أخبار اليوم – تتكثف في الآونة الأخيرة أصوات المواطنين المطالبين بالعفو العام وتخفيف الأعباء المالية والمعيشية، في مشهد يعكس حجم الضيق الذي تعيشه شرائح واسعة من الأردنيين، سواء من أهالي النزلاء في مراكز الإصلاح أو من المواطنين الذين يلاحقهم عبء الفواتير والضرائب والمخالفات وضغط تكاليف الحياة اليومية.
في قلب هذه المطالب تقف قضية العفو العام بوصفها عنوانًا إنسانيًا واجتماعيًا قبل أن تكون مسألة قانونية. الأهالي يتحدثون عن بيوت تضررت وتفككت، وأطفال كبروا بعيدًا عن آبائهم، وأمهات أنهكهن الانتظار وتعب الزيارات الأسبوعية والكلف المالية المترتبة على إدامة حياة أسرة داخل السجن وخارجه في آن واحد. كثير من الرسائل تركز على أن من شملتهم المصالحات العشائرية وإسقاط الحق الشخصي، أو من أخطأ لأول مرة، “أخذ ما يكفيه من العقوبة”، وأن الوقت حان لمنحهم فرصة جديدة بدل استمرار الأحكام العالية لسنوات طويلة.
وفي مقابل هذه المعاناة، يؤكد الأهالي أن مطالبهم لا تشمل من يشكل خطرًا على أمن الدولة أو المجتمع، ولا أصحاب السوابق الخطيرة، بل تتركز على من أتموا صلحًا عشائريًا وتنازلاً بالحق الشخصي، أو من تورطوا في قضايا بسيطة لا تمس السلم المجتمعي. ومن هنا تأتي المطالبة بعفو عام “موسع” يعيد لمّ شمل الأسر، ويخفف الاكتظاظ داخل مراكز الإصلاح، ويحوّل العقوبة من كسر للمستقبل إلى فرصة لبدء حياة جديدة.
وبين سطور هذه المناشدات، رصدت أخبار اليوم اتساع دائرة المطالب الشعبية لتشمل ملفات أخرى لا تقل حضورًا في يوميات الناس. هناك من يطالب بإعفاء المتعثرين من فواتير الكهرباء المتراكمة، ورفع إشارات الحجز عن المركبات والممتلكات حتى يتمكن أصحابها من تصويب أوضاعهم. آخرون يركزون على مخالفات السير والغرامات التي تعيق ترخيص المركبات وتثقل كاهل الأسر محدودة الدخل، مطالبين بحلول تخفف العبء لا أن تزيد من حالة الاختناق المالي.
في الاتجاه نفسه، يبرز مطلب تحسين مستوى المعيشة وزيادة الرواتب للموظفين والمتقاعدين، باعتباره شرطًا أساسيًا لمعالجة جذور الأزمات لا الاكتفاء بالتعامل مع نتائجها. فبالنسبة لكثيرين، لا يمكن فصل النقاش حول العفو العام عن السياق الاقتصادي الأشمل، حيث الفقر والبطالة وغلاء الأسعار وصعوبة تأمين أساسيات الحياة، وهي عوامل يرون أنها تدفع بعض الفئات إلى الهشاشة والانزلاق نحو مخالفات أو تعثرات مالية وقانونية.
كما يلفت مواطنون النظر إلى أن استمرار تشديد القوانين دون فتح نوافذ أمل أو مراجعة للأحكام، يترك أثرًا نفسيًا واجتماعيًا عميقًا، ليس فقط على النزلاء بل على أسرهم الممتدة. فالسجن – كما يصفه كثيرون – لا يتوقف أثره عند باب الزنزانة، بل يمتد إلى البيت الذي يفقد معيله، وإلى أطفال يعيشون شعور الغياب، وأمهات وآباء يحمِلون عبء الزيارات والالتزامات والديون.
في المقابل، لا تغيب الأصوات التي تتحفظ على توسيع العفو إلى حد يشمل جرائم خطيرة أو يعطي انطباعًا بالتساهل مع بعض أنواع المخالفات، محذّرة من ضرورة التوازن بين الاعتبارات الإنسانية ومتطلبات الردع وحماية الأمن المجتمعي. هذه الأصوات ترى أن العفو يجب أن يكون محددًا وواضح المعايير، بحيث لا يتحول إلى رسالة خاطئة لمن يكررون الاعتداء على القانون.
وبين هذه وتلك، يبقى القاسم المشترك أن الشارع يعبّر عن شعور عميق بالتعب، وعن انتظار طويل لقرارات يشعر الناس أنها تلامس تفاصيل حياتهم اليومية بصورة مباشرة. فالمطالب لم تعد محصورة بعنوان واحد، بل باتت سلة واسعة: عفو عام أوسع، تخفيف للغرامات، معالجة لفواتير الكهرباء والضرائب، وزيادة للرواتب، وكلها تُقدَّم تحت عنوان واحد: “التقاط الأنفاس” في ظل ظروف صعبة.
السؤال الذي يطرحه المواطنون اليوم هو ما إذا كانت المرحلة المقبلة ستشهد استجابة عملية تعيد الثقة وتخفف الاحتقان، أم أن هذه المطالب ستبقى معلقة في فضاء النداءات والمناشدات، بينما تستمر الأعباء على الوتيرة ذاتها.