رسوم ترامب .. انعكاسات غامضة على الاستثمار والاستهلاك

mainThumb
رسوم ترامب.. انعكاسات غامضة على الاستثمار والاستهلاك

25-09-2025 02:16 PM

printIcon

أخبار اليوم - يشكّل الغموض المحيط بالسياسات التجارية والتعريفات الجمركية أحد أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي هذا العام، إذ تثير هذه الإجراءات القسرية حالة من عدم اليقين تمتد من الأسواق المالية إلى سلاسل الإمداد.

يدفع هذا الغموض الشركات والمستثمرين إلى التريث في قراراتهم الكبرى، ما يضعف الاستثمارات ويضغط على حركة التوظيف والاستهلاك، ويجعل من الصعب رسم مسار واضح للنمو في الاقتصادات الكبرى والصاعدة على حد سواء.

يعزز هذا المشهد من المخاطر التي تهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي، في وقت لا تزال فيه البنوك المركزية والحكومات منشغلة بموازنة أولويات متناقضة بين كبح التضخم ودعم النمو، لتبقى التوقعات عرضة للتقلب مع استمرار حالة عدم اليقين.


أميركا تتخلف في سباق الطاقة النظيفة.. والصين في الصدارة
في هذا السياق، تشير التوقعات الصادرة يوم الثلاثاء إلى أن جهود الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإعادة تشكيل التجارة العالمية من خلال سياسات التعرفات الجمركية العقابية "تدفع الولايات المتحدة والاقتصادات الكبرى نحو تباطؤ النمو الاقتصادي ، وزيادة حالة عدم اليقين، وتهدئة الاستثمار والتجارة".


ووفق ما ذكرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي مجموعة حكومية دولية مقرها باريس، في أحدث توقعاتها، فإن:

التداعيات الكاملة للتعرفات الجمركية الأميركية المرتفعة لا تزال في طور التبلور.
لكن آثارها بدأت تنعكس بالفعل على المستهلكين الأميركيين الذين شرعوا في تقليص إنفاقهم، وعلى أسواق العمل في الدول التي دفعت فيها الرسوم الشركات إلى تسريح العمال أو الحد من التوظيف
تتوقع المنظمة أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.2 بالمئة هذا العام، مقارنة بـ 3.3 بالمئة في العام 2024.

يعود هذا التقدير الأعلى قليلاً من المتوقع سابقاً -وفق المنظمة- إلى أن شركاء أميركا التجاريين كثفوا إنتاجهم الصناعي لتمرير بضائعهم عبر الحدود الأميركية قبل دخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ.

وكان الرئيس ترامب قد فرض رسوماً جمركية، من بينها تعرفات تصل إلى 50 بالمئة على الصلب والألمنيوم الأجنبي، على شركاء تجاريين مقربين سابقاً مثل الاتحاد الأوروبي وكندا والهند، وكذلك على منافسين قدامى مثل الصين.

ومع ارتداد الأثر الكامل للتعريفات عبر سلاسل التوريد وأسواق العمل وتغيير أنماط المستهلكين، سيتباطأ النمو العالمي إلى 2.9 بالمئة في عام 2026، بحسب المنظمة الاقتصادية.


وأضاف التقرير: "لقد كان الاقتصاد العالمي أكثر صموداً مما كان متوقعاً في النصف الأول من عام 2025، لكن المخاطر السلبية ما زالت كبيرة، إذ تستمر الحواجز التجارية المرتفعة وحالة عدم اليقين الجيوسياسي والسياساتي في كبح النشاط في العديد من الاقتصادات".

ومن المتوقع أن ينخفض ​​التضخم في معظم الاقتصادات الكبرى نتيجة تباطؤ النمو وتراجع التوظيف، لكن ينبغي على البنوك المركزية أن تظل "يقظة"، وفقًا للتقرير. كما يتعين على الحكومات المثقلة بديون متزايدة وعجز متزايد بذل المزيد من الجهود لترتيب أوضاعها المالية.

وأضاف التقرير أن الأسواق المالية تعكس بشكل متزايد حالة عدم اليقين العالمية، وهناك قلق متزايد بشأن المخاطر.

غياب الوضوح
يقول رئيس قسم الأسواق المالية في شركة FXPro، ميشال صليبي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

إن غياب الوضوح في السياسات التجارية والتعرفات الجمركية يشكّل أحد أبرز مصادر القلق في الأسواق المالية.
انعكاسات ذلك القلق باتت واضحة على الذهب والأسهم واستراتيجيات تنويع المحافظ الاستثمارية.
ويضيف: هذا الغموض ينعكس بشكل مباشر على صناع القرار الاقتصاديين، ويؤثر سلباً على معدلات النمو عبر عدة قنوات مترابطة، أبرزها تراجع الاستثمارات وضعف الثقة، إذ تميل الشركات في مثل هذه الظروف إلى تأجيل قراراتها الاستثمارية الكبرى، فيما تجد المؤسسات المستوردة والمصدرة صعوبة في وضع خطط طويلة الأمد، مما يحد من التوسع ويضغط على معدلات التوظيف.

ويرى صليبي أن الاضطرابات في سلاسل الإمداد نتيجة الرسوم المفاجئة أو حتى التهديد بفرضها، تدفع الشركات للبحث عن بدائل أكثر كلفة وأقل كفاءة، وهو ما يزيد من التكاليف التشغيلية ويرفع أسعار بعض السلع، وبالتالي يضعف القدرة الشرائية للمستهلكين.


الفيدرالي تحت نيران السياسة: انهيار الثقة يضعف هيمنة الدولار
كما يشير إلى أن هذه التحديات تولّد ضغوطاً تضخمية محتملة، خصوصاً إذا طُبقت رسوم مرتفعة على الواردات بشكل مباشر، وهو ما يغذي التضخم ويضع البنوك المركزية أمام معضلة صعبة. ففي الولايات المتحدة مثلاً، يواجه الاحتياطي الفيدرالي خياراً حرجاً بين الاستمرار في التيسير لدعم النمو أو التشديد لمواجهة التضخم، مع مخاوف متزايدة من الوصول إلى مرحلة "الركود التضخمي".

ويؤكد أن هذه التطورات من شأنها أن تزيد من تقلبات الأسواق بشكل ملحوظ، وتضغط على حركة التجارة العالمية. فالتوترات التجارية تُضعف حجم التبادل بين الاقتصادات الكبرى، وهو ما ينعكس بقوة على النمو العالمي، خاصة بالنسبة للاقتصادات الناشئة المعتمدة على التصدير، والتي تصبح أكثر عرضة للمخاطر.

ويشدد على أن الأثر النفسي للأسواق لا يقل خطورة عن التداعيات الاقتصادية المباشرة، إذ إن مجرد الحديث عن رسوم جمركية محتملة يؤدي إلى تقلبات حادة في الأسواق والعملات والسلع، ويدفع المستثمرين إلى التحوط عبر تحويل السيولة نحو الأصول الآمنة مثل الذهب.

المزيد من التضخم
ووفق المدير التنفيذي لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ألفارو بيريرا، فإن "صدمة التعرفات الجمركية تجلب المزيد من الضغوط التضخمية في العديد من البلدان".



وأضاف، في التصريحات التي نقلتها عنه شبكة "سي إن بي سي" الأميركية: "نتوقع أن يكون لذلك تأثيرات إضافية على الأسعار بالنسبة للشركات ليس فقط في الولايات المتحدة ولكن في أجزاء أخرى من العالم أيضاً".

تتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الآن أن يبلغ معدل التضخم العام 3.4 بالمئة في دول مجموعة العشرين عام 2025، وهو أقل بقليل من توقعات يونيو البالغة 3.6 بالمئة.
ورُفعت توقعات التضخم للولايات المتحدة بشكل حاد، حيث تتوقع المنظمة الآن ارتفاع الأسعار بنسبة 2.7 بالمئة عام 2025، بانخفاض عن توقعاتها السابقة البالغة 3.2 بالمئة.
وفي المستقبل، أشار تقرير المنظمة إلى زيادات إضافية في التعرفات الجمركية وعودة الضغوط التضخمية باعتبارهما من المخاطر الرئيسية، إلى جانب المخاوف المتزايدة بشأن الوضع المالي وإمكانية إعادة التسعير في الأسواق المالية.

كما أن ارتفاع وتقلب تقييمات الأصول المشفرة يزيد من مخاطر الاستقرار المالي نظراً للترابط المتزايد مع النظام المالي التقليدي. ومن ناحية أخرى، قد يُعزز تخفيف القيود التجارية أو تسريع تطوير وتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي آفاق النمو، وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

مرونة الاقتصادات
بدوره، يوضح الخبير الاقتصادي أنور القاسم لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن:

الزيادات في التعرفات الجمركية وعدم استقرار النظام التجاري الدولي يؤديان إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وخفض توقعاته، إضافةً إلى زيادة معدلات التضخم وتقويض مرونة الاقتصادات.
رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا حذرت من تزايد خطر حدوث ركود اقتصادي عالمي إذا استمرت حالة عدم اليقين الناجمة عن الحرب التجارية العالمية التي تقودها الولايات.
ويضيف أن ارتفاع الرسوم الجمركية يزيد من تكاليف الإنتاج، وهو ما ينعكس في صورة زيادة أسعار السلع والخدمات في الأسواق المحلية والدولية.

ويشدد على أن هذا التوجه الصادم يجعل من الصعب التنبؤ بمسار الاقتصاد المستقبلي، ويثبط الاستثمارات والأنشطة الاقتصادية، مما قد يقود إلى اضطرابات سياسية وتوترات تجارية أوسع نطاقاً.