... الأخ حمد الدبيخي
تحية وبعد :
تابعتك منذ بطولة اسيا ، تابعت كل تحليلاتك الخائبة في معظمها ، والصائبة أحيانا .. واسمح لي أن أقول لك شيئا ، بدافع الحب والإحترام ...ليس إلا .
قبل أن تسبر أغوار كرة القدم الأردنية ، وتمطرنا بتحليلاتك ..دعني أخبرك عن واقع كرة القدم الأردنية ، نحن لدينا ملعب رئيسي اسمه استاد عمان الدولي بني في العام (1968) ..لم يحرك فيه جدار منذ ذلك الوقت ، وأرضيته لا تصلح للعب ، وقد فشلت زراعة العشب فيه أكثر من مرة ، وأكثر من شكى من الأرضية هو موسى التعمري ...ولدينا الأندية الأردنية الكبرى مثل الفيصلي والوحدات والرمثا والحسين ، خزائنها خاوية من المال ..وغالبا ما تعتمد على التبرعات .
الأخ حمد ..
نحن الإتحاد الأقل ميزانية في العالم العربي ، والمبنى مقام على أرض مملوكة لوزارة الشباب ، وتخيل أن جميع ملاعب التدريب للأندية الكبرى في الأردن هي من العشب الصناعي ، تخيل أيضا أن اغلبية مقرات هذه الأندية أعطيت لهم الأرض كهبة من أمانة عمان ، وتخيل أن مستحقات اللاعبين تدفع بالأقساط وأحيانا تتأخر ...وأحيانا لا تدفع .
الأخ حمد :
هل تعرف ، بأن العاصمة عمان فيها ملعب اخر اسمه استاد (القويسمة) أقامته أمانة العاصمة ، وإذا جرت فيه مباراة أغلقت المنطقة ، وحتى تغادره تحتاج لنصف نهار ، وهو ليس بأفضل حالا من استاد عمان ، ففي فترة من الزمن ألغى الإتحاد المباريات عليه .
هل تعرف أن واقع الإحتراف لدينا محزن ، فأفضل لاعب قمنا بإحضاره كان عقده (150) ألف دولارحتى يلعب لأكثر من موسم ، وهذا يعادل أجر لاعب محترف لمباراة واحدة في فريق الهلال أو النصر .
أما لاعبو المنتخب ، فأغلبهم من الطبقة الوسطى التي انقرضت ، أو لنقل من الطبقات المسحوقة ، تعلموا كرة القدم في (الحارات) ، لايوجد فيهم ابن لباشا أو وزير أو مسؤول ...سياراتهم أقل من عادية ، وما جنوه من مبالغ زهيدة لقاء لعبهم مع الفرق أو المنتخب كان يذهب ، إما لإعالة الوالد أو لإكمال دراسة الأشقاء ..أو محاولة شراء شقة للاسرة ...يزن النعيمات وموسى التعمري كل ما جنوه من كرة القدم ذهب لعائلاتهم من أجل مساعدتها ، وهم كانوا يرضون بالفتات ..ومع ذلك سياراتهم عادية جدا ، وأحلامهم عادية جدا ...ويحبون أمهاتهم ، لايخرج أحد منهم دون أن يقبل يد الوالدة ورأس الوالد .
هذا واقع كرة القدم الأردنية ..ونحن لا نخجل منه ، لكننا بالرغم من فقرنا ..بالرغم من أننا لا نملك ملعبا دوليا ، ونخجل دوما من أرضية استاد عمان حين يقام عليه مباراة ..إلا أننا نملك إيمانا بالأردن ، لقد استنسخنا الجيش في كرة القدم ..صار اللاعب الأردني ينظر لنفسه على أنه ( عسكري) يؤدي مهمة وطنية ، تماما مثل الجنود الذين يحرسون حدودنا الشمالية ويقومون بالإشتباك يوميا مع تجار المخدرات ومع المليشات ومع قطاع الطرق والمتربصين بنا ...
القصة ليست (السلامي) ، ولاترتبط بالتكتيك ، ولا بخطط المدرب ..القصة ترتبط بشيء واحد اسمه الإيمان والكبرياء الوطني ، وتذكر يا أخ حمد الدبيخي أننا لم نتفوق في الرياضة فقط ..فيزن العرب وعوده فاخوري وشرارة وبقية أفراد المنتخب ..تذكر أن أجدادهم من العدم استطاعوا بناء أفضل نظام صحي في العالم العربي ..تذكر أن الأردن أيضا بنت أفضل منظومة تعليمية في العالم العربي ، تذكر أن الأردن بنت أفضل مؤسسة عسكرية ...لا تستكثروا علينا الإنجاز ، نحن وطن بلا موارد ولا ماء ولا مصادر دخل ..وعجز الميزانية هائل ، وديوننا ضخمة ..لكن رصيدنا من الإيمان والكبرياء الوطني يغطي كوكب الأرض بمن فيها .
قبل أن تحلل تعال لنأخذك جولة ، كي تعرف الإنسان الأردني ..الذي احترف الشقاء وحوله لحالة إلهام ، تعال واقرأ سيكولوجيا الناس في بلادنا ، تعال واقرأ لغة التحدي ...لحظتها ستعرف معنى أن تكون عملاقا ، معنى أن تكون أردنيا ، معنى أن تكون جبلا مثل جبال السلط والكرك وجرش والطفيلة ..
الأخ حمد الدبيخي
لا تسكتثروا علينا الفوز ، لا تسكتثروه ....وأنا لا ألومك أتعرف لماذا ؟ ..لأنك لم تقرأ الإنسان الأردني جيدا ، لو قرأته لعرفت أن الفتية الذين يجرون في الملعب ..هم أحفاد أناس بنوا وطنا بالدم والعرق والسهر والتحدي ..الأردني معجزة في عالمه العربي ..نعم هو معجزة .
بلادنا مفتوحة لك ، وتعال كي تتعلم قراءة الإنسان الأردني ، لحظتها ستعرف فقط لماذا فزنا ..ولماذا وقفنا على قمة الجبل ، ولم نكن محطة عبور .
عبدالهادي راجي المجالي