أخبار اليوم - وسط أكوام الركام والدمار الذي خلفته الصواريخ الإسرائيلية عقب قصف مربع سكني في مخيم البريج وسط القطاع، أعاد الأب فراس وشاح تأهيل جزء من منزله المدمر، ونصب خيمة قماشية أمامه.
فلا خيار آخر أمام وشاح، الذي فقد 18 فردًا من أسرته شهداء من جراء مجزرة إسرائيلية، سوى العيش فوق ركام منازل عائلته، وسط حرب إبادة جماعية لا تزال مستمرة للشهر التاسع عشر على التوالي.
وتعود المجزرة إلى تاريخ 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، الذي لا يمكن أن ينساه الأب، حينما انتهت أسرته من طعام الغداء وذهب بعدها لشحن الهواتف في نقطة شحن تعمل بالألواح الشمسية (خارج المنزل).
يضرب كفيه ويقول لصحيفة "فلسطين": "لحظات، بل ثوانٍ، وراحت أسرتي وأولادي.. وراحت كل حاجة جميلة في حياتي"، ليتفاجأ باستشهاد نجله البكر سعيد (8 سنوات) وابنتيه سلمى (7 سنوات) وإلين (3 سنوات)، ووالدته، إلى جانب شقيقتيه وشقيقه وزوجته وأولادهما.
لم ينجُ من تلك المجزرة البشعة سوى طفله محمد (9 شهور)، الذي عُثر عليه داخل الحفرة الكبيرة التي أحدثها أحد الصواريخ الإسرائيلية. وبعد البحث في اليوم التالي، عُثر على ابنة شقيقه مي (عامان)، وهي الناجية الوحيدة من أسرة شقيقه الأصغر محمد.
في ذلك الوقت، أمضى الأب، الذي أصيب بجروح وحروق طفيفة جراء لهب الصواريخ، نحو عام كامل في المستشفيات والمراكز الصحية، في محاولة لتطبيب زوجته التي أصيبت آنذاك بكسور عميقة في أنحاء جسدها، وخضعت لعملية ولادة بعد 18 يومًا من إصابتها، ليرزقا بطفلهما آدم.
أما الناجية مي، فقد خضعت لرعاية وحضانة داخل منزل ابنة عمها حتى تعافت زوجة فراس من إصابتها، لتنضم لاحقًا إلى أسرتهما.
"بابا.. ماما"، هكذا تنادي الناجية الوحيدة من أسرتها على عمّها وزوجة عمها. فلا ذاكرة لطفلة كان عمرها لحظة القصف 12 شهرًا، والآن تبلغ عامين ونصف، تلهو وتلعب برفقة ابن عمها محمد وصغار الحي في عمرهما.
يتساءل الأب بحرقة: "ما ذنب هؤلاء الأطفال؟ ما ذنب هذا الطفل محمد الذي شرب الدواء وتعرض للحقن بشكل لا يوصف؟".
وخلال شهور المبيت في المستشفيات، لم ينقطع فراس (38 عامًا) عن البحث أسفل ركام ثلاثة منازل للعائلة (منزله، ومنزل والده، ومنزل شقيقه) عن بقايا أشلاء أسرته وأطفاله، الذين توزعت بقاياهم على عدة قبور.
يقول: "كنت أصطحب الأشلاء والعظام إلى مستشفى الأقصى لتوثيق أسماء الشهداء.. وبعد توثيقها، كنت أضعها في أكفان جثامين الشهداء المتواجدة في ثلاجة الموتى.. الله يسهل عليكم يا بابا".
سبعة شهور قضاها الأب في البحث أسفل ركام المنازل، "مترًا مترًا"، حتى عثر على مجموعة من الألعاب والدمى لأطفاله ومقتنيات أخرى لأهله.
يتوسط حبل رفيع داخل المنزل المدمر جزئيًا، تُعلَّق عليه مجموعة من الألعاب والدمى التي تمكّن من العثور عليها، ويقول: "بتواسيني، بتذكرني فيهم".
يسترجع الأب المكلوم ذكرياته بعد نجاحه في بناء منزل صغير لأسرته قبل عام من بدء حرب الإبادة الجماعية على غزة في 7 أكتوبر 2023، وأنشأ غرفة لأبنائه الذكور وأخرى للإناث.
يستذكر تفاصيل منزله الجديد، الذي أضحى كومة من الركام والدمار، وهو الأمر الذي دفعه لمواصلة البحث عن مقتنيات أسرته طوال الشهور الماضية حتى وصل به المطاف للعيش بجانبه.
يقول: "في ركام الحرب، لا يبقى للآباء سوى الذكريات التي يتمسكون بها جيدًا"، ويضيف: "أحلام مشتركة مع العائلة والأولاد.. لقد رحلوا جميعًا دون أن نكمل أي حلم".
ويختم الأب الذي فقد ثلاثة من أبنائه وصاحب المنزل المدمر: "لو كان هذا الركام ذهبًا.. لن يجدي نفعًا"، مؤكدًا أن كل ما يتمناه بعد هذه الفاجعة هو: "أن تتوقف هذه الحرب الشرسة، وأن ينعم أهل غزة بالأمن والأمان".
المصدر / فلسطين أون لاين