الاستثمار في المحافظات ضرورة لتنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي وتحقيق التنمية الشاملة
شراكات استراتيجية بين الشركات الكبرى والقطاع الخاص لإطلاق مشاريع ذات قيمة مضافة
هوية استثمارية لكل محافظة وفق ميزتها التنافسية لتعزيز العائد الاستثماري
حوافز وضمانات لتوطين الاستثمارات ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة
عمان - أخبار اليوم
أكد عضو غرفة صناعة عمان، الاقتصادي المهندس موسى الساكت أن الوقت قد حان لوضع خارطة طريق استثمارية لكل محافظة أردنية، تقوم على تحديد هويتها الاقتصادية بدقة، وربطها بالقطاعات الإنتاجية التي تحقق أعلى عائد استثماري، مشددًا على أن المرحلة المقبلة تتطلب شراكات استراتيجية بين الشركات الكبرى العاملة في المملكة لإقامة مشاريع استثمارية كبرى ذات قيمة مضافة عالية.
وقال الساكت، إن الاستثمار في المحافظات ما يزال حتى اللحظة في إطار الخطط الورقية، بعيدًا عن التطبيق العملي، الأمر الذي يضعف القدرة على خلق تنمية شاملة ومتوازنة. وأضاف أن تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية يتطلب الخروج من النمط التقليدي لجذب الاستثمار، والانتقال إلى مفهوم "توطين الاستثمار" في المحافظات، بما يعزز الاستفادة من مواردها الطبيعية والبشرية ويخلق فرص عمل مستدامة.
وأوضح أن تجربة شركتي الفوسفات والبوتاس في إقامة شراكة لإنشاء مصنع تعد مثالًا يمكن البناء عليه، معتبرًا أن هذا النموذج يجب أن يتوسع ليشمل شراكات بين القطاع الخاص والشركات الكبرى في قطاعات أخرى، لإقامة مشاريع استراتيجية تحقق الجدوى الاقتصادية وتستهدف الأسواق المحلية والخارجية.
وبيّن الساكت أن هذه المشاريع يجب أن تقوم على تحليل الميزة التنافسية لكل محافظة؛ فالمناطق الشمالية مثل عجلون تمتلك مقومات سياحية قوية، فيما يمكن للمفرق أن تتحول إلى مركز لوجستي وخدماتي يخدم التجارة البينية مع دول الجوار، في حين تمثل الأغوار بيئة مثالية للاستثمار الزراعي الصناعي الموجه للتصدير، أما الجنوب فيمتلك فرصًا كبيرة في قطاعات التعدين والطاقة المتجددة والسياحة العلاجية والبيئية.
وأضاف أن توفير البنية التحتية الاستثمارية وتبسيط الإجراءات الإدارية، إلى جانب منح حوافز ضريبية وجمركية وامتيازات خاصة للمستثمرين في المحافظات، يمثل ركيزة أساسية لجذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية. وأشار إلى أن هذه الحوافز ليست تكلفة على الدولة، بل استثمار طويل الأمد في توسيع القاعدة الضريبية وتحفيز النشاط الاقتصادي.
وتابع الساكت قائلاً: "هذا التوجه يتقاطع مباشرة مع ما ورد في رؤية التحديث الاقتصادي فيما يخص تنمية المحافظات، والتي أكدت على ضرورة تحويل المحافظات من مناطق تقدم خدمات اعتيادية فقط، إلى مراكز إنتاج واستثمار، قادرة على خلق فرص اقتصادية حقيقية تسهم في رفع مستوى المعيشة وتعزيز النمو الشامل."
وأشار الساكت إلى أن الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة تمثل المحرك الخفي للاقتصاد المحلي في المحافظات، لكنها تعاني من فجوات تمويلية وتشريعية وبيروقراطية تحد من قدرتها على التوسع والمنافسة. وأوضح أن دعم هذه المشاريع لا يقتصر على التمويل، بل يشمل تقديم برامج تدريب وتأهيل لرواد الأعمال، وربطهم بشبكات ومنصات تسويق محلية ودولية، وتسهيل مشاركتهم في المعارض والفعاليات الاقتصادية، بما يضمن تعزيز حضورهم في السوق.
ولفت إلى أن تحفيز هذه المشاريع يتطلب وضع حزم امتيازات خاصة بها، مثل الإعفاءات الضريبية لسنوات محددة، وتخفيض كلف الطاقة، وتوفير قروض ميسرة بفوائد منخفضة، بالإضافة إلى تبسيط إجراءات الترخيص وتسجيل العلامات التجارية. وأكد أن رعاية هذه المشاريع بشكل ممنهج سيخلق منظومة اقتصادية متكاملة تدعم المشاريع الكبرى، وتوفر سلاسل توريد محلية، وتزيد من القيمة المضافة داخل الاقتصاد الوطني.
كما تطرق إلى المشاريع الصغيرة والمتوسطة في المحافظات، معتبرًا أنها تشكل جزءًا أساسيًا من المنظومة الاستثمارية المحلية، لكنها تعاني من ضعف التمويل وغياب الدعم الفني والتسويقي. وأوضح أن الدول المتقدمة تعامل هذه المشاريع باعتبارها محركًا للنمو، وتوفر لها برامج تمويلية ميسرة، وتعمل على ربطها بسلاسل القيمة المضافة في القطاعات الكبرى.
وأكد أن تخصيص هوية استثمارية لكل محافظة سيُسهل على المستثمرين تحديد الفرص ذات الجدوى، وسيعزز قدرة المجتمعات المحلية على الانخراط في العملية الإنتاجية، ما يؤدي إلى رفع معدلات التشغيل وتحسين مستوى الدخل، وبالتالي الحد من الهجرة الداخلية نحو العاصمة.
وختم الساكت بالتشديد على أن الاستثمار في المحافظات ليس خيارًا ثانويًا، بل ضرورة اقتصادية إذا ما أرادت الدولة تحقيق تنمية مستدامة، داعيًا إلى رؤية واضحة تقوم على شراكات استراتيجية، وتستثمر في الموارد المحلية، وتربط المشاريع الكبرى بالاقتصاد الوطني، لضمان تحقيق العائد الاستثماري طويل الأمد وتعزيز الأمن الاقتصادي للمملكة.