الراعي يكتب : معروف البخيت

mainThumb
الراعي يكتب : معروف البخيت

26-08-2025 01:04 PM

printIcon


د. أشرف الراعي
سَعِدتُ عندما وجدت تكريماً لدولة الدكتور معروف البخيت – رحمه الله - في مهرجان الفحيص؛ حيث كان دولته رجل دولة بامتياز واستطاع في ظروف صعبة أن يقود الدفة في البلاد نحو بر الأمان خلال توليه رئاسة الوزراء في المرتين الأولى والثانية.
حدثَ أن التقى دولته الإعلاميين أكثر من مرة في دار رئاسة الوزراء وقد كنت ممن كانوا ضمن هذه اللقاءات خلال عملي الصحافي، وقد كان د. البخيت رحمه الله واضحاً وشفافاً في العديد من الملفات التي واجهت الأردن يومها؛ فقد كان رجل المؤسسة العسكرية الذي حمل معه خبرة الانضباط والالتزام، وحافظ على هدوء أعصابه حتى في أشد الأزمات السياسية والاقتصادية التي عصفت بالمنطقة.

لم يكن البخيت مجرد رئيس حكومة عابر، بل كان حاضراً في ذاكرة الأردنيين كصوت عقلاني، حريص على استقرار الوطن، متمسكاً بثوابته الوطنية، ومؤمناً بقدرة الأردن على تجاوز المحن مهما كانت التحديات، ولعل أبرز ما ميز شخصيته أنه لم يكن يبحث عن الأضواء، بل عن المصلحة العامة، فكان قريباً من الناس بقدر ما كان قريباً من مؤسسات الدولة.
شخصية متواضعة، تستمع أكثر مما تتحدث، وتزن الكلمة قبل أن تقولها، كما كان شديد الحرص على سمعة الأردن وصورته في الخارج، مدركاً أن السياسة هي مسؤولية وطنية أمام العالم، وقد انعكس هذا الحرص في سلوكه العملي حين كان يتعامل مع الإعلام والرأي العام بصراحة وموضوعية، مؤمناً أن المكاشفة تعزز الثقة بين المواطن والدولة.
لقد حمل د. البخيت في مسيرته السياسية عبء ملفات شائكة؛ من إدارة الأزمات الاقتصادية إلى مواجهة التحديات الأمنية والإقليمية، ولم يرضخ للضغوط بقدر ما كان يحاول أن يوازن بين ضرورات الدولة وتطلعات الناس، كما كان ينظر إلى موقعه كرئيس للوزراء باعتباره تكليفاً وطنياً لا مجال فيه للمكاسب الشخصية أو الشعبية الزائفة، وهو ما جعله يحظى باحترام حتى خصومه.
واليوم، ونحن نقرأ اسمه مُكرماً في مهرجان ثقافي ووطني بحجم الفحيص، ندرك أن إرثه لم يكن مجرد منصب أو موقع رسمي، بل هو قيمة وطنية تستحق التقدير والوفاء؛ فتكريم البخيت هو في الحقيقة تكريم لكل رجل دولة وضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، ورحل وهو تارك خلفه تاريخاً من الانضباط والإخلاص والصدق.
إن إرث الدكتور معروف البخيت لا يقتصر على فترة رئاسته للحكومتين فحسب، بل يتجسد في النموذج الذي قدمه للأجيال الجديدة من القيادات: نموذج رجل الدولة الذي يجمع بين الخبرة العسكرية والوعي السياسي، بين الالتزام بالقيم والقدرة على اتخاذ القرار، وبين الحزم والتواضع. وهذه الصفات مجتمعة جعلت منه مرجعاً في كيفية ممارسة المسؤولية العامة في بلد يواجه تحديات معقدة داخلياً وخارجياً.
رحم الله دولة الدكتور معروف البخيت، فقد كان رمزاً للوطنية والنزاهة، ورجلاً من طراز نادر في زمن كثرت فيه الحسابات الضيقة وقلت فيه المواقف المبدئية، وسيبقى في الذاكرة الأردنية أحد أولئك الرجال الذين أثبتوا أن العمل العام رسالة سامية قبل أن يكون سلطة أو امتيازاً.