مبتورو الأطراف في غزة يكافحون لإعادة بناء حياتهم فيما يواجه القطاع نقصاً في الأطراف الاصطناعية

mainThumb
مبتورو الأطراف في غزة يكافحون لإعادة بناء حياتهم فيما يواجه القطاع نقصاً في الأطراف الاصطناعية

14-12-2025 12:14 PM

printIcon

أخبار اليوم - تحلم حنين المبحوح، الجالسة على كرسيها المتحرك، بإعادة تكوين أسرة، واحتضان طفل جديد، وتحلم بالمشي مجددًا. ولكنها تقول، فيما تنتظر السفر إلى الخارج من أجل الحصول على المزيد من العلاج، إنه مع فقدان ساقها، توقفت حياتها في غزة.

كان معروف يرقد على الأرض ينزف، فيما هاجم كلب ضال ساقه اليسرى الممزقة. ويقول أطباء إن ساقه اليمنى ستُبتر أيضاً، ما لم يتمكن من السفر إلى الخارج

ودُمِّر منزلها في وسط غزة في غارة جوية إسرائيلية، في يوليو/تموز العام الماضي، بينما كانت هي وأفراد أسرتها نائمين. وقُتلت كل بناتها الأربع، بمن فيهن طفلتها الرضيعة ذات الخمسة أشهر. وأُصيب زوجها بحروق شديدة الخطورة. وسُحقت ساقا المبحوح تحت الركام، واضطر الأطباء إلى بتر ساقها اليمنى حتى فوق الركبة.وخلال وقف إطلاق النار منذ شهرين في غزة، كان وصول المساعدات بطيئًا إلى آلاف الفلسطينيين الذين عانوا من عمليات بتر لأطرافهم جراء القصف الإسرائيلي، على مدار العامين الماضيين.

وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن هناك نحو ما بين 5 آلاف و6 آلاف شخص مبتوري الأطراف بسبب الحرب، 25% منهم أطفال. ويكافح أولئك الذين فقدوا أطرافهم للتأقلم مع وضعهم، حيث يواجهون نقصًا في الأطراف الاصطناعية التعويضية، وتأخيرات طويلة في عمليات الإجلاء الطبي من غزة.

وقالت منظمة الصحة العالمية إن شحنة من إمدادات الأطراف الاصطناعية التعويضية الأساسية دخلت قطاع غزة. ويبدو أن تلك الشحنة كانت أول شحنة كبيرة منذ العامين الماضيين. ولم تسمح إسرائيل سابقًا تقريبًا بدخول أي أطراف اصطناعية تعويضية جاهزة، أو مواد لتصنيع الأطراف التعويضية منذ بدء الحرب، بحسب لؤي أبو سيف، رئيس برنامج الإعاقة في منظمة المعونة الطبية للفلسطينيين، ونيفين الغصين، المديرة بالإنابة لمركز الأطراف الاصطناعية التعويضية وشلل الأطفال في مدينة غزة.


ولم ترد الهيئة العسكرية الإسرائيلية المنوطة بتنسيق المساعدات، والمعروفة باسم “كوجات”، عند سؤالها عن عدد إمدادات الأطراف الاصطناعية التعويضية التي دخلت خلال الحرب، أو عن سياساتها المتعلقة بهذه الإمدادات.

مستقبلي مشلول
وقالت المبحوح إنها كانت نائمة وطفلتها الرضيعة بين ذراعيها عندما أصابت الغارة منزلهم في النصيرات. وعلى مدار عدة أسابيع، بينما كانت تتعافى في المستشفى، لم يكن لدى المبحوح أي فكرة أن طفلتها قد قُتلت.

وخضعت المبحوح لعدة عمليات جراحية. ولا تزال تجد صعوبة في تحريك يدها، ولا تزال ساقها المتبقية محطمة، وتم تثبيتها للحفاظ عليها بدعامات معدنية. وهي بحاجة إلى أنسجة عظمية، أو ترقيع عظام، وعلاجات أخرى متوفرة فقط خارج غزة. وتم إدراج اسمها على قائمة الإجلاء الطبي منذ عشرة أشهر، لكنها لم تحصل حتى الآن على تصريح لمغادرة غزة. وقالت: “من حقي أن أعيش، وأن أنجب طفلًا آخر، وأن أستعيد ما فقدته، وأن أمشي، فقط أن أمشي مجددًا. أما الآن فإن مستقبلي مشلول. لقد دمّروا أحلامي.”

عمليات الإجلاء الطبي لا تزال بطيئة
وحقق وقف إطلاق النار بالكاد زيادة ضئيلة في عمليات الإجلاء الطبي بالنسبة لـ16 ألفًا و500 فلسطيني، تقول الأمم المتحدة إنهم ينتظرون تلقي علاج حيوي في الخارج- ولا يشمل ذلك فقط مبتوري الأطراف، ولكن أيضًا مرضى يعانون من أنواع عديدة من حالات مرضية مزمنة أو جروح. وحتى أول ديسمبر/كانون الأول، تم إجلاء 235 مريضًا منذ سريان وقف إطلاق النار في أكتوبر/تشرين الأول، أي ما يعادل خمسة مرضى يوميًا. في الأشهر السابقة على ذلك، كان المتوسط حوالي ثلاثة مرضى يوميًا.


وقالت إسرائيل، الأسبوع الماضي، إنها مستعدة للسماح للمرضى وغيرهم من الفلسطينيين بمغادرة قطاع غزة عبر معبر رفح الذي تسيطر عليه إسرائيل بين غزة ومصر. لكن من غير المؤكد أن هذا سوف يحدث، لأن مصر، التي تسيطر على الجانب الآخر من المعبر، تطالب أيضًا بأن يتم فتح معبر رفح للفلسطينيين لدخول غزة كما هو منصوص عليه بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.

وقال الدكتور ريتشارد بيبيركورن، ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إن تراكم أعداد المرضى سببه عدم وجود دول مستعدة لاستضافة المرضى الذين يتم إجلاؤهم.

وأضاف أن هناك حاجة لفتح طرق جديدة لإجلاء طبي، بصفة خاصة إلى الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، حيث توجد مستشفيات جاهزة لاستقبال المرضى.
بالنسبة للمنتظرين، فإن الحياة تسير ببطء صوب التوقف تمامًا.

يرغب إبراهيم خليف في الحصول على ساق يمنى اصطناعية ليتمكن من القيام بأعمال يدوية أو تنظيف المنازل لإعالة زوجته الحامل وأطفاله

ويرقد ياسين معروف في خيمة بوسط قطاع غزة، وتم بتر قدمه اليسرى، بينما يتم بالكاد تثبيت ساقه اليمنى بدعامات معدنية. وأصيب الشاب (23 عامًا) وشقيقه جراء قصف إسرائيلي، في شهر مايو/أيار، أثناء عودتهما من زيارة منزلهما في شمال غزة الذي اضطرت أسرتهما إلى الفرار منه، وقُتل شقيقه. وكان معروف يرقد على الأرض ينزف، فيما هاجم كلب ضال ساقه اليسرى الممزقة. ويقول أطباء إنه سوف تكون هناك حاجة لبتر ساقه اليمنى أيضًا، ما لم يتمكن من السفر إلى الخارج للخضوع لعمليات جراحية ربما تنقذها.

وقال معروف إنه لا يستطيع تحمل ثمن مسكنات الألم، ولا يستطيع الذهاب إلى المستشفى على نحو منتظم لتغيير ضماداته كما هو مفروض. وقال: “إذا أردت الذهاب إلى الحمام، أحتاج إلى شخصين أو ثلاثة ليحملوني”.

كان محمد النجار يدرس للحصول على شهادة في مجال تكنولوجيا المعلومات في جامعة فلسطين قبل الحرب. وقبل سبعة أشهر، اخترقت شظية ساقه اليسرى خلال قصف المنزل الذي كانت عائلته تحتمي فيه. واضطر الأطباء لبتر ساقه حتى فوق الركبة. كما أُصيبت ساقه اليمنى بجروح شديدة، ولا تزال هناك شظايا في أجزاء من جسده.

وعلى الرغم من خضوعه لأربع عمليات جراحية وعلاج طبيعي، لا يستطيع النجار (21 عامًا) التحرك. وقال: “أود أن أسافر إلى الخارج، ويتم تركيب طرف اصطناعي تعويضي، وأتخرج من الجامعة، وأكون شخصًا طبيعيًا مثل الشباب خارج غزة”.

غزة تواجه نقصًا في الأطراف الاصطناعية التعويضية
وقالت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها في أكتوبر/تشرين الأول، إن نحو 42 ألف فلسطيني تعرضوا لإصابات تسببت في تغيير مسار حياتهم جراء الحرب، بما في ذلك عمليات بتر الأطراف، وإصابات الدماغ، وإصابات الحبل الشوكي، وحروق شديدة.


وقالت منظمة الصحة العالمية: “الوضع تحسن قليلًا” بالنسبة لأولئك الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة، ولكن “لا يزال هناك نقص عام كبير في المنتجات المساعدة”، مثل الكراسي المتحركة والمشايات والعكازات. وإن غزة لديها ثمانية فقط من المتخصصين في صناعة الأطراف الاصطناعية التعويضية وتركيبها.
وقال الغصين، مدير مركز الأطراف الاصطناعية وشلل الأطفال في مدينة غزة، وهو أحد مركزين للأطراف التعويضية لا يزالان يعملان في القطاع، إن المركز تلقى شحنة من المواد اللازمة لتصنيع الأطراف الاصطناعية قبيل اندلاع الحرب عام 2023. ودخلت شحنة صغيرة أخرى في ديسمبر/كانون الأول 2024، لكن لم تصل أي شحنات أخرى منذ ذلك الحين. وأضاف الغصين إن المركز استطاع توفير الأطراف الاصطناعية لـ250 حالة خلال الحرب، لكن الإمدادات تنفد.


وقال أبو سيف، من منظمة المعونة الطبية للفلسطينيين، إنه لم تدخل أي أرجل أو أذرع تعويضية مسبقة الصنع، مضيفًا أن إسرائيل لا تمنعها، لكن إجراءاتها تسبب تأخيرات و”في النهاية يتجاهلونها”.
ويرغب إبراهيم خليف في الحصول على ساق يمنى اصطناعية ليتمكن من القيام بأعمال يدوية أو تنظيف المنازل لإعالة زوجته الحامل وأطفاله. وفي يناير/كانون الثاني، فقد ساقه عندما ضربت غارة جوية إسرائيلية مدينة غزة أثناء خروجه للحصول على الطعام. وقال خليف: “كنت العائل لأطفالي، لكنني أجلس الآن هنا. أفكر كيف كنت وماذا أصبحت”.
(أ ب)