أخبار اليوم - في الأيام الأولى للحرب اتصل الجيش الاسرائيلي وتم تهديد أميرة بقصف المنزل، فاضطرت للنزوح وأولادها إلى بيت أهلها في منطقة الزيتون الواقعة شرق مدينة غزة، وبعد أيام اشتدت وتيرة العنف على قطاع غزة، وجدت نفسها أمام خيارٍ صعبٍ فرضه الاحتلال برفقة مجموعة من السيدات، أجبرت على ترك منزلها والنزوح جنوبًا، بعد تلقيهن وعودًا بأن الطريق آمن وأنه يتعين عليهن مغادرة المنطقة لحمايتهن.
لتكن الدحدوح كسائر النساء اللواتي أجبرن على الرحيل وذلك بعدما تفاجأت بوجود الدبابة على باب المنزل، لذلك لم يكن أمامها سوى الامتثال، فبحسب التعليمات التي تلقينها، كان الجنوب أكثر أمانًا، وقد أمن الاحتلال لهن طريقًا يصل بهن إلى بر الأمان. حملت معها قلقها وخوفها، تجرّ خطاها إلى المجهول، فيما يملأ الشك قلبها، لكن صوت الأطفال المذعورين وهمسات السيدات من حولها شجعتها على مواصلة السير.
تقول لموقع فلسطين أون لاين: "قبل يوم من نزوحي للجنوب أرسلت ٣ من أبنائي عند والدهم الذي يمكث في مدرسة لإيواء النازحين، ولم يكن معي سوى أحد أبنائي ١٦ عاماً واعتقله الاحتلال، وبنتي ٥ سنوات".
وتسرد الدحدوح البالغة من العمر ٣٧ عاما: "كنا حوالي ٣٠ سيدة، اثنتين منهما مصابتان وكرسي متحرك واحد، كل واحدة منهما تجلس عليه بالدور، وأجبرونا على السير حافيات القدمين، وأثناء السير باتت أقدامنا تنزف دماً، فوالدتي حتى اليوم تعاني من الجروح بسبب مرض السكري الذي تعاني منه".
وتشير إلى أنه عند خروجهم منعهن الجنود من حمل أي شيء معهن، حتى البطاقة الشخصية أو أي أوراق ثبوتية، إلا في حال تمكنت السيدة من إخفاء فلوس أو ذهب سرا.
بعد ساعات طويلة من المسير، والتعب الذي قد أنهك أجسادهن، وجدت الدحدوح ومن معها من السيدات أنفسهن أمام حاجز نصبته قوات الاحتلال يفصل شمال غزة عن جنوبها. هنا، انهارت كل الوعود بالأمان، وتحولت الرحلة إلى كابوس. كانت الصدمة واضحة على وجوه الجميع، فبدلًا من وصولهن إلى ملاذ آمن، واجهت الدحدوح اعتقالًا مفاجئًا.
وتكمل حديثها: "أوقفني جانبا وبعدها قادني إلى مكان آخر وأنا معصبة العينين وطلبوا مني أن اتجرد من كل ملابسي، ووقع الذهب الخاص بي، ومنعني الجندي من لمه، وشعرت بأن أحدا سرقه من بين رجلي".
وعلى تلة أجلسها الجندي ليحقق معها، والخوف يتملك قلبها، سألته عن وجهتهم فأجابها "رحلة إلى إسرائيل"، صعدت إلى الشحن فوجدت معها ١٩ سيدة أخرى من غزة واحدة منهن مصابة بالزهايمر.
من الساعة ٦ صباحا حتى ١٢ ظهراً والباص يسير بهن والجنود يضربهن، حتى وصلوا لنقطة عسكرية في القدس المحتلة، وطلبوا منهن ارتداء البجامة خاصة، وتم تقييد أيديهن.
وبعد عدة أيام قاموا بنقلهن إلى سجن دامون ومسافة الطريق اجلسوهن على كراسي صغيرة ووضعوا رؤوسهن بين أرجلهن ليتسبب للدحدوح فيما بعد بمشكلة انسداد أحد الشرايين في الرأس.
٤٥ يوماً قضت في الأسر، ليتم اطلاق سلاحها بعد عذاب، تركها الجيب الإسرائيلي بالقرب من معبر كرم أبو سالم وطلب منها السير دون أن تلفت وجهها يمنة أو يسرة، مشت ما يقارب ٢ كيلو متر.
لتخرج الدحدوح من عتمة الأسر إلى معاناة النزوح المتكرر من رفح إلى البريج، ولحق بها ابنائها الثلاثة بسبب المجاعة التي يعاني منها شمال القطاع لتتولى بمفردها رعايتهم وتلبية احتياجاتهم وخاصة بعدما استشهد زوجها مؤخراً.