أخبار اليوم - تشهد المواقف الأوروبية تجاه العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، دعماً واضحاً للقضية الفلسطينية ورفض السياسات الإسرائيلية تجاه غزة، خصوصاً التجويع وقتل المدنيين واستمرار الحصار المفروض على ما يزيد على 2,4 مليون فلسطيني.
ولم تتوقف المظاهرات الداعمة للشعب الفلسطيني التي تجوب غالبية العواصم الأوروبية، وهو ما يعكس رفض غالبية الدول الأوروبية سياسات الاحتلال تجاه قطاع غزة، وسط مطالبات للحكومات الأوروبية بضرورة وقف التعامل مع الاحتلال والانفكاك من الشراكة معه وفرض عقوبات عليه.
وكانت كل من اسبانيا وايرلندا والنرويج وسلوفينيا دعت إلى قبول دولة فلسطين كاملة العضوية في الأمم المتحدة. وجاءت تلك الدعوات بعد أن لوّحت باريس ولندن وبرلين بمراجعة العلاقات وفرض عقوبات على (إسرائيل) وإعلان سبع دول أوروبية موقفاً مشتركاً دعت فيه (إسرائيل) إلى انهاء الحصار المفروض على قطاع غزة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية من دون قواعد.
يقول الباحث والمختص في الشؤون الأوروبية حسام شاكر، إن الشهر الماضي مثّل نقطة تحول نسبي في الخطاب الأوروبي، مع تصاعد نبرة الانتقاد تجاه سياسات الاحتلال، خاصة في ملف التجويع الجماعي للسكان المدنيين في غزة، حيث عبّرت عدة دول عن استعدادها للاعتراف بدولة فلسطين. إلا أن شاكر يقلل من جدية هذه الخطوة، مؤكدًا أن "الاعتراف لا قيمة له ما لم يُرافقه تمكين حقيقي للدولة الفلسطينية".
ويرى شاكر في حديثه لـ "فلسطين أون لاين"، أن المشهد الأوروبي ينقسم إلى محورين رئيسيين: محور ناقد للاحتلال: تمثّله دول مثل إيرلندا، إسبانيا، بلجيكا، ومالطا، وقد لعبت هذه الدول دورًا بارزًا في توجيه بوصلة الخطاب الأوروبي نحو إدانة الجرائم الإسرائيلية، ومحاولة الدفع باتجاه خطوات فعلية لوقف الانتهاكات.
ومحور منحاز للاحتلال: يضم دولًا مثل ألمانيا، هولندا، النمسا، إيطاليا، ودول شرق أوروبا. ورغم أن بعض هذه الدول شهدت تغيّرًا طفيفًا في الخطاب، كما حدث مع وزير الخارجية الهولندي في مايو، إلا أن المواقف بقيت في إطار التصريحات دون اتخاذ إجراءات استراتيجية.
ووفق شاكر، تشكل ألمانيا، فرنسا، وبريطانيا مراكز الثقل في القرار الأوروبي، وكانت مواقفها محل ترقب دائم. فبينما استمرت ألمانيا في تزويد الاحتلال بالسلاح وظلت على انحيازها، فإن فرنسا وبريطانيا أظهرتا تحولات نسبية في مايو الماضي، تمثلت في تعليق بريطانيا مفاوضات التجارة الحرة مع (إسرائيل)، وناقشت تجميد صادرات السلاح – مع وجود شكوك حول مدى تنفيذ هذه التعهدات.
وبيّن أن فرنسا أدانت سياسة التجويع والإبادة، وعبّرت عن نية الاعتراف بدولة فلسطين ضمن تحالف مع كندا وبريطانيا.
مع ذلك، يؤكد شاكر أن هذه التحركات "لم تصل إلى مستوى الإجراءات العقابية الحقيقية"، مشيرًا إلى أن مراجعة اتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية ما تزال في طور التصريحات دون نتائج ملموسة.
وعلى المستوى الشعبي، شهدت أوروبا مظاهرات مستمرة طيلة 21 شهرًا دعمًا للقضية الفلسطينية، في تعبير واضح عن الهوة بين الشارع وصانع القرار الأوروبي.
ورغم تأثير هذه الحراكات في زيادة العزلة السياسية لـ(إسرائيل)، إلا أنها لم تنجح في إحداث تغيير جذري في السياسات الأوروبية، التي ما تزال تنظر إلى العلاقة مع الاحتلال باعتبارها استراتيجية وعضوية داخل بنية الغرب.
ويشدد شاكر على أن "الاحتلال بات يمثل معضلة أخلاقية وسياسية لحلفائه الأوروبيين"، لكنه يرى أن أي انفكاك جوهري عن الاحتلال يظل مستبعدًا في المدى المنظور، رغم مؤشرات على تنصل جزئي من بعض السياسات في بعض العواصم.
وهنا يُمكن القول بأن المواقف الأوروبية تجاه غزة تكشف عن أزمة عمق في السياسات، حيث تراوحت بين الإدانات اللفظية والمواقف الرمزية، دون ترجمة حقيقية إلى إجراءات رادعة أو استراتيجية متكاملة لدعم الشعب الفلسطيني، وهو ما يعكس خللًا بنيويًا في تعامل أوروبا مع قضايا العدالة وحقوق الإنسان حين تتقاطع مع مصالحها الاستراتيجية.
فلسطين أون لاين