديد السبب أو المسؤولية، ولتخفيف وقع الأخطاء دون الاعتراف بالفشل، ولأنها مقبولة شعبيًا وإعلاميًا لا تُدين أحدًا ولا تفتح باب مساءلة، فصارت جزءًا من الأسلوب التقليدي في الدول التي تعيش ضغوطًا وأزمات مستمرة ومسؤوليها غير قادرين على تحقيق الأهداف او معالجة السلبيات والأخطاء .
المشكلة ليست في وجود التحديات بحدّ ذاته، فهي جزء من حركة الدول، بل في تحوّلها إلى غطاء لغوي يُستخدم عند كل أزمة دون تحديد المسار أو الحل. لقد آن الأوان أن ينتقل الخطاب من ترديد “لدينا تحديات” إلى شرح هذه التحديات، أسبابها، أوزانها، وكيفية مواجهتها. فالكلمة وحدها لم تعد تقنع أحدًا، ولا تغيّر واقعًا.
كيف نعالج هذه التحديات؟
التخلص من “التحديات” لا يبدأ بتكرارها ولا باستدعائها في كل خطاب، بل يبدأ بتحويل الكلمة من شعارٍ فضفاض إلى برنامج عمل واضح. فالمطلوب أن تنتقل المؤسسات من توصيف المشكلة إلى تفكيكها، ومن العموميات إلى الأرقام، ومن الخطاب المطمئن إلى الخطط القابلة للقياس. العلاج الحقيقي أن يحدّد المسؤول جذور التحدي وأطرافه ومسؤوليته فيه، ثم يضع جدولًا زمنيًا لحلّه، بدل أن يمرره في جملة عابرة لا تُلزم أحدًا بشيء.
وعندما تُصبح “التحديات” ملفات واضحة على الطاولة، وليست عبارة إنشائية في الهواء، عندها فقط نستطيع أن نرى الفرق بين تحدٍّ يُواجه، وتحدٍّ يُستعمل لتغطية القصور. بهذه الشفافية وحدها نعيد للكلمة معناها، وللناس ثقتهم، وللخطاب الرسمي وزنه وهيبته.