قراءة في كتاب: إعلاميون في سماء الأردن تأليف: الدكتور عامر الصمادي

mainThumb

10-07-2025 06:25 PM

printIcon




بقلم: أ.د. تيسير أبو عرجة

في هذا الكتاب، تبرز بعض التجارب الإذاعية التاريخية، ونتعرف من خلاله على عدد من الشخصيات الإذاعية المتميزة التي قدمت الكثير وكان لها عطاؤها وريادتها في مسيرة الإذاعة والتلفزيون. كما نطّلع على دخائل المهنة الإذاعية، وظروفها، ومتطلباتها، وعوامل النجاح فيها، إضافة إلى الشروط الواجب توافرها فيمن يختارون هذه المهنة، وكيفية الحفاظ على النجاح عند من أحرزوه وحققوا الشهرة.

في هذه الصفحات إشارات مهمّة إلى عوامل نجاح هذه الشخصيات الإذاعية وقوتها المهنية، لا سيما أنها اتّسمت بالجدية المطلقة من حيث التدريب الواسع، والتعلم المستمر، والتمكن من اللغة العربية، والتدريب على النطق السليم ومخارج الحروف، ومداومة القراءة، والتمكن من اللغات الأجنبية، وخصوصاً اللغة الإنجليزية، التي فتحت أمام البعض آفاقاً لتطوير القدرات، وتحقيق الترقيات المهنية.

ويبيّن الكتاب كيف تحلى المذيعون بالصبر وواجهوا معاناة التحديات التقنية، خاصة في ظل غياب إمكانية تسجيل البرامج، والاعتماد الكامل على البث المباشر، وبالذات في مرحلة وجود الإذاعة الصغيرة في جبل الحسين بين عامي 1956 – 1959. فقد كانوا يعدّون المواد الإخبارية ويقدّمونها، ويكتبون التمثيليات، ويقومون بالتمثيل، ويقفون خلف المطربين لتقديم الأغاني الشعبية والأناشيد الوطنية.

كما نجد بين السطور مقومات العمل الإذاعي والتلفزيوني، من حيث توافر الموهبة، والاستعداد، والشغف، والثقافة العامة، وجمال الصوت، وسلامة الإلقاء. ويشدد الكتاب على عدم استعجال الظهور أمام الكاميرا أو خلف الميكروفون، بل أهمية التدريب الطويل، والدخول إلى الاستوديو برفقة المذيعين القدامى، ومعايشة أجواء العمل ميدانياً، حيث قد تمر سنة كاملة قبل أن يتاح للمذيع الجديد أن يقول: "هنا عمان"، وذلك من أجل ضمان الإتقان وكسر الرهبة.

وقد أكدت هذه الشخصيات الإبداعية على أهمية سلامة اللغة العربية لدى المذيعين، والقدرة على الارتجال، والتعبير بالفصحى، لما لها من قدرة تعبيرية وجمالية، وهي مسألة يفتقدها كثيرون ممن يلتحقون بهذه المهنة في الوقت الحاضر.

وبيّنت الصفحات أهمية الإخلاص في العمل والأداء، والحرص على متابعة التدريب، سواء داخل البلاد أو خارجها، واستقدام مدربين دوليين لتطوير الخبرات، والتعرّف على تجارب الآخرين.

فالتمكن اللغوي والمهني، وامتلاك الخبرة، عوامل تساعد المذيع على مواجهة اللحظات الحرجة وغير المتوقعة، خصوصًا في المناسبات خارج الاستوديو. ومن ذلك ما حدث في أحد المهرجانات الرياضية الكبرى بحضور جلالة الملك الحسين في ستاد عمان الدولي، حين طارت أوراق المذيع محمد جميل عبد القادر بسبب هبوط طائرة الهليكوبتر الملكية. وقد تغلب على الموقف بخبرته وتخصصه الرياضي وثقافته العالية. وهي واقعة تشبه ما رواه لي الراحل سليمان المشيني، عندما كان مذيعاً في حفل تخريج للجيش العربي في الزرقاء، حيث طارت الأوراق بفعل عاصفة رملية شديدة، وتم تجاوز الموقف بالقدرة الارتجالية والمعرفة الأدبية والثقافية.

كما تحدث الدكتور الصمادي عن معاناته في جمع المعلومات لهذا الكتاب، نظراً لندرة الوثائق وغياب الاهتمام بتوثيق التجارب من قِبل الإذاعيين أنفسهم، رغم أهميتها الكبيرة للدارسين والباحثين.

ويؤكد المؤلف أن تاريخ الصحافة والإعلام في الأردن يستحق المزيد من الدراسات المنهجية، مشيرًا إلى أن العديد من الشخصيات اللامعة في هذا المجال تستحق دراسات مستقلة، تعد على أسس منهجية شاملة تتناول النشأة، والتعليم، والإنجاز، والبرامج، والمواقف، وشهادات المعاصرين. وهنا يبرز النموذج الرائد لكلية الإعلام في جامعة القاهرة، التي لم تترك شخصية إعلامية مصرية مهمة دون أن تُخصّص لها رسالة ماجستير أو دكتوراه، إدراكاً منها لأهمية التعرّف على مسيرة الرواد، ومعاركهم الصحفية، ومكانة الصحفي في المجتمع.

ويلاحظ ضعف المكتبة الأردنية في مجال البحوث والدراسات الخاصة بتاريخ الإذاعة والتلفزيون، رغم أن بعض المذيعين قدّموا إضاءات مهمة من خلال السير الذاتية، في حين آثر كثيرون الصمت ولم يكتبوا تجاربهم المهنية، رغم ما فيها من نفع كبير.

ولعل كليات الإعلام في جامعاتنا تولي هذه الجوانب التاريخية ما تستحقه من اهتمام، من خلال دراسات علمية موثقة بالإنتاج الإعلامي والخبرات المهنية.

وقد تحدث الدكتور الصمادي عن عدد من الشخصيات الإذاعية المحبوبة، التي عرفها الجمهور الأردني والعربي، والتي شكّل كلٌّ منها مدرسة إعلامية قائمة بذاتها، منهم: الحاج مازن القبج، د. عمر الخطيب، د. سمير مطاوع، د. هشام الدباغ، سلامة محاسنة، محمد أمين، شاكر حداد، عدنان الزعبي، د. عامر الصمادي (تحدث عنه د. زيد المحيسن)، عبدالوهاب الطراونة، سالم العبادي، رافع شاهين، محمد جميل عبدالقادر، زاهية عناب، جمان مجلي، سوسن تفاحة، وحاتم الكسواني.

وقد عبّر بعض هؤلاء عن أسفهم لعدم دعوتهم لحضور احتفالات التلفزيون السنوية، رغم أنهم أمضوا سنوات طويلة في خدمته. وهو ما يؤكد أهمية التواصل بين الأجيال، وضرورة نقل الخبرة والتجربة، عرفانًا بالجميل، واستثمارًا للرصيد المهني.

كما تمّت إحالة عدد من هؤلاء الروّاد إلى التقاعد وهم في ذروة عطائهم، في قرار بيروقراطي لم يُدرك أن الإبداع لا يتقاعد، ما دامت القدرة على العطاء والتجدد قائمة.

ختامًا، فإن هذا الكتاب الممتع يستحق أن يكون في متناول كل العاملين في الإعلام، وطلبة كليات الإعلام، والجمهور المحب لهذا الحقل الحيوي. كما أن جامعاتنا تستطيع أن تستفيد من هؤلاء الرواد، بتعيينهم كأعضاء هيئة تدريس ممارسين، لتعزيز العملية الأكاديمية بخبرات تطبيقية عميقة.

لقد تميز الكتاب بلغة رشيقة وأسلوب سلس، ونجد أن الدكتور الصمادي يمتلك همة عالية، وحيوية متدفقة، ورغبة صادقة في الإنجاز. وننتظر منه المزيد من هذه الإبداعات.