أخبار اليوم - شهد حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة على مدار الأيام الماضية تصعيدا إسرائيليا للعدوان، وضع الأهالي بين مطرقة القصف وسندان النزوح القسري وسط معاناة إنسانية لعشرات العائلات التي واجهت ليالي دامية.
ويتعرض الحي لقصف مكثف من قبل طائرات وآليات الاحتلال، ضمن عملية عسكرية عدوانية متواصلة منذ أكثر من شهر ضد المناطق الشرقية لمدينة غزة، تشمل حيي الزيتون والشجاعية.
الهجمات الاحتلالية الأخيرة أجبرت عشرات العائلات ممن بقيت في الحي على النزوح، لتضاف إلى عشرات الآلاف من النازحين قسرا في قطاع غزة الذين حرمتهم حرب الإبادة من منازلهم تحت وطأة القصف والدمار.
وبحسب بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، فإن العمليات العسكرية في غزة تسببت في نزوح أكثر من 1.9 مليون شخص منذ بدء العدوان، أي ما يعادل أكثر من 85% من أهالي القطاع.
وفي حي الزيتون تحديدًا، تشير تقديرات منظمات الإغاثة المحلية إلى أن آلاف الأسر أُجبرت على ترك منازلها خلال الأسابيع الماضية، في ظل غياب أي ضمانات للعودة القريبة أو وجود مأوى بديل آمن.
مبيت في الشارع
في ظهيرة اليوم السابق، كانت أصوات الانفجارات تقترب شيئًا فشيئًا من منزل عائلة أبو عبد الله ياسين في حي الصبرة، حتى باتت جدران المنزل تهتز تحت وطأة القصف، حاولت الأم جمع ما يمكن من الملابس والأغطية، بينما كان الأب يراقب من النافذة أعمدة الدخان ترتفع من البيوت المجاورة.
يقول في حديث لـ "فلسطين أون لاين":" القصف المستمر في المنطقة المحيطة بنا جعلنا ندرك أنه لا مجال للبقاء في المكان وأجبرنا على النزوح غرباً إلى حي تل الهوا الذي كنا نلاحظ أن الكثير من جيراننا قد سبقونا للبقاء فيه على أمل العثور على مأوى آمن".
يشير ياسين إلى أنه عند وصولهم إلى حي تل الهوا كانت مراكز الإيواء مكتظة إلى الحد الذي لم يسمح حتى بفراغ متر واحد للجلوس، فاضطرّت العائلة — المكوّنة من خمس سيدات وأكثر من عشرة أطفال وستة رجال — إلى افتراش الرصيف في الشارع.
ويضيف:" جلسنا على أحد الأرصفة بجانب بناية لا تزال قائمة، على أمل أن نجد مكاناً نقيم فيه قبل أن يحل الظلام ولكن للأسف جاء المساء واضطررنا للمبيت في الشارع نحن والنساء والأطفال وسط غياب تام للإضاءة أو الحماية".
مع حلول الليل، بدأ البرد يتسلل إلى أجساد الأطفال الذين لم يعتادوا النوم على الإسفلت، فيما كان الكبار يتناوبون على تهدئتهم ومحاولة إلهائهم عن أصوات الانفجارات التي لم تتوقف ليلتها.
خلال الساعات الأولى من الفجر، لم يتوقف القصف القريب، وكل هزة للأرض كانت كفيلة بإيقاظ الصغار وهم يصرخون رعبًا، غابت المياه والطعام، في مشهد يختصر مأساة آلاف العائلات التي تجد نفسها فجأة بلا سقف ولا أمان.
من بين النار
أما عائلة ملكة من حي الزيتون فكانت تحاول أن تحافظ على بقائها في منزلها رغم القصف المتكرر، وكانت تتمنى أن تنتهي الهجمات الاحتلالية دون أن تجبر على النزوح مرة أخرى، لكن تلك الليلة كانت مختلفة؛ إذ سقطت قذائف الاحتلال على منزلهم بشكل مباشر.
يقول الشاب محمود ملكة لـ "فلسطين أون لاين":" اشتعلت النيران في أجزاء من منزلنا بفعل قذائف المدفعية التي لم تتوقف عن السقوط على حي الزيتون في ليلتها، وكانت كل العائلة لا تزال في الداخل لم يخرج منهم أحد".
لم يكن هناك وقت للتفكير، بل كان همّ الجميع النجاة بحياته، خاصة الأطفال الذين علا صراخهم مع تصاعد الدخان، خرجت العائلة مسرعة وسط الفوضى، بعضهم مصاب بحروق طفيفة وآخرون يعانون من الاختناق بسبب الدخان.
ويضيف ملكة:" لم نتمكن من أخذ سوى وثائق شخصية وبعض الملابس كنا قد جهزناها مسبقاً تحسباً لأي طارئ، تاركين خلفنا كل شيء، كانت الشوارع المحيطة مليئة بالأنقاض والدمار، فيما كانت أصوات الطائرات الحربية ما زالت تحلق في السماء.
الآن، تعيش العائلة في الشارع دون مأوى، متنقلة بين الأرصفة والأماكن المهجورة، تبحث عن أي زاوية توفر لهم بعض الحماية من الشمس نهارًا والبرد ليلاً، فقدوا ليس فقط منزلهم، بل أيضًا الشعور بالأمان والاستقرار، وهم لا يعرفون إلى أين سيتجهون في الأيام القادمة، خاصة مع غياب أي خطط عاجلة لإيواء النازحين.
أما عائلة العكة المكونة من أب وأم وثلاثة أبناء لا تتجاوز أعمارهم 12 عاماً، وجديهم والمقيمون في شارع النديم في غرب حي الزيتون تحاول النوم رغم دوي الانفجارات، لكن سلسلة من القصف المدفعي والجوي أجبرتهم على البقاء مستيقظين يجمعون أغراضهم في انتظار بزوغ الشمس من أجل تلمس طريقهم للخروج من تحت الموت والدمار.
تقول نداء العكة والدة الأطفال الثلاث:" عندما خرجنا من المنزل كان الطريق إلى خارج الحي محفوفًا بالمخاطر، إذ انتشرت الأنقاض وقطع الركام التي أعاقت حركتهم، فيما كانت القذائف تسقط على مقربة منا".
وتضيف في حديثها لـ "فلسطين أون لاين":" وصلنا بعد ساعات من المشي على القدمين إلى منطقة تزدحم بالنازحين من حي تل الهوا، حيث نصبت بعض العائلات خيامًا مؤقتة باستخدام أغطية بالية وخشب مكسور، انضممنا إلى هذه التجمعات، لكن الاكتظاظ كان شديدًا، والمرافق الصحية شبه معدومة، مما جعل الوضع الصحي للأطفال غير مقبول".
ونبهت نداء إلى أن العائلة واجهت تحديات هائلة أهمها: نقص في المياه الصالحة للشرب، غياب الغذاء الكافي، وغياب أي رعاية طبية، لافتة إلى أنه بعد 3 أيام من النزوح بات الأطفال يعانون من الحمى والإرهاق، والأم تخشى عليهم من الأمراض المعدية المنتشرة بين النازحين.
المشهد في حي الزيتون اليوم ليس سوى صورة مصغّرة من الكارثة الإنسانية التي تضرب قطاع غزة بأكمله، القصف المستمر، النزوح القسري، وفقدان المأوى والمقومات الأساسية للحياة، كلها جرائم يتحمل الاحتلال الإسرائيلي مسؤوليتها الكاملة ضمن حرب الإبادة الممنهجة ضد السكان المدنيين.
وبينما يستمر النزوح الجماعي، يبقى الأمل الوحيد للنازحين أن تتوقف حرب الإبادة الجماعية ويعودوا إلى ما تبقى من منازلهم ومناطق سكنهم بأمان.
فلسطين أون لاين