إرادة تصنع المجد… قصص وطنية تلهم الأجيال

mainThumb
أ. د. أمجد الفاهوم

17-09-2025 08:52 PM

printIcon

 

أ. د. أمجد الفاهوم

في كل وطن، هناك رجال بدأوا أعمالهم بفكرة صغيرة، لكنهم آمنوا بها حتى تحوّلت إلى منظومات اقتصادية كبرى. رجال حملوا على عاتقهم هموم الناس وأحلام الأجيال، فكانوا القدوة والمثال. ومن بين هذه النماذج المضيئة يبرز اسم ميشيل الصايغ، الرجل الذي تابع إرث الأجداد، وبنى بعرق جبينه ورجاحة عقله منظومة صناعية وتجارية متكاملة، أرست نهجًا وطنيًا في الإنتاج والاعتماد على الذات.
بدأ الصايغ مع عائلته مسيرته الاقتصادية من مشروع صغير وفكرة متواضعة، لكنها كانت محمّلة بإيمان عميق بقدرة الأردني على المنافسة والإبداع. وسرعان ما تحوّلت تلك الفكرة إلى شبكة اقتصادية متينة، تحتضن مئات العائلات وتفتح أبواب الرزق لآلاف العاملين. تمثّلت باكورة أعمالهم في مصانع الأصباغ والدهانات التي ساهم في تأسيسها، وكانت شاهدًا حيًا وعلامة فارقة على أن الجودة الأردنية قادرة على الوصول إلى أسواق العالم. كما كان البنك الذي شارك في تأسيسه رافعة مالية لمشاريع جديدة، وأثبت أن الصناعة والتمويل يمكن أن يسيرا معًا في طريق التنمية. لتغدو قصته علامة مضيئة في سجل الصناعة الوطنية الأردنية.
ما يميّز ميشيل الصايغ ليس فقط كثرة المصانع التي أنشأها، أو الأسواق التي بناها، أو السمعة الإقليمية والعالمية التي اكتسبها، بل الروح الوطنية التي زرعها في كل مشروع. فلم يكن الهدف مجرد تحقيق الربح، بل بناء قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، وخلق فرص عمل، وفتح آفاق جديدة للتصدير، حتى يكون الأردن حاضرًا بثقة على الخريطة الاقتصادية. ولعل تلفزيون "رؤيا"، الذي أطلقه ليكون منصة إعلامية هادفة، يبرهن على أن النجاح لا يُقاس بالصناعة وحدها، بل أيضًا بمدى المساهمة في تشكيل وعي المجتمع وتعزيز قيمه.
واليوم، يتابع المهندس فائق الصايغ المسيرة بإرادة لا تلين، وعزيمة تستند إلى العلم والخبرة والانفتاح على كل جديد. إذ لا يكتفي بالحفاظ على ما بناه والده وعائلته، بل يضيف إليه رؤية عصرية تتماشى مع متطلبات التكنولوجيا والاقتصاد الأخضر. يعمل على إدماج الحلول الرقمية في المصانع، ويدعم الطاقة البديلة لتقليل الكُلف وتعزيز الاستدامة، ويؤمن بأن التوسّع لا يعني التكرار، بل يتطلب الإبداع والابتكار.
لقد أثبت فائق أن ما يُبنى عليه ليس الأموال والمباني فحسب، بل القيم الراسخة التي يتوارثها الأبناء عن الآباء: النزاهة، التفاني، حب الوطن، والإصرار على التميز. فكل إنجاز جديد يحمل توقيعه يؤكد أن إرث عائلة الصايغ ليس مجرد شركة أو مصنع أو بنك، بل حكاية وطنية حيّة تنبض بالعطاء والأمل، وتلهم الشباب الأردني بأن النجاح ممكن حين تتضافر الإرادة مع العمل.
إن قصة ميشيل وفائق الصايغ وعائلتهم الكريمة، التي لم تتسلم منصبًا ولم تزاحم أحدًا على وظيفة حكومية، هي رسالة واضحة للشباب الأردني: النجاح ليس حكرًا على أحد، بل هو ثمرة الجد، والإصرار، والصبر. وهي أيضًا دعوة للمجتمع كله كي يلتفّ حول هذه النماذج التي تؤمن أن الاستثمار في الإنسان أولًا هو أساس أي نهضة اقتصادية أو اجتماعية. فالمصانع تُشيّد، والبنوك تُدار، والشاشات تُطلق، لكن القيمة الحقيقية تبقى في الإنسان الذي يقف خلفها، وفي القيم التي تحرّكه.
وهكذا، تظل عائلة الصايغ نموذجًا وطنيًا يجمع بين أصالة الماضي وتطلعات المستقبل، وتؤكد بأن العزيمة والإيمان يمكنهما تحويل الأحلام إلى واقع يباهي به الأردن الأمم. وإذا كان الماضي قد شهد بناء مصانع وأسواق، فإن المستقبل يحمل فرصًا أكبر لشباب يقتدون بهذه النماذج، فيكتبون قصص نجاح جديدة تُضاف إلى سجل الوطن وتلهم الأجيال القادمة.