مرضى الكلى في غزَّة .. الجوع ونقص العلاج يسرقان الحياة بصمت

mainThumb
مرضى الكلى في غزَّة... الجوع ونقص العلاج يسرقان الحياة بصمت

22-05-2025 10:20 AM

printIcon

أخبار اليوم - في خضم تصاعد الحرب الشاملة وتشديد الحصار الإسرائيلي، يواجه مرضى الفشل الكلوي في غزة أوضاعًا إنسانية صعبة، حيث يكافحون للحصول على جلسات الغسيل الكلوي المنقذة للحياة والمستلزمات الطبية الأساسية.

من بين هؤلاء المرضى، معين ورش أغا (47 عامًا) من بيت لاهيا شمال غزة. يعاني معين من الفشل الكلوي ويحتاج إلى ثلاث جلسات غسيل أسبوعيًا، تستغرق كل منها أربع ساعات. وبعد حصار قوات الاحتلال الإسرائيلي لمستشفى الإندونيسي، اضطر إلى الانتقال إلى مستشفى الشفاء في ظروف بالغة القسوة، معتمدًا على مركبة أحد جيرانه بسبب انعدام وسائل النقل.

ويقول ورش أغا بصوت خافت أثناء خضوعه لجلسة غسيل كلى: "تدهورت الرعاية الطبية بشكل كبير بعد إغلاق المعابر ونفاد المستلزمات. نحن مرضى الغسيل نموت بصمت، بلا دواء، ولا مواصلات، ولا أمان. أناشد العالم، وخاصة الدول العربية، أن يتحرك لإنهاء هذه الحرب والحصار."



أما طه الكرد (29 عامًا)، الذي أُصيب بالفشل الكلوي قبل ستة أشهر، فيقطع يوميًا مسافة طويلة سيرًا على الأقدام من تل الهوى إلى مستشفى الشفاء ذهابًا وإيابًا، بسبب غياب وسائل النقل أو ارتفاع تكاليفها. ورغم حصوله على تقرير طبي يوصي بعلاجه خارج القطاع، فإن الحصار يحول دون ذلك.

ويقول الكرد بحسرة لصحيفة "فلسطين": "أنا شاب وأستطيع المشي، لكن كبار السن يعانون أكثر في ظل غياب المواصلات، وانهيار الطرق، ونقص الغذاء والدواء." ويضيف: "تقاعس المجتمع الدولي والعربي عن إنقاذ غزة، وخاصة المرضى، يؤلمني كثيرًا."

وفي حالة أخرى، يرافق عزيز خضر (59 عامًا) من شمال غزة نجله إلى مستشفى الشفاء. لا يعاني عزيز من نقص العلاج فحسب، بل أيضًا من سوء التغذية، حيث يفتقر إلى الأطعمة الغنية بالبروتين التي يحتاجها جسمه الضعيف.

ويقول: "أدفع 120 شيكلًا في كل رحلة إلى المستشفى، وهو مبلغ يعادل مصروف عائلة كاملة لشهر كامل، في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار منذ بداية الحرب في أكتوبر 2023."

بدوره، يعبّر عبد الرحمن لوز (58 عامًا)، وهو مريض فشل كلوي يرقد على سرير الغسيل في مستشفى الشفاء، عن حزنه العميق بعد وفاة والدته التسعينية، التي لم يتمكن من حضور جنازتها أثناء تلقيه جلسة العلاج بسبب وضعه الصحي وقيود الحركة.



ويقول لوز باكيًا: "انهارت أعصابي.. لم أستطع توديعها أو رؤيتها للمرة الأخيرة. كانت تدعمني في أصعب الظروف، والآن رحلت وأنا عاجز عن وداعها."

وضع كارثي

أصبح الوضع في مستشفى الشفاء، الذي كان أكبر مركز طبي في غزة قبل الاجتياح الإسرائيلي، كارثيًا. يعاني المستشفى من نقص حاد في المعدات الطبية وأجهزة الغسيل، وتعمل الطواقم الطبية في ظروف مجهدة.

ويقول لوز: "نفتقر إلى الأدوية الأساسية، وبعض المرضى ينزفون دون علاج. صرخت طلبًا للمساعدة، لكن دون استجابة."

مع استمرار إغلاق المعابر منذ مارس 2025، انخفضت إمدادات الغذاء بشكل كبير، واضطر معظم السكان إلى الاعتماد على الأطعمة المعلبة، التي تفتقر إلى القيمة الغذائية وتزيد من معاناة مرضى الكلى الذين يحتاجون إلى نظام غذائي متخصص.

ويضيف لوز: "نأكل ما نجد، لكن أجسادنا تتداعى يومًا بعد يوم."

ويُوضح الحكيم عرفات النعسان، من قسم غسيل الكلى في مستشفى الشفاء، أن جلسات الغسيل الكلوي تقلّصت من ثلاث إلى جلستين أسبوعيًا، بمدة لا تتجاوز الساعتين والنصف، بسبب انقطاع الكهرباء ونقص المستلزمات، مما يؤدي إلى تراكم السموم في أجسام المرضى وارتفاع معدلات الوفيات.

ويضيف لـ"فلسطين" أن المرضى يواجهون صعوبات كبيرة في الوصول إلى المستشفى بسبب شُحّ المواصلات وارتفاع تكاليفها، فضلًا عن نزوح الكثيرين من منازلهم.

كما يشير النعسان إلى نقص حاد في أدوية فقر الدم مثل إبر "الإريثروبويتين" (المعروفة محليًا بالريكرمون)، مما يضطر الفرق الطبية إلى اللجوء إلى نقل الدم المتكرر بدلًا من العلاج الدوائي الكافي.

وبعد أكثر من 70 يومًا على إغلاق المعابر، أوشكت مخازن الأدوية والمستلزمات على النفاد. ويعمل مستشفى الشفاء بـ34 جهاز غسيل فقط، تُشغّل على أربع فترات يوميًا، لخدمة ما بين 400 إلى 450 مريضًا، بعد استقباله حالات إضافية من شمال غزة إثر خروج مستشفى الإندونيسي عن الخدمة.

بلا غذاء أو دواء

يعمل الطاقم الطبي دون رواتب، ومن دون وسائل نقل أو مستلزمات كافية. كما أن المرضى لا يحصلون على غذاء صحي أو علاج مناسب، في وضع يصفه النعسان بـ"الكارثي."

ويقول النعسان: "هناك نحو 750 مريض فشل كلوي في غزة، ومن الصعب استيعابهم جميعًا في مستشفى واحد. إغلاق مستشفى الإندونيسي زاد العبء علينا بشكل كبير."

مع تفاقم الأزمة، يواجه مرضى الكلى في غزة معركة يومية من أجل البقاء، وسط حرب لا هوادة فيها، وحصار خانق، وانهيار شبه كامل للنظام الصحي.



 فلسطين أون لاين