أخبار اليوم - في الثاني من ديسمبر الجاري، وبينما كان المصور الصحفي محمود وادي يمارس عمله وسط خان يونس ضمن منطقة بعيدة عن الخط الأصفر، استهدفته طائرة حربية إسرائيلية دون طيار، ما أدى إلى ارتقائه.
رفع ذلك عدد الشهداء الصحفيين في غزة منذ بداية 2025 إلى نحو 56 صحفيا، أحصاهم "فلسطين أون لاين" عبر تتبع بيانات أصدرها المكتب الإعلامي الحكومي على مدار العام، حتى 21 من الشهر الحالي.
وتؤكد أوساط صحفية فلسطينية ودولية، أن هذا الاستهداف الإسرائيلي الممنهج للصحفيين، الذي أودى بحياة 257 منهم منذ بدء حرب الإبادة الجماعية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يرمي إلى طمس الحقيقة.
وخلال عام 2025 الذي يشارف على الانتهاء، هزت جرائم الاحتلال بحق الصحفيين أرجاء قطاع غزة، بل والعالم أيضا.
ففي 25 أغسطس/آب، قتلت (إسرائيل) 20 مواطنا -بينهم خمسة صحفيين- في قصف استهدف مجموعة صحفيين بمبنى الطوارئ في مجمع ناصر الطبي وسط مدينة خان يونس.
والصحفيون الخمسة هم: أحمد أبو عزيز، وحسام المصري، ومحمد سلامة، ومريم أبو دقة، ومعاذ أبو طه.
وفي 11 أغسطس/آب، اغتال الاحتلال في مجزرة مروعة ستة صحفيين، بقصف مباشر لخيمة الصحفيين بمحيط مستشفى الشفاء في مدينة غزة، وسط تهديدات إسرائيلية، آنذاك، باجتياح المدينة واحتلالها فيما تسمى "عملية عربات جدعون 2" العدوانية.
والصحفيون الشهداء في هذه المجزرة هم: محمد الخالدي، وأنس الشريف، ومحمد قريقع، وإبراهيم ظاهر، ومؤمن عليوة، ومحمد نوفل.
وفي السابع من أبريل/نيسان، استهدف الاحتلال خيمة للصحفيين قرب مستشفى ناصر في خان يونس، أدت إلى استشهاد الزميلين حلمي الفقعاوي وأحمد منصور (الذي ارتقى حرقا)، وإصابة تسعة صحفيين كانوا في المكان المستهدف وفي محيطه، من ضمنهم الصحفي حسن اصليح.
وفي أثناء تلقيه العلاج في المستشفى، في 13 مايو/أيار، اغتال الاحتلال الصحفي الجريح اصليح، في جريمة أثارت غضبا واسعا محليا ودوليا.
وفي 29 أكتوبر/تشرين الأول، اغتال الاحتلال الزميل الصحفي في صحيفة "فلسطين" محمد المنيراوي، في انتهاك لاتفاق وقف حرب الإبادة الجماعية الساري منذ العاشر من الشهر ذاته.
وضمن المجازر الجماعية للاحتلال بحق الصحفيين، أعلن "الإعلامي الحكومي" في 15 سبتمبر/أيلول استشهاد الصحفيين: محمد الكويفي، وأيمن هنية، وإيمان الزاملي.
وفي واحدة من أبشع الجرائم الاحتلالية، استشهدت الصحفية فاطمة حسونة بعد يوم واحد من الإعلان عن فوز فيلمها الوثائقي لمهرجان كان، بقصف منزل العائلة بحي التفاح شرق مدينة غزة في 16 أبريل/نيسان.
أخطر الحملات المنظمة
هذه الجرائم، يصفها المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة د.إسماعيل الثوابتة، بأنها من أخطر وأبشع الحملات المنظمة التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي ضد الصحافة الفلسطينية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني ولقواعد حماية الصحفيين أثناء النزاعات المسلحة.
يقول الثوابتة لـ "فلسطين أون لاين": وفق الحصيلة الرسمية الموثّقة حتى تاريخه، فقد ارتقى 257 صحفيا وصحفية شهداء نتيجة الاستهداف المباشر والمتعمّد من جيش الاحتلال الإسرائيلي.
كما أُصيب أكثر من 420 صحفيا بجراح متفاوتة، بعضها خطير ودائم وبينهم إعاقات دائمة، إلى جانب 47 صحفيا تعرضوا للاعتقال والتعذيب القاسي في ظروف قسرية وغير قانونية، ولا يزال ثلاثة صحفيين في عداد المفقودين حتى الآن، في جريمة ترقى إلى الإخفاء القسري، وفق المسؤول الحكومي.
ويتابع: هذه الأرقام تؤكد أن الاحتلال تعامل مع الصحفي الفلسطيني باعتباره "هدفاً عسكرياً"، في سلوك إجرامي ممنهج يرمي إلى إسكات الحقيقة وطمس الجرائم المرتكبة بحق المدنيين في قطاع غزة.
وينظر المكتب الإعلامي الحكومي إلى هذه الحصيلة ـكما يقول الثوابتة- بوصفها دليلاً دامغاً على فشل الاحتلال في كسر إرادة الصحفي الفلسطيني، رغم استخدامه القتل والاعتقال والترويع كأدوات لإسكات الرواية الفلسطينية.
ويضيف: لقد سعى الاحتلال بشكل واضح إلى تغييب الصورة، وقطع تدفق الحقيقة إلى العالم، عبر استهداف الصحفيين وعائلاتهم ومؤسساتهم، إلا أن النتيجة جاءت معاكسة تماماً.
في السياق، قالت الصحفية الأمريكية البارزة روزماري آرماو، في تصريحات سابقة لصحيفة "فلسطين"، أن قتل (إسرائيل) العديد من الصحفيين في غزة ومنعها دخول الزملاء الأجانب إلى القطاع، يرمي إلى التحكم في السردية.
فرض الرواية الفلسطينية
لكن الثوابتة يؤكد، أن الصحفيين الفلسطينيين، رغم النزيف الإنساني الهائل، نجحوا في فرض الرواية الفلسطينية على الأجندة الدولية، وكشفوا جرائم الاحتلال بالصوت والصورة والوثيقة، وأسهموا في تفكيك الدعاية التي تروّجها سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" أمام الرأي العام العالمي.
ويرى المدير العام للمكتب، أن استمرار التغطية الميدانية في أقسى الظروف، وارتفاع منسوب التعاطف الدولي مع القضية الفلسطينية، يؤكدان أن دماء الصحفيين الفلسطينيين لم تُسكت الحقيقة، بل جعلتها أكثر حضوراً وتأثيراً، ورسّخت الصحافة الفلسطينية كخط الدفاع الأول عن الحق والعدالة والذاكرة الوطنية.
ويورد بيان لرابطة الصحفيين الأجانب في 25 أغسطس/آب أن (إسرائيل) "قتلت عددا كبيرا جدا من الصحفيين في غزة دون مبرر، وتواصل منع الصحفيين الدوليين من الوصول إلى غزة".
ويناشد البيان المذكور، القادة الدوليين: "افعلوا كل ما في وسعكم لحماية زملائنا. لا يمكننا فعل ذلك بأنفسنا".
لكن مع استمرار نزيف الصحافة الفلسطينية، يبقى التساؤل قائما عما إذا كان العالم سيتحرك لوقفه.
المصدر / فلسطين أون لاين