غزة : النازحون يبحثون عن حياة تحت الرماد و نزوح بلا ملاذ

mainThumb
غزة : النازحون يبحثون عن حياة تحت الرماد و نزوح بلا ملاذ

03-07-2025 10:47 AM

printIcon

أخبار اليوم - قضت السيدة هدى النخالة (38 عاما) أكثر من 13 ساعة سيرا على الأقدام وهي تبحث عن بقعة أرض فارغة في منطقة المشتل غرب مدينة غزة لتنصب فوقها خيمة تحميها وأطفالها الأربعة من حر الصيف وذل التشرد، لكنها لم تجد.

ومع إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي عن تصعيد عملياته العسكرية في أحياء واسعة من مدينة غزة ومخيم جباليا، أُجبر آلاف السكان على النزوح مرة أخرى، ولكن هذه المرة من الشرق والمركز باتجاه الغرب. طريق الرشيد المؤدي إلى منطقة المواصي بات خيارا شبه وحيد للفرار، مع انقطاع الطرق الأخرى.

وأصدر جيش الاحتلال تحذيريا للسكان في أحياء الزيتون الشرقي، التفاح، الدرج، جباليا، التركمان، الصبرة، وغيرها، مطالبا إياهم بالإخلاء الفوري نحو الغرب، ومن ثم إلى الجنوب عبر طريق الرشيد.

قالت النخالة : "لقد هربت من حي الشجاعية بالأمس بسبب تصاعد القصف ومنذ ذلك الحين وأنا أتجوّل بأطفالي من شارع إلى شارع… كل متر في هذا الغرب صار مشغولا، وكل ركن فيه إنسان موجوع يبحث عن الحياة".

النخالة فقدت زوجها في غارة جوية في ديسمبر 2024، ومنذ ذلك الحين، أصبحت الأم والأب والحائط الأخير الذي يقف بين أطفالها الأربعة والمجهول.

تضيف: "المنطقة مدمّرة بالكامل، ما تبقّى من البيوت مجرد ركام، ومع ذلك الناس ينصبون خيامهم فوق هذا الركام... فوق الذكريات المحطمة، وكأننا نعيش فوق جثث منازلنا".

النخالة تمسح جبين ابنتها التي تلهث من الحر وتقول: "أريد فقط أربعة أمتار، هذا كل ما أطلبه… أربعة أمتار أفرشها وأضع فوقها قماشًا يحمينا. لا بيت، لا سرير، فقط مساحة نحتمي فيها من الشمس ومن هذا العالم".

دموعها لا تنزل، فهي تقول إنها "انتهت من البكاء". لم تعد تملك طاقة لفعل شيء سوى أن تبقى واقفة "لا أعرف ماذا أفعل. كل خطوة فيها قهر، وكل دقيقة نعيشها مثل سنة من الجحيم. فقط أريد لهذه الحرب أن تنتهي… فقط أريد أن أعيش مثل الناس".

وفيما تتحدث، تقطع صوتها صرخة ابنها الأوسط، الذي وقع أرضا من الجوع والإرهاق. تحاول رفعه، لكنها بالكاد تقوى على الوقوف.

وتابعت: "حتى أجسادنا خانتنا… لكن ما بوسعي؟ إنهم أطفالي، وسأظل أركض بهم من مكان لمكان حتى يسكت هذا الجنون أو يسكتنا إلى الأبد".

"تركت كل شيء خلفي"

"تركت كل شيء... بيتي، ملابسي، حتى صور أطفالي على الحائط، فقط كي أبقى حيًّا"، هكذا بدأ محمد الديري (34 عاما) من حي الدرج وسط مدينة غزة حديثه، وهو يحمل طفله الرضيع بين ذراعيه ويحدّق في الفراغ بعينين متعبتين.

لم يكن يتوقع أن يفرّ من منزله مرة أخرى. ظنّ، كما كثيرون، أن الحرب التي اشتدت في الأشهر الماضية بدأت تضع أوزارها، لكن ما حدث فاق كل التوقعات.

يقول الديري لـ"فلسطين أون لاين" "كنا نظن أن الهدوء النسبي يعني اقتراب النهاية… لكن يبدو أن الحرب هنا لا تنتهي، بل تُعيد نفسها بشكل أكثر قسوة كل مرة".

بعد التحذيرات الإسرائيلية بالإخلاء، لم يفكر الرجل طويلا "القصف صار قريبا جدا، البيوت تنهار فوق ساكنيها، لم يكن هناك وقت للتردد. حملت طفلي وغادرت فورا. زوجتي كانت تبكي، وأنا كنت فقط أركض… أركض نحو المجهول".

الديري الآن ينام مع أسرته في شارع فرعي بحي الرمال غربي المدينة، بين عشرات العائلات الأخرى التي وجدت نفسها في الوضع ذاته. لا خيمة، لا مياه، لا خصوصية. ولكن أكثر ما يثقل قلبه، هو طفله البالغ من العمر ستة أشهر، الذي يبكي ليلا ونهارا بسبب الجوع "طفلي لا يجد الحليب، وأنا لا أجد العمل. إنه يصرخ من الجوع، وأنا أصرخ من العجز. أحيانا أفكر: أي ذنب جناه ليُولد في هذا الجحيم؟".

يقول الديري إن المجاعة التي يعيشها الناس الآن لا يمكن وصفها بالكلمات. "نأكل خبزا يابسا إذا توفر، والماء مالح وملوث. لم أعد أطلب شيئا لنفسي، فقط أريد أن أطعم أطفالي وأراهم أحياء".

ويضيف: "كل مرة نُهجر فيها نُقسم أننا لن نغادر مجددا… ولكنهم دائما يُجبروننا. الحياة في غزة باتت مثل عجلة تدور في اتجاه واحد: من بيت إلى خيمة، من خيمة إلى الشارع، ومن الشارع إلى الموت".

"البيوت والشوارع مكتظة"

"البيوت والشوارع لم تعد تتسع، وحتى الهواء بات يضيق بنا"، هكذا وصف منير السعيد، مختار عائلة السعيد في حي النصر، المشهد الكارثي لتدفق النازحين يوما بعد يوم إلى الأحياء الغربية من مدينة غزة، خاصة بعد موجة الإخلاءات الأخيرة في الشرق والوسط.

ويضيف السعيد : "نحن نفتح بيوتنا، باحاتنا، مداخل عماراتنا، بل وحتى شوارع الحي لاستقبال العائلات التي تأتي منهكة من القصف. هذا واجبنا الوطني والإنساني، لكن الوضع أصبح فوق قدرة أي أحد على الاحتمال".

وأشار السعيد إلى أن حي النصر بات واحدا من أكثر المناطق اكتظاظا في القطاع، مشيرا إلى أن حركة النزوح الجديدة تضاف إلى مئات آلاف العائدين من الجنوب الذين استقروا سابقا في الغرب.

ويضيف: "نحن الآن نتحدث عن أكثر من 80٪ من مساحة قطاع غزة أصبحت مناطق مخلاة من السكان. كل الناس يتم دفعهم إلى الـ20٪ المتبقية، هذا لا يمكن تحمله".

وأشار السعيد إلى أن الخطر لم يعد فقط إنسانيا، بل صحيا أيضا، مع تدهور بيئة النظافة وغياب خدمات الصرف الصحي والمياه النقية "هناك مئات العائلات تنام في الشوارع وتستخدم نفس الحفر لقضاء الحاجة، لا ماء، لا أدوات نظافة، لا دواء. هذا التكدس ينذر بكارثة صحية حقيقية. نحن نسمع عن تزايد حالات التهاب السحايا، وشاهدنا أعراض الكبد الوبائي لدى بعض الأطفال. نحن نقترب من تفشي شلل الأطفال، وهذه كارثة أكبر من الحرب".

 فلسطين أون لاين