العليج… عند الغارة ما ينفع

mainThumb
صالح الشرّاب العبادي

07-12-2025 06:55 PM

printIcon

 

صالح الشرّاب العبادي

حين يتأخر الاستعداد… يصبح الشتاء أشد قسوة

في الموروث الشعبي مثل يقول: “العليج عند الغارة ما ينفع”.
قد يبدو المثل بسيطًا، لكنه في الحقيقة يختصر أحد أعقد أمراض الإدارة المؤسسية : الاستيقاظ المتأخر.
ذلك النمط الذي يُهمل الزمن الواسع، ويتحرك فقط حين تضيق اللحظة وتشتد الأزمة ، وكأن المؤسسات لا ترى، ولا تسمع، ولا تستشعر الخطر إلا عندما يداهمها وجهًا لوجه.

نحن في هذا الوطن نعرف أن الشتاء ليس طارئًا.
ليس إعصارًا مجهولًا، ولا حدثًا مفاجئًا.
إنه فصل له موعد معروف ومحدود ، يعلن قدومه تدريجيًا، ويمنح المؤسسات والبلديات المسؤولة ( وهنا اقصد المتربعين على ادارتها ) أكثر من تسعة أشهر للاستعداد:
تنظيف مجاري المياه ، تجهيز المنافذ المائية واختبارها ، صيانة الطرق، فحص البنية التحتية، تجهيز غرف العمليات، وتحديث خطط الطوارئ.

ومع ذلك، تُفاجئنا أول شتوة كل عام، كأنما لم تمرّ علينا شتوة قبلها.
تغرق الشوارع،وتداهم المياه البيوت والمحال ، تتوقف الحركة، تظهر نقاط الضعف ذاتها، ثم يبدأ مسلسل التبرير وكيل الاتهامات، حتى تتلاشى المسؤوليات بين عباراتٍ جاهزة وبياناتٍ إنشائية.

المشكلة ليست في المطر…
بل في أن المطر يكشف ما تراكم قبلَه من إهمال.
الغيوم لا تصنع الأزمة؛ الغيوم تفضحها فقط.

هذا النمط المتكرر يشير إلى خلل ثقافي قبل أن يكون خللًا فنيًا؛ خلل في طريقة التفكير، وفي فهم الزمن، وفي تقدير معنى “الاستعداد”. إذ يبدو أن بعض الجهات ما زالت تتعامل مع الكوارث على أنها أحداث موسمية، لا على أنها اختبارات سنوية تقيس كفاءة الإدارة وصدقيتها أمام الناس.

البلديات والمؤسسات المستعدة هي التي لا تنتظر الغرق كي تتحرك، ولا تبني خططها على النوايا الحسنة، بل على حسابات دقيقة تضع أسوأ السيناريوهات بعين الاعتبار ، لا تعمل بردة الفعل، بل تصنع الفعل، وتسبق الحدث بخطوات، لا أن تتبعه مهرولة وهي تلهث خلف الأضرار.

والأخطر من كل ذلك أن الاستعداد المتأخر لا يضرب البنية التحتية وحدها، بل يضرب ثقة الناس.
فالمواطن حين يرى المشهد يتكرر عامًا بعد عام، يبدأ بالسؤال: هل المشكلة في المطر… أم في من لم يستعد للمطر؟

إن النقد هنا ليس غاية بذاته، بل رسالة.
رسالة تقول إن إدارة الخطر يجب أن تتحول من إدارة ظرفية إلى إدارة استراتيجية، وأن التعامل مع المناخ يجب أن يخرج من دائرة “رد الفعل” إلى دائرة “منع الضرر قبل وقوعه”.

الشتاء قادم كل سنة…
لكن الاستعداد له ليس قدَرًا، بل قرارًا.
والفرق بين المؤسسة او البلدية التي تتخذ القرار في الوقت المناسب، والمؤسسة او البلدية التي تنتظر اللحظة الأخيرة، هو الفرق بين من يعبر موسمه بثبات… ومن تغرقه أول نقطة مطر.